خلال ثالث جلسات مؤتمر حابي: مسائل صعبة وحلول سهلة عن الشراكة مع القطاع الخاص

فريق حابي _ سلطت الجلسة الثالثة من مؤتمر جريدة حابي السنوي السابع، والذي انعقد الثلاثاء قبل الماضي تحت عنوان “تنافسية الاقتصاد المصري – العد التنازلي لأهداف 2023”، الضوء على الأدوار المهمة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنشيط الاستثمار وتوسيع فرص عمل الطرفين، وذلك بصورة تتناسب مع احتياجات الاقتصاد ومتطلبات رفع معدلات التشغيل والنمو. ناقش المتحدثون خلال الجلسة التشريعات المنظمة لهذه الشراكة، ووفرة الأدوات التمويلية المناسبة، إلى جانب رصد أبرز التجارب المهمة فيها.

ضمت الجلسة التي انعقدت تحت عنوان “الشراكة مع القطاع الخاص.. رافعة مهمة للنمو المتوازن”، كل من: الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس مجلس إدارة شركة القناة للتوكيلات الملاحية، ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية بكلية السياسة والاقتصاد في جامعة بني سويف، ورئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الأسبق، وعاطر حنورة مستشار وزير المالية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية، والمهندس تامر ناصر رئيس مجلس إدارة شركة سيتي إيدج للتطوير العقاري، والمهندس أيمن قرة الرئيس التنفيذي لشركة قرة لمشروعات الطاقة والاستثمار، وأيمن الصاوي الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة بكرة القابضة.

E-Bank

وأدار الجلسة كريم هلال الرئيس التنفيذي لشركة كونكورد ورئيس سيكونس فينشرز والمدير الإقليمي لشركة كوليرز إنترناشونال.. وإلى تفاصيل الجلسة..

 

 

stem
كريم هلال الرئيس التنفيذي لشركة كونكورد ورئيس سيكونس فينشرز والمدير الإقليمي لشركة كوليرز إنترناشونال

كريم هلال: الضيوف الأعزاء يمثلون مجموعة خبرات متنوعة ومهمة جدًّا لموضوع الجلسة، وهو الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهل من الممكن أن تحقق هذه الشراكة النمو المتوازن للاقتصاد؟ وكذلك بحث النقاط المتعلقة بهذه الآلية، مثل أدوات التمويل المتاحة والتشريعات والحوافز، وبعض الأمثلة لقصص نجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

تابعنا على | Linkedin | instagram

التخارج الفوري للدولة من استثماراتها.. مستحيل

خلال الفترة الأخيرة، كان كل أو معظم الحديث الذي نسمعه يدور حول ضرورة وأهمية تخارج الدولة من الاقتصاد. بعض الآراء تقول فورًا، وهذا مستحيل أن يحدث، وهناك آراء أخرى تؤكد أهمية التخارج تدريجيًّا، في حين ترى بعض الآراء الأخرى ضرورة تحقيق نوع من التوازن، وخاصة بعض المؤسسات الدولية، وتحديدًا صندوق النقد الدولي الذي يصر على هذه النقطة، وفي كل مراجعة يجريها على الاقتصاد تثار هذه النقطة مرة أخرى، ويقول إن إجراءات التخارج بطيئة وليست بالسرعة التي يراها. ومن الممكن ألا يكون صندوق النقد مدركًا بصورة كبيرة لصعوبة تحقيق مثل هذا الإجراء.

وفي هذا السياق أطرح السؤال: ماذا يُقصد بتخارج الدولة؟ الواقع حاليًا هو أن الدولة متداخلة في الاقتصاد بأجهزتها المختلفة، وربما يزداد تدخلها في الاقتصاد ولا ينخفض.. من الممكن أنه بدلًا من الحديث عن تخارج الدولة، أو أن ينخفض حجم حصتها في الاقتصاد، أن يكون الحل هو إمكانية البحث عن طرق لرفع حصة القطاع الخاص، أو يكون دوره أكبر. وأحد الحلول التي أراها للوصول للتوازن بين القطاعين هو تعظيم دور القطاع الخاص بالشراكة مع الدولة بأشكالها المختلفة، وهذا موضوع جلسة اليوم.

نحن لدينا وجهات نظر مختلفة من مواقع عمل مختلفة، بهدف الوصول لصورة متكاملة حول ما الذي يمكن عمله لتنفيذ هذه الآراء بشكل واقعي، بعيدًا عن العناوين كي نُفهّم أنفسنا والآخرين أننا نسير بشكل صحيح؟

ودعوني أبدأ الحديث مع دكتور أحمد بصفته العملية الحالية، وكذلك كونه أستاذ اقتصاد، وسؤالي هو: هل ترى أن تعظيم دور القطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام حل واقعي، ولن أقول مثالي -لأنه لا يوجد شيء مثالي- لتحقيق المطلوب، أم نقول إننا نريد أن تتخارج الدولة، وفقط؟

الدكتور أحمد عبد الحافظ رئيس مجلس إدارة شركة القناة للتوكيلات الملاحية

الدكتور أحمد عبد الحافظ: عندما ننظر إلى الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة، حتى قبل الثورة، كنا نجد أن نصيب القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي يمثل أكثر من 65%، والدولة كانت الجزء المتبقي، أما بعد اندلاع الثورة، والمشكلات التي حدثت في الاقتصاد، وجدنا أنه في الفترة الأخيرة بدأ دور القطاع الخاص يتضاءل بنسبة كبيرة، وهذا الأمر أثار العديد من المشاكل.

أسباب كثيرة وراء تراجع نصيب القطاع الخاص مثل تعاقب الأزمات العالمية

بداية القصة تعود لعام 2022 عندما حدثت مشكلة كبيرة في العالم وهي الأزمة الروسية الأوكرانية، التي أثرت على مصر بشكل كبير، بجانب الأزمات الإقليمية مثل الأوضاع في قطاع غزة والسودان والحوثيين وليبيا، وكلها أزمات أثرت بشكل سلبي كبير علينا.

أيضًا حدثت مشكلة كبيرة في الأسواق الناشئة في العالم، وخرج حجم كبير جدًّا من الدولار، وهذه الأرقام أثرت على أهم مؤشر لأي اقتصاد في العالم، وهو سعر الصرف الذي كان يمثل مشكلة كبيرة في أعوام 2022 و2023 و2024، وذلك لحين ظهور العلاج، الذي تمثل في إبرام صفقة رأس الحكمة التي شهدت ضخ رؤوس أموال واستثمارات كبيرة، وهنا بدأت الأمور تتحسن ويتغير الشكل، وبدأت رؤوس الأموال في العودة، وكذلك تحويلات العاملين بالخارج، كما بدأت السياحة تنتعش. ومن هنا بدأنا نعمل ونتحرك، لأنه من المستحيل أن نجد أن القطاع الخاص يعمل في ضوء وجود مشاكل بالاقتصاد الكلي، وذلك لأن القطاع الخاص يعمل لكي يحقق الربح وليس لديه أهداف أخرى.

البحث عن طرق لرفع حصة القطاع الخاص ربما يكون الحل الأفضل

على الجانب الآخر، الدولة لديها أهداف أخرى، وكانت في هذا التوقيت هي من تتحمل عبء القطاعات المهمة في الاقتصاد، لأن القطاع الخاص، ولا أريد أن أقول انسحب، ولكن لأنه في الأزمات يأخذ جانبًا ليكون في وضع المتفرج على ما تفعله الدولة، على اعتبار أنه لن يكسب أو يخسر أو أن تقييمات الأسعار ستتغير معه، أو أن قيمة الأصول والأموال لديه ستتغير.

لكن الآن الوضع بدأ يتغير تمامًا، في ضوء برنامج مصر للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وتحسن التصنيف الائتماني بشكل كبير، كما أن الاستثمار بدأ في العودة، وكذلك الأموال الساخنة hot money، وهذه مؤشرات ثقة في الاقتصاد، وبالتالي بدأ القطاع الخاص سواء كان محليًّا أو أجنبيًّا أو خليجيًّا ينظر باهتمام إلى الاستثمار بالسوق المحلية.

رأس المال الخاص بدأ رحلة العودة إلى مصر بعد صفقة رأس الحكمة

في قطاع النقل البحري بدأ الوضع يتغير، وبدأت الدولة تهتم بشكل كبير جدًا بالقطاع بدايةً بالطبع من موضوع النقل وكذلك الطرق، كما أن ترتيب مصر في الطرق تغير 100 درجة، وهذه أمور أعطت نقلة كبيرة في الاقتصاد.

أضيف أيضًا أن أصعب شيء في أي اقتصاد، والأغلى ثمنًا، هو توفير البنية الأساسية أو البنية التحتية وهي التي تم تنفيذها، كما أن الأمر يختلف عند بناء بيت مقابل بناء برج، لا سيما أنك تحتاج إلى عمل أساس كثير وباهظ الثمن، وهذا ما نفذته مصر في الآونة الأخيرة.

تعظيم الشراكات بين القطاعين العام والخاص أداة مهمة

وبالطبع قطاع النقل البحري لدينا بدأ يشهد اهتمامًا كبيرًا جدًّا من الدولة على مستوى الموانئ، فهناك حجم موانئ كبير بدأ يتحرك، كما أن الموانئ المصرية بدأت تحقق تصنيفا متقدمًا على مستوى العالم؛ فعلى سبيل المثال ميناء شرق بورسعيد يُصنف في المستوى الثالث على مستوى العالم، وكذلك ميناء دمياط يحتل مرتبة ضمن العشرة الأوائل، وميناء الإسكندرية بدأ يدخل أيضًا ضمن التصنيف.

الدولة تحملت عبء تنشيط القطاعات المهمة خلال الأوقات الصعبة

وبالتالي هناك حجم تطور كبير في قطاع النقل البحري و الموانئ، وهنا يكمن السؤال: هل سيدخل القطاع الخاص مع القطاع الحكومي؟.. الإجابة هي أنه لا بد أن يدخلا ويتعاونا، وحضرتك يا أستاذ كريم أستاذنا في مجال البنوك، عندما ننظر على هذا المجال في مصر في السبعينيات، وأنه لكي يبدأ في التغيير والتحرك شهد دخول القطاع الخاص، وظهور قانون جديد هو قانون الاستثمار، بجانب دخول البنوك الأجنبية، وبنوك أخرى في شراكات.

وأضيف أيضًا أنه خلال هذه الفترة دخل البنك التجاري الدولي CIB في شراكة مع البنك الأهلي، كما أن هذه البنوك كلها بدأت تنقل التكنولوجيا للسوق المحلية، وتقدم قيمة مضافة، لا سيما أننا لم نكن لدينا نفس التكنولوجيا أو الخبرات القادمة من الخارج، والتي بدأ القطاع البنكي في العمل عليها.

وحدة الشراكة تملك رأسمال بشريًّا قادرًا على إدارة عملية صياغة العقود

أشير أيضًا إلى أن القطاع الخاص بدأ يشهد تواجدًا، ويتحرك في قطاعات كثيرة مثل قطاع السياحة، وذلك على اعتبار أن مصر بدأت تتحرك في هذا القطاع، لا سيما في ضوء كونه أكثر قطاع واعد في هذه الفترة.

