خلال فعاليات مؤتمر حابي: الاختيار الأهم للقطاع الخاص.. التخارج أم عدالة المنافسة؟

فريق حابي _ ألقت ثاني جلسات مؤتمر جريدة حابي، الضوء على نظرة القطاع الخاص لقضية تخارج الحكومة من الاقتصاد، وحاولت الإجابة عن السؤال الجوهري: “أيهما أهم للقطاع الخاص.. تخارج الحكومة أم عدالة المنافسة؟”، وشهدت الجلسة الكثير من التوصيات المهمة التي تنوعت ما بين ضرورة تخارج الدولة من قطاعات بعينها وترك المساحة فيها للقطاع الخاص، وإعلان رؤية واضحة وشاملة للقطاعات التي ستستمر فيها الدولة، مع توفير بيئة استثمارية ومناخ جاذب لرؤوس الأموال الأجنبية.

أحمد رضوان: نرحب بحضراتكم.. عنوان هذه الجلسة “أيهما أهم للقطاع الخاص.. تخارج الحكومة أم عدالة المنافسة؟”، هناك وجهة نظر تقول إن القطاع الخاص يريد تخارج الحكومة بالكامل من النشاط الاقتصادي، في مقابل رأي آخر يرى أن القطاع الخاص يريد حيادًا تنافسيًّا، وتسوية أرض الملعب وتملك الحكومة ما تملك.

E-Bank

أتمنى لمدير الجلسة الأستاذ ماجد شوقي رئيس شركة كتاليست بارتنرز والرئيس الأسبق للبورصة المصرية، جلسة يمتعنا فيها بأسئلته وأرحب بضيوفه.

stem

ماجد شوقي: أود أن أشكر دائمًا أسرة جريدة حابي الكبيرة، التي أتشرف أن أعرفها من قبل تكوين الجريدة، وأهنئ الأستاذ أحمد رضوان، والأستاذة ياسمين منير، والأستاذة رضوى إبراهيم، على المؤتمر، لأنهم في الحقيقة يقومون دائمًا كل عام بدور كبير، ويجمعوننا مع بعضنا البعض، وأهنئهم دائمًا بنجاح المؤتمر.

ماجد شوقي رئيس شركة كتاليست بارتنرز والرئيس الأسبق للبورصة المصرية

تابعنا على | Linkedin | instagram

تراجع دور الدولة بعد دخولها في الاقتصاد أمر ليس سهلًا

بالتأكيد المشاركون في الجلسة على المنصة ليسوا في حاجة إلى تعريفهم، لكن سنقول التعريف بالمناصب، على يساري الأستاذ محمد الدماطي العضو المنتدب لشركة دومتي، وبعده صديقي العزيز الأستاذ أحمد أبو السعد الرئيس التنفيذي لشركة أزيموت، والمهندس أشرف صبري الرئيس التنفيذي لشركة فوري، والأستاذ باسل رشدي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نايل كابيتال، والأستاذ محمد نجم العضو المنتدب لشركة العربية لحليج الأقطان، ومؤسس شركة زالدي كابيتال للاستثمار.

كما تفضل الأستاذ أحمد رضوان فإن عنوان الجلسة “أيهما أهم للقطاع الخاص.. تخارج الحكومة أم عدالة المنافسة؟”، والمتواجدون كلهم الحقيقة لديهم تجارب في هذا الشأن، وأنا متأكد أن كل شخص منهم لديه وجهة نظر بأبعاد مختلفة، واسمحولي أن نبدأ بالترتيب مبدئيًّا مع الأستاذ محمد الدماطي.

