صندوق النقد يوضح كيف يمول ذاته ويغطي تكاليفه التشغيلية
الصندوق يمول ذاته من خلال الفائدة التي يفرضها على البلدان المقترضة مطروحا منها الفائدة التي يدفعها للبلدان الدائنة
سمر السيد _ نشر صندوق النقد الدولي مقالة على موقعه الالكتروني أوضح فيها كيف يتم تمويل وظائفه الأساسية ويُغطّي تكاليفه التشغيلية.
أشارت كاتبة المقالة وهي آنا بوستيلنياك، مسؤول بحوث أول في إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي إلى أنه ربما يكون أفضل ما يُعرف به الصندوق هو إقراض البلدان المتضررة من الأزمات.

وأوضحت في المقالة المنشورة ضمن مجلة التمويل والتنمية التي أصدرها الصندوق خلال شهر ديسمبر الجاري أن مؤسستها لا تتولى فحسب إخماد الحرائق المالية العالمية، بل إنها تُمثل أيضا مصدرا للمشورة الأساسية بشأن السياسات، كما تساعد البلدان الأعضاء في تهيئة الظروف الاقتصادية الكلية المناسبة لتعزيز النمو، وخلق فرص العمل، ورفع مستويات المعيشة.

وأضافت أن هذه المهمة الفريدة تقترن بهيكل مالي فريد؛ فالصندوق أقرب إلى اتحاد ائتماني للبلدان تبلغ طاقته الإقراضية نحو تريليون دولار.
أشارت إلى أن صندوق النقد الدولي يجمع الموارد من البلدان الأعضاء، ويفرض فوائد على المقترضين، ويدفع فوائد لأعضائه الدائنين. ويغطي الفرق بين هذين السعرين التكاليف الإدارية المرتبطة بالقروض العامة، أو القروض غير الميسرة، التي يقدمها الصندوق.
كذلك يحقق الصندوق دخلا من الاستثمارات يغطي التكاليف الإدارية الأخرى، مثل تكاليف الرقابة وتنمية القدرات.
ونوهت إلى أنه على عكس العديد من المنظمات الدولية الأخرى، لا يطالب الصندوق أعضاءه بتقديم مساهمات سنوية.
وعندما تنضم البلدان إلى صندوق النقد الدولي، تُخصص لها حصص عضوية فردية تتناسب عموما مع مراكزها النسبية في الاقتصاد العالمي، وتحدد هذه الحصص المبالغ المالية التي يودعها البلد العضو لدى الصندوق، ومقدار ما يمكنه اقتراضه، وحقه في التصويت في المجلس التنفيذي.
وأشارت إلى أنه لضمان توافر موارد كافية قابلة للإقراض لدى صندوق النقد الدولي، يعمل الصندوق مع بلدانه الأعضاء على زيادة حصص العضوية بنسبة 50% بموجب المراجعة العامة الأخيرة للحصص.
الودائع المُدرّة للفوائد
في البداية، يودع كل عضو ربع حصته فيما يُطلق عليه صندوق النقد الدولي “العملات القابلة للاستخدام الحر” وهذه هي العملات الأكثر استخداما في المعاملات الدولية، والأكثر تداولا في أسواق النقد الأجنبي. وتشمل حاليا الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني، واليورو، والين الياباني، والرنمينبي الصيني.
ويُشكل هذا الجزء من حصة البلد العضو مركز شريحة الاحتياطي الأولي الذي يُقيد في دفاتر الصندوق.
وتحصل البدان الأعضاء على فائدة على هذا المركز بسعر السوق، ويمكنها سحب ما يصل إلى كامل قيمة هذا المبلغ حال احتياجها إلى تمويل ميزان المدفوعات. ويودع البلد العضو الأرباع الثلاثة المتبقية من حصته بعملته الخاصة، في صورة سند إذني بدون فائدة غالبا.
وعندما يقدم صندوق النقد الدولي قروضا للبلدان الأعضاء التي تكون بحاجة إلى المساعدة، فإنه يعتمد فحسب على عملات البلدان الأعضاء التي تتمتع اقتصاداتها بقوة كافية تؤهلها لأن تكون بلدانا دائنة.
وتُدرج هذه البلدان الأعضاء فيما يُعرف باسم خطة المعاملات المالية. وإذا طُلب منها إقراض بلد ما بحاجة إلى المساعدة، فإنها تحول ودائعها لدى صندوق النقد الدولي إلى إحدى العملات الخمس القابلة للاستخدام الحر (ما لم تكن عملاتها قابلة للاستخدام الحر في الأصل، ثم يستخدم الصندوق هذه الأموال لمنح القرض للبلد المقترض.
50 بلدا حصل على فوائد بقيمة 5 مليارات دولار نظير ما قدمه من موارد لتمويل قروض الصندوق غير الميسرة
ويُضاف المبلغ الذي يُقرضه كل بلد إلى مركز شريحة الاحتياطي الخاص به، ويحصل البلد في المقابل على فائدة بسعر السوق.
وفي عام 2024، حصل نحو 50 بلدا دائنا على فوائد بقيمة حوالي 5 مليارات دولار نظير ما قدمه من موارد لتمويل قروض الصندوق غير الميسرة.
وفي الوقت نفسه، فإن سعر الفائدة الذي يدفعه المقترض يعادل سعر الفائدة الذي يدفعه الصندوق إلى البلدان الدائنة، بالإضافة إلى هامش ربح (يساوي حاليا نصف نقطة مئوية سنويا تقريبا). ويساعد هذا الدخل الصندوق في تغطية التكاليف الإدارية المرتبطة بعملياته الإقراضية. وعادة ما تضاف أي فوائض متبقية إلى احتياطيات الصندوق لبناء الأرصدة الوقائية التي تدعم الميزانية العمومية للصندوق.