كريم هلال: أشكرك يا دكتور أحمد، ما ذكرته، كلها لمحات إيجابية، ونرجو أن تكون مؤشرا مستداما. وهنا أنتقل بالسؤال لصديقي العزيز أستاذ عاطر حنورة، وهو الرجل المكافح منذ أكثر من عشرين عامًا في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويستحق بصورة حقيقية وسامًا للمثابرة والكفاح. وهنا أوجه سؤالي لحضرتك: إنني منذ تعرفت عليك قبل حوالي 20 عاما، وأنت تتبني موضوع الشراكة بين القطاعين تحديدًا، وقد واجهت مشاكل وتحديات كثيرة، لكن حضرتك أخبرتني منذ قليل أن الموضوع تغير تماما، وأن هناك الكثير من المشروعات بقيمة مليار دولار وأكثر، قابلة وفي حيز التنفيذ حاليًا.

وهنا أسألك أن تعطينا فكرة حول هذه المشروعات، وبارقة أمل، وأن تخبرنا ما الذي تغير وجعل الموضوع يأخذ وضعه مرة أخرى؟ وكذلك مستقبله في تحقيق النمو المتوازن الذي نتحدث عنه كعنوان لهذه الجلسة.

عاطر حنورة مستشار وزير المالية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية

عاطر حنورة: شكرًا لحضراتكم، أنا أريد البدء من الجزئية التي بدأت حضرتك التحدث عنها، وهي التحول الحاصل من هيمنة الدولة على الاقتصاد إلى فتح المجال للقطاع الخاص، خاصة أنه سيتم تدريجيًّا وسيأخذ وقتًا طويلًا، وهذا شيء طبيعي وصحيح.

مشروعات الشراكة من أسرع الآليات القادرة على رفع مساهمة القطاع الخاص

وأقول: إن من أسرع الآليات التي من الممكن أن يدخل فيها القطاع الخاص، مشروعات المشاركة مع القطاع العام، أو ما يطلق عليها مشروعات الـ ppp لأنها في الأساس هي المشروعات المنوط بالدولة أن تقدمها لتلبية احتياجات المواطنين، وهذا هو العمل التجاري “البيزنس” الخاص بالدولة، وتعهد للقطاع الخاص أن يقوم بعمله لصالحها، وتقوم بشراء الخدمة، أو أن ترخص الدولة للقطاع الخاص أن يؤدي هذه الخدمة أو المشروع مباشرة للمستفيد، وهذه كلها أشكال متعددة لآليات المشاركة بين القطاعين العام والخاص.

القطاع العقاري لا يشعر بأي صعوبات في الحصول على التمويل المصرفي

نحن بدأنا منذ عام 2006 نعمل في مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص، وكان لدينا بالفعل فترة جيدة جدًّا فيما يتعلق ببعض المشروعات التي بدأنا التحرك فيها، لكن مع يناير 2011 واندلاع الثورات في المنطقة وحتى إن كانت هذه الثورات انتهت في عام 2013، لكن تأثيرها امتد إلى عام 2015 و2016 نظرًا لأن المنطقة كانت في حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي.

وكما قال الدكتور أحمد عبد الحافظ إنه لكي يستعيد القطاع الخاص مرة أخرى ثقته في المنظومة، سيحتاج لبعض الوقت، وأضيف أنه في هذه الفترة التي تحدثت عنها كنا قد أعددنا في وحدة الشراكة بين القطاعين مشروعات كثيرة للطرح، لكننا لم نكن قد طرحنا أي مشروع لأن هذه الفترة كانت تتسم بارتفاع المخاطر، فضلًا عن أن تكلفة البنوك كانت ستضيف أقساطا premiums مرتفعة لهذه المخاطر.

مشروعات الشراكة توقفت بعد الثورات والأزمات بسبب مشكلة تسعير الخدمة

وبالتالي تسعير الخدمة سيكون مرتفعًا جدًّا عند إبرام عقد لمدة 20 أو 25 عامًا، وهو ما سيخلق معاناة طوال 25 عامًا نتيجة للتسعير الذي تم وضعه في وقت خاطئ، وبالتالي قمنا بتجاوز الفجوة bridge over في هذه الفترة، وأعددنا مجموعة من المشروعات كان من أهمها، والذي خلق زخمًا كبيرًا، محطات طاقة الرياح ومحطات الطاقة الشمسية، والتي كان منها محطة بنبان للطاقة الشمسية.

أضيف أنه تم إبرام نحو 39 عقدًا لمشروعات، بدأناها في عام 2015، وانتهينا منها في 2017، ودخلت الخدمة للإنتاج منذ نحو 5 أو 6 سنوات، وهي محطات كبيرة، ثم بدأنا بعد ذلك العمل في قطاع الموانئ الجافة، وبعض الأرصفة والموانئ البحرية.

وكما قال الدكتور أحمد عبد الحافظ، قمنا بعمل مشروعات للشراكة في ميناءي شرق بورسعيد ودمياط، وفي محطات أخرى مثل سفاجا والعين السخنة، وكذلك محطات وأرصفة في ميناءي الإسكندرية والدخيلة، ونفكر حاليًا في ميناء الماكس.. كل هذه الأمور توضح أن هناك تطورًا شديدًا على صعيد الشراكة، كما أن كل هذه المشروعات التي ذكرتها ينفذها القطاع الخاص.

الصناديق العقارية و«البيع بالحصص» حلول حالية لمواجهة تكلفة التمويل

وأؤكد أيضًا أن أهمية المشاركة بين القطاعين العام والخاص تأتي في أنها تحول الدولة من مقدم للخدمة إلى منظم ومراقب لها، وأشير إلى أن هذا هو الدور الأساسي للدولة، وهذه تمثل أهم نقطة عند الحديث عن الشراكة، لكن هذا الموضوع ليس بالسهولة التي أتحدث بها، لأنه من المهم أن يكون هناك كوادر في الجهاز الإداري للدولة قادرة على إدارة العقد.

إن إدارة العقد ليست إدارة مشروع؛ ففيما يتعلق بإدارة المشروع: لدينا في مصر مديرو مشروعات على مستوى عالمي، في حين أن إدارة العقود تعد مهمة جديدة أنشأتها العقود طويلة الأجل، وعقود المشاركة هي عقود طويلة الأجل لمدة عشرين أو 30 عامًا، وما إلى ذلك، وبالتالي تتضمن عملية إدارة العقد أنه من الممكن أن يستمر بشكل ممتاز أو أنه يشهد حدوث مشاكل لتعنت أحد الطرفين، وبالتالي فإن المشاركة الحقيقية تكمن في إدارة العقد.

المشكلة الكبيرة للمطورين هي تكلفة التمويل لأن المطور هو الممول.. وهذا خطأ

وأضيف أنه في مشروعات المشاركة، لا تدخل الحكومة شريكًا في المشروع مع القطاع الخاص، ولكن يكون هناك عقد يربط الطرفين، ويتشاركان سويًّا في إدارة العقد حتى ينجح المشروع ويؤدي مهامه، كما أن فسخ التعاقد لا يوجد أسهل منه، لكنه يكبد الجميع خسائر بدءًا من الحكومة والبنوك، والشريك الخاص.

وبالتالي هذه العقود أُنشئت لتكون متوازنة، وتتضمن الكثير من التفاصيل، وتنظم العلاقة بين الطرفين خلال فترة 20 و25 عاما، كما تضع في الحسبان المشاكل التي من الممكن أن تحدث، وتتضمن أيضًا آلية كيفية التحكيم عند الاختلاف أو التنازع لكي ننتهي من المشروع بسلام، لا سيما أنها مشروعات مرافق وخدمات عامة.

أضيف أن أهمية هذه العقود تأتي من كوننا لا ننظر إليها إلا بعد أن نتشاجر أو نختلف، وهذه المشروعات التي تنفذ في إطار الشراكة بين القطاعين هي مشروعات مرافق وخدمات عامة ولا يجب أن تشهد أي اضطرابات، وبالتالي يعد جزء التحكيم عنصرًا مهمًّا للغاية في عقودها.

إدارة وصياغة العقود بتوازن النقطة الأكثر أهمية في اتفاقات الشراكة

وأشير أيضًا إلى أنه عندما يتم عمل مشروع محطة تحلية مياه لتغذية منطقة معينة، لا يصح أن أقول للناس المستفيدين من المشروع أنه سيتم قطع المياه خلال الأسبوعين المقبلين، لأن هناك اختلافًا في العقد بين الحكومة والقطاع الخاص، وبالتالي لا بد أن يستمر المشروع بانتظام، وهذا الأمر يجب أن تضمنه العقود المبرمة.

في بعض المشروعات تُدخل وحدة الشراكة بين القطاعين وزارة المالية كضامن للجهة الإدارية، بحيث إن هذه الجهة لو لم تسدد ما عليها من التزامات مالية؛ فإن وزارة المالية تسدد بدلًا منها، ويتم تسوية الأمر بين الطرفين على اعتبار كونهما جهتين حكوميتين، وهذا الأمر لأن مشروعات المشاركة تُمول بنظام تمويل المشروعات project financing، لاسيما أن الأصل الحقيقي هو المشروع.

وبالتالي تعد هذه نقطة مهمة للغاية كي تستطيع جهات التمويل أن تمول المشروع، ولكي توفر أدوات تمويل جديدة، وهذا ما يحتاجه القطاع الخاص.

كريم هلال: شكرًا لحضرتك، أفهم من كلام حضرتك أن هناك الكثير من المشروعات المخطط تنفيذها “in the pipeline”، والنقطة الأهم أنه لدى وحدة الشراكة رأسمال بشري قادر على إدارة عملية العقود التي تعد مهمة ومعقدة للغاية، وهناك سؤال آخر سأعود لحضرتك فيه لاحقًا.

سؤالي الآن للمهندس تامر ناصر رئيس مجلس إدارة شركة سيتي إيدج للتطوير العقاري.. أنا أرى أن هناك بعض التحفظات على الصفقات الكبيرة التي تمت في مجال العقارات، خاصة رأس الحكمة وعلم الروم.. ولكن في نهاية الأمر أراها تمثل نوعًا من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهنا مفهوم القطاع الخاص نما في هذا السياق وأصبح مصريًّا وعربيًّا، فهل ترى أن هذا الأمر يمثل نموذجًا من الممكن أن يتكرر أكثر، وهل بنفس الشكل الذي تم حاليًا، لأن المشروع الأول دائمًا ما يكون حقل تجارب لأنه شيء جديد يتم تنفيذه وما زلنا نتعلم فيه؟ أم من الممكن أن يحصل عليه تعديلات؟ فالمتحدثون في الجلسة السابقة تحدثوا عن ضرورة أن يكون هناك دور أكبر للشركات أو المنتجات المصرية وخلافه، لا سيما أننا نمتلك مخزونًا كبيرًا للغاية.. ما رأيك في هذه الجزئية؟

المهندس تامر ناصر رئيس مجلس إدارة شركة سيتي إيدج للتطوير العقاري

المهندس تامر ناصر: شكرًا لحضرتك ولجريدة حابي على تنظيم المؤتمر، بالطبع وجود قطاعات مختلفة من السادة الأفاضل في هذه الجلسة يجعلنا نكمل بعضنا البعض، وستصبح الصورة كاملة للجميع، ما ذكرته حضرتك صحيح، في الحقيقة إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في القطاع العقاري بمصر موجودة منذ سنوات، وهناك نموذج تقدمه هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان.