السؤال لحضرتك وأنت من ضمن نماذج القطاع الخاص التي بدأت ونمت ثم اتجه للطرح في البورصة، وبدأ بطرح أسهمه في الخارج أو عمل ملكيات في الخارج، وتصنيع وتصدير، أي إن كل رأسمال خاص وطني بدأ ينطلق إلى الأسواق الخارجية بداية من مصر ثم البورصة المصرية وإلى الخارج.. السؤال دائمًا الذي يطرح نفسه، وهو الجدل الموجود منذ سنوات، عن وجود القطاع الحكومي، وهنا القطاع الحكومي ليس بالضرورة شركات قطاع الأعمال العام، لكن هناك شركات أخرى تمتلكها الدولة دخلت في النشاط الاقتصادي مع القطاع الخاص، البعض يرى أن جزءًا منها فيه تزاحم، والبعض يرى أنها مكملة، ولذلك هناك جدل في هذا الموضوع،

ما وجهة نظرك كبداية نقاش أو حديث؟

محمد الدماطي العضو المنتدب لشركة دومتي

وجود الدولة في بعض القطاعات ضروري لتحقيق أهداف إستراتيجية

محمد الدماطي: سعيد بوجودي اليوم للعام الثاني على التوالي في مؤتمر جريدة حابي السنوي، وبالتأكيد هذا السؤال مهم، والإجابة تختلف حسب القطاع نفسه، فهناك بعض القطاعات لا بد أن تستمر فيها الدولة من حيث التوازن السعري أو الأهداف الإستراتيجية، وهناك قطاعات أخرى الوجود فيها يصعب المنافسة، لكن بشكل عام الـ 5 أو 10 سنوات الماضية شهدت توسعًا كبيرًا من الدولة ومن الحكومة في الاقتصاد، وأعتقد أننا دفعنا ثمنه أو كانت سلبياته أكثر من مميزاته.

الالتزام بالتعاقد جزء مهم لنجاح الحكومة في التخارج

الإنفاق الحكومي خلال السنوات الماضية تسبب في الضغط على الدولار، وزيادة الديون، وأعتقد أننا حاليًا في أحسن وضع لنا منذ سنوات طويلة، فأزمة الدولار تم حلها، والتصنيفات الائتمانية جيدة، وجاذبة للاستثمار الأجنبي، كما أن وضع مصر في المنطقة بعد نهاية الحرب على غزة أصبح جيدًا، وكل المطلوب حاليًا تغيير الإستراتيجية حتى نرى تخارجًا حقيقيًّا من الحكومة، لأننا نسمع عن هذا التخارج منذ سنتين أو ثلاث، بعد الإعلان عن فكرة وثيقة سياسة ملكية الدولة والتخارج أو إعطاء الفرصة للقطاع الخاص بشكل أكبر.

الإنفاق الحكومي تسبب في الضغط على الدولار وزيادة الديون

بنسبة 90% لم يكن من المفترض وجود الدولة بهذا الحجم في الأسواق

بنسبة 90% لم يكن من المفترض أن تكون الدولة موجودة بهذا الحجم في الأسواق، نعم من الممكن أن تكون موجودة في بعض المجالات لتحقيق أهداف إستراتيجية، لكن لو تحدثنا عن قطاع الصناعات الغذائية على سبيل المثال، سنجد أنه لا يشهد مغالاة أو احتكارات، وميزانيات شركاته متاحة على شاشات البورصة، أو كثير منها، وبالتالي لم يكن هناك منطق في دخول هذا القطاع ومنافسة القطاع الخاص، بل على العكس، فما تم إنفاقه في هذا المجال لم يكن ذا جدوى، وأعتقد أن التخارج منه سيعطي انطباعًا جيدًا للمستثمرين الأجانب لكي يبدأوا دخول السوق المصرية في مجال الصناعات الغذائية.

معضلة التقييم كبيرة.. وتتسبب في إحجام القطاع الخاص عن مشاركة الحكومة

ماجد شوقي: نعود أيضًا في نفس السؤال مع السادة الضيوف، الأستاذ أحمد أبو السعد، شركة أزيموت من أشهر شركات إدارة المحافظ في سوق المال المصرية والصناديق، من وجهة نظرك وردًّا على نفس السؤال من خلال تجربتك، وأنت ترى ردود الفعل في السوق، وأنت نشط في مجال صناديق الاستثمار، وخصوصًا أن المستثمر الرئيسي لك مستثمر أجنبي وضع استثماراته في مصر، ويثق في الإدارة المصرية ويثق بك وبإدارتك والفريق الخاص بك، ما وجهة نظرك؟

أحمد أبو السعد الرئيس التنفيذي لشركة أزيموت

الطرح هو المخرج الحقيقي للشراكة.. ونحتاج إلى تكرار تجربة المصرية للاتصالات

أحمد أبو السعد: ألف شكر وأتشرف أن أكون مع حضرتك والكوكبة من المتحدثين، وأشكر جريدة حابي وأهنئهم على المؤتمر السنوي.