حالات التعثر والتأخر في السداد
قالت مسؤول بحوث أول في إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي إنه نادرا ما يحدث تأخر البلد المقترض في سداد قرض الصندوق.
أرجعت السبب وراء ذلك نظرا لأن البرامج التي يدعمها الصندوق مصممة لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلد المقترض وتحسين ميزان مدفوعاته بحيث يتمكن من سداد القرض عندما يحين موعد استحقاقه.
وتتضمن هذه البرامج الشرطية التي تساعد في ضمان التزام البلد المقترض بتنفيذ السياسات المتفق عليها مع الصندوق.
وتابعت أنه يجب أن يخضع المصرف المركزي لهذا البلد المقترض لتقييم الضمانات الوقائية للحد من مخاطر إساءة استخدام الأموال.
وأضافت أنه لم يسبق مطلقا تعثر أي بلد مقترض في سداد قروضه بالكامل التي حصل عليها من الصندوق، رغم وجود متأخرات طويلة الأمد في بعض الحالات، ولا سيما خلال أزمة الديون في ثمانينات القرن العشرين (ولا توجد أي حالات مماثلة في الوقت الراهن).
وأشاىت إلى أنه حينما يتأخر البلد المقترض في سداد الفائدة على قروضه، يستخدم الصندوق آلية اقتسام الأعباء لتغطية أي عجز في دخله.
وفي إطار هذه الآلية، يقدم جميع الأعضاء الدائنين والمدينين تمويلا مؤقتا بمبالغ متساوية. ويتم ذلك بخفض أسعار الفائدة التي يحصل عليها الدائنون على مراكزهم في شريحة الاحتياطي، وزيادة أسعار الفائدة التي يدفعها المدينون على قروضهم. وترد هذه المبالغ بمجرد سداد العضو المقترض للمتأخرات المستحقة عليه.
وقالت إنه بناء على ذلك، فإن قروض الصندوق تعد استثمار آمن للبلدان الدائنة، نظرا لأنها تجني فوائد على موارد الحصص المقرضة للبلدان التي تكون بحاجة للمساعدة، دون أن تتحمل سوى جزء ضئيل من المخاطر.
ونوهت إلى أن البلدان المقترضة تستفيد أيضا، نظرا لأن تصميم برامج الصندوق والشرطية المصاحبة لها يدعمان الإصلاحات المحلية الهادفة إلى تعزيز اقتصاداتها. وهذا بدوره يتيح لها الحصول على قروض ميسورة التكلفة. كذلك، فإن أسعار الفائدة على قروض الصندوق أقل بكثير مقارنة بما قد تدفعه عادة البلدان المتضررة من الأزمات في أسواق رأس المال الخاصة، بافتراض قدرتها على الاقتراض أصلا.
وبوجه أعم، تدعم قروض الصندوق اقتصاد بقية بلدان العالم عبر الحد من مخاطر التداعيات العابرة للحدود. ففي غياب الدعم المقدم من الصندوق، ستُجبر البلدان المتأثرة بالأزمات على خفض وارداتها إلى حد كبير، مما سيضر ليس فقط بالمنتجين والمستهلكين المحليين الذين يعتمدون على الواردات، بل بشركائها التجاريين أيضا. وتحد قروض الصندوق من خطر انتقال عدوى الأزمات أيضا، حيث تؤدي الأزمة في بلد ما إلى إثارة أزمات في بلدان أخرى.
القروض الميسرة
أفادت مسؤول بحوث أول في إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي أن مؤسستها تقدم معظم قروضه بشروط غير ميسرة، مما يعني أن البلد المقترض يدفع فائدة بسعر السوق.
وعلاوة على ذلك، يقدم الصندوق قروضا منخفضة التكلفة، أي ميسرة، لأفقر بلدانه الأعضاء، مستخدما موارد قدمتها البلدان الأعضاء الغنية طواعية لهذا الغرض. ويجمع صندوق النقد الدولي هذه الموارد المالية في الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، وهو صندوق منفصل عن الميزانية العمومية لصندوق النقد الدولي.
وعندما يساهم البلد العضو بموارد مالية في الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، فإنه يقرر ما إذا كانت هذه الموارد ستُستخدم في تقديم منحة أم قرض.
وبما أن المقترض يحصل على القرض الميسر إما بفائدة بسيطة أو بدون فائدة، فإن الفرق بين ما يدفعه المقترض وما يحصل عليه الدائن يُغطى من خلال حساب دعم ممول من مساهمات الأعضاء الطوعية وموارد صندوق النقد الدولي الذاتية.
وأضافت أن البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي قررت مؤخرا وضع إطار يسمح لها بتخصيص جزء من الفائض الذي تحصل عليه من القروض غير الميسرة لدعم الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر.
وفي مؤتمر بريتون وودز، الذي أسس صندوق النقد الدولي عام 1944، أشار وزير الخزانة الأمريكي هنري مورغنثاو إلى أن تفاصيل هذه الاتفاقية النقدية والمالية الدولية قد تبدو “غامضة”.
ورغم ذلك، فإن صندوق النقد الدولي، في جوهره، ليس سوى اتحاد ائتماني بسيط يمول ذاته من خلال الفائدة التي يفرضها على البلدان المقترضة، مطروحا منها الفائدة التي يدفعها للبلدان الدائنة، بما يحقق مصلحة الطرفين والاقتصاد العالمي ككل.