الشراكة في القطاع العقاري بمصر قائمة منذ سنوات وفقًا لنموذج واضح

قديمًا كانت الأراضي كلها يتم بيعها، أما الآن يدخل المطورون مع هيئة المجتمعات العمرانية في شراكات خاصة، وهذه المبادرات كانت البذرة والبداية، ونجحت على مدار السنوات الماضية، وأصبحت جميع الشركات العاملة في التطوير تدخل هذه الشراكات والتي تعد win- win situation ومفيدة للطرفين، وكذلك المطور العقاري في أن كل تمويلاته لا تذهب في سداد ثمن الأرض في البداية، وهذا الأمر يُمكن الشركات من البناء والتطوير وتسليم الوحدات.

ضرورة اجتذاب مطورين قادرين على تسويق الوحدات العقارية خارج مصر

وفي الوقت نفسه تعد هذه الشراكات مفيدة بالنسبة للدولة لأنها كانت تبيع الأرض بسعر معين، ويُنفذ المشروع في فترة ما بين 10 إلى 15 عاما، ويحصل المطور العقاري منه على المكسب نتيجة زيادة الأسعار في السوق، أما اليوم فقد أصبحت هيئة المجتمعات شريكا مع شركات التطوير العقاري بنسبة معينة percentage تنظمها العقود، والتي أصبحت في شكل نموذج معين للتعاون بين الجانبين حفظته جميع الشركات العاملة بالقطاع، وبالتالي أصبح الطرفان يحققان مكسبًا طوال الوقت.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فهيئة المجتمعات هي مقدم الأرض أو مالكها، وبالتالي فهي التي توفر البنية التحتية وكذلك المنطقة التي توجد حول المشروع وتُطورها بالطريقة المناسبة، لا سيما أنها تعد شريكة به، وبالتالي عندما تشارك هيئة المجتمعات في ثلاثة مشروعات في منطقة من المناطق الجديدة، فهي تُطور المنطقة كلها و تُحقق مكسبًا، وتحصل على عائد، وفي النهاية تتمتع في هذا التطوير بالمرونة والفكر الخاص بالمطور العقاري الخاص مثل استقدام كيانات من الخارج لعمل تصميمات، وتنفيذ أفكار جديدة، والاتجاه لبيع الوحدات داخل وخارج مصر، وهذا يعد نموذجا ناجحا بكل المقاييس.

الشراكات وفرت على المطور العقاري ثمن الأرض وسهلت عملية الترفيق

هذا الفكر في الشراكة ما بين هيئة المجتمعات العمرانية وشركات التطوير العقاري الخاصة زاد في السنوات الأخيرة، لا سيما في ضوء وجود المدن الجديدة التي تعد مدنا ذكية، الأمر الذي ساعد على رفع نسبة العمران من 7% إلى 14% التي كانت تمثل النسبة المستهدفة، وهذه الخطوة لم تكن تحدث إلا بالشراكة بين الطرفين، والدولة في البداية كانت مستثمرة بدرجة كبيرة.

وتطور الأمر في هذه الشراكة عبر وجود المطورين غير المصريين في السوق منذ سنوات طويلة تتراوح بين 10 إلى 15 عاما، وتوسع النطاق فوجدنا موضوع المدن الجديدة ومناطق الجذب حولها والتي يتم تطويرها، وهذا هو مفهوم أن يتم تطوير أكثر من منطقة وتبدأ المساحة في الزيادة، وقد أصبح هذا الأمر يلفت نظر الجميع، ناهيكَ عن طبيعة مصر الجغرافية، التي تعد هبة إلهية.

ومن هنا بدأ الجميع في الحديث عن تنفيذ المشروعات في مصر بنفس هذا الفكر الخاص بأن تكون الحكومة شريكا مع شركات التطوير الخاصة، كي لا يتم تنفيذ مشروع آخر بجانب المشروع الأساسي، وكذلك لا تُؤخر إدخال المرافق الخاصة بالمشروع، لا سيما أن الهيئة ستكون مستفيدة من خلال شراكتها هذه، وهذه المشروعات يظهر فيها أن الشكل هو بيع، وهذا أمر غير صحيح.. هذه الخطوة ليست بيعًا بل عبارة عن شراكة من خلال نسبة معينة لكل طرف.

وفي هذا السياق، من الممكن إذا بدأنا في اجتذاب مطورين بنطاق مختلف يقدرون على تسويق الوحدات العقارية خارج مصر، أن نحقق الفائدة الاقتصادية التي كنا نتحدث عنها في استقدام أفراد للعيش في مصر يستخدمون أشياء محلية، فضلا عن تشغيل مصانع يعمل بها الكثير من الأشخاص.

في الحقيقة، يعد نموذج الشراكة بين القطاعين ناجحًا جدًّا في القطاع العقاري، وما يشهده من ارتفاع هو أمر طبيعي للغاية في ظل ما يشهده العالم من ظروف، وأضيف أن مصر هي بلد يمتلك مقومات بجانب الفكر القائم والتشريعات، وهذا يجعلنا نكمل في المستقبل في هذه المشروعات.

كريم هلال: حضرتك أضفت رسالة مهمة في حديثك، وأرى أن مشروع رأس الحكمة جاء بالطبع في توقيت حساس ومهم جدًا بالنسبة لنا، وتحدث البعض أن هذا المشروع كان حبل إنقاذ في هذه الفترة التي كانت صعبة.

في حين صور البعض الآخر أن مصر باعت مشروع رأس الحكمة “بيع المزنوق أو الشخص الذي يحتاج أن يبيع بأي شكل لأسباب مختلفة”، لكن هذا الوصف يوضح أن هذا المشروع يمثل نموذج للشراكة لكن على نطاق مختلف لكونه شراكة جذبت قطاع خاص من خارج مصر، وهذا بالطبع أمر مهم جدا لاستقدام الأفكار والتكنولوجيا والحصيلة الدولارية وغيرها، ونحن لدينا مؤهلات كثيرة للغاية لتكرار هذا النموذج من الشراكة.

وسؤالي الآن للمهندس أيمن قرة.. مجموعة قرة تعد بالطبع رائدًا في مجال الطاقة الذكية، قبل أن يصبح هذا اللفظ “موضة ويتحدث عنه كل الناس”، وأعلم أنك غامرت برأسمال من الشركة نفسها لكي تثبت هذه الفكرة، وأنا أرى أن ما نفذته شركة قرة من مشروعات من الممكن أن أقول عنها بشكل مختلف إنها نوع من الشراكة ما بين القطاع الخاص والدولة.. فهل من الممكن أن تعطينا نبذة سريعة عن فلسفتك ونظرتك لهذه الجزئية؟

لمهندس أيمن قرة الرئيس التنفيذي لشركة قرة لمشروعات الطاقة والاستثمار

مهندس أيمن قرة: أبدأ كلمتي بالشكر لجريدة حابي ولحضراتكم على استضافتي، شركة قرة باختصار كانت مجمعًا صناعيًّا، وكانت تحتاج لمزيد من الطاقة الكهربائية، فتراءت المصلحة أن نقوم بعمل محطة كهرباء من خلال إمداد الدولة لنا بالأرض والتصاريح والتسهيلات، ونحن نستثمر، وفكرة محطة الطاقة الثلاثية التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي هي أننا نستخدم المولدات لإنتاج الكهرباء، ومن عوادم المولدات يتم التسخين وإنتاج بخار وكذلك التبريد، وبالتالي يكون هناك منتج واحد هو الغاز الطبيعي وينتج ثلاث صور من الطاقة.

شركة قرة لديها تجربة ناجحة في الشراكة مع الدولة بمجال توليد الطاقة

بصراحة كان هناك تعاون كبير في هذا المشروع من كل الأطراف، وتم إنجازه في المواعيد وبالجودة والمواصفات المطلوبة في استخدام العوادم لإنتاج بخار معدل 16 طنًّا/ ساعة على 10 باور كي يتم تشغيل المصانع وإنتاج الكهرباء المطلوبة وهي 27 ميجا وات، وهذا تحقق، لكن حدثت مشكلة خارجة عن أطراف التعاقد إلى حد ما، وهي أنه عندما بدأ المشروع كان هناك اتزان بين أسعار المدخلات والمخرجات.

أقصد أن سعر الغاز طبيعي في المشروع كان بسعر3 دولارات على سبيل المثال، والكهرباء كانت بسعر معين لكنها كانت متزنة، لكن منذ عامين ارتفع سعر الغاز الطبيعي وكذلك الدولار، أما الكهرباء فلم يرتفع سعرها، وبالتالي أصبحت مدخلاتنا أغلي من مخرجاتنا، وهنا لم ينظر أحد في هذا السياق أن وزارة الكهرباء وسعر الكهرباء في اتجاه، ووزارة البترول في اتجاه آخر.

أسعار الكهرباء تحتاج إلى المراجعة لأنها تسير في اتجاه مغاير لأسعار الوقود

وبالتالي بالرغم من أن شركة قرة من خلال مشروعاتها تخفض انبعاثات كربونية CO2 بنحو 30 ألف طن سنويًا، لكن تفاعل الكربون carbon credit أوالاستفادة منه ليس فعالًا.

كما أننا أيضًا نستخدم عوادم المولدات في “التسخين” وهو ما يوفر استهلاك 25% من الغاز الطبيعي، التي تستطيع الدولة تصديره، وهذا طرف ثالث مستفيد أيضًا ليس محسوبًا في المعادلة.

وبالطبع ننتظر لحين اتزان السياسات السعرية مرة أخرى، وفي وضوء ما أسمعه أن هناك دعمًا للكهرباء بنحو 300 مليار جنيه، في حين أنه في الناحية الأخرى ماذا ستفعل الحكومة.. بهدف تغطية هذا العجز؟

اتزان السياسات السعرية مرة أخرى أحد التحديات المهمة في الطاقة المتجددة

لكن بصورة عامة، هذا المشروع ناجح، وشهد امتيازات كثيرة ويتضمن مفهومًا إيجابيًّا، لكن التحديات جاءت في استقرار السياسات التسعيرية.

كريم هلال: بالطبع، أثرت الظروف التي مرت بها كل القطاعات، ليس فقط قطاع الطاقة خلال الأعوام الماضية، فهي قد واجهت سلسلة من التحديات، ولكن الحمد لله ما زلنا صامدين على أقدامنا.