لو تسمح لي أعود خطوتين للوراء، ما هو الأصل في الموضوع؟ الأصل هو أن الاستثمار والشركات وكل مجتمع الأعمال هو أصلًا قطاع خاص، ما دور الدولة في ذلك؟ الدولة هي المنظم والمشرع والمراقب، هذا هو الأصل، ويمكن أن يكون الوضع اختلف في وقت من الأوقات بسبب انتشار الاشتراكية في زمن ما، فأصبح كل الناس سواسية والحكومة هي من تنفذ كل شيء، لكن الطبيعي والأصل لم يكن كذلك، لأن الطبيعي هو أن الدولة لا يجب أن يكون لها أي دور من أي نوع في أي استثمار، إلا إذا كانت في مسألة محددة لا يوجد عليها إقبال من القطاع الخاص، هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن يكون للدولة دور فيها.

طريقة بيع أبو قير للأسمدة كانت ستختلف إذا كنا نمتلك رفاهية الانتظار

ما حدث هو أننا بعد الثورة حدثت بعض الظروف التي أدت إلى عزوف المستثمرين عن الدخول في استثمارات جديدة، فاتجهت الدولة لتنفيذ هذه الاستثمارات، وعادت مرة أخرى للدخول بأشكالها المختلفة وهياكلها المختلفة، حتى لا تتوقف عجلة الاقتصاد، وكان من الطبيعي بعدما عاد الاقتصاد للحركة من جديد في 2016، أن تنسحب الدولة خطوات للوراء، لكن للأسف هذا الأمر أصبح صعبًا، وبالتالي حدث نوع من الشد والجذب على مدار 4 أو 5 سنوات، حتى تم الإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة. والحقيقة أنه منذ الإعلان عنها لم تظهر الجدية الكافية في تنفيذها، إلا خلال الفترة الأخيرة فقط.

الجدية في تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة ظهرت خلال الفترة الأخيرة

هذه الأمور كانت أحد أسباب تحفظ الأجانب للدخول بشكل كبير في استثمارات أجنبية مباشرة في السوق المصرية، انتظارًا لإثبات الدولة جديتها في أنها لن تزاحم أو تستبدل القطاع الخاص في أي وقت من الأوقات.

أي دولة وأي حكومة هي تاجر أو مدير غير شاطر، إنما من الممكن أن تكون منظمًا جيدًا أو مراقبًا جيدًا لضمان انضباط الأسواق.

بيع أراض لتنفيذ مشروعات مشتركة نموذج مطلوب جدًّا.. ونحتاج إلى تكراره في قطاعات أخرى مثل الزراعة

السؤال: لماذا شهد عام 2025 الطفرة الكبيرة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ الإجابة: لأنه أصبح من الواضح أن هناك نوايا جدية لدى الحكومة على الأقل بأنها لن تتوسع في المشاركة الاقتصادية، ومن الواضح أن عملية الرجوع خطوات للوراء صعبة نسبيًّا وتقابلها بعض المقاومة، وأن البعض يرى أنه في حالة جيدة من هذا الوضع، وبالتالي أرى أن تستقر نسبة المساهمة الحكومية في الاقتصاد عند رقم معين، ثم نتجه إلى نمو القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بحيث تنخفض حصة الدولة مع مرور الوقت، وهذه سياسة إلى حد ما إيجابية ولكنها غير كافية، وأعتقد أن المراجعة الخامسة والسادسة لصندوق النقد الدولي خلال الأسبوعين الماضيين تناولت هذا الأمر، وتم التطرق إلى الجدول الزمني لبعض التخارجات التي ستنفذها الحكومة، لكن نعود لأصل الموضوع، وهو أن القطاع الخاص هو من يقود الاستثمار، والحكومة تراقب وتسن القوانين فقط.

