مصطفى شفيع: السياسة التوسعية مستمرة بدعم استقرار سوق الصرف وتراجع التضخم
توقعات بخفض تراكمي لأسعار الفائدة بين 500 إلى 600 نقطة أساس خلال العام المقبل
يارا الجنايني _ توقع مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، أن يواصل البنك المركزي المصري تبنّي نهج سياسة نقدية توسعية خلال اجتماعه المرتقب في ختام الأسبوع الجاري، مرجحًا خفض أسعار الفائدة الأساسية في نطاق يتراوح بين 50 و100 نقطة أساس، في ضوء توافر حيز نقدي ملائم يسمح بالمزيد من التيسير دون الإخلال باستقرار الأسواق.
أوضح شفيع في تصريحات لجريدة “حابي” أن هذا التوجه يستند إلى مجموعة من المرتكزات، في مقدمتها التحول التدريجي في توجهات السياسة النقدية العالمية، لا سيما عقب خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، وهو ما يحدّ من فجوة العائد بين الأسواق المتقدمة والناشئة.

أضاف شفيع، أن المسار النزولي لمعدلات التضخم يمثل دعامة ثانية لهذا السيناريو، مشيرًا إلى أن التراجع الأخير في معدل التضخم السنوي العام إلى 12.3% في نوفمبر مقابل 12.5% في أكتوبر، رغم كونه محدودًا، يعكس مرحلة انتقالية تميل إلى الاستقرار والانحسار التدريجي، بما يعزز التوقعات باستمرار التباطؤ التضخمي خلال الفترات المقبلة، خاصة في ظل انحسار الضغوط السعرية المستوردة.

وأشار شفيع إلى أن استقرار سوق الصرف وتحسن توافر النقد الأجنبي يشكلان الركيزة الثالثة والحاسمة في معادلة الخفض، إذ يسهم هذا الاستقرار في كبح مخاطر تمرير تقلبات سعر الصرف إلى التضخم المحلي، ويعزز قدرة السياسة النقدية على التركيز على دعم النمو دون الإضرار بالاستقرار النقدي.
وعلى صعيد التوقعات قصيرة الأجل، يرى رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، أن إجمالي الخفض التراكمي لأسعار الفائدة خلال العام المقبل قد يتراوح بين 5 إلى 6 نقاط مئوية، معتبرًا أن هذا السيناريو يتماشى مع التوجه الإستراتيجي للدولة نحو تحفيز النشاط الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بقدر معقول من الاستقرار على المستويات العالمي والإقليمي والمحلي.
معدل الفائدة الحقيقية بين 6% و8% مستوى ملائم لاستقرار السوق
وفيما يتعلق بمستوى الفائدة الحقيقية المستهدف، أفاد شفيع، بأن الحفاظ على فائدة حقيقية في نطاق 6% إلى 8% يمثل مستوى توازنيًّا ملائمًا للاقتصاد المصري في المرحلة الحالية، إذ يحقق مزيجًا من جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلية، وفي الوقت ذاته يضمن استقرار الأسواق المالية والنقدية.
وبشأن تطورات الطلب على الائتمان، بيّن أن المؤشرات الحالية تعكس تحسنًا تدريجيًّا لكنه غير مكتمل، مؤكدًا أن خفض أسعار الفائدة يؤدي بطبيعته إلى تقليص تكلفة التمويل على الودائع والقروض، وهو ما يُترجم إلى زيادة نسبية في شهية الاقتراض والاستثمار.
وتابع رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، أن السياسة النقدية الميسرة خلال العام الجاري دعمت معدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي عبر تحفيز الإنفاق الاستثماري، وإن كانت مستويات الائتمان لا تزال دون المعدلات التي سبقت جائحة كورونا، حينما كانت أسعار الفائدة أقل وشهية المخاطرة أعلى.