ننتقل للحديث عن قطاع التمويل، من ضمن المحاور التي تحدثنا عنها أدوات التمويل المتاحة، والتي من الممكن أن يتم تنفيذها لكي تساهم بشكل أو بآخر في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. ما أريد أن أقوله في هذا السياق هو أن الشراكة بين القطاعين وعلى الأقل “ppp” تعتمد في الأساس على التمويل من المؤسسات الدولية. مثل مؤسسة التمويل الدولية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وهذه المؤسسات تقدم تمويلات بمبالغ كبيرة، وحضرتك تعمل منذ فترة في الأسواق المالية بمختلف مجالاتها بما فيها التمويلات الصغيرة والمتوسطة، وهنا أريد أن أطرح تساؤلًا: هل هناك طريقة لإتاحة تمويل يسمح بمشاركة الشرائح الأقل قدرة من الناحية المالية لكي تدخل بشكل أو بآخر في مشروعات الشراكة.. هل هذا أمر وارد أم مجرد حلم صعب؟

ما أقصده فيما يتعلق بأحد المشروعات الذي تعد الدولة شريكًا فيه أو تشتري الخدمة، وهو مشروع مضمون، وبمعنى أيًا كان هذا المشروع، وأن المخرج الخاص به تم بيعه وأن الذي يشتريه لديه ملاءة عالية وبدون أي مخاطرة، وبالتالي يعد فرصة استثمارية مغرية للغاية لمستثمر صغير لكنه لا يمتلك فرصة للدخول فيه.. هل هناك أي فكر جديد من الممكن أن يفيد في هذه النقطة؟

أيمن الصاوي الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة بكرة القابضة

أيمن الصاوي: هناك قاعدة لدينا في قطاع التمويل، وهي أنه لا يوجد أي مشروع غير قابل للتنفيذ، وذلك في حالة كون أساسه صحيحًا fundamentally، بجانب أن تكون العلاقات التعاقدية الخاصة به واضحة وصريحة، والعائد من ورائه واضحًا، حتى لو كان متغيرًا. لكي أوضح أكثر: التمويل دائما يُنظر إليه في مصر، وهنا سأضيف كلمة وعكسها، على أنه شيء جانبي، ما أقصده هو أني لكي أحصل على التمويل فإنني يجب علىَّ الذهاب للبنك للحصول على القرض والبنك يمول المشروع، في ضوء اطلاع موظف البنك في النهاية على العقود.

الدراسات السليمة أساس التمويل.. وجميع الأدوات متنوعة ومتوفرة في مصر

وفيما يتعلق بالمخاطر risks الخاصة بالمشروع، والذهاب لإعادة الجدولة، وهذه الجزئية تتضمن الكثير من النقاط مثل تأخر الشريك أو حدوث مشكلات معينة وغيرها”، وهنا دائمًا ما نظلم التمويل، وأنه ليس متاحًا، أو غير موجود، في حين أنه لو تم تنفيذ المشروع بصورة صحيحة وبني على أساس صحيح fundamentally، فإنه سينجح، وهناك برتوكول يجب أن نمر به بدءًا من إعداد دراسة جدوى سليمة، وكذلك تحديد للمسؤوليات ما بين الدولة والقطاع الخاص، وتحديد كيفية التعامل مع المخاطر وكيفية معالجتها؟ وبناءً على هذه الخطوات يُخلق التمويل على كل المستويات بدءًا من المستوى الأول “الدولة” وحتى المستثمر.

هناك مقومات لنجاح أي تمويل من بينها أن يكون المشروع واضحًا

أضيف أن أي تمويل يُبنى على تقديم قيمة مضافة للاقتصاد، بجانب أن المستثمرين الذين يعملون على المشروع يقدمون قيمة مضافة added value، ستجد أن الممولين يدفعون التمويل الخاص بهذا المشروع، وسيحقق العائد منه، وحتى عندما تحدث أي مخاطر أو تأخر في النشاط ، وخير دليل ومثال هو المشروعات العقارية، فعندما يحدث تأخر في تنفيذ المشروع نجد أن السعر يزيد.

وفي هذا السياق، رأينا أمثلة ناجحة للشراكات بين القطاع الخاص والحكومة، وذلك لأن الدولة تعاملت معها بشكل سليم، ورأينا أيضًا أمثلة أخرى لم تنجح أيًا كانت الأسباب، وهنا أريد أن أسترجع مثال وجود شركة سيتي إيدج في بدايتها الأولى، وما تم قوله في البداية هو أن الدولة ستدخل لمشاركة القطاع الخاص وستأخذ الدور من الشركات.. لكن كان الدور واضحًا، هو عمل سيتي إيدج في العاصمة الإدارية، لتنمية مناطق كبداية لدخول القطاع الخاص فيما بعد للعمل، لأنه لو تم انتظار هذا القطاع فإنه لن يقوم بعمل شيء، ولا حتى يستطيع الحصول على تمويل لأنه يحتاج حماية من الدولة.

فالدولة تَدخُل في المرحلة الأولى إلى حد ما، ودورها ينتهي ويدخل القطاع الخاص يكمل الفترة التي تليها، ويبدأ يبني للاستفادة capitalize مما قامت به الدولة، وهذا ما أراه الاتجاه الصحيح في أي مشروع.

إذن هناك عدة مقومات لنجاح أي تمويل، ومن بينها أن يكون المشروع واضحا، فمثلًا عند الحديث عن تطوير مناطق معينة نخلق قيمة منها فإنه من المهم أن تدخل الدولة في هذا السياق، على أن يتم التنفيذ بإدارة من القطاع الخاص.

وهنا من الممكن أن تكون حماية الدولة عبارة عن شراكة أو الدخول بالأصل، ولكن في النهاية تكون الإدارة من القطاع الخاص.

وهذا الأمر دائمًا ما نقوله: إن القطاع الخاص والعام هما نفس البشر ونفس المصريين الذين يديرون المشروع، ولكن حرية اتخاذ القرار، وعدم المساءلة في الأخطاء التي من الممكن أن يتخذها البعض، وكذلك عدم محاسبة الشخص في حالة تعرضه للخطأ، وعدم تصوير هذا الخطأ بأنه إهدار مال عام.. هل هناك أي رجل أعمال BUSINESS MAN نجح ولم يخطئ أو لم يتخذ قرارات خاطئة.. الخطأ غير مسموح به في قرارات الدولة.. في حين أن أي شخص قد يتعرض للخطأ.

أدوات تمويل سوق المال تضمن الحوكمة اللازمة لنجاح المشروع

فالفكرة كلها هي أن الدولة تدخل للمشاركة في المشروع، خاصة لو أننا نريد أن نطور إحدى المناطق، ويتضمن هذا المشروع مخاطرة كبيرة، وهذا المشروع سيكون بإدارة وحرية تامة للقطاع الخاص، لأن هذا هو الأمر السائد في العالم، وأضيف في هذا السياق أن التكنولوجيا نفسها تتضمن صعودًا وهبوطًا ups and downs فنحن تقوم بالتجربة لحين الوصول إلى مرحلة الابتكار، وهذا هو الطريق السليم.

النقطة الأخيرة التي أود أن أضيفها لكي لا أطيل على حضراتكم، هي أن طريقة تمويل الدولة لمشاريعها من المهم أن يكون فيها نوع من أنواع الابتكار. يعني بصورة أوضح أنه عندما نستهدف تمويل أحد المشاريع فيتم إصدار أذون خزانة أو سندات خزانة، بالرغم من أن هذا الأمر سيحمل الدولة أعباء بالموازنة.

فالنقطة الجيدة في هذا الموضوع، وهي ليست مجاملة، هي أن مصر-مقارنة مع السعودية والإمارات اللتين تعرفت على تجربتهما– توجد فيها جميع أدوات التمويل، ولا يعلمها الناس مثل الصكوك والتوريق securitization وسندات الشركاتcorporate bonds والصناديق، وصناديق العقار، وصناديق رأس المال المخاطر وكل وسائل التمويل اللي يمكن توفير التمويل الصحيح من خلالها.

وهنا أطرح تساؤلًا حول ما هو التمويل الصحيح والخاطئ؟ والتفريق بينهما يكمن في أن يكون التمويل الخاص بأي مشروع واضحًا وتستطيع أن تتعرف على مخاطره وإيراداته وكذلك مصروفاته ومن الذي يدير المشروع، وما هي المعرفة والتكنولوجيا knowhow المستخدمة فيه، وبناءً على ذلك، أقول لحضرتك إنه إذا اتضحت جميع هذه الجوانب في أي مشروع فسيتم توفير التمويل الخاص به في وقت قصير للغاية in no timeبأي مبالغ يريدها، ولذا من المهم في هذا السياق توفير المستثمر الوضوح للممول حول المشروع ورؤيته ومخاطره، وفي حال حدوث المخاطر كيف سنعالجها؟

أضيف أيضًا إن المشكلة التي تحدث في بعض الوقت عند توفير التمويلات تتمثل في الحصول على ضمانات وزارة المالية، ثم التوقيع على المشروع من قبل المستثمر والوزارة، ولكن هذه الأموال تذهب، في ضوء عدم وجود رقابة على المشروع أو حوكمة على تفاصيله.

وبالتالي ما أقصده هو أنه إذا توجهت الدولة لإيجاد وسائل تمويل من سوق المال فبناءً عليها ستوجد الحوكمة التي بناءً عليها سيحدث فصل segregation في المشروعات، وسنحدد حجم تمويلها ومن سيضع رأس المال فضلا عن مراقبة دراسة الجدوى، فبالتالي سينجح هذا المشروع بنسبة 90% ولن يحدث أن تذهب الأموال ولا تعود.

كريم هلال: سأعود لطرح سؤالي مرة أخرى لجميع المشاركين في الجلسة.. بالنظر لنتيجة الحديث الذي أثرته حضرتك يا أستاذ أيمن فيما يتعلق بأهمية الوضوح والشفافية في المشروع الراغب في الحصول على تمويل، وأرى أن رأس المال لا يحتاج سوى هذين العنصرين.

بخصوص أفضل مثال ذكرته حضرتك لتمويل المشروع، وأن يكون مدروسًا من كل جوانبه، بما في ذلك العائد.. من وجهة نظري لا توجد مشروعات تستوفي كل هذه الشروط، مثل مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص ppp التي تشرف عليها وحدة الشراكة، لأن الشركاء الممولين فيها أو المنفذين لها على أعلى مستوى من الحرفية، ويمتلكون القدرات الفنية الهائلة اللازمة.

وبالتالي عند طرح أي مشروع ppp، يكون عائده كبيرًا، كما أنه واضح ومضمون لأن الجهة القائمة عليه مضمونة، لكن السؤال هنا: لماذا نحن حتى الآن لسنا قادرين على عمل صندوق يكون متاحًا لصغار المستثمرين، يكون الهدف منه أن يستثمر ويدخل في بعض هذه المشروعات التي تُطرح بنظام الشراكة بين القطاعين، وهو مصدر تمويل جديد، بالطبع لن يقوم بتنفيذ المشروع كله لكنه سيسهم في خلق أداة جديدة للاستثمار والادخار، ونحن اقتصادنا يعاني من ضعف معدلات الادخار كما نعلم جميعًا، وفي نفس الوقت ستسهم هذه الخطوة في رفع الثقافة المالية، وهذه أيضًا تعد من الجوانب التي نحتاج عملها لكي تأخذ سوق المال وضعها الحقيقي.. فهل من الممكن من الناحية الاقتصادية تنفيذ هذه النقطة أم لا؟

أيمن الصاوي: أريد أن أرد ردًّا واقعيًّا، كان لدي سابقة أعمال في أحد المشروعات مع الأستاذ عاطر حنورة، ولا أعلم إن كان يتذكرها أم لا.. كنا في هذا المشروع نمول مشروع طاقة شمسية، وأحد التحديات التي كانت موجودة ما ذكرته حضرتك فعليًّا هو الذهاب للبنك، وفي هذا الوقت لم تكن هناك الوسائل التقليدية أو المبتكرة الموجودة حاليًا على صعيد التمويل، ولكن في البنك وجدنا تكلفة التمويل مرتفعة، لكن اضطررنا أن نحصل عليه.