ماجد شوقي: قبل أن نذهب للمهندس أشرف صبري، أود أن أقول في جزئية التخارج أو تراجع دور الدولة بعد أن تكون دخلت في الاقتصاد، إنه أمر ليس سهلًا، ودائمًا ما أتذكر التجربة المصرية، عندما بدأ أول برنامج إصلاح اقتصادي في عام 1991 /1992، وقتها كنت في بداية عملي بالحكومة، وكان هناك بيان يتضمن أكثر من 1000 شركة لا بد أن يتم بيعهما أو خصخصتها، أو تخارج الدولة منها، لكن ما أود قوله هو أن ذلك كان عام 1991، وحتى الآن هذه القائمة ما زالت بها أكثر من 300 شركة لم يتم التخارج منها، ولذلك أعتقد أن مسألة التخارج بها تحدٍّ نسبيًّا بسبب مصالح معينة تكونت، وهنا أقصد بكلمة مصالح أمرًا إيجابيًّا وليس سلبيًّا، وبالتالي التراجع عنها لا يكون بالسهولة المعروفة.

قائمة خصخصة شركات التسعينيات ما زال بها أكثر من 300 شركة

نتجه الآن إلى المهندس أشرف صبري الرئيس التنفيذي لشركة فوري، وشركة فوري بالنسبة لي نموذج متفرد، لأنها من الشركات التكنولوجية المقيدة في البورصة، وتتعامل مع كل الجهات الحكومية، والجهات الحكومية تعتمد عليها في أمور كثيرة جدًّا، وهذا يعني أن هناك وجهًا آخر في الدولة وفي الحكومة مقتنع تمامًا بأن القطاع الخاص قادر على تلبية أدائه وخدماته، وعندما ندخل في جدال مع أي شخص في مسألة دور الدولة ودور القطاع الخاص، أقول وقتها إن الدولة معتمدة على الشركة (س) أو غيرها في تقديم الخدمات، وأنتم سعداء بذلك، ولو عكس ذلك لكان الوضع اختلف.. نفس السؤال للمهندس أشرف كبداية؟

المهندس أشرف صبري الرئيس التنفيذي لشركة فوري

الدول هدفها ضمان استمرارية الصناعات والخدمات الرئيسية

المهندس أشرف صبري: أنا لست مع العنوان الخاص بتخارج الدولة أو بقائها، ويهيأ لي أن هناك منظومات مختلفة وأهدافًا محددة، وفي ظل هذه الأهداف كل طرف يسير في طريق حتى يحقق نفس الهدف.. الدول هدفها أن يكون هناك مجموعة من الصناعات الرئيسية والخدمات الرئيسية التي لا يجب أن تتوقف، أي إنه لو القطاع الخاص أفلس وفشل في إدارة صناعة من الصناعات أو الأسعار ارتفعت بشكل ضخم، فلا يصح أن يأتي يوم ونقول إننا سنوقف حركة القطارات أو الطرق أو قطع الكهرباء.

وهناك دول كثيرة اتخذت نهجًا مختلفًا في معالجة هذا الأمر، سنجد دولًا مثل أمريكا أكثر الدول ليبرالية، تنظم هذه المسألة بقسوة، وإذا قرأ أحد منا القوانين والتشريعات المنظمة في هذه الدولة، سيجد أنه لو أفلست شركة معينة، فإن ملكية الأصول الخاصة بها تؤول إلى الدولة بشكل تلقائي، وإذا حدثت أي مخاطر نظامية لا تستطيع الدولة تحملها لأنها خدمات لا يصح أن تتوقف، فإن الموقف في هذه الحالة يكون إما أن تتدخل الدولة وتقوم بهذا الدور، أو المشرع والإطار الرقابي يمنح الدولة الحق في التدخل، والتدخل بعنف وسرعة حتى تحصل على هذا الدور، لأن هذه الخدمات لا يجب أن تتوقف.

