خلال فعاليات مؤتمر حابي: جلسة تزرع التفاؤل وتضع يدها على توصيات جوهرية
أدارها شريف سامي وشارك بها 5 من قطاعات الاستثمار المباشر والتصدير والتمويل والصناعة
فريق حابي _ ألقت أولى جلسات المؤتمر السنوي السابع لجريدة حابي، والذي انعقد يوم الثلاثاء قبل الماضي تحت عنوان (تنافسية الاقتصاد المصري – العد التنازلي لأهداف 2030)، الضوء على بيئة ممارسة الأعمال، وقراءته للإجراءات الحكومية التي تستهدف تنشيط دور القطاع الخاص وإلغاء الامتيازات الممنوحة للشركات العامة، وناقشت المطالب التي من شأنها تعزيز ثقة الاستثمار الخاص.
الجلسة التي عقدت تحت عنوان “نظرة القطاع الخاص لبيئة ممارسة الأعمال في مصر”، زرعت مناقشاتها حالة من التفاول تجاه مناخ الاستثمار في 2026، وراهنت على التزام الحكومة بمبادئ الحياد التنافسي التي وردت في أكثر من وثيقة كان آخرها السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية. ولم تخلو الجلسة من حزمة واسعة من التوصيات المهمة التي من شأنها تذليل المزيد من الصعوبات التي تواجه الاستثمار الخاص سواء في خطواته التوسعية محليًا، أو في العالم الخارجي وعلى وجه التحديد قارة إفريقيا ومنطقة الخليج.

وأجمع المتحدثون على الأهمية الكبيرة التي تحظى بها القطاعات التصديرية، مؤكدين على ضرورة التركيز على تنمية الصادرات، وهو ما يتطلب تعزيز الإنتاج المحلي ومعدلات الإدخار، كما أشاروا إلى أهمية القطاع الزراعي بصفته البداية الأساسية لعمل وتنمية مختلف القطاعات، وكذلك الصناعات التحويلية.

كما ناقشت الجلسة مدى إتاحة الدولة المجال أمام القطاع الخاص للعمل، ورؤيته لمصير المزايا الممنوحة لشركات الدولة، وحدود استمراريتها، وكذلك تطرقت الجلسة إلى أدوات تنويع ورفع تنافسية الاقتصاد المصري داخليًّا وخارجيًّا.
وأشارت أولى جلسات المؤتمر إلى أن تحويلات العاملين بالخارج تحتل المركز الأول بين مصادر العملة الأجنبية في مصر، منوهة إلى سعي البنوك لزيادة الخدمات المقدمة لتلك الشريحة الهامة، بهدف تعظيم الاستفادة منها، وأكدت ضرورة الرهان على التعليم.
وشهدت الجلسة الكثير من التصريحات المهمة فيما يتعلق باستمرار دورة التيسير النقدي خلال العام المقبل، منها توقع انخفاض أسعار الفائدة على الجنيه بين 3% و5% خلال 2026، الأمر الذي من شأنه المساهمة في زيادة شهية الاستثمار المحلي.
شارك في الجلسة الأولى كل من أيمن سليمان مؤسس والشريك التنفيذي لشركة مورفو للاستثمارات – الرئيس التنفيذي السابق لصندوق مصر السيادي، ومحمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين “اكسبولينك”، والمهندس باسل شعيرة المدير العام لشركة بولاريس باركس ورئيس شعبة التطوير الصناعي باتحاد الصناعات المصرية، وعلاء سبع الشريك المؤسس لشركة بي بي إي بارتنرز، ويحيى أبو الفتوح نائب رئيس البنك الأهلي المصري، وأدارها شريف سامي رئيس الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار ورئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق.. وإلى تفاصيل الجلسة..

شريف سامي: صباح الخير عليكم جميعًا.. السادة الوزراء ورؤساء الهيئات والنافذين، نود التحدث اليوم بصحبة ضيوفنا عن ما هو مُفيد،.. يسعدني بالإنابة عن زملائي، المشاركة في فعاليات مؤتمر جريدة حابي، الذي يتميز بكفاءة التنظيم، سنحاول الخروج من هذه الجلسة بأمور مفيدة، بعيدًا عن التصريحات المنمقة، ذلك فضلًا عن الوصول إلى توصيات نأمل أن نراها على أرض الواقع.
السادة المتحدثون يمثلون جوانب متنوعة من العمل الاقتصادي، ولكن هناك قواسم مشتركة عديدة، فنحن نتحدث في النهاية عن تنافسية مصر اقتصاديًّا، وما نتوقعه من تحقيق قفزات اقتصادية مختلفة، علما بأن كل فرد من الموجودين لديه ارتباط أو تعامل مع الخارج، كتمويل أو تعامل أو تصدير، وبالتأكيد، لديه اسم وتواجد قوي في السوق المحلية.
الأستاذ أيمن سليمان نرحب بحضرتك.. “مورفو” تعد بمثابة شركة استثمار مباشر، وبالطبع أعرف الأستاذ أيمن سليمان في أدوار كثيرة تتعلق بالاستثمار سواء استثمارات الدولة أو القطاع الخاص، كما نرحب بالأستاذ محمد قاسم.. ملف التصدير يتسم بكونه حديث الساعة وكل ساعة، ومن المؤكد سيكون سنتطرق لهذا القطاع بصورة كبيرة.
الأستاذ باسل شعيرة من شركة بولاريس باركس للمناطق الصناعية، وهو النشاط الذي يركض الجميع وراءه، بحثًا عن الأراضي المرفقة، لذا سننصت إليه جيدًا، والأستاذ علاء سبع، والذي بخلاف أدواره المتعددة في سوق المال، فهو حاليًا يعمل في مجال Private equity، حيث إنه الشريك المؤسس لشركة BPE Partners، وأود أن أقول إن مكتبه الحالي في ممر سينما راديو بمنطقة وسط البلد يعجبني بصورة كبيرة، لأنه أعاد إحياء المكان، الذي أصبح مستقطبًا بعدما فقدناه منذ عشرات السنين، فمنطقة وسط البلد تشهد عملًا قويًّا.
والأستاذ يحيى أبو الفتوح يقوم بتمويلنا جميعًا، ولا أنسى أنه فضلًا عن كون البنك الأهلي المصري يتسم بأنه أقدم وأكبر بنك، إلا أنه مستثمر مباشر كبير في العديد من المشروعات من خلال “الأهلي كابيتال”، كما توجد استثمارات مباشرة في الخارج من خلال “الأهلي كابيتال”، مما يجعلهم كما يُقال، يضعون أصابعهم على نبض الاستثمار.
كان ذلك بمثابة تقديم سريع للمتحدثين.. سنحاول أن نتناول موضوعات مختلفة على مدار الجلسة، ثم ننتقل إلى جولات أخرى، حتى نرى ما إذا كان هناك تباين أو توافق في الآراء.
شريف سامي: الهدف لم يعد انطلاق الاقتصاد المصري وإنما تسريع وتيرة هذا الانطلاق
بعد الإنصات إلى المداخلات الرسمية للسادة الوزراء، وقراءة التصريحات، نجد أن هناك مبادرات جيدة في الضرائب، إلى جانب وجود برامج دعم سواء للصناعة أو السياحة أو غيرهم، ولكننا نعود إلى رغباتنا تجاه مصر، فلن نتحدث عن فكرة الانطلاق، بل تسريع وتيرة هذا الانطلاق.
قد يكون من الصعب استهداف كل القطاعات الاقتصادية في الوقت ذاته
قد نتفق أو نختلف على أنه من غير الممكن أن نقوم بإحراز أهداف في كل القطاعات الاقتصادية في الوقت ذاته، ونحن نرى دول مجاورة تختار قطاعات معينة حتى تنطلق بها، وتحاول أن تدعمها.. لذا السؤال الذي أود أن أطرحه على المنصة هو.. هل يتفق أو يُجمع القطاع الخاص على القطاعات الواعدة التي يجب التركيز عليها؟
التعليم ليس حلًّا فقط للتصدير وإنما لتعويض العمالة المهاجرة ورفع التنافسية
والشق الثاني.. هل ترون أن الدولة مقتنعة بنظرة القطاع الخاص وهناك وحدة في المفاهيم والرؤية.. أي هل الدولة بأجهزتها وبرامج الدعم التي تضعها، تتفق مع القطاع الخاص في أولوياته الاستثمارية، أم لا يزال هناك حاجة إلى الجلوس للتوافق على 4 أو 5 قطاعات حتى يتم الانطلاق بهم؟
سنبدأ من الأستاذ أيمن سليمان، وصولًا إلى الأستاذ يحيى أبو الفتوح.

أيمن سليمان: صباح الخير.. شكرًا للأستاذ شريف سامي، وشكرًا لجريدة حابي على الاستضافة الكريمة، في تصوري، التصدير يأتي في مقدمة هذه القطاعات، فهو العامل المشترك بينها.