وفي هذا الوقت كنت أعكف على مشروعين للطاقة الشمسية، في ظل اتجاه الدولة لعمل مشروعات الطاقة الشمسية في بنبان وغيرها من المشروعات، وكانت هناك تحديات للتمويل طويل الأجل للمشروعات، وأولها أهمية الحصول على هذا التمويل من البنك -كتمويل طويل الأجل- ولكن البنك يؤكد أنه لا يمتلك هذا النوع لأنه يحتاج لتمويلات خلال فترة تتراوح بين 15 إلى 20 عامًا لكي يغطي العائد جميع جوانب المشروع.

ولذا كان الحل الوحيد في هذا الوقت هو التمويل من الأفراد عبر خلق منتج تمويلي منهم، سواء من خلال الصناديق أو الصكوك، وخلال هذه الفترة لم نكن نعرف الخطوات لأننا لم نكن نمتلك الأدوات التمويلية، مع العلم أن مشروع مصر في إنشاء قناة السويس الجديدة شهد تحقيق ما ذكرته حضرتك، وتم جمع الأموال من الأفراد.

كريم هلال: “من تحت البلاط”.

أيمن الصاوي: بالفعل من تحت البلاط، وأنا أريد أن أضيف لحضرتك أننا في شركة بكرة القابضة، عندما دخلنا كنت أعتقد أنه لا يوجد ادخار بمصر، ولكن الادخار موجود، لكن الاقتصاد غير الرسمي ومما أراه لا يمثل 3 أضعاف كما يُثار، بل 5 إلى 6 أضعاف الاقتصاد الرسمي.

كريم هلال: صحيح

أيمن الصاوي: الادخار موجود ولكن بأسماء مختلفة.

الدكتور أحمد عبد الحافظ: اكتناز.

كريم هلال: الادخار يأخذ طرقا وأشكالا مختلفة.

أيمن الصاوي: أنا أسميها أن الادخار يأخذ أسماء مختلفة، فانظر كم شخص يدخر ذهبًا في خزانته أو أشخاص آخرون يدخرون 500 أو 1000 دولار، وأشخاص يشترون عقارات. بالفعل إنه اكتناز، وبالتالي الادخار موجود، لكن كيف تذهب لمخاطبة هذا الشخص المُدَّخر لتحفزه على الاستثمار وبضمان من الدولة؟

كريم هلال: بالفعل، هذا الأمر موجود، والفكرة التي أقولها كيف نستخدم هذه الأموال ونحولها من الاقتصاد الرمادي كما نقول إلى القنوات الشرعية التي تصب في صالح الاقتصاد الكلي؟ ماذا عن رأيك في هذا السياق دكتور أحمد عبد الحافظ؟

الدكتور أحمد عبد الحافظ: بالطبع، نحن لدينا مشكلة في الثقافة المالية بشكل كبير، وهذا الكلام موجود وأراه طبقًا لعملي في التدريس بالجامعة ، وأريد أن أخبر حضرتك أن الثقافة المالية نفسها لدى أعضاء هيئة التدريس ليست عالية، حتى المتخصصون في هذه الجزئية أيضًا بعيدون جزئيًا.

في هذا السياق نحن نتحدث عن جامعة فيها طلاب، وهؤلاء الطلاب عندما يخرجون للسوق لا يجدون شيئًا للاستثمار سوى الوديعة البنكية والشهادات.

بخلاف هاتين الوسيلتين، وبالبحث عن أفضل الأدوات التي يستثمر الأفراد أموالهم فيها.. هناك من يشتري قطعة أرض أو ذهبًا أويضعهم “تحت البلاطة” وغيرها من الوسائل، لكن في النهاية حجم الادخار الموجود في مصر قليل للغاية، لا تتعدى نسبته 15% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن المعدل العالمي لا يقل عن 25%، وهذا رقم بالنسبة إلينا بعيد، وهذه إحصاءات رسمية.

اليوم، حضرتك تريد تنفيذ مشروعات، هناك الكثير من الأشياء التي يمكن استغلالها مثل بورصة الشركات الصغيرة.. لكن هذه الشركات هل تقوم بزيادة رأس المال والإنتاج والتوسع.. هل هذا يحدث؟ لا أراه.

كريم هلال: عن تجربة شخصية.. أنا كنت عضو لجنة بورصة النيل في البورصة المصرية عندما بدأ تنفيذ الفكرة، وانسحبت منها لأن العملية كانت غير جدية، وتفتقد كل متطلبات أي بورصة سواء كمروج أو كشركة ولا أعتقد أن الوضع اختلف كثيرًا.

الدكتور أحمد عبد الحافظ: بالضبط، فنحن اليوم عندما نتحدث، وفي ضوء التحديات الاقتصادية التي كانت تعانيها مصر خلال الفترة الماضية، وكان سعر الفائدة مرتفعا للغاية، وكانت أي شركة قطاع خاص private sector أو حتى من القطاع الحكومي تريد الحصول على قروض loans أو تمويلات كانت تدفع أرقامًا كبيرة تتجاوز 34% أو 35% كفائدة، وهنا السؤال: ما هي الشركة التي ستعمل بهذه المعدلات من الفائدة، بجانب أنها تواجه ارتفاعًا في أسعار الكهرباء فضلًا عن التحديات الأخرى، وبالتالي من سيعمل في هذه الظروف؟

ماذا عن التوسع من خلال سوق الأوراق المالية، وهذا هو دورها الأصلي عبر مساعدة المستثمرين للدخول وتمويل مشاريعهم، ووضع خططهم والتوسع وزيادة رأس المال، وهذا أراه يحدث بصورة قليلة.

هناك أداة مهمة أيضًا، وهي: صناديق الاستثمار، والتي من الممكن أن نستخدمها في العديد من الاستخدامات لعمل صندوق زراعي وعقاري وغيره، اليوم أغلبية الناس لا يعلمون ما هي صناديق الدخل الثابت، ويستثمرون بدلًا منها في الودائع البنكية، والتي يأخذها البنك ويستثمرها في سندات وأذون الخزانة treasury ويعطي المستثمرين من حصيلتها وعائدها مبلغًا بسيطًا ويأخذ الدخل المتبقي.

أرى أن هذا الأمر غير موجود في أماكن كثيرة بالدولة، وأغلب الشركات والأماكن بها لا تضع أموالها في مثل هذه الصناديق، ومن الممكن أن الأمور بدأت تتحسن إلى حد ما في الفترة الأخيرة، واليوم عندما تتحدث إلى أي شخص وتقترح عليه جدوى استثمار أمواله -إذا كان يمتلك عملات أجنبية مثل الدولار وخلافه- مثلًا في سندات اليورو Eurobond، أو أذون الخزانة treasury ، فيكون رده الاستفسار عن هذه الأدوات لعدم معرفته بها رغم أن هذه الأدوات التمويلية يستطيع من خلالها أي شخص جني عوائد أكبر، وتستطيع أيضًا عمل صناديق استثمار في قطاع معين وتطور هذا القطاع.

على سبيل المثال، أنا أريد تطوير قطاع السياحة بمصر، ماذا عن تأسيس صندوق استثمار كبير للغاية ويتضمن اكتتابًا كبيرًا لعمل شقق فندقية على سبيل المثال تخدم المتحف المصري الكبير، وهنا أعطي مثلًا: أين مثل هذه الأدوات، أين المتخصصين الذين يفهمون ويوعون الناس في مصر بهذا الأمر.. فالثقافة المالية التي لا تزال في الحقيقة قليلة للغاية.

كريم هلال: هذا صحيح، بالطبع مصر تمتلك مقومات كثيره للغاية، وقدرتنا على الابتكار أرى أنها موجودة بكثرة، وهنا أنتقل بالحديث إلى أيمن قرة، الرئيس التنفيذي لشركة قرة لمشروعات الطاقة والاستثمار.

أيمن قرة: لدي استفسار أضيفه في هذا السياق.. ماذا عن الاستفادة من تجارب الغير، مثل ماليزيا التي تعد من الدول الناجحة والمشجعة للمشروعات العاملة بنظام Micro PPP، وهي المشروعات المتوسطة والصغيرة، أيضًا من المهم في الجدوى الخاصة بأي مشروع تحديد حجم الاستثمار، ووضوح الحوافز والعائد، فالمشروعات التي تطرح في الأساس تحتاج غالبيتها مقدرة مالية مرتفعة، وهنا مشروعات من الممكن أن يكون حجمها متوسطًا وصغيرًا، وبالتالي تبدأ تجذب رؤوس الأموال والتمويلات.

أيضًا هناك أمور مهمة مثل: روح القانون وإدارة العقد وكيفية سرعة فض المنازعات، وهذه أمور أساسية تحتاجها جميع الشركات الكبيرة والصغيرة، وكيف يكون هناك إرادة سياسية لإنجاح هذا النوع من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

كريم هلال: السؤال هنا كيف أستطيع أن أوظف هذه الأموال وأشجعها وأطمئن المواطنين على توظيفها.. أرى أن أكثر الأفكار التي يُمكن ان تُطمئن الناس هي أن تكون الدولة والمؤسسات الدولية شريكة لهم في مشروع من المشروعات التي تطرح بنظام الشراكة، وهنا سيدخل الناس وهم “مغمضي العينين” لا سيما في ضوء عمل المؤسسات التمويلية وضخها مبالغ كبيرة، وضمان العائد، وهنا لا يوجد تقريبًا مخاطرة، ولكن لا توجد الآلية التي تمكنني كمستثمر صغير أو حتى متوسط من الدخول في شريحة من هذه المشروعات المطروحة.. أرى أنه من الممكن أن تنفذ هذه الفكرة لدى شركة بكرة القابضة يا أستاذ أيمن الصاوي.

أيمن الصاوي: بالفعل نحن نفذنا هذه الخطوات، هذه الفكرة التي أثرتها حضرتك هي الفكرة الخاصة بشركة بكرة، وهي كيفية تمكين صغار المستثمرين الذين يستهدفون استثمار أموالهم ويحصلون على عائد لتمويل المشروعات، وأصدرنا في شركتنا صكوكًا بنحو 3 مليارات جنيه لشركة تمول المشروعات الصغيرة، وفي هذه الخطوة تفاجأت بصراحة لأني كنت أعتقد أني سأجاهد لأقنع الناس، لكننا في بداية إعلان الموضوع أدخلنا حوالي 7500 مستثمر جديد يستثمرون في أوراق مالية مقيدة في البورصة، ويتنوع الاستثمار في هذا السياق ما بين مبالغ بقيمة 500 جنيه و1000 جنيه و5000 جنيه.

ومن الضروري عند القيام بهذه الخطوة ألا تخبر الناس أن يقوموا بالاستثمار، لأن هناك فجوة تتمثل في أسلوب توجيه الخطاب؛ فإذا أخبرت شخص أن يستثمر في البورصة سيخبرك أنه سيخسر لأن لديه قناعة بأن الاستثمار في البورصة سيكبده خسائر وأن البورصة تنهار، ويرفض هذه الخطوة، لكن إذا أخبرت نفس الشخص أن يقوم بخطوة الادخار “التحويش” فسيرحب بالفكرة، وهنا ما أقصده هو طريقة مخاطبة الشخص لتحفيزه على استثمار أمواله.

الدكتور أحمد عبد الحافظ: وهذا الأمر يرجعنا للحديث عن الثقافة المالية.