لا يصح استحواذ 4 أو 5 شركات على 80% من أي سوق دون وجود جهاز رقابي قوي

المشكلة لدينا في تقديري أن الأهداف والمناخ لا يحدد بوضوح الطريقة التي نسير عليها في هذا الصدد، وعكس تصور الكثيرين، دولة مثل الصين لديها رؤية واضحة في هذا المجال، وبالمناسبة 70% من الناتج القومي الصيني قائم على القطاع الخاص، و70% من التشغيل من القطاع الخاص، وذلك بسبب أن الصين لديها إستراتيجية واضحة، والبنية التحتية والمطارات وجزء كبير من البنية التحتية للخدمات المالية الذي يضمن توازن المنظومة المالية في الدولة، لأنك لا يصح أن تتخيل أننا نتحول فجأة إلى لبنان مثلًا، وتذهب إلى البنك ولا تجد أموالًا، وهنا تكمن المخاطر النظامية، ولذلك الصين قررت أن تقوم بهذا الدور من خلال الدولة، وفتحت المجال في الأمور الأخرى التي تحتاج إلى تقنية وتصنيع وتكنولوجيا للقطاع الخاص بالكامل، ونتج عن هذا شركات وصلت إلى العالمية مثل هواوي وعلي بابا وغيرها.

ما أريد قوله هو أننا نحتاج إلى رؤية واضحة ومناخ دقيق، بحيث يكون هناك جهاز رقابي قوي، وجميع الأجهزة الرقابية في العالم من حقها التدخل وتعديل سعر المنتج إذا كان هناك مغالاة في السعر، وهذا الأمر مكتوب في أمريكا، وأجهزة منع الاحتكار لها سلطة، لكنها لا تأخذها من واقع القانون فقط، ولكن من واقع الكفاءات الموجودة في هذا المكان، حتى يتعامل برؤية جيدة تساعد على التنمية، وفي الوقت نفسه تساعد على أن ينمو السوق.

في تقديري السؤال هو ليس التخارج أو عدم التخارج، إنما يجب أن يكون لدينا سياسة واضحة معلنة، ومعاملة متزنة، وفرص منافسة متساوية، وضرائب بفرص متساوية، والمثول أمام القانون بفرص متساوية، ونقرر ماذا نريد وما سياستنا الإستراتيجية، وفي تقديري فإن هيكلة السوق تحتاج إلى دور رقابي جيد وشاطر وواعٍ، وفي الوقت نفسه سياسة معلنة ووضوح للرؤية، ولا يصح أن يكون هناك 4 أو 5 شركات تستحوذ على 80% من أي سوق، دون أن يكون لدينا أمام ذلك جهاز رقابي قوي، ولذلك لا بد أن يكون دور الدولة واضحًا فيه، ليس مجرد منظم فقط، وإنما كمؤد أيضا، لأن المسؤوليات مختلفة.

ماجد شوقي: أعتقد أن هذه نقطة مهمة، لأنه إلى جانب تقليص دور الدولة في بعض القطاعات، فإن ذلك لا يمنع لحين إتمام ذلك أن يكون هناك مساواة وحيادية في المعاملة، وأن تخضع الأمور لكل المعايير المتبعة في كل الشركات، سواء معايير المحاسبة، أو الرقابة أو المنافسة، مثلها مثل القطاع الخاص، ودعونا نعود إلى قطاع الأعمال العام الذي يخضع لقانون 203 يعمل في ذات المنظومة، وفي رأيي أن البقاء للأقوى، والناجح يستمر وتكون الشركة عزيزة على الحكومة في أنها تتخلص منها أو تبيعها، في حين الشركات التي تكون عبئًا على موازنة الدولة، تلجأ الحكومة إلى بيعها أو بيع أصولها حتى تخفف هذا العبء.