القطاع العقاري والصناعات الثقيلة الأكثر استفادة من تراجع أعباء تكلفة التمويل
وفيما يخص القطاعات الاقتصادية الأكثر استفادة من خفض الفائدة خلال العام، أكد شفيع، أن القطاع العقاري يأتي في مقدمة المستفيدين نظرًا لاعتماده الكثيف على التمويل المصرفي طويل الأجل، يليه القطاع الصناعي، لاسيما الصناعات كثيفة رأس المال مثل الصناعات الثقيلة، والأسمدة، والبتروكيماويات.
شهادات الادخار لا تزال جاذبة رغم تراجع العائد عليها
وعن الأثر المتوقع لخفض الفائدة على سلوك المدخرين، لفت شفيع، إلى أن الأدوات الادخارية المصرفية لا تزال تتمتع بقدر جيد من الجاذبية، رغم التراجع النسبي في العائد، خاصة لدى الشرائح التي تفضّل الأدوات الآمنة والاستقرار وتتحفظ تجاه المخاطر، مثل أصحاب المعاشات وذوي الالتزامات المالية الثابتة.
ونوٌه رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، بأن تسوية ما يقرب من 2.5 تريليون جنيه من الشهادات الادخارية خلال شهر يناير تطرح تساؤلات حول إعادة توجيه هذه السيولة، حيث استبعد حدوث هجرة لهذه الأموال من الجهاز المصرفي.
ولفت شفيع، إلى أن الثقافة الادخارية المصرية لا تزال تميل بقوة إلى الأصول الملموسة، حيث يُنظر إلى الذهب كملاذ آمن في مواجهة عدم اليقين، بينما يُعد العقار أداة تقليدية لحفظ القيمة على المدى الطويل، مؤكدًا في الوقت ذاته أهمية تعميق الوعي المالي وتشجيع تنويع المحافظ الاستثمارية عبر أدوات مثل الأسهم، وأذون وسندات الخزانة، وصناديق الاستثمار.
وفيما يتعلق بتأثير خفض الفائدة على القطاع المصرفي، أكد شفيع أن البيئة النقدية الجديدة تفرض معادلة تبادلية دقيقة (Trade-off)، حيث يؤدي انخفاض الفائدة إلى تراجع العائد على الودائع، لكنه في المقابل يعزز حجم النشاط الائتماني، بما يحول تركيز البنوك من تعظيم العائد إلى تعظيم حجم الأعمال، وهو ما يُفترض أن يدعم الربحية التشغيلية على المدى المتوسط.
وأشار شفيع، إلى أن التوسع في الإقراض المنتج يمثل الأداة الأساسية أمام البنوك للحفاظ على مستويات ربحية مستقرة في بيئة فائدة منخفضة، إلى جانب تنويع مصادر الدخل عبر الاستثمار في أسواق المال والأدوات المالية المختلفة، بما في ذلك المشتقات المالية.
خفض الفائدة 100 نقطة أساس يُقلص خدمة الدين العام بنحو 60 مليار جنيه
وفيما يخص انعكاسات خفض الفائدة على خدمة الدين الحكومي، ذكر شفيع، أن كل خفض بمقدار 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة ينعكس بتراجع يُقدّر بنحو 60 مليار جنيه في تكلفة خدمة الدين، وفقًا لتقديرات وزارة المالية، ما يبرز الأثر الجوهري للسياسة النقدية على هيكل المصروفات العامة واستدامة المالية العامة.
استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية تتراوح بين 40 و43 مليار دولار
وشدد شفيع، على أن أدوات الدين الحكومية المحلية لا تزال تحتفظ بجاذبية مرتفعة للمستثمرين، مدعومة بعوائد اسمية مرتفعة وعائد حقيقي إيجابي يقترب من 7% إلى 8%، وهو ما يعزز من تنافسية مصر مقارنة بالأسواق الناشئة وحتى بعض الاقتصادات المتقدمة، لافتًا إلى أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، المقدّرة بنحو 40 إلى 43 مليار دولار، تظل عنصرًا محوريًّا لإثبات جاذبية أدوات الدين المحلية.