أيمن الصاوي: لا نقولها ثقافة مالية، ولكن نخاطب المصريين من المنطلق الذي تحدثت عنه سابقًا، وهو “تحويش أموالك التي تضعها تحت البلاطة”، وفي هذه الحالة سيخبرك هؤلاء الأفراد بأنهم يدخرون أموالًا وسيوجهونها للاستثمار، وهذه فكرة شركة بكرة القابضة.

هذه الجملة سمعتها يومًا من أحد العاملين في خدمة العملاء، كنت أسأله لماذا لا يستثمر أمواله فرد بأنه ليس معه أموال، قلت له وأنا أستمع إلى المكالمة الصوتية ماذا عن استثمار أمواله في إحدى الأدوات التمويلية، فرد قائلًا: الفلوس التي أضعها جانبًا، وهذا الأمر أظهر أنه يدخر أموالًا، وهذه الطريقة من الخطاب مع المصريين مهمة للغاية.

ولذا من المهم بناء الثقة مع المصريين لوضع واستثمار أموالهم في مشروع معين، بجانب ضرورة الالتزام والوضوح عند الحديث عن هذا المشروع، فيجب توضيح كل المعلومات عن المشروع، بما في ذلك حجم عائده وأنني كصاحب المشروع سأرجع للمستثمرين هذا العائد، وأنني أيضًا شريك معهم في هذا المشروع.. لماذا مشروع قناة السويس الجديدة نجح؟ لأنه يمتاز بأنه واضح، وهو عمل قومي، ويتضمن عائدًا واضحًا في توقيت معين، ودعني أخبر حضرتك أننا ليس لدينا في مصر أزمة أموال، سواء في الصعيد والدلتا وغيرها من الأماكن.

سأضيف كلمة أخيرة، عندما ترى اقتصادًا مبنيًّا على سبيل المثال 250 من الأشخاص الذين يجمعون الأموال من الناس، والذين يُطلق عليهم وصف “المستريح” ويجمعون مبالغ مالية بالمليارات من المواطنين؛ فنحن لا نعرف كيف نخاطب المواطنين ونحفزهم على الاستثمار، في حين أن “المستريح” لديه الفكرة حول كيفية مخاطبة المواطنين، وبالتالي الفكرة هنا تكمن في كيفية الحديث مع المواطنين.

كريم هلال: أعتقد أن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الممكن أن يتسع، وتكون له اشكال كثيرة للغاية، ولا أعتقد أن هذه المقومات توجد لدى دولة أخرى.

سأطرح سؤالًا أخيرًا على الأستاذ عاطرحنورة حول حديثه عن نموذج الشراكة بين القطاعين، والعقود وحجم المشروعات وأهميتها والشركاء.. وهذه أمور جيدة للغاية، ولكن سؤالي: لماذا هذه المشروعات غير معروفة؟ لماذا لا يوجد تسويق أكثر عنها سواء داخليًّا أو خارجيًّا؟

عاطر حنورة: للأسف، حجم مشروعات الشراكة بين القطاعين وكذلك قوة وخبرة الوحدة المركزية للمشاركة في مصر معروف خارجيًّا أكثر من داخليًّا، نحن أصبحنا كوحدة مركزية وحدة مرجعية في المنطقة العربية وقارة إفريقيا من قبل الرابطة العالمية لوحدات الشراكات بين القطاعين العام والخاص world association for ppp بدليل أنه تزورنا بعثات من إفريقيا حاليًا لننقل لهم خبراتنا وما نفذناه بصورة صحيحة وخاطئة، وكيف صححنا الأخطاء على مدار 19إلى 20 عامًا الماضية.

وأضيف أن المشكلة التي حدثت في الفترة الماضية هي أننا واجهنا فترات صعود وهبوط كثيرة، فعندما بدأنا في عامي 2006 و 2007 اتسمت هذه الفكرة بالانتعاش والازدهار، وكنا نتعلم ونبرم بعض المشروعات، ومنذ عام 2011 وحتى 2015 كانت هناك فترة هبوط في مصر كلها، وليس على صعيد مشروعات الشراكة بنظام ppp فقط لأن المستثمر كان يشعر بالقلق للدخول وقتها، ودائمًا الاستثمار القلق مكلف جدًّا.

النقطة المهم إضافتها في هذا السياق عن هذه الفترات، أنه حتى شركات الاستثمار أو الشركات المصرية لم تقدم على بعض المشروعات، وهذه نقطة مهمة جدا، خاصة أننا نتحدث دائما عن دخول الاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص الأجنبي.

إن رأس المال الأجنبي لن يأتي للاستثمار محليًّا إلا إذا كان رأس المال المصري يعمل براحة، فهذه نقطة مهمة، وهنا من المهم الاهتمام بالمستثمر المصري أو إنشاء بيئة استثمارية تجذب المستثمر المصري، لأنه هو الذي سيجذب المستثمر الأجنبي.

ففيما يتعلق بالشركات التي تأتي للوحدة للتنافس على مشروعات الشراكة بين القطاعين، نجد أن عددها تزايد بشكل ملحوظ خلال العام ونصف العام الماضيين، فنحن كنا نطرح المشروع وتأتي لنا شركات مؤهلة نحو 3 إلى 4 شركات، أما اليوم عندما يتم طرح المشروع يبلغ عدد الشركات المؤهلة 8 إلى 9 شركات، وفي بعض مشروعات التحلية بلغ عدد الشركات المؤهلة 17 شركة “مصرية وأجنبية”، ومعظمهما تحالفات بين شركات consortium.

وأوضح أن هذه التحالفات عبارة عن شركة مصرية قرأت عن المشروع ولكن ينقصها الخبرة وبعض التمويل، وهو ما تحصل عليه من الخارج وتكون تحالف عن شريك أجنبي، وآليات الوحدة لدينا تسمح بالتحالفات وتنظمها بشكل سلس للغاية.

الجدير بالذكر أيضًا أنه قد بدأت شركات صغيرة أو بالأحرى متوسطة تكون تحالفات لكي تحقق معايير التأهيل للدخول في مشروعات مشاركة، صحيح منها مشروعات كبيرة بقيمة تتراوح بين 600 إلى 700 مليون دولار، وهذه لن تقدر الشركات الصغيرة الدخول فيها حتى عن طريق تحالفات، لكن هناك مشروعات بقيمة 100 مليون وأخرى بقيمة 50 مليون دولار، وهنا الشركات الصغيرة بدأت في تكوين التحالفات مع الشركات الأخرى، والمنافسة على هذه المشروعات، ووحدة الشراكة تسمح لها وتضع المعايير الفنية التي تسمح لها بتنفيذ مثل هذه الخطوة، والنقطة المهمة في هذا الموضوع هي أن هذه المعايير الفنية لا يوجد فيها حلول وسط.

كريم هلال: بالطبع، وسنعود إلى أيمن الصاوي في هذه النقطة حول أهمية وجود أدوات تمويل متاحة لمثل هذه الشركات لتشجيعها على الدخول والمنافسة في المشروعات.

عاطر حنورة: صناديق التمويل هذه كانت نقطة مهمة جدًّا بالذات للشركات الصغيرة والمتوسطة، لأن الشركات الصغيرة حينما تتعامل مع البنوك، فإن البنوك تعاملها معاملة أخرى، وهذه الطريقة في التعامل تختلف إذا ما تعاملت هذه الشركات مع شركات أخرى ذات ثقل، وهنا يجب أن يكون هناك داعم أو مساند للشركات للدخول في مشروعات الشراكة بين القطاعين.

النقطة المهمة التي أريد أن أضيفها، حاليا في وحدة الشراكة لدينا مشروعات معدة للطرح وتحت الطرح بنحو 1.7 مليار دولار “بقيمة 70 إلى 80 مليار جنيه مصري” وهي متنوعة ما بين مشروعات تحلية وصرف صناعي وصرف صحي وتدوير مخلفات ومشروعات في نطاق النقل، كما أن وزارة الصحة تعمل حاليًا في تجهيز عدة مشروعات.. وهذه المشروعات متنوعة ومنها مشروعات بقيم صغيرة مثل أننا طرحنا مجموعة من المدارس بواقع 24 مدرسة بنجاح شديد، وللأسف هذه المدارس مولت كلها من خلال نظام حصة الملكية في الشركات “Equity” ولم يكن فيها تمويل بنكي، حيث أنه لو كان قد دخل التمويل البنكي فإنه كان سيخفض التكلفة الكلية overall cost الخاصة بالمشروع.

أيمن الصاوي: أنا لدي تعليق أود أن أضيفه، عند طرح أي مشروع قد يلجأ صاحب المشروع لتمويل نفسه من خلال أساليب التمويل التقليدية سواء خاطئة أم صحيحة.. هذا الشخص هو متخصص في قطاعات معينة كالزراعة والصناعة لكنه غير متخصص في التمويل، وعند الاعتماد على الأساليب التقليدية في التمويل، وعودته مرة أخرى للشركات العاملة معه للحديث عن شرط معين لإرضاء الجهة التمويلية، ولذا في هذه الحالة يجب أن توفر العلاقات التعاقدية الوضوح بين الأطراف المتعاملة.

وأنا قد عُرض على مشروع رفضته لأسباب تتعلق بعدم الوضوح، كان مشغل المشروع جيدًا، لكن كان هناك عدم تطابق للتدفق النقدي mismatch in cash flow، بين الأموال الداخلة والخارجة، وكان لا يستطيع التفاوض معي، ما جعلني أرفض في النهاية توفير التمويل.

وأقول هنا إنه لو حدث نوع من أنواع الـ matching in cash flow في هذا المشروع، كنت سأدخل من خلال شركتي، وتشكيل صندوق استثمار ونخلق لها التمويل الخاص بها، وهذه آخر نقطة أريد أن أقترحها في هذا السياق على حضراتكم، لأن تطبيقها سيحدث فرقًا مختلفًا تمامًا.

عاطر حنورة: أريد أن أوضح نقطة، وهي أن أي مشروع نطرحه نعلن عنه وهذا يعرف بـ publication ونبدأ قبل طرحه نتحدث مع بعض البنوك الدولية والمحلية، ونحن في وحدة الشراكة بصدد طرح مشروع بهذا الشكل والحجم، وسنحدد دور القطاع الخاص والحكومي وتوزيع المخاطر، وهذا مهم لسبيين، هما: إعطاء البنوك فكرة عن المشروع بحيث عندما يأتي لهم القطاع الخاص فإنه يكون لديه فكرة عن المشروع، وأيضًا أريد أن أحصل على رد الفعل منه فيما يتعلق بالمشروعات.. فأنا عندما يكون لدي مشروع بهيكل معين، وأستمع لوجهة نظر البنك حول كيفية التنفيذ لكي يكون بسعر منخفض، والكثير من النقاط التي تقترحها البنوك ننفذها، لا سيما أنه يعلم حجم المخاطر لأنه موجود في السوق، والمستشارون في الوحدة قدروا حجم المخاطرة على المشروع، ويقيموها ولكن تقييمهم يختلف عن المتعاملين في السوق الذين في بعض الأحيان يرون حجم المخاطر أقل مما نراها.

النقطة الأخيرة فيما يتعلق بجزئية الشفافية والإعلان، هي أننا في طريقة الطرح الخاص بنا في مشروعات الشراكة بين القطاعين نختلف عن أي طرح موجود في مصر في أننا نقدم كراسة الشروط والمواصفات ليس فيها شروط أو مواصفات -في حقيقة الأمر- هي مرفق بها مسودة العقد كاملة بملاحقة (15 ملحقًا)، كما نتيح للقطاع الخاص التعرف على التزاماته وحقوقه وشكل انهاء العقد termination، وكل الأحكام والتعويض compensation وكل ما يريد أن يفهمه من العقد.

وأضيف أن توفير الاستفسارات و feedback من الشركات للوحدة يفتح المجال حول أنه إذا وجدت نقطة لا تعجب الشركات في العقد، وتقترح تعديلها، وبشرط عرض سبب ذلك، تقوم الوحدة بتجميع كل النقاط و”نقبل أو لا نقبل التعديل” ثم يجري تعديل العقود أثناء الطرح وإرسال النسخة الأخيرة من العقود للقطاع الخاص.

أيمن الصاوي: سأضيف نقطة في هذا السياق هي أهمية جعل العلاقة التمويلية ثلاثية وليست ثنائية، بمعنى أن لديك جهة التمويل أيًّا كانت، صكوكًا أو أوراقًا مالية أو بنوكًا، وأن يكون للعلاقة ممثل، بجانب أن من يقدم المشروع يكون هو مشغله وهنا العلاقة تكون واضحة بين 3 أطراف، وليس طرفين على مائدة التفاوض.

المهندس تامر ناصر: أريد أن أشير إلى تعليق خاص بمجال التطوير العقاري.. يوميًّا نقرأ أن الشركات تقوم بعمل شراكة مع البنوك للحصول على تمويلات بمليارات الجنيهات، الموضوع بالنسبة لنا ليس صعبًا للحصول على تمويل لأن في مشروعات التطوير العقاري معروف لنا أن المصريين يريدون شراء العقار، ولكن المشكلة الكبيرة لنا هي التكلفة على التمويل فالمطور العقاري في مصر -غير أي دولة أخرى- هو الممول للمشروع، وهذا خطأ.

وأنا كمطور أقوم ببناء المشروع في فترة ما بين 3 الى 4 سنوات، بالتأكيد ليس مكسبي 100 في المئة لكي أغطي كل التكاليف، ويكون العجز النقدي لدي مرتفعًا cash deficit، وهذا موضوع بدأ يزيد بخلاف مسألة العملة والتضخم وزيادة أسعار مواد البناء يوميًّا، كما أن الشركة لا بد أن تأخذ في اعتبارها هذه المخاطر، وأقوم بالتحوط، لأن أمامي فترة 7 سنوات لاسترجاع الأموال التي أنفقتها في المشروع، فهنا الوسائل التقليدية في التمويل أصبحت متاحة والبنوك والجهات تفضل توفير تمويلات لشركات التطوير العقاري.

ونحن بدأنا -فيما يتعلق بالتمويل في الشركات حاليًا- العمل على شقين: الأول هو موضوع الصناديق العقارية، وهنا من المهم القول إن التشريعات والقوانين وطريقة التعامل معها في مصر بدأت في آخر عامين تقف في أول الطريق، وهذا شيء مهم.

الشق الثاني الذي أود أن أضيفه هو بدء العمل في مجال التطوير العقاري على ما يسمى “البيع بالحصص”، هناك شركات بدأت إدخال category معينة، وعمل حصص، ودائمًا كل شيء في بداياته يكون عليه تخوفات لحين عمل تشريع لتنظيمه.

ونحن في الشركات ونتيجة للزيادة السعرية التي حدثت في عامي 2023 و2024 وما حدث فيها من مشكلات، بدأنا التفكير في الحلول الخاصة به، ونعول على التشريعات والتشجيع على أن تساعدنا، وهناك شيء آخر نعمل عليه أيضًا، وهو تحقيق الاستدامة الخاصة بالمشروع، وكذلك جهات التمويل الأجنبية التي توفر تمويلات منخفضة جدًّا، ومن الممكن أننا في مصر ما زلنا في مرحلة البداية في هذا السياق.

كما أن وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية أعلنت الأسبوع الماضي بيانًا فيما يتعلق بمسألة الاستدامة، وأنها بجانب جهات خارجية تحاول تقديم حوافز لكي نكون قادة في هذا القطاع.

النقطة الأخرى التي أريد أن أضيفها في هذا السياق وتمثل مشكلة كبيرة، وهي تمويل من يشتري من شركات التطوير العقاري، وهذا أمر “شبه غير موجود”، ففي مصر لا يوجد هذا الأمر نتيجة الفائدة المرتفعة، وهذا أثر بصورة ضارة على الشركات.

التطور الحادث في القطاع كان من الممكن أن يكون أكبر، وذلك رغم أن الناس تراه تطورًا كبيرًا -لكنه كان من الممكن أن يصبح أكثر بمعدل 3 الى 4 مرات- وذلك لو كان هناك وسائل تمويل عقاري تحفز الناس على الشراء أكثر مما يحفز الشركات على بناء وتطوير مدن أكثر، واستقدام مستثمرين من الخارج للاستثمار بمصر وهكذا.

كريم هلال: هذا الموضوع يتضمن ألغازًا، كيف أنه في ضوء هذه المتغيرات التي ذكرتها حضرتك، وأنا هنا أتحدث تحديدًا على السوق العقارية، كيف لا يوجد 20 أو 30 صندوقًا عقاريًّا؟ وهذا أمر حقيقي يمثل لغزًا.. في هذا السياق حدثت محاولتان لطرح صناديق عقارية في وقت سابق، وفشلت المحاولتان، وأعطوا اسمًا غير جيد للصناديق العقارية، ومن الناحية الأخرى التشريعات التي سنتها هيئة الرقابة المالية تضمنت جوانب إيجابية وضعت إطارا مشجعا للصناديق العقارية.. لكن لم نر حتى الآن صناديق عقارية بعد، وفي هذا السياق.. أقترح على حضرتك حلا تفكر في عمله شركة سيتي إيدج، وهو أن تقوم بطرح صندوق عقاري ويكون معك مستشار مالي –وهنا الأستاذ أيمن الصاوي موجود– وتأخذ منه مصدر تمويل جديد للشركة بدلًا من الدخول والاستمرار في هذه الدوامة من التحديات التي تواجهكم.

المهندس تامر ناصر: نحن نفكر، ولا بد أن نعمل دائمًا ونحصل على قطعة أرض ونبني ونطور ونسلم المشروعات، أنا أحضر دائمًا الندوات التي تنظمها هيئة الرقابة المالية شخصيًّا لكي أتعرف على التشريعات وطريقة العمل لأنني في النهاية مهندس، وعملي في التطوير العقاري هو البناء والبيع أكثر من التمويل، وفي الفترة الماضية كنا نتحدث داخليًّا في الشركة عن تأسيس صندوق عقاري.

كريم هلال: لو قمت بتأسيس صندوق عقاري، وفي ضوء أن سيتي ايدج مطور ولها اسم معروف بالسوق وسابقة أعمال تراها جميع الناس وتعلمها، وهنا نقطة الثقة موجودة بالفعل، وبالتالي تُطرح آلية الصندوق يوضع فيها عائد معين، الأمر الذي يمكن الشركة من أن تجني أموالًا كثيرة ليس لها حد.

المهندس تامر ناصر: بالطبع، أعتقد أنه لو استمرت الظروف والأوضاع كما هي حاليًا في خلال 3 إلى 4 سنوات..ستلجأ الشركات لمثل هذه الخطوات التي ذكرتها حضرتك، والشركات تذاكر حاليًا فيما يتعلق باتخاذ مثل هذه الخطوات .

كريم هلال: تولَّ أنت المبادرة واطرح الصندوق.

أيمن الصاوي: أهم شيء في هذا السياق هو ألا تتحول شركتك بعد طرح الصندوق إلى “الريان والشريف”.. وأرى أن المشكلة ستكون في أن الشركات تجمع أموالًا من الناس ثم تبيع الوحدات العقارية وتواجه بتخفيض قيمة العملة في نهاية الأمر الذي يؤدي إلى تأثر عملها، ومعظم المطورين العقاريين يرون أن الصندوق العقاري هو الحل الأمثل.. الصندوق العقاري سيغلق وينظم جمع التمويلات فقط.

في الحقيقة أن المطور العقاري بالفعل يبيع بآلية off-plan، والتي تعني بيع الوحدات في مشروع قيد الإنشاء، أو ما زال في مرحلة التخطيط، وبالتالي يجمع المطور الأموال من الأفراد لأنه يتحمل مخاطرة، والمخاطرة واردة، كما أن الشركات تعمل وفق آلية إدارة الأصول المالية والعقارية نيابة عن الأفراد والشركات والمعروفة بـ asset liberty management

ولذا من المهم أن يفهم المطور العقاري أنه في حال العمل بطريقة off-plan، أن هذا نوع من أنواع ازدواج الإنفاق double of finance.

كريم هلال: هذا الأمر له تنظيم معين، والمطورون كلهم يعلمون.

المهندس تامر ناصر: الصندوق العقاري موضوع مختلف بالطبع.

كريم هلال: أنتقل بالسؤال للمهندس أيمن قرة.. حضرتك لا تعمل في المجال العقاري. شركة قرة تعمل في مجالات صناعية وزراعية وغيرها.. هل ترى آلية تمويل معينة لو كانت موجودة فإنها ستستهل نشاط الشركة وتكبره وتخفض التكلفة؟

المهندس أيمن قرة: في قطاع عملنا، حتى عند التمويل الأجنبي عندما يأتي بمعدل فائدة منخفضة فإنه يوزع على البنوك المصرية، والتي تعود مرة أخرى تقول إنها تريد أن تقدم للشركات الراغبة في الحصول على التمويل الضمانات collateral في ظل التخوف من المخاطرة، وبالتالي لا تستفيد هذه الشركات بهذه الفائدة المنخفضة مباشرة، ولا يوجد حل في هذا السياق.

لدينا بعض التحديات ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية مع الشركات لحلها ومواجهتها، نسمع عن تمويل كثير قادم من الخارج، ولكن معدل استفادتنا منه ضعيف جدًّا، وهذا بسبب الإجراءات التي نضعها نتيجة قلة الثقة والنماذج غير الناجحة.. فالبنك يكون متحوطًا لأن الموظف العامل يعتبر هذا التمويل مجالًا جديدًا له، ويفضل أن يعمل في منطقة الراحة comfort zone فبالنسبة له هو يعلم عن تقديم التمويل بفائدة، والشهادات وهذا أمر سهل، في حين أن أي شيء آخر بخلاف هذه النقاط يكون لديه تحوط مرتفع، وكما تفضلت اليوم وتحدثت عن إجراءات سوق المال و إصدار الصكوك وخلافه تأخذ آلياته وقتًا، كما أنها صعبة وتريد مقدرة وحجمًا ماليًّا معينًا، وهنا يجب أن نسهل الأمر على بعضنا البعض، لأن الجميع مرتبط مع بعضه البعض.

كلنا لدينا شكوى لكن لا بد أن نقدم على الحل والتطوير.

كريم هلال: هذا أمر أكيد، لكن أعود وأقول إننا نتفق جميعًا على أننا نستطيع من خلال الابتكار أن نُطلق سراح المليارات المكتنزة، والتي تريد أن تخرج ولكنها تريد أن تكون مطمئنة وتحقق عائدًا، وأعتقد أن هذه الأموال موجودة ولكنها تحتاج إلى فكر مشترك وبعض الابتكار كما قال المهندس أيمن قرة، وأعتقد أن الدولة أيًّا كانت جهاتها ستستجيب لو نحتاج تعديلًا أو تشريعًا جديدًا، لأن المصلحة واضحة للغاية.

المهندس أيمن قرة: من المهم أيضًا وضوح روح القانون والرغبة في الوصول لحلول عملية، حيث إن هناك بطئًا في القرار، وهناك تخوف، وكل ذلك يبطئ العملية.

كريم هلال: بالفعل، كان هناك قانوني شهير، عندما سألوه عن القوانين والتشريعات التي نحتاجها، رد قائلًا: إنه لا يعتقد أن هناك دولة أخرى في العالم لديها هذا الكم من التشريعات والقوانين الموجودة في مصر.. فالمهم هو التفسير والتطبيق السهل والسلس.

من الممكن حاليًا أن نختتم فعاليات الجلسة.. هل هناك أي أحد من الحضور يريد التعليق، ونبدأ بالدكتور أحمد عبد الحافظ عبد الوهاب.

الدكتور أحمد عبد الحافظ: أريد أن أقول إن هناك أساليب كثيرة للخصخصة، والفكر العام لا زال يقف في المنتصف ما بين الاشتراكية والرأسمالية ولا يعلم ماذا يريد. فهو يريد عمل لكنه لا يريد أن يدخل القطاع الخاص.. لماذا لا ننظر على الصناديق السيادية التي اشترت أندية كبيرة في أوروبا ولم يتحدث أحد، المصريون اشتروا في مشروعات عقارية في الإمارات، وهناك لم يتحدث أحد عن فكرة “بيع البلاد”.. القطاع الخاص يتحرك والأموال تدور حول العالم، وهذه الفكرة لم تصل للكثير من الناس هنا، فالمشكلة هي كيفية توصيل هذه الفكرة، وهي أن القطاع الخاص يبحث عن الربحية والفرصة الموجودة في العالم.

عاطر حنورة: أريد أن أعقب على نقطتين ذكرهما الدكتور أحمد عبد الحافظ فيما يتعلق باهتمام القطاع الخاص بالربحية، أريد أن أخبر حضرتك أنني نفذت تعديلًا في القانون الخاص بالشراكة بين القطاعين، وكانت أهم نقطة هو أنه عند عمل أي تعاقد مع المستثمر يكون رابحًا ويحقق نسبة ربح جيدة، وهذا يجعل البنوك تموله بسهولة ويضمن استمرارية المشروع، لأن هذا المستثمر لو قام بحسابها بصورة خاطئة، وبدأ ينفذ وبعد مدة من التنفيذ مثلًا سنتين أو أربع سنوات، وجد نفسه يتكبد خسائر فسيترك هذا التعاقد.

وكما قلنا إن فسخ العقود وإنهاءها في غير وقتها أمر مضر وكارثي، وما يهمني هو أن المستثمر ينجح، وهنا قمنا في الوحدة بعمل تعديل في القانون، وهو عدم اشتراط أن أقبل أقل سعر موجود، بمعنى أنني لو لدي 5 مستثمرين تقدموا على مشروع معين، تقوم الوحدة بوضع القيمة التقديرية كأنها تقدم عطاء، فإذا كنا نتحدث على منتج بقيمة 100 جنيه فإن شركات القطاع الخاص ستتقدم بسعر في نطاق 93 إلى 98 جنيهًا، إلا أن هنا نجد شركة تتقدم بسعر 65 جنيهًا.. وهذا السعر مطابق فنيًّا ويعد أرخص سعر.

كريم هلال: هذا السعر يُخاف منه.

عاطر حنورة: طبقًا للقانون، لو لم تقم الوحدة بالترسية على هذا السعر المقدم من الشركة في العطاء ستلجأ الشركة لرفع قضية على الوحدة في مجلس الدولة، وسيحصل على العقد في النهاية ـ لكن في هذه الحالة يجب التأكد من أن هذه الشركة حسبت قيمة العقد بصورة صحيحة، لأن عقود المشاركة فيها قيمة مركبة وتمويل ومقاولات.

كريم هلال: نعود ونؤكد مرة أخرى على الوضوح.

عاطر حنورة: قمنا بهذا التعديل بحيث لو وجدنا شركة من القطاع الخاص تغرد منفردة بسعرها في العطاء المقدم نستدعيها في اللجنة لتقديم المبررات، وهذه المبررات لا يجب أن تكون مبررات رقمية، بحيث أن يكون لدي مؤشر أقارن وفقًا له وأتعرف على أسباب وضع تقديم هذا السعر.

أضيف أيضًا أنه في إحدى المرات، جاءت شركة كورية للوحدة، وأكدت أن الاكسيم بنك في كوريا الجنوبية يعطي قروضًا بفائدة “ربع في المئة” بهدف الاستثمار والعمل خارج البلاد لتضخمها بشكل كبير، وتحدثنا مع الشركة عن تقديم النموذج المالي الخاص بها في العطاء، وفي هذه العملية يتم إزالة النصف في المئة المقدمة من الشركة ونضع سعر الفائدة العادل، وفي هذه الحالة اذا وجدنا السعر بدلًا مما كان 65 أصبح 70 يكون هناك مشكلة، واذا لم تستطيع الشركة المقدمة للعطاء تبرير ذلك فنحن نوقف هذا العطاء ونأخذ عطاء آخر.

المهندس تامر ناصر: الشراكة بين القطاعين أمرًا مطلوبًا جدًّا في البدايات، مثل مشروع العلمين الجديدة.. فمن كان سيزيل الألغام وينفذ البحيرات الشاطئية Lagoons، واليوم وفي ضوء أسعار الأراضي تأتي عقود لتنفيذ مشروعات في منطقتي علم الروم ورأس الحكمة وغيرها.

أضيف أن موضوع الشراكة بين القطاعين يحقق الهدف من التنمية المطلوبة في الدولة، وهذا هدف -ليس أداة تمويلية- أن يتم استقدام المستثمر وتساعده الدولة بأموال، والنقطة الأخرى هي أن الأدوات التمويلية تحتاج إلى عمل وابتكار أكثر، ومحاولة جذب لأفكار من الخارج، ولو أن هناك مستثمرًا كبيرًا أو صغيرًا يريد وضوحًا في التشريعات، فلا يعني هذا سن تشريعات جديدة بقدر ما يعني الجلوس مع الشخص القادم لشراء وحدة لتوضيح الأمور التي يحتاجها، فهو قد يسأل عن تسجيل الوحدة بطريقة معينة، وهل هو مالك في الأرض أم لا؟.

وكذلك الأمر يتعلق بالمستثمر الأجنبي الذي يدخل في شراكات في المشروعات، فهو يريد أن يرى التشريعات المحلية، وضمان أنه لن يأتي مستثمر للعمل في مشروع مجاور يأخذ ميزة تنافسية، كما أنه لا يريد سن تشريعات جديدة، بقدر ما يكون هناك وضوح بجانب توازن العقد.. وبالتالي إذا نفذنا هذه الخطوات فلن يقتصر الأمر عند اجتذاب هذا المستثمر فقط، بل اجتذاب المزيد.

كريم هلال: نريد أن تكون قواعد اللعبة واحدة على الجميع.

المهندس أيمن قرة: الشراكة بين القطاعين لا بد أن نحسنها، ولا بد من وجود قواعد عامة بتطبيقات مختلفة.. من الممكن أن تشمل مشروعات الشراكة العمل على مدن صناعية.. وحدة الشراكة تأخذ فقط مجال البنية التحتية كدولة، لكن في الخارج يكون هناك شراكة في الملاعب والمجالات الرياضية المختلفة، وهذا يعطي ضمانات في جودة المنتج، وفي الوقت نفسه ما زالت ملكية الدولة محفوظة، وتشرف على المشروعات، والمستثمر مجبر على أن يقدم الخدمة بصورة معينة.

وهذا يختلف عندما تكون الدولة منفذًا، فيكون إشرافها أضعف لأنها هي من نفذت، والفوائد في هذا الأمر تكون كثيرة لتقليل الضغط على ميزانية الدولة، وتحسين المنافسة وكذلك تحسين الخبرات لدى القطاع الخاص لتكون أفضل في التشغيل، ولكن لا بد من وجود الثقة، وأنه في حالة وجود اختلاف فلا بد من سرعة فض المنازعات، وكذلك وتيرة اتخاذ القرار والقدرة على إدارة العقود في المدى البعيد ومع تغير الأشخاص، وأن يكون هناك ثبات أو استقرار في السياسات والفكر.

كريم هلال: أضيف أن نقطة الشفافية مهمة جدًّا، وكذلك الوضوح لكي نتفادى التأويل الشخصي عند تغير الأشخاص، وهذا رأيناه كثيرًا، أن القانون مكتوب بشكل معين، فقد يأتي شخص معين، كمسؤول في وقت ما، ويفسر القانون بشكل ما، ويأتي مسؤول آخر بعده يفسره بشكل آخر مختلف، وهذا لأن هذا القانون ليس مكتوبا بشكل واضح، ولا يدع مجالًا للتفسير الشخصي.

أيمن الصاوي: كلمة صغيرة أود قولها هي أهمية الفصل بين صاحب المشروع وجهة التمويل ومدير المشروع، ولا نحمل مدير المشروع بعبء التمويل، فمن الممكن أن نجد من لديهم الخبرة في تنفيذ المشروع، لكن ليس لديهم خبرة لإيجاد جهة التمويل، وبالتالي يعد الفصل بين هذه الجهات مع وجود الوضوح أمرين مهمين، خاصة أن التمويل موجود بكل الصور والاشكال .

أضيف أيضًا إننا لا نحتاج إلى تشريعات جديدة، لدينا الكثير من القوانين والتشريعات، وأنا هنا أتحدث عن قطاع التمويل المحلي مقارنة بالخليج العربي، كما أن القوانين الكثيرة لدينا ليست موجودة لدى دول أخرى، ولكن العائق لأي جهة تمويلية هو القول بأن المشغل يأتي بجهة التمويل معه، وتبدأ المشاكل هنا تظهر، ونعتقد في هذا الوقت أن لدينا هنا مشكلة، ولكن المشكلة في الأساس في أهمية فصل العلاقة بين الجهات الثلاث، ومع تطبيق هذا الأمر ستجد أن المسألة اختلفت كثيرًا.

كريم هلال: اعتقد أن الصورة مضيئة ومشعة وإيجابية للغاية في ضوء الامكانيات الهائلة التي تمتلكها مصر وليست موجودة في دول مجاورة، بجانب أن لدينا أفكارًا وطاقات وخبرات أكتر من أي دول مجاورة، كما لا بد أن نقتنع أننا مثل الدول المجاورة، وإمكانياتنا مثلهم بل وأفضل منهم، ويجب أن نأخذ وضعنا من هذا المنطلق، وليس أن ننظر ماذا فعلت هذه الدول مثل دبي وغيره.. هذا أمر جيد ولكننا نحن الأساس، ولا نريد أن ننسى هذا الأمر.

وفي نهاية الجلسة، نشكر المشاركين في فعالياتها، فكلماتكم كلها تضمنت آراء إيجابية، ونشكر الحضور على صبركم معنا.

الرابط المختصر