د. محمد معيط في مؤتمر حابي: تعزيز تنافسية الاقتصاد يتطلب رؤية إستراتيجية طويلة الأجل

الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية دعمت التنافسية لكنها تحتاج إلى تعميق واستمرارية

فريق حابي _ قدّم الدكتور محمد معيط عضو مجلس المديرين التنفيذيين وممثل المجموعة العربية والمالديف بصندوق النقد الدولي، رؤية شاملة حول سُبل تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري في ظل التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية المتسارعة، جاء ذلك خلال كلمة عبر تقنية الفيديو تم عرضها خلال المؤتمر السنوي السابع لجريدة حابي، الذي انعقد الثلاثاء قبل الماضي، تحت عنوان «تنافسية الاقتصاد المصري – العد التنازلي لأهداف 2030»

أكد معيط في مستهل كلمته اعتزازه بالمشاركة في فعاليات المؤتمر، مثمّنًا الدعوة الكريمة التي وجهها له فريق إدارة جريدة حابي، ومشيرًا إلى أهمية النقاشات المطروحة حول كيفية جعل الاقتصاد المصري أكثر تنافسية خلال المرحلة الحالية والفترات المقبلة، في ظل عالم يتسم بدرجة عالية من عدم اليقين والتغيرات السريعة.

E-Bank

وأوضح أن الحديث عن تنافسية الاقتصاد المصري لا يقتصر على إجراءات آنية أو سياسات قصيرة الأجل، وإنما يرتبط برؤية إستراتيجية تستهدف تعزيز الاستدامة والشمولية والقدرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية، سواء كانت اقتصادية أو جيوسياسية أو مالية.

stem

لفت إلى أن تنافسية الاقتصاد تُعد مؤشرًا محوريًّا لقياس جودة بيئة الأعمال، ومدى قدرة الاقتصاد على ترسيخ موقعه ليس فقط على المستوى الإقليمي، وإنما أيضًا على الساحة الدولية، فضلًا عن قدرته على خلق فرص العمل، وتحقيق نمو شامل، وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في عملية التنمية.

مصر قطعت شوطًا مهمًّا في تعزيز تنافسية اقتصادها وتسعى لترسيخ مكانتها إقليميًّا وعالميًّا

تابعنا على | Linkedin | instagram

وذكر أن الحكومة المصرية بذلت جهودًا ملموسة خلال السنوات الماضية لتعزيز تنافسية الاقتصاد، من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية وهيكلية، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسين مناخ الأعمال، إلا أن طبيعة المتغيرات الاقتصادية العالمية تفرض ضرورة الاستمرار في تطوير هذه الجهود وتعميقها، بما يضمن الحفاظ على الزخم الإصلاحي واستدامته.

وفي هذا السياق، استعرض الدكتور محمد معيط الإطار الذي أشار إليه صندوق النقد الدولي والمعروف باسم الـ3Ds، والذي يقوم على ثلاثة محاور رئيسية، هي: تنويع الاقتصاد (Diversification)، وتقليل القيود وتبسيط الإجراءات (Deregulation)، والتحول الرقمي والرقمنة (Digitalization).

تنويع القاعدة الاقتصادية ضرورة لتقليل المخاطر وتعزيز استدامة النمو

وفيما يتعلق بالمحور الأول، شدّد على أهمية تنويع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على عدد محدود من القطاعات كمحركات رئيسية للنمو، موضحًا أن القطاعات التقليدية مثل السياحة أو التصدير قد تتأثر بالتقلبات الإقليمية والدولية، وهو ما يستدعي بناء اقتصاد أكثر تنوعًا وقدرة على امتصاص الصدمات والحفاظ على استدامة النمو.

الشراكة بين القطاعين العام والخاص عنصر محوري لتوليد فرص العمل وتحقيق النمو الشامل

وقال إن تنويع مصادر الدخل يفتح آفاقًا أوسع للنمو، ويعزز من قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل، وهو ما يتطلب شراكة حقيقية وفعالة مع القطاع الخاص.

أضاف أن النمو الاقتصادي المستدام لا بد أن يكون نموًّا شاملًا وعادل التوزيع، ينعكس بشكل مباشر على تحسين مستويات المعيشة للمواطنين، ويعزز من العدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن تحقيق هذا الهدف يستلزم تعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص لتحريك عجلة النمو وضمان استمراريته وصلابته.

وأفاد بأن تعزيز الثقة في المناخ الاقتصادي يمثل عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات، سواء الأجنبية أو المحلية، لافتًا إلى أن هذه الثقة تُعد أساسًا لتوسيع قاعدة الاستثمار وزيادة معدلات النمو.

تحسين بيئة الأعمال يتطلب تبسيط الإجراءات واستقرار السياسات والتشريعات

وعن المحور الثاني المتعلق بتقليل القيود وتبسيط الإجراءات، بيّن معيط أن تحسين بيئة ومناخ الأعمال يتطلب الاستمرارية في تطوير السياسات والتشريعات والقوانين والإجراءات التنفيذية، بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية، ويُسهم في زيادة جاذبية الاقتصاد المصري.

ونوّه إلى أن هذه الإجراءات مجتمعة من شأنها أن تُسهم في تحسين ترتيب مصر على مؤشرات التنافسية الدولية، وتعزيز صورة الاقتصاد المصري في التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، بما يعكس تطور بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار.