طرح إدارة المطارات على القطاع الخاص فكر جيد جدًّا

ننتقل إلى الأستاذ باسل رشدي، والذي أعرفه منذ فترة طويلة، وكان له دور في نظام المشاركة بين القطاع الخاص والحكومة PPP وله تجارب فيها، ولا نعلم هل هذا النظام ينفذ حاليا وهناك فعلًا مشاريع مشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص، هناك بعض الأمور يقال عنها، لكنها ليست خاصة أو مندرجة تحت هذا القانون أو النظام؟

باسل رشدي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نايل كابيتال

القطاع العام حقق مكاسب جيدة جدًّا من الشراكات مع القطاع الخاص

باسل رشدي: شكرًا وأنا سعيد جدًّا بوجودي معكم، وهذه المجموعة المتميزة من المتحدثين، ونشكر طبعًا جريدة حابي على هذا اللقاء الجميل.

دور كبير جدًّا ما زال مفتوحًا لمشاركة القطاع العام والخاص من خلال عقود POT أو POO أو مشاركة يتم التخارج بعدها

فيما يتعلق بمشاركة القطاع العام والخاص، سأعود لما قاله منذ قليل المهندس أشرف صبري، وهو كيف نقنن وننظم العلاقة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، أو ما بين الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص، نحن رأينا أمثلة ناجحة وأخرى غير ناجحة بالمرة خلال السنوات الماضية، وأتذكر أن أحد الأمثلة الناجحة والمهندس أشرف صبري، يتفق معي في هذا الرأي، كانت في مجال التكنولوجيا منذ خصخصة الإنترنت، والقرية الذكية نفسها كانت أحد هذه الأمثلة الناجحة في المشاركة بين القطاعين العام والخاص، قبل حتى ظهور قانون مشاركة القطاع الخاص والعام.

قطاعا البنوك والاتصالات نماذج إيجابية للشراكة نتيجة وجود منظم قوي استقطب كفاءات من السوق

وفي ذلك الوقت كانت الدولة تساهم في الشراكات بنسبة أقلية وليس بنسبة حاكمة، وكانت توقع على اتفاق مساهمين يتضمن عدالة خاصة ببيع الأسهم والتخارج وعضويات مجلس الإدارة وطريقة اتخاذ القرارات، وضمان لحقوق الأقلية، وطريقة التخارج وكيفية التسعير، وحق الشفعة، وغيرها على مدار العشرين سنة الماضية، وكان هناك دور معين لبعض الجهات الرسمية التي كانت تتشارك مع القطاع الخاص في مجال مثل تأمين المعلومات والشبكات، والمساعدة في نشر قانون وفكر معين، ولو نتذكر من الأمثلة الناجحة أيضًا إدخال الانترنت للمدارس، وكانت تؤسس شركات بأدوار عادلة بين القطاعين، وكان القطاع العام يحقق مكاسب جيدة جدًّا من هذه الشراكات.

مطلوب نظام تعاقدي وفقًا للسوق ولا يشوبه أي نوع من الأهواء الشخصية أو الشروط غير الطبيعية

عام 2007 بدأ البحث في قانون مشاركة القطاع العام والخاص عن طريق وحدة المشاركة في وزارة المالية، ثم صدر القانون واستغرق وقتًا حتى صدوره، لكن في بدايته تعثر لأن الآليات لم تكن مفهومة، وبعدها حدثت الأزمة المالية العالمية ثم الثورة والمشاكل التي حدثت بعضها، وبالتالي كان هناك تغير لمفهوم المشاركة وفكر الشعب والمعارضين، لكن لم ينظر أحد إلى التفاصيل.

من الأمثلة الناجحة مؤخرًا، وكلنا رأيناها، مشروعات مشاركة القطاع العام والخاص في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، فالحكومة يكون لديها أصول موجودة قد تكون أراض، مع قدرتها على منح التراخيص، والتوصيل بالشبكة، ووقتها تقول أنها ليس لديها الامكانيات المادية ولا التكنولوجية الكافية، وبالتالي تستعين بالشركات المصرية والقطاع الخاص الذي يجلب مع المستثمر الأجنبي، الذي يمتلك التكنولوجيا والتمويلات من المؤسسات الدولية، وقد رأينا نجاحًا لهذه المنظومة على مدار السنوات العشر الماضية، لأنها سارت وفقًا للمعايير العالمية، وبالتأكيد كانت هناك تحديات في وسط الطريق، لكن النموذج نجح في النهاية، وهناك بعض النماذج فشلت بسبب تدخل الأهواء الشخصية في المسألة.