نحن الآن بصدد الدخول في فترة قد تكون انفتاحًا جديدًا
أما بالنسبة بماهية القطاعات التي نحظى بتنافسية مستدامة بها، أو حتى تنافسية وقتية، ظهرت في أعقاب التعويم وإعادة تسعير سعر الصرف، مثل الصناعات كثيفة العمالة التي أصبحت جاذبة للاستثمار بصورة كبيرة، كما أنها تحظى بميزة تنافسية -هبطت عليها من السماء-، ونحن نعلم أن تلك الميزة قد تتآكل بمرور الوقت، ويجب التحرك عليها اليوم، لذا أتخيل أن الصناعات كثيفة العمالة تعد أحد القطاعات التي من البديهي أن نتفق عليها.
أعتقد أن سد تنزانيا لم يكن يتم تنفيذه وتحصيل قيمته دون وجود دعم وغطاء من الدولة
إذا نظرنا إلى المناطق الصناعية، سنجد أن الأراضي الصناعية تنطلق وتُباع، كالكعكات الساخنة كما يُقال، لأن قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والصناعات الكيماوية، والصناعات التحويلية التي تتسم بمستوى عالي من الجودة النهائية، أو العمالة اليدوية الماهرة، أصبحت جاذبة للاستثمارات.
هناك قطاعات غير تقليدية يمكن تصديرها كالمحتوى الدرامي والفني
ووفقًا لقناعتي الشخصية، أرى أن بداية جميع سلاسل القيمة تبدأ من الزراعة وتنتهي بأي أمر آخر، وهو ما يعد جزءًا أصيلًا من القطاعات، هذه هي الرؤية الحالية، إذا كنت تسألني عن القطاعات الساخنة التي يتفق الجميع على الاستثمار بها على مدار الـ 48 شهرًا القادمة، فتلك القطاعات هي التي نرى بها الشركات، حتى وإن كانوا سينكرون هذا النجاح، خوفًا من المنافسة، أو تخوفًا من أي تداخل.
ضرورة التزام الدولة بالانضباط الاستثماري والانحياز للقطاع الخاص بعد انتهاء برنامج الصندوق
شريف سامي: تقصد أن تلقى استحسانًا في أعين الآخرين.
أيمن سليمان: بالضبط، وفي تصوري، تلك القطاعات هي التي تنمو بمعدل يتراوح بين 30% و50% عامًا تلو الآخر.
إحلال الواردات مقولة طيبة لكن ليس من الضروري أن تحقق أهدافها
وأتخيل أن يشهد العام القادم قدرًا أعلى من القدرة على التنبؤ بعناصر السوق، والمؤشرات الاقتصادية بشكل عام، مما يؤهل لاتخاذ قرارات اقتصادية أجرأ، مقارنة بالفترة السابقة، كما أرى أن الفترة الحالية تشهد انتعاش في الاستثمار المباشر في هذه القطاعات. وإذا كنا متفقين على أن هذه القطاعات هي التي تحصل على الدعم، فلن يكون هناك أي تحركات ضدها من شأنها تدمير قيمتها.
شريف سامي: شكرًا.. الأستاذ محمد قاسم، بصفتك متخصص في مجال التصدير سواء بمفهومه الواسع، أو من نظرتك للقطاعات الفرعية والصناعات. هناك مقولة تدور حول إحلال الصناعات الوطنية محل الواردات، أحيانًا يكون من المقصود بهذه المقولة أمرًا طيبًا، ولكن النتيجة ليس من الضروري أن تحقق الهدف المرجو منها، لذا أود توجيه سؤال رفيع المستوى في هذه النقطة، والتي أرجو من حضرتك تناولها بالتحليل.. شكرًا.

محمد قاسم: شكرًا للأستاذ شريف سامي.. وبالتأكيد، أتوجه بالشكر إلى الأصدقاء في جريدة حابي على الدعوة، كما أنني سعيد بمشاركتي في تلك الجلسة المتميزة التي تضم أصدقاء أعزاء.
فرصة ذهبية لمصر والدول القريبة من أسواق الاستهلاك لتكون بمثابة مراكز تصديرية
الملف الخاص بالتصدير، أرى أن التركيز عليه يعد أمرًا هامًّا، ولكن أيضًا أود أن أقول عبارتين، قبل أن أتطرق إلى التصدير وإحلال الواردات، فنحن لا نعمل في بيئة محلية فقط على مستوى التصدير، بل نعمل في بيئة دولية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن البيئة الدولية تشهد تغييرات عنيفة جدا، بدأت منذ فترة، فهناك من يُرجعون ما يحدث إلى الحرب التجارية التي أطلقها ترامب، لكن القوى المحركة لإعادة هيكلة سلاسل الإنتاج العالمية موجودة من قبل ترامب، وستظل موجودة بعده، ففي الحقيقة، هو مُسرع، ومُغير، ولكنه لم يخلق الديناميكيات الخاصة بإعادة هيكلة سلاسل الإنتاج.
سلاسل الإنتاج على مدار 30 أو 40 عامًا كانت قائمة على الاستعانة بالتعهيد الخارجي Offshoring، لكنها أصبحت طويلة أكثر من اللازم، وقدرتها على البقاء أضحت ضعيفة، وقد تم تحديها بجائحة كورونا من جانب، وحرب روسيا وأوكرانيا من جانب آخر، فتبين للعالم أن سلاسل الإنتاج الموجودة ليست مرنة بشكل كافي، وبالتالي تحول المنطق العالمي من الاستعانة بالتعهيد الخارجي Offshoring، إلى الاستعانة بمصادر قريبة Nearshoring، مما خلق فرصة ذهبية لمصر والدول المثيلة لها، التي تتسم بالقرب من أسواق الاستهلاك، لتكون بمثابة مركز لعمليات التصدير، لذا حدث حاليا تحول من آسيا إلى إفريقيا، وربما إلى أمريكا الجنوبية.
جمعية المصدرين عدلت مفهوم عملها من «تنمية الصادرات» إلى «تشجيع الاستثمار من أجل التصدير»
لقد شهدنا على مدار القرن الماضي، التحول الذي حدث للصناعة، والتي بدأت في أوروبا والولايات المتحدة، وانتقلت إلى آسيا، وحاليًا حان الدور لانتقالها مرة أخرى إلى قارات غير نامية بشكل كافٍ، وليس أمام الاستثمار الصناعي سوى إفريقيا وأمريكا الجنوبية، علمًا بأن مصر تحظى بموقع متميز يضعها على الأولوية في هذا التحول.
لذا نحن نرى أمرين في ذات الوقت، يتمثلان في وجود طلب عنيف جدًّا على الاستثمار في مصر، إضافة إلى وجود طلب على التصدير من مصر، وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذكره الأستاذ شريف سامي في البداية، وهو ما إذا كان هناك قطاعات بعينها يجب التركيز عليها؟
مدرستان في الفكر الاقتصادي العالمي إما أن تختار الدولة الشركات الأقوى وتدعمها.. وإما أن تفرزها السوق
في الحقيقة، لقد شهدنا مدرستين في الفكر الاقتصادي العالمي، الأولى تقول إن الدولة منوطة باختيار أبطالها، بأن تقوم باختيار الشركات العملاقة في القطاعات التي ترغب في مساعدتها، ويكونوا هؤلاء بمثابة الفرس الرابح في السباق، في حين توجد نظرية أخرى تقول إن هذه القطاعات ستظهر نتيجة قوى السوق والطلب، فعندما يكون لديك طلب على سلعة ما، سيظهر المنتجون لهذه السلعة، وبالتالي يجب على الدولة أن تلتفت إلى تلك القوى المحركة الجديدة.
الصناعات كثيفة العمالة أصبحت جاذبة للاستثمار بصورة كبيرة مع استقرار سعر الصرف
وفي الوقت ذاته، هناك أمر يطلق عليه التخصص وتقسيم العمل، والذي يتم على أساس الميزة التنافسية، علما بأن كل دولة لديها مزايا تنافسية ومزايا نسبية، والاثنان يتسمان بأهميتهما الكبيرة، ونحن نمتلك المزايا النسبية التي منحها الله لنا، والتي تتمثل في الموقع والمناخ وحجم العمالة، فكل هذه الأمور موجودة لدينا بطبيعتها، ودون أن نتدخل، ولكن هناك مزايا تنافسية تصنعها الدولة، وأجهزتها، من خلال بحث سبل تحسين بيئة الأعمال، وتيسيرها، وكيفية تقليل فترات الإفراج الجمركي، وتسهيل الشق الخاص بالضرائب، كما قال السادة الوزراء في بداية أعمال المؤتمر، حتى نعيش حياة لا نحتاج بها إلى مواجهة وحل مشكلات يومية، سواء كمُصدرين أو منتجين.
لم نعد نستيقط على مفاجآت حكومية ولغة الحوار أصبحت واضحة مع الكثير من الوزارات
في الحقيقة، هناك عبارة أكررها باستمرار، أننا كنا نستيقظ يوميًا، فنجد الدولة ربطت في أقدامنا كيس رمل جديدًا، ومطلوب أن نركض بكل أكياس الرمل المعلقة في القدمين، لكن ما نلاحظه مؤخرا، هو أن كل ذلك بدأ في التغير، فأصبح هناك حوار مع وزارة المالية، وحوار مع وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، وتوجد نوايا حسنة بدأنا في رؤيتها بشكل واضح، لذا نتعشم أن يؤدي ما يُتخذ حاليًا من إجراءات إلى التحسن.
الأراضي الصناعية تنطلق وتُباع كالكعكات الساخنة وارتفعت جاذبيتها للاستثمارات الكبيرة
أما بالنسبة للقطاعات التي سيكون لها فرص أكبر، والقطاعات التي نحظى فيها بمزايا تنافسية، ومزايا نسبية، فكما قال الصديق العزيز أيمن سليمان، كل شيء يبدأ بالزراعة، لذا فإن الصناعات التحويلية التي تقوم على خامات محلية، هي الصناعات التي سيكون لها دور أساسي في التصدير، وهو ما سترونه بشكل واضح، إذا تم القيام بمراجعة أرقام الصادرات، حيث سنجد أن الصناعات التحويلية هي من تحظى بالسبق في هذا المجال، ونكتفي بهذا القدر.
شريف سامي: شكرًا، ستكون لدينا جولة قادمة سنتحدث خلالها عن المعوقات، وما نحتاجه من تيسيرات. مهندس باسل شعيرة.. بصفتك تقوم باستضافة واستقطاب جميع المستثمرين، هل “بولاريس” مطور صناعي فقط أم صناعي ولوجستي أيضًا؟

م. باسل شعيرة: صناعي ولوجستي.
شريف سامي: لأنني أشعر أنه دائمًا هناك أزمة في أماكن التخزين والنقل، ولكن لا نود الابتعاد عن السؤال الأصلي، فنحن نركز حاليًا على ما إذا كان هناك اتفاق بين الدولة والقطاع الخاص على القطاعات الواعدة.. ومن ثم سنقوم بالانتقال إلى المزيد من التفاصيل.
الاقتصاد المصري واعد بصورة كبيرة ومجتمع الأعمال يشعر بتحسن مناخ الاستثمار
م. باسل شعيرة: أشكر حضرتك أستاذ شريف سامي.. كما أتوجه بالشكر إلى الأصدقاء في جريدة حابي، وفي الحقيقة دائما ما يكون المؤتمر الخاص بهم ناجح.
كما ذكر الأستاذ أيمن سليمان، والأستاذ محمد قاسم، ستجد أن هناك أسباب طبيعية تحدث لتحديد القطاعات الواعدة، وهناك أسباب ذات صلة بتدخل الدولة أو الترمومتر الخاص بالدولة، أو “المحابس” كما يُقال.
فكرة إحلال الواردات تم استخدامها في مطلع الستينيات وثبت فشلها لأنها لم تبنَ على المزايا النسبية والتنافسية
لا يمكنني القول، أن أحدهم أكثر أهمية من الآخر، لكن ما أستطيع قوله إنه في البداية والنهاية، القطاع الخاص يستهدف أرباح، وستجد إن القطاع الخاص موجود ويعمل في أعلى المجالات ربحية، وإذا حاولت أن تدفعه إلى مجال آخر بربحية أقل، لن يكون هذا مُجديًا.
القطاع الخاص موجود ويعمل في أعلى المجالات ربحية
أما عن القطاعات التي يمكن تحقيق أعلى ربحية بها، أو أعلى عائد على الاستثمار، فهذه هي القطاعات الأساسية التي يستهدفها، علمًا بأن جزءًا منها ربما يتأثر ويتحفز لأسباب غير أصيلة، كتحرير سعر الصرف، والذي قد يمنح بعض القطاعات ميزة تفضيلية، في حين أنه هناك جزء آخر يأتي عن طريق الرغبة في دعم صناعات محددة، من خلال البدء في تقليل الجمارك على المواد الخام الخاصة بها، والمساعدة فيما يتعلق بالماكينات المستخدمة، إضافة إلى العمل على إتاحة أسواق أكبر لها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجزأين يسيران بالتوازي بشكل كبير.
التقلبات العالمية الحالية تعيد هيكلة الاستثمار الصناعي
في ضوء التقلبات العالمية الموجودة حاليا، يُعاد هيكلة الاستثمار الصناعي على مستوى العالم، وكما ذكر الأستاذ محمد قاسم، نحن لا نتحدث عن مستوى محلي، بل على مستوى عالمي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الميزة الحقيقية في مصر تتمثل في كوننا انتهينا من كل الأمور، فالمستثمر يأتي ومعه قائمة للفحص والتدقيق، نظرًا لرغبته في الاطمئنان فقط، تشمل هذه القائمة الاستقرارين السياسي والاقتصادي، وشبكات النقل، وتوفر المرافق، وكذلك توافر العمالة.
الميزة الحقيقية في مصر هي الانتهاء من خطوات الاستعداد الكافي لجذب الاستثمار
أعتقد أننا قد انتهينا من معظم هذه المتطلبات بشكل كبير، والانتهاء من الأجزاء الأصعب من تلك القائمة، وهي الإجراءات التي تتطلب وقتًا وتكاليف كبيرة، سواء فيما يتعلق بالمرافق أو الطرق، وغيرهم، علمًا بأن الجزء الذي ينقصنا نوعًا ما، أو نحتاج إلى العمل عليه بصورة أكبر، هو الحافز اللوجستي أو الإداري، أكثر من أية جوانب كبيرة أخرى، مثل وجود حاجة إلى سرعة اتخاذ القرار، فضلًا عن الاحتياج إلى أن يتم التعامل مع المستثمر كعميل من جانب الموظفين في أي جهة، حتى وإن كان موظفًا صغيرًا، فهذا الفكر يجب أن يكون هو المسيطر نوعًا ما، لأنه يعد بمثابة عميل للجهة الحكومية.
الجزء الذي ينقصنا نوعًا ما هي الحوافز اللوجستية أو الإدارية وفي مقدمتها سرعة القرار
ولكن بشكل عام، الوضع يتسم بكونه واعدًا بصورة كبيرة، كما أن هناك موجة أو توجهًا جيدًا نحو مصر خلال هذه الفترة، وهو ما يشعر به كل الموجودين في مجتمع الأعمال، وأنوه إلى كوننا في حاجة إلى استقطاب أكبر جزء من الموجة القادمة.
شريف سامي: سنناقش ما هو مطلوب في الدورة الثانية.
م. باسل شعيرة: بالطبع.
شريف سامي: شكرًا لحضرتك. ننتقل إلى أستاذ علاء سبع.. قد تكون الإضافة المتوقعة منكم -بعيدًا عن الإجابة على السؤال ذاته بالطبع- أنه هناك قطاعات غير تقليدية موجودة لدينا، كالمحتوى الدرامي والفني الذي نرى أن المغرب وغيره يقومون به، وهو ما يعد تصديرًا، كما أنه تطوير للأعمال، إضافة إلى مراكز البيانات. أعتقد أنكم مستثمرون كبار في مجالات مالية غير مصرفية، وأيضًا في مجال التجزئة، هذه المجالات تعملون بها في بلد تضم 120 مليون مواطن، من الممكن أن يتم تزويدهم بخدمات غير تقليدية.

«سبحان مُغير الأحوال» فقبل نحو عام ونصف لم نكن بهذا القدر من التفاؤل
علاء سبع: في الحقيقة، أود أن أبدأ بأن أقول سبحان مُغير الأحوال، إذا عُقد هذا اللقاء منذ عام ونصف، أو عامين، كنت ستجد أن الحالة مزاجية مختلفة تمامًا، لذا أود الرجوع خطوة إلى الوراء لنرى ماذا وراء تغيير الأوضاع، وهنا تجدر الإشارة إلى وجود عدد من الإجراءات التي أسفرت عن تغيير الوضع، وهي تحرير سعر الصرف، وانخفاض معدل التضخم.
هناك حالة من التفاؤل الجديد نشهدها، علمًا بأن جزء منها ناتج عن الاستثمارات الكبيرة الواردة إلى الدولة، والتي أدت إلى انفراجة، لذا نود التأكد من الاستمرار على هذا المسار، وألا نرى الدائرة تعود مرة أخرى إلى ما كنا عليه منذ فترة.
الاستثمارات الكبيرة التي جذبتها الدولة ساهمت في الانفراجة.. ونتمنى عدم العودة لما كنا عليه
خلال الفترة الماضية، بعض الشركات التي نستثمر بها، بدأت في الخروج إلى المناطق المحيطة، وفي الحقيقة أنها كلما خرجت إلى دول أخرى، كلما قدرت ما تحتويه مصر من فرص، وأن مصر يمكن التوسع بها والقيام بالكثير.
نحن نرى أن هناك فرص كبيرة للغاية اليوم في مجال التجزئة، أود الابتعاد نوعًا ما عن الشق الخاص بالتصدير.
شريف سامي: القطاعات التقليدية.
علاء سبع: الذي تحدث عنه زملائي، حيث إنه اليوم في مجال التجزئة، سواء كنا نتحدث عن التجزئة في قطاع الأغذية، أو التجزئة في الملابس، أو التجزئة في القطاعات المختلفة، سنجد أن السوق المصرية لا يزال أمامها مجال واسع للنمو.
القطاع الزراعي أيضًا لا يزال يتضمن على فرص هائلة، كما يشمل منتجات لم تكن تُزرع في مصر، على الرغم من كون المناخ في مصر مناسب لها، فبدأ يظهر ما يتعلق بالتوريد القريب، حيث أصبح لدينا منتجات أقرب للأسواق من منتجين أخرين.
تحويلات المصريين بالخارج تحظى بميزة هامة للغاية تتلخص في عدم وجود مكون أجنبي
الشق الثاني، هو أن تحويلات العاملين بالخارج تحتل المركز الأول بين مصادر الدولار أو العملة في مصر، فهي أكبر وبمسافة من القطاعات الأخرى كافة، لذا أرى أنه يوجد لدينا وزارة للصناعة، ووزارة للتجارة، ووزارة للزراعة، وهكذا، ولكن لا يوجد من يركز على أكبر مصدر للعملة الصعبة لدينا، علما بأنها تعد صناعة هامة للغاية، كما أنها ذات صلة بالتعليم، والكفاءة، فلا يقتصر الأمر على التعليم العادي، ومن وجهة نظري، هي تحتاج إلى نظرة من الدولة.
الاستثمار في التعليم عنصر مهم في تعزيز الصادرات بأكثر من وجه
وأرى أن الاستثمار في التعليم خلال الوقت الحالي يتسم بكونه مُتماشيًا مع التجزئة، كما يتماشى أيضًا مع التصدير، حيث يتم تصدير خدمة، علمًا بأنها تعد أكثر مجال نجحنا به، على الرغم من عدم وجود تنظيم له بالقدر الكافي.
شريف سامي: أود أن أضيف أمرًا هامًّا على ما ذكرته حضرتك، أنه ليس فقط تصدير عمالة وخبرات، بل توجد أيضًا مشكلة استعاضة، حيث إن من يتابع سيجد أن عددًا كبيرًا للغاية في بعض المهن، مثل الطب وهندسة نظم المعلومات، قاموا بالهجرة إلى خارج مصر، نظرًا لوجود طلب كبير عليهم، لذا فإن تعويضهم داخليًّا يعد أمرًا هامًّا، كما أن تقديم المنح كما تفعل الدول الأخرى مثل جنوب إفريقيا والهند، بهدف إعدادهم، لأنه على سبيل المثال توجد فجوة متمثلة في وجود مليون ممرض وممرضة في أمريكا، كما توجد فجوات أخرى في أوروبا.
لذا أدعم الفكرة الخاصة بأن التعليم قد يكون مصدر تصدير، كما قد يكون مصدر أيضًا لزيادة التنافسية.
علاء سبع: من لن يسافر سيبقى..
شريف سامي: أستاذ يحيى أبو الفتوح.. تفضل، وبمناسبة الحديث عن التعليم، أنا أعلم أن البنك الأهلي المصري يُشارك في مشروعات تعليمية وجامعات تكنولوجية ومدارس، وغيرهم، ولكننا سنعود إلى سؤالنا، استنادًا على كون محفظة البنك الأهلي المصري، كاشفة على جميع القطاعات، هل تشعر أن هناك وحدة فكر حول القطاعات ذات الأولوية؟ وهل ترى كبنك أن القرارات الائتمانية مرتبطة أيضًا بهذه القطاعات؟ بالطبع هناك مبادرات خارج البنك، أم ترون أنه من يأتي مُرحب به، ولكن يجب عليكم الاتفاق على الأولويات الخاصة بكم ثم تأتون إلينا؟

نلمس طلبات توسع في قطاعات مختلفة منها الصناعات التحويلية والأغذية والاستخراجات والخدمات أيضًا
يحيى أبو الفتوح: بسم الله الرحمن الرحيم، سأتحدث إليك بأمانة عما نراه على أرض الواقع، حجم الطلب الذي نشهده خلال هذه الفترة، يأتي من المجالات كافة.. نحن ليس لدينا أولوية لقطاع دون الآخر، فالبنك الأهلي المصري يعمل في مصر بشكل أساسي، فبالتالي هي بلدنا، لذا لا بد أن نغطي جميع القطاعات بها، فنحن نعمل على أي فرصة موجودة في أي قطاع نراه، وهو أمر يعتمد على العميل ذاته.
لكن ما نراه، هو أنه لا يوجد عميل لم يتقدم إلينا حاليًا بطلب لإقامة خط إنتاج ثانٍ، أو يرغب في أرض حتى يقوم بالتوسع، أو يقوم بالتوسع في الأرض التي كان قد قام بشرائها منذ فترة، وذلك في كل المجالات، كالصناعات التحويلية، والصناعات الهندسية، وصناعات الأغذية ومستخرجاته، وأيضًا صناعة الخدمات، الحمد لله نحن نرى طلبات للتوسع في كل القطاعات.
القدرات التي تعززت لدى شركات المقاولات المصرية محليًّا قادتها لفرص كبيرة في الخليج وإفريقيا
توجد ميزة كبيرة أيضًا نشهدها وهي أن القدرات التي تعززت لدى شركات المقاولات عبر الأعمال التي قامت بها محليًّا خلال السنوات الماضية، منحتها فرصة أكبر للتوجه إلى الخارج، وأصبح لديها فرصة، ليس فقط في السعودية والإمارات والعراق وليبيا، ولكن أيضًا في الدول الإفريقية التي تشهد طلبًا كبيرًا على منتج المقاولات المصري، لأنه -حمدًا لله- السنوات الماضية منحتهم تعزيز للقدرات والكفاءات وأيضًا على مستوى المعدات التي تم تكوينها، والخبرات التي تم بلوغها، وكذلك على صعيد طبيعة المشروعات، حيث أصبحنا نقوم بعمل أبراج، وأنفاق، وخطوط سكة حديد.
شريف سامي: وسد في تنزانيا.
يحيى أبو الفتوح: وسد في تنزانيا بالطبع ساهمت به شركة قطاع عام وشركة قطاع خاص بشكل قوي، فأصبح لديهم الخبرة والمعرفة الذي يمكنهم تقديمهم في الخارج.
تحويلات العاملين بالخارج المصدر الأول للنقد الأجنبي وتحتاج إلى اهتمام أكبر
وأود أن أضيف أمرًا على النقطة المتعلقة بتحويلات المصريين بالخارج أنها تحظى بميزة هامة للغاية، حيث إن أي عملية تصدير نقوم خلالها بتصدير منتج بنسبة 100%، يكون 70% منه مكون يتم استيراده تقريبًا، ولكن ميزة التحويلات أنها تتسم بكونها قيمة صافية، لذا فهي تُفيد بشكل قوي في هذا المجال.
من المتوقع تراجع أسعار الفائدة بنسب تتراوح بين 3% و5% خلال العام القادم
ولكن على مستوى العمل في البنك، أرى أن هناك توسعًا كبيرًا، كما ارتفع حجم الطلب على الائتمان، وبالطبع، كلما استقرت الأسواق بصورة أكبر، بالتزامن مع انخفاض سعر الفائدة بشكل ملحوظ، حيث شهدت تراجع بنسبة 6.5% أو 6.25% في العام الجاري، ومن المتوقع الاستمرار في الانخفاض بنسب تتراوح بين 3% و5% خلال العام القادم، حتى تعود النسب إلى المعدلات الطبيعية، التي يمكن معها المنافسة والعمل في العام القادم إن شاء الله.
شريف سامي: فيما يتعلق بالمورد المتمثل في تحويلات المصريين، أعتقد أنه عندما يُصدر البنك المركزي المصري أو يطور الشق الخاص بـ”أعرف عميلك” وتأهيله ليُقدم عن بعد، سنتمكن من بيع خدمات مالية إلى هؤلاء المصريين بصورة أكبر من التحويل، من خلال وثيقة تأمين أو الحصول على منزل من خلال التمويل العقاري، أو الدخول في صندوق استثمار، وهو ما أعتقد أنه أمر أكثر جدوى من مجرد الاكتفاء بعملية التحويل.
يحيى أبو الفتوح: هذه حقيقة بالفعل، وهناك توجيه بالتنسيق مع محافظ البنك المركزي المصري أن نعمل أيضًا بشكل استرشادي على إدارة الثروات، حيث يتم إدخال إدارة الثروات في مصر، فقد كنا نهتم بصورة أكبر على المصريين الموجودين في الداخل، وحجم الشهادات وغيرها، ونحن حاليًا نود البدء في التوجه إلى الخارج لاستقطاب المزيد، من خلال تقديم منتجات، وأعتقد أن الفترة القادمة ستشهد العمل على منتجات مختلفة بشكل جديد إن شاء الله.
شريف سامي: من يعملون في الخليج يرون منتجات كثيرة للمغتربين من الهند وباكستان في دول الخليج، والمغتربين من المغرب في أوروبا، لذا أعتقد أننا في حاجة إلى معرفة أن استثمار الدولار سيجتذب العشرات، في جوانب دائمة لدينا، وكذلك في التمويل والسندات والصناديق بأنواعها، لذلك أظن أنه من المسارات الإستراتيجية الخاصة بنا.
يحيى أبو الفتوح: بالضبط، وبالتأكيد بنوك الاستثمار من شأنها مساعدتنا بشكل كبير في نوع الخدمات، نظرًا لما لديهم من منتجات مبتكرة في هذا الإطار، الأمر الذي يساعدنا على التسويق لعملاء البنوك سواء في الداخل أو الخارج.
شريف سامي: هذه فرصة حتى نقوم بإخبار الحضور بشأن الاتفاق الذي تم توقيعه مع وزارة الخارجية مؤخرًا، حتى تقوم السفارات والقنصليات بتيسير فتح الحسابات.
اتفاق مع وزارة الخارجية لتيسير فتح الحسابات والتحديثات عبر نحو 16 قنصلية وسفارة خارج مصر
يحيي أبو الفتوح: فتح الحسابات والتحديثات، فنحن سنبدأ بفتح الحسابات في نحو 16 قنصلية وسفارة خارج مصر، وذلك بالتعاون بين البنك الأهلي المصري وبنك مصر، وبالاتفاق مع وزارة الخارجية.
شريف سامي: هل اعتاد المصريون على ذلك، أم لا يزالون يهابون التوجه إلى القنصلية بهدف فتح حساب؟
يحيى أبو الفتوح: لا، إن شاء الله، فقد بدأوا في التوجه، ونحن نرى ذلك، ولا يزال هناك احتياج، لأنهم أيضًا.. لنكن واقعيين، هو يقوم بفتح فرصة هنا، نظرًا لوجود فرص هنا، غير موجودة في الخارج.
شريف سامي: صحيح.
يحيى أبو الفتوح: عندما كنت تجد شهادة بعائد 27% و30% خلال الفترة الماضية، وحتى على مستوى الدولار، عندما كان يحصل على عائد للشهادة الدولارية 9% و7%، في الوقت الذي كنا نمنح تلك المعدلات.
شريف سامي: أعلى بكثير من الخارج.
يحيى أبو الفتوح: هذه المنتجات لم تكن موجودة في الخارج، وبالتالي فإن فرصته في القدوم، خاصة في ظل وجود ما نحظى به من قطاع مصرفي قوي، وبنك مركزي قوي، الأمر الذي من شأنه التأكيد على الثقة في هذا الإطار.
شريف سامي: شكرًا، أستاذ أيمن سليمان.. نود العودة في إطار التنافسية، لنتحدث عن تدخل الدولة، فأحيانًا نجد أن هناك تدخل من الدولة، ونقول دعونا وشأننا حتى نعمل، وأحيانًا نقول أين دور الدولة في دعم وتعزيز بعض الجوانب أو أنها تحصل على المخاطرة الأولى في قطاع معين لفتح المسار فيما بعد أمام القطاع الخاص؟
بُحكم عملك في جهات مختلفة من القطاعين الحكومي والخاص، كما يُقال، ما الجوانب التي يحتاج القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة إلى تدخل الدولة بها؟ وما الأمور التي لا يحتاجها بها؟ متى نحتاج الدولة للتدخل حتى نتمكن من تحقيق التنافسية التي نستهدفها؟ ومتى يكون هذا التدخل زائد عن الحد ويجب إفساح المجال إلى القطاع الخاص حتى يتمكن من العمل؟
أيمن سليمان: هناك تعليق كنت مترددًا في قوله، ولكنني سأقوله الآن والرزق على الله، الدور الذي يلعبه ترامب في الاقتصاد الأمريكي، فهو يعمل بغيرة وبشكل مُحفز للأبطال المحليين والشركات الأمريكية حتى يفتح أسواقًا لها، هذا الدور كان يتمثل في عدة نماذج، من ضمنها كان برنامج المساعدات الدولية، والتنمية الدولية، والـ USAID program، وكل هذه الأمور.
جميع الدول تعمل بهذا الطموح لتمكين أبطالها الوطنيين من الشركات الكبيرة، لأن هذه الشركات تتسم بكونها قاطرات تنموية للاقتصاديات المحلية.
في مصر، هناك أجيال ظهرت من الشركات العائلية والتي أصبحت أبطالًا بعد الانفتاح، ونحن الآن بصدد الدخول في فترة أخرى، قد تكون فترة انفتاح، علمًا بأن هناك مقومات موجودة تعزز التوسع، وحاليًا توجد بعض الأسواق التي يواجه فيها أي شخص قام بالعمل في القارة الإفريقية بعض التحديات، مما يجعله دائمًا في حاجة إلى دعم من الدولة، لتأمين استثماراته، كما أشرت حضرتك فيما يتعلق بسد تنزانيا.
التصدير في مقدمة الملفات الواجب الاهتمام بها لأنه العامل المشترك في مختلف الأهداف
فقد كان سد تنزانيا عقد لن يتم تنفيذه أو حتى تحصيل قيمته، دون وجود دعم وغطاء من الدولة، ودعم من شريك قوي، لتأمين استثمار القطاع الخاص، وهذا يعد أحد أنماط الدعم الذي تقدمه الدولة لأبطالها، وهناك أشكال كثيرة من هذا التعاون يمكن أن يتخذ أطرًا مختلفة.
وهنا نعود مرة أخرى إلى نفس النقطة المتمثلة في أنه إذا كانت الدولة ترى أن هذه القطاعات تتسم بكونها واعدة، وأنه سيتم تنمية القدرات بها، كقطاع المقاولات، فنحن نُصدر خدمات المقاولات. هناك قطاعات دائمًا ما تتجسد بها هذه الفرص، وإذا كانت الدولة ترى ذلك، وتقوم بدعم شركاتها بهذا المنطق، سيكون هذا أفضل أشكال التعاون.
وأنوه إلى أن ما وصل بنا من مرحلة الإصلاح إلى التفاؤل الحذر الذي نشهده اليوم، هو الالتزام الحكومي بميثاق التنافسية والحياد التنافسي، ودعم دور القطاع الخاص، وبرنامج صندوق النقد الدولي، ومدى التزام الدولة بالاستمرارية في هذا الانضباط الاستثماري والانحياز للقطاع الخاص، بعد انتهاء هذا البرنامج.
أظن أن كل هذا يعد بمثابة دروس مستفادة يجب التركيز عليها، وأتخيل أن دور الدولة هام للغاية في إفريقيا، لتأمين بعض المخاطر التي لا يستطيع عليها القطاع الخاص، كما توجد بعض الاستثمارات مثل الربط اللوجستي، وكما ذكرنا اللوجستيات تتمثل في الربط بين الدول وبعضها، وهذا الربط يتسم بكونه استثمارًا بين الدول، وحتى إن كان القطاع الخاص يقوم بتنفيذه، ولكنه يظل قرار دولة، علمًا بأن التشغيل ووحدات التخزين التي تمر على هذه المسارات اللوجستية، هي أمر منوط بالقطاع الخاص استغلالها وتنميتها.
يمكن الاعتماد أيضًا على خطوط سفن الرورو الملاحية Ro-ro terminal، أعلم أنه يتم تنفيذها في مناطق محددة، لخدمة الحاصلات الزراعية، والتي تتمثل في المنتجات الطازجة الذي يتم تصديرها إلى أوروبا، نظرا لكونها خط أمن غذائي إلى قارة تحتاج إليه، ذلك فضلًا عن الاستعانة بمصادر خارجية قريبة Nearshoring، والدعم الودي shoring، إذن فسيكون هناك احتياج استثماري بناء على هذه الخطوط الملاحية، وهنا أيضًا يأتي دور القطاع الخاص لاستغلال هذه الخطوط، وتغطيتها، وتعزيز مجالات الاستفادة منها، وأظن أن هذا هو أفضل وجه من أوجه التعاون بين الدولة والقطاع الخاص.
شريف سامي: الأستاذ محمد قاسم.. يمكننا إضافة جزء آخر متعلق بالطيران، كما تحدثنا عن خطوط الرورو الملاحية، حيث توجد مشكلة في الشحنات، فنحن حتى الآن نعتبر مصر للطيران جهة تابعة للدولة وليس القطاع الخاص.
وأعتقد أيضًا أن الجانب المتعلق بإفريقيا يتسم بأهميته، لأننا تاريخيًّا كان لدينا شركة النصر للتصدير والاستيراد، علمًا بأنها نتيجة لأسباب أخرى، لم يعد هناك دور قوي لفتح الأسواق في إفريقيا، لذا سأعود لأترك لحضرتك التعليق على الشق الخاص، بالجانب الذي نحتاج إلى دور الدولة به، وما الجانب الذي نريد أن تترك لنا المجال فيه للنمو والازدهار بعيدًا عن تدخلها؟
محمد قاسم: في الحقيقة، لقد قامت الدولة بخطوة جيدة، حيث قالت إن الصادرات تقدر بقيمة 40 مليار دولار، وأنه من المستهدف الوصول بها إلى 145 مليار دولار، فمن أين سيأتي هذا الإنتاج؟
لا يوجد إنتاج كافي في مصر، لدعم هدف الوصول بالصادرات إلى 145 مليار دولار، علمًا أنه حتى نتمكن من تحقيق صادرات، يجب القيام بالإنتاج، وحتى يتسنى لنا الإنتاج، فنحن في حاجة إلى الاستثمار، لذا فإننا في جمعية المصدرين المصريين عندما نظرنا إلى تلك الأرقام حتى نتمكن من تحقيقها، قمنا بتغيير المفهوم الخاص بنا، فقد كانت المهام الخاصة قائمة على تنمية الصادرات، وأضفنا إليها تشجيع الاستثمار من أجل التصدير.
وقمنا بإطلاق مبادرة بعنوان “الاستثمار من أجل التصدير”، ولا أعلم إن كان صديقي الأستاذ حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار، لا يزال في قاعة المؤتمر أم غادرها، حيث تم إطلاق تلك المبادرة بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ووزارة الاستثمار برئاسة المهندس حسن الخطيب، وهنا أود التأكيد على أن مساندة الاستثمار من أجل التصدير يعد أمرًا أساسيًّا.
سأنتقل إلى النقطة التي أثرتها حضرتك المتعلقة بالطيران وإفريقيا، لكنني لم أجب على النقطة الأولى الخاصة بإحلال الواردات، لذا أسمح لي بالإجابة عليها، في الحقيقة إحلال الواردات يعد بمثابة سياسة تم استخدامها في مطلع الستينيات في العديد من الدول، وقد ثبت فشلها، لأنها لم تكن مبنية على المزايا النسبية والتنافسية التي تتمتع بها الدولة.
وفيما يتعلق بإحلال الواردات، أرى أنها ليست من المفروض أن تكون هدف، فمن المفترض أن يكون الهدف هو تنمية الصادرات، علمًا بأن تنمية الصادرات هي التي ستقدم المنتج الذي أحتاجه للتصدير، فهناك آخرون ينتجون هذه القطعة المستهدف تصديرها مقابل 5 قروش، وربما إذا اتجهنا إلى إحلال هذه الواردات في مصر، أن نقوم بإنتاجها مقابل 10 قروش، فما هي الميزة في ذلك؟
لا يجب أن يكون لدينا هواجس بشأن إحلال الواردات، لأننا في بعض الأحيان نفقد البوصلة فيما يتعلق بالغرض من هذا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الغرض يتمثل في زيادة الصادرات، وليس تقليل الواردات، علمًا بأن معظم الواردات الخاصة بنا في الحقيقة، تتسم بكونها مكونات إنتاج وسلع رأسمالية مطلوبة، وكذلك أغذية، سواء زيت أو دقيق أو غيرهم.
المشكلة التي تواجهنا ليست في الشق الخاص بالواردات، بل تكمن في ضعف الصادرات، ويرجع سبب ضعف بالصادرات إلى مشكلة ضعف الإنتاج، ومشاكل الإنتاج تعود إلى ضعف الادخار، حيث يتراوح معدل الادخار في مصر بين 13% و14%، في حين يبلغ المتوسط العام 24% أو 25% على مستوى العالم.

مساهمة الصادرات في الناتج القومي الإجمالي في مصر، تبلغ 8% في المتوسط، وهي ما تعد نسبة متواضعة للغاية، المتوسط في الدول العربية يبلغ 14%، في حين أن المعدلات الطبيعية في الدول التي لديها نفس نسب النمو الموجودة لدينا من المفترض أن يكون أعلى من 20%، لذا من المهم أن تلتفت الدولة إلى تلك المؤشرات، لأنها هي التي ستحدد لنا الأهداف التي نضعها نصب أعيننا، وإلى أين سنذهب.
فكرة إحلال الواردات هي فكرة خاطئة، وغير صحيحة بالمرة، وهنا تجدر الإشارة إلى كون تعميق التصنيع أمر هام للغاية، ولكنه في المنتجات التي تتمتع بميزة نسبية، وكذلك ميزة تنافسية حتى أكون قادرًا على المنافسة، نظرًا لكوني سأقوم بإنتاج منتج مرتفع التكلفة، ولا يمكنني إجبار المستهلك المصري عليه، كما أنني سأكون غير قادر على تصديره، لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار الميزة التنافسية والميزة النسبية.
ومن ناحية أخرى، يجب أن نولي اهتمامًا بالمؤشرات الكلية، مثل معدل الادخار، ونسبة الصادرات إلى الدخل القومي، وكل هذه الأمور لأن هذه الأهداف هي التي نتطلع للوصول إليها، حيث نستهدف الارتفاع بنسبة مساهمة الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي من 8% إلى 15% و20% و25%، فهذا هو الهدف الذي يجب علينا وضعه نصب أعيننا.
مشكلة إفريقيا بشكل عام تتلخص في الشق اللوجستي. إفريقيا تضم 54 دولة، علمًا بأن أكثر من نصفها يتسمون بكونهم دول حبيسة، نظرًا لعدم وجود شواطئ بهم، وعلى الرغم من أن تجربة مصر في الستينيات تتسم بكونها تجربة اقتصادية ناجحة، إلا أن أساسها كان سياسي، فقد كانت مصر في ذلك الوقت، بطل التحرير الوطني.
شريف سامي: رائدة الحركات التحررية.
محمد قاسم: وبالتالي كانت حركة التحرر الوطني في إفريقيا بأكملها تتطلع إلى مصر، وقد كان جميع المناضلين الأفارقة مقيمين في مصر، لذلك عندما توجهت شركة النصر للتصدير والاستيراد إلى إفريقيا، لاقت ترحيبًا كبيرًا، الأمر الذي تزامن مع قيام شركة النصر بشراء سفينتين، إحداهما تُبحر من الإسكندرية إلى غرب إفريقيا، والأخرى تُبحر إلى شرق إفريقيا، وهو ما لم يعد موجودًا، لذلك الجانب اللوجستي مهم للغاية.
وهناك شق آخر أود التنويه له، لا سيما في ظل وجود الأستاذ يحيى أبو الفتوح، وهو أن النظام البنكي في إفريقيا يعاني من ضعف، لا يوجد تمويل، ولا اعتمادات، فالجميع يعمل بالبضائع الحاضرة، كما أن الطبيعة مختلفة نوعًا ما.
ولكن في الوقت ذاته، الذين لديهم نظام بنكي أقل بكثير من الموجود في مصر، يشهدون زيادة كبيرة في المدفوعات الإلكترونية، وفي بلاد مثل كينيا لا يوجد أحد يسير بنقود، مما يعكس وجود بعض الجوانب في إفريقيا تشهد تقدمًا، نود الامتثال به، في حين أنهم يحتاجون إلى مساندة في بعض الجوانب حتى يصبحوا مثلنا.
وفي كل الأحوال، كما ذكرت خلال المداخلة الأولى، إفريقيا هي القارة الواعدة، ونحن في جمعية المصدرين، وعلى مستوى قطاع الغزل والنسيج تحديدًا، عندما اتجهنا لإقامة معرض للصادرات، فقد قمنا بالتفكير في هذا الأمر منذ 13 عامًا، ثم تم البدء في تنفيذه منذ 11 عامًا، تم إطلاق المعرض باسم “Destination Africa”، وليس “Destination Egypt”.
وكانت الفكرة تكمن في أننا نرى أن تلك الصناعة مهاجرة، وستأتي إلينا، لذا كنا نرغب أن يقوم الإخوة الأفارقة بمشاركتنا في العرض، ومن ثم نقوم نحن وهم بالبيع إلى تجار التجزئة والعلامات التجارية العالمية، وفي الوقت ذاته، يقومون هم بالقدوم لشراء الغزل والنسيج، لكن أود الإشارة إلى كون صناعة الغزل والنسيج الموجودة لدينا ليست في أفضل حال. على الرغم مما صرح به وزير قطاع الأعمال اليوم خلال المؤتمر، بأنه قد تم صرف 1.2 مليار دولار، لتطوير شركات الغزل والنسيج.
شريف سامي: الأمر لا يكمن في الصرف، بل الإنتاجية.
محمد قاسم: هذا صحيح، لذلك لا نزال بحاجة إلى الكثير في هذا القطاع.
شريف سامي: شكرًا.
محمد قاسم: شكرًا يا فندم.
شريف سامي: الأستاذ باسل شعيرة، نود أن نتناول نفس الشق، ما الذي ترى أن الدولة يجب أن تتدخل به؟ وما الذي يجب أن تتركه للقطاع الخاص؟ وبحكم عملكم في مجال المناطق الصناعية واللوجستية والموانئ الجافة على وجه التحديد، هل ترى أنها من المفترض أن تكون الريادة للدولة في هذه القطاعات؟ أم على العكس من ذلك تشجع القطاع الخاص وتفسح له المجال بها؟ لأنني أعتقد أن هناك نقاط اختناق كما يقولون، في مدى الإتاحة لكافة هذه الجوانب؟
م. باسل شعيرة: في الحقيقة، اتفق مع الجميع في أن دور الدولة يجب أن يكون تنظيميًّا في الأساس، وأنها بإمكانها الدخول في عمليات استثمارية في القطاعات التنموية الكبيرة، كما قامت على مدار السنوات الماضية، بتأسيس محطات كهرباء ومياه، وكذلك الطرق، وكل هذه الأمور، ثم تبدأ تدريجيًّا في الانسحاب، حتى من هذه القطاعات، بعد أن تحقق بها قفزة كبيرة، لتفسح المجال للقطاع الخاص.
وأعتقد أن هذا النهج هو الذي تسير الدولة وفقًا له خلال هذه الفترة بشكل كبير، أما فيما يتعلق بالشق الخاص بالمناطق الصناعية، أود التنويه إلى أن نموذج عمل المطور الصناعي متواجد في مصر منذ 20 عامًا، وكان هذا النموذج يسير بالتوازي بين المناطق الصناعية العامة الحكومية، والمطور الصناعي الخاص.
وأظن أن الأغلبية مُتفقون على أن المطور الصناعي قام بتقديم دور حقيقي هام خلال الفترة الماضية، على مستوى جودة المناطق الصناعية، وكذلك جودة التشغيل وصيانة المناطق، فضلًا عن قيامه باستقطاب المستثمرين الحقيقيين، وعدم إتاحة فرصة لتصقيع أو بيع وتداول الأراضي، حيث كان له دور ملحوظ في ذلك.
وفي اعتقادي، أن الدولة قد أقرت بهذا الدور الذي قام به القطاع الخاص، كما رأينا أن الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، يتحدث اليوم عن دور المطور الصناعي بشكل كبير، وأصبح داعمًا لدور المطور الصناعي، وأضحى هناك إتاحة أكبر لدور المطور الصناعي.
الأمر لم يعد يشهد التنافسية التي كانت موجودة بالفعل، فقد كان هناك شد وجذب حول دور المطور الصناعي، وما إذا كانت الدولة هي المنوطة بالقيام به؟ أم من الأفضل أن يقوم به المطور الصناعي الخاص؟
أرى أن هذا الملف أصبح يسير حاليًا على بوصلة واحدة، حيث توجد حالة من التكامل، فالمناطق التي يعمل المطور الصناعي على تطويرها، نجد أن الدولة تتراجع عنها نوعًا ما، في حين تتواجد الدولة بصورة تنموية أكبر في مناطق أخرى لا يتواجد بها المطور الصناعي.
ومن وجهة نظري، أن وجود تكامل بين الدورين، أفضل بكثير من أن يكون القطاع العام هو فقط من يعمل، أو أن يعمل القطاع الخاص بمفرده، فمن الضروري أن يكون هناك تكامل يستند إلى الاستفادة الحقيقية بين الجانبين، فنحن لسنا منافسين، ولا في صراع.
شريف سامي: ولكن يُشترط أن تكون المنافسة عادلة، حتى لا يتميز طرف عن الآخر بمعاملة تفضيلية.
م. باسل شعيرة: بالضبط، فبشكل عام هذا هو الوضع.
أما الشق الثاني المتعلق بالجوانب اللوجستية، بالتأكيد تتسم بكونها من الجوانب التي أصبحت هامة للغاية، علمًا بأن هناك أدوار خاصة بالدولة، تتواجد بها بشكل كبير، وهو ما نراه في الموانئ والمطارات والطرق الخاصة بالسكك الحديدية، وكل هذه الأمور.
كما أن هناك شق متعلق بالقطاع الخاص، والذي يمكنه القيام به بشكل كبير، وهو ما ذكرته حضرتك، كالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية وعمليات الربط مع الدول سواء الإفريقية أو الشرق الأوسط بشكل عام، وهو ما يعد أحد الصناعات أو الخدمات المطلوبة بشكل كبير خلال هذه الفترة، حيث تحظى بطلب كبير، لذا يجب أن يكون لنا تواجد بها في الفترة الحالية، لأنه في ظل التغييرات الاقتصادية العالمية، من المفروض علينا تقديم دور كبير في الشق الخاص بالربط الاقتصادي على مستوى العالم، خاصة على مستوى الجوانب اللوجستية، لا سيما في ضوء الموقع الذي نختص به، والاتفاقيات الموقعة مع الدول الأخرى.
شريف سامي: تمام، شكرًا.
الأستاذ علاء سبع.. ارجو الإجابة عن السؤال ذاته الخاص بدور الدولة، والذي أرغب في ربطه بأمر متعلق بالدولة، كاستثمارات خاصة، أو استثمار قادم من الخارج، لقد كنا في الستينيات، في ذروة التوجه الاشتراكي، وكان لدينا إدارة فنادق من سلاسل عالمية، على الرغم من أنها كانت مملوكة للدولة، هل ترى أن هناك شهية حاليًا أو أنه بمقدورنا الترويج لمشروعات يمكن للاستثمارات الخاصة الإقبال على إدارتها؟ وهو ما يمكن أن نطلق عليه “PPP” أو شراكة بين كل من القطاع العام والخاص سواء في مصانع عامة أو طرق أو محطات كهرباء، أم لا يزال المستثمر يرى أن هناك محظورات وأنه سيخشى من الإقبال على ذلك؟ أعتقد أن هذا يعد بمثابة دور هام، من شأنه زيادة تنافسية الأصول المملوكة للدولة.
علاء سبع: في الحقيقة حضرتك تثير نقطة هامة، أود التنويه إلى خطوة في البداية، نحن نحظى بتراث عميق للغاية، هذا التراث يمتد على مدار مراحل تاريخية عديدة، ونتيجة لهذا التراث هناك بعض الأمور التي يمكن استغلالها بشكل كبير مثل السياحة، وكما ذكرت حضرتك في السؤال الأول، التراث المتمثل في السينما والأغاني، وغيرهم.
أولًا، يجب إطلاق العنان للإبداع بصورة أكبر، لأننا يجب أن نقوم بالبناء على هذا التراث كثيرًا، لذا لا بد من تشجيع صناعة السينما وغيرها بشكل كبير، كما يجب فتح الباب بصورة أكبر للقوة الناعمة.
والشق الثاني والخاص بالحديث عن السياحة، والتساؤل عن دور الدولة، وقد أشرت حضرتك إلى مكتبنا في منطقة وسط البلد، أرى أن هذه المنطقة تتسم بكونها تراثًا عميقًا نستطيع استغلاله.
أما فيما يتعلق بالدور المنوط بالدولة، والذي ليس بإمكان القطاع الخاص القيام به، أرى أنه يجب تنظيم المرور، حتى يتمكن من يرغب في التجول في منطقة وسط البلد من ذلك، سواء كان سائحًا أو مصريًّا يود النزول للتجول في منطقة وسط البلد، من الحركة بسهولة، لذا يجب تنظيم المرور، ووضع علامات مرور المشاة.
شريف سامي: كما يجب أن يشرح للجميع ما يمثله ذلك، لأن من يقودون تناسوا الهدف المرجو من هذا.
علاء سبع: هذا الأمر لا يمكن للقطاع الخاص القيام به، حيث إن هذا الدور منوط بالدولة القيام به، فدور الدولة يتمثل في تنظيم المجتمع حتى يتسنى لنا أن نحيا معًا بطريقة متمدنة، وتشجيع السياحة، التي لم تعد توجه البعض لزيارة الأهرامات وأبو الهول، أو القدوم للجلوس على البحر، بل باتت تتمثل في رغبة السائحين في النزول لرؤية البلد، كما يودون الشراء والجلوس في مطعم جيد.
وفي رأيي، دور الدولة الذي يتسم بكونه دورًا أساسيًّا، هو القيام بالمساعدة في أن تكون المنظومة متكاملة.
شريف سامي: تنظيم البيئة أو النظام البيئي الذي يعمل به القطاع الخاص.
علاء سبع: ودعونا من قيامنا بالاستثمار، وأيضًا من إدخال الدولة في أمور أخرى، فالأفضل أن تركز على الجوانب التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها، وحينها سنجد أن الفرص ستأتي بصورة أكبر.
شريف سامي: شكرًا.. الأستاذ يحيى أبو الفتوح.. بالتأكيد لن أسألك عن دور الدولة، فالبنك الأهلي المصري مملوك للدولة.
يحيى أبو الفتوح: هذا صحيح، البنك الأهلي المصري مملوك للدولة، ولكنه يعمل على أسس كالقطاع الخاص.
شريف سامي: أعلم أنه يُدار على أسس مصرفية سليمة.
يحيى أبو الفتوح: بالطبع.
شريف سامي: وهذه هي الزاوية التي أود تناولها، هناك عدة مبادرات كالخاصة بالسياحة والصناعة، وفي فترة ما كان هناك مبادرة تخص المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بعد مرور سنوات على ذلك، هل بالفعل الجميع يمكنهم الاستفادة من تلك المبادرات؟ وهل تسفر عن نقلة لهم؟ أم تشعر بصورة أكبر أنها متاحة وقتما نحتاج لاستخدامها؟ أم ترى أنهم لا يستطيعون تحضير الملفات الخاصة بهم بطريقة سليمة؟ لأننا هنا نتحدث عن دور الدولة كداعم ومُحفز لقطاعات تراها مهمة، لذا أرى أن هذه الزاوية تليق أكثر بالبنك الأهلي المصري وانتشاره ودوره.
يحيى أبو الفتوح: بلا شك، المبادرات كانت هامة للغاية، حين نتحدث عن مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تُقدم بفائدة 5%، فأعتقد أنها أتاحت للعديد من العملاء الدخول بها، على أن يقوم العميل بتوفيق أوضاعه ليتمكن من الاستفادة منها، حتى لا تفوته الفرصة.
وقد استفادوا منها بالفعل، وتمكنوا من النمو، فلم يعودوا مشروعات صغيرة الآن، بل قاموا بالتطور وأصبحوا مشروعات متوسطة، وكذلك كبيرة، وهو ما حدث أيضًا فيما يتعلق بمبادرة الصناعة أو السياحة.
إن تتذكر، على مدار 3 أو 4 سنوات الماضية، وعلى غرار تداعيات جائحة كورونا، ارتفعت أسعار الفائدة إلى معدلات كان من الصعب الاستفادة منها.
كما كان من الصعب أن يتمكن أحد من العمل بها، لذا أعتقد أن وجود مبادرات الصناعة والسياحة في هذه الفترة، كان أمرًا فارقًا بصورة كبيرة، وقد لاحظنا ارتفاع عدد العملاء المستفيدين بها كثيرًا، وبالتأكيد كان يحدث في منتصف ذلك نوعًا من الملاحظات.
شريف سامي: الانتهازية.
يحيى أبو الفتوح: بالطبع، ودون شك، وهو أمر موجود في أي مجتمع، ولكن البنوك دائمًا ما كانت تنظر إلى ذلك بشكل معين، كما كان البنك المركزي المصري يراقب بشكل محدد، لذا كنا نقف أمام أي شخص يحاول التجاوز في هذا الإطار، حيث كنا نتخذ الإجراءات اللازمة، ونعيده ليتحمل كل المشكلات التي تسبب فيها.
فيما عدا ذلك، يمكنني التأكيد أنها كانت مفيدة للغاية خلال الفترات الماضية، لكن ما نأمله أن تشهد الفترات القادمة، في ضوء استقرار ونزول أسعار الفائدة، أن يُطلق العنان لهذا الأمر، حتى لا يقتصر على من استفاد ومن لم يستفد، ومن تمكن من الدخول، ومن لم يستطع ذلك، حيث إنه في ظل انخفاض أسعار الفائدة، سيكون التمويل متاحًا للجميع.
وعلى الرغم من المقولة التي تقول إن هناك نقصًا في معدل الادخار، فهذا حقيقي، ولكنني أؤكد أن هناك سيولة مرتفعة في البنوك، علمًا بأن نسب توظيف القروض إلى الودائع حاليًا لا تزال نسبة متوسطة، كما أن هناك مساحة كبيرة بها لتوفر القدرة على منح الكثير من القروض.
البنوك لا تتوانى عندما تجد عميلًا جادًّا، أو فكرة واعدة، أو مشروعًا ذا جدوى، فمن المهم التأكد من جودة المشروع، ودراسته جيدًا، والتحقق من كونه يرتكز على أساسات قوية، حتى نتمكن من تمويله، فحينها تجد البنك تتهافت عليه، حيث أصبحت هناك منافسة كبيرة على تمويل المشروعات الجيدة.
شريف سامي: وأظن أن البنوك، خاصة البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، وغيرهم، أصبح لديهم أذرع مالية غير مصرفية، حتى تتمكن من الوصول إلى شريحة من العملاء، لا يقوم البنك بخدمتها.
يحيى أبو الفتوح: هذا صحيح.
شريف سامي: فنحن نرى الشق الخاص بالتمويل متناهي الصغر، والتخصيم، والتأجير التمويلي.
يحيى أبو الفتوح: سواء في البنك الأهلي المصري أو بنك مصر.. أود التنويه إلى أن هناك بنوكًا لا تفضل الدخول في مجال الاستثمار، لكن بالنسبة لنا، لدينا نوعين من الاستثمار، وهم الاستثمار في مجال الأعمال غير المصرفية مثل “الأهلي كابيتال للاستثمار” أو بشركات التخصيم أو التمويل العقاري، أو بشركة الأهلي للصرافة التي تقوم بعمل جيد للغاية في هذا المجال، وقامت بتغيير فكرة الصرافة لدى الجميع، فأصبحوا يدخلون إلى مكان جيد ومحترم وموثوق به.
شريف سامي: وأصبح ينتهي من تعاملاته بشكل أسرع مما يتم في فرع البنك.
يحيى أبو الفتوح: هذا صحيح، فهو ينتهي بشكل أفضل وأسرع، ومضمون، لذا فإن حجم الإقبال على شركات الصرافة سواء الخاصة بنا أو ببنك مصر أو بنك القاهرة، يتسم بكونه ممتازًا، وهذا يعد أحد أنماط الاستثمار.

البنوك تتمتع بهامش سيولة مرتفع ونسب توظيف القروض إلى الودائع لا تزال متوسطة
وهناك استثمار آخر، لا نزال ندخل به عند إيجاد فرصة جيدة سواء في مجال تمويل التكنولوجيا المالية، أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو الاستثمار المباشر كمشاركتنا في شركة القناة للسكر، والمشاركة في مشروعات أخرى جديدة، في الخدمات الدوائية، واللوجستيات، وغيرهم.
فنحن دائمًا ما نحاول أن يكون لنا دور استثماري، وليس فقط دورًا تجاريًّا، كالكثير من البنوك التجارية، لا سيما في ظل وجود العديد من الفرص الاستثمارية الجيدة التي نراها، وبالتأكيد نمنح الكيان الذي نشارك فيه، قوة.
شريف سامي: وفي يوم ما سيحدث تخارج، ومن ثم تحقيق أرباح.
يحيى أبو الفتوح: بالطبع.
شريف سامي: فالغرض ليس البقاء، وإنما استثمار أموال المودعين، وتنمية المشروعات.
يحيى أبو الفتوح: أي استثمار نشارك به، يكون محددًا له فترة للتخارج منه، فنحن ندخل بهدف مساعدة الآخرين على الدخول معنا، ومن ثم نقوم بالتخارج، فالاستمرارية ليست هدفنا، والدليل على ذلك هو قيامنا بالتخارج من العديد من المشروعات خلال الأعوام الماضية، حيث نقوم بتحقيق أرباح جيدة بها، وإلى أن نصل إلى مرحلة نكون خلالها في حاجة إلى التخارج، والدخول في مشروع جديد.
شريف سامي: بالطبع مر الوقت سريعًا، ولكننا حاولنا أن نغطي بعض من الأوجه الأساسية، عن دور الدولة، وما تطلبه، وهناك جلسات أخرى ستطرق إلى موضوعات أكثر تفصيلًا، لا سيما الملف الخاص بالشراكات، وما إلى ذلك.
أود أن أشكر السادة المتحدثين الذين قمنا باستضافتهم على المنصة، ونأمل أن تجدوا أن الأسئلة لم تكن صعبة، شكرا لحضراتكم، وشكرًا للحضور.