تطوير المنظومتين الجمركية والضريبية يدعم حركة التجارة ويعزز التنافسية

وقال إن ذلك يأتي في إطار تطوير المنظومتين الجمركية والضريبية، بما يدعم حركة التجارة ويُيسر تدفقات السلع والخدمات، في وقت يتزايد فيه الحديث عن أهمية تعميق وتشجيع التجارة البينية الإقليمية خلال الفترة المقبلة. كما يُعد الحد من البيروقراطية وتقليص الإجراءات الروتينية أحد العوامل الجوهرية لجعل الاقتصاد المصري وبيئة الأعمال أكثر جاذبية، بما يُسهم في تحفيز زيادة الإنتاج، ودعم التوسع في الصادرات، وهو ما ينعكس في النهاية على تعزيز قدرة الاقتصاد على جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، سواء المحلية أو الأجنبية.

وبالنسبة للمحور الثالث، والمتعلق بالتحول الرقمي والرقمنة، فقد لفت معيط إلى ضرورة الإسراع في التوسع في استخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة، ونظم الأعمال الرقمية، والذكاء الاصطناعي، من أجل مواكبة التطورات المتسارعة في الاقتصاد الرقمي العالمي.

استمرار الإصلاحات الهيكلية شرط أساسي لاستدامة مناخ الأعمال التنافسي

وأوضح أن مصر قطعت شوطًا مهمًا في هذا المجال، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب زيادة وتيرة التحول الرقمي، وتعميق الاعتماد على هذه الأدوات لتحسين كفاءة الأداء الحكومي، ورفع جودة الخدمات المقدمة، وزيادة الإنتاجية.

وأشار إلى أن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لهما تأثيرات مباشرة على سوق العمل، وهو ما يستدعي وضع تشريعات وحوافز مناسبة للاستفادة من هذه التقنيات، مع الحد من آثارها غير المرغوبة، وضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها.

الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي أولوية قصوى خلال المرحلة الحالية

وانتقل الدكتور محمد معيط للحديث عن أهمية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، مؤكدًا أن مصر حققت تقدمًا ملموسًا في استعادة هذا الاستقرار، إلا أن الحفاظ عليه وتعزيزه يظل أولوية قصوى، سواء على صعيد السياسات النقدية، من حيث إدارة معدلات التضخم، وأسعار الفائدة، والاحتياطي النقدي، أو على صعيد السياسات المالية، من خلال خفض عجز الموازنة، وإدارة الدين العام، وتوجيه الإنفاق نحو مجالات التنمية البشرية، والحماية الاجتماعية، والاستثمارات المولدة لفرص العمل، وتابع أن استمرار الإصلاحات الهيكلية يمثل ركيزة أساسية للحفاظ على جاذبية الاقتصاد المصري، وضمان استدامة مناخ الأعمال التنافسي.

تحفيز الابتكار وزيادة الإنتاجية مفتاح تعزيز تنافسية الاقتصاد

كما شدّد على أهمية تحفيز الابتكار وزيادة الإنتاجية، باعتبارهما عنصرين حاسمين في تعزيز قدرة الاقتصاد على إنتاج سلع وخدمات ذات جودة عالية وأسعار تنافسية. وأوضح أن ذلك يتطلب تطوير منظومة التعليم وربطها باحتياجات سوق العمل، والتوسع في التعليم الفني، ورفع كفاءة رأس المال البشري، إلى جانب زيادة مشاركة الشباب والمرأة في سوق العمل.

الحفاظ على الكفاءات أولوية في ظل التحولات التكنولوجية

في هذا السياق، أشار معيط إلى ضرورة الحفاظ على الكفاءات البشرية المؤهلة، واستقطابها وتدريبها، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، مؤكدًا أن سوق العمل الحديث يحتاج إلى سياسات فعالة للاحتفاظ بالمواهب وتنمية مهاراتها.

وتطرق كذلك إلى أهمية الاستمرار في تطوير البنية التحتية، لا سيما في المناطق المستهدفة للتصنيع والتصدير وخلق فرص العمل، مشيرًا إلى أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال، سواء في شبكات الطرق والنقل، أو الموانئ، أو الاتصالات، إلا أن الحفاظ على التنافسية يتطلب مواصلة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. ونوّه بأن الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي يُعد من العوامل الجوهرية لجذب الاستثمارات وضمان استمرارية النمو والتنافسية.

الاستقرار السياسي والأمني عامل رئيسي لجذب الاستثمارات

وفي ختام كلمته، لفت معيط إلى أهمية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير التمويل والتدريب، وتعزيز الصادرات المصرية عبر تحسين جودة المنتجات، وتطوير الأسواق التصديرية، ورفع كفاءة الإنتاج.

وأضاف أن هذه الجهود مجتمعة تُسهم في الحفاظ على تنافسية الاقتصاد المصري، واستدامة معدلات النمو، وتعزيز مرونة سعر الصرف، والحفاظ على الاحتياطي النقدي، وتوفير بيئة تمويلية داعمة للتوسع في الإنتاج الصناعي والتصديري، مشددًا على أن مصر قطعت شوطًا مهمًّا في مسار تعزيز تنافسية اقتصادها، وتسعى إلى استكمال هذا المسار خلال الأجلين المتوسط والطويل، بما يضمن ترسيخ مكانتها التنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي.

الرابط المختصر