أرى أن هناك دورًا كبيرًا جدًّا ما زال مفتوحًا لمشاركة القطاع العام والخاص، سواء من خلال عقود POT ، أو عقود POO، أو عقود مشاركة لمدة معينة يتم التخارج بعدها، طالما أن النظام التعاقدي يتم وفقًا للسوق ولا يشوبه أي نوع من الأهواء الشخصية أو الشروط غير الطبيعية أو التقليدية في هذا المجال.

ماجد شوقي: سأعود إلى جزئية اتفاقية المساهمين مع الحكومة والقطاع الخاص، لكن أولًا سنتحدث مع الأستاذ محمد نجم، وهو جامع ما بين قطاع الأعمال العام من خلال شركة العربية لحليج الأقطان التي يتولى مسئولية العضو المنتدب فيها، والتي كانت في الأصل قطاع أعمال عام، وتم خصخصتها وطرحها في البورصة، وفي نفس الوقت مؤسس زالدي كابيتال للاستثمارات المالية، وتتعامل مع القطاع الخاص وإدارة المحافظ المالية في السوق، كيف ترى التجربة من وجهة نظرك في إطار عنوان الجلسة وأنت في شركة كانت تابعة للحكومة واليوم أصبحت قطاعًا خاصًّا؟

محمد نجم العضو المنتدب لشركة العربية لحليج الأقطان ومؤسس شركة زالدي كابيتال للاستثمار

عدالة المنافسة في القطاعات المختلفة مطلوبة

محمد نجم: بالطبع الشركة العربية لحليج الأقطان تم خصخصتها في أواخر التسعينيات، واستمرت بعد الخصخصة لفترة معينة في معاناة نتيجة الهيكل الحكومي أو الطريقة الحكومية في إدارة الشركة، وبالمناسبة حتى الآن ما زالت هناك جذور حكومية في إدارة الشركة، وبالطبع عدالة المنافسة في القطاعات المختلفة مطلوبة، وأن نكون على مسافة واحدة من كل الجهات، وأن يكون القطاع الخاص متاحًا له الحصول على تمويلات وضخ استثمارات مثل المنافسين، وأن يكون تنفيذ الضوابط والرقابة على مسافة واحدة، ولكن للأسف لا يحدث ذلك في كثير من الأحيان، وهذا الأمر يؤدي إلى إحجام مستثمري القطاع الخاص عن الدخول في قطاعات معينة طالما أن هناك منافسة حكومية في القطاع .

منافسة مصر مع دول الخليج في بيئة الاستثمار صعبة

هناك مشكلة أخرى وكان أشار لها المهندس أشرف صبري في عجالة، وهي أن المعايير مختلفة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام، فلو خسر القطاع الخاص فسيكون هناك مشكلة ومن الممكن أن يتم تغيير الإدارة، لكن في بعض الشركات الحكومية مسألة المكسب والخسارة ليست على الخريطة، وبالتالي مطلوب من القطاع الخاص تصنيع منتج معين، ولا بد أن نحقق أرباحًا ومكاسب بينما المنافس من القطاع العام لا يهمه سواء كسب أو خسر، وبالتالي لا يكسب الطرفان، ولذلك مطلوب أن تكون البيئة التشريعية واضحة في هذه الأمور، وتكون منظمة، وكما أشار الأستاذ محمد الدماطي إلى أنه إذا لم يكن هناك احتياج لتدخل حكومي في صناعة معينة، فإنه يفضل أن تتركه الحكومة للقطاع الخاص حتى ينمو.. المصريون اليوم يستثمرون أموالًا كبيرة في الخارج، وأصبحنا لاعبًا رئيسيًّا في القطاع العقاري مثلًا في دول مثل عمان والإمارات العربية المتحدة، لماذا؟ لأن المستثمرين يرون أنه لا بد أن يكون لهم تواجد في الخارج، وعدم التوسع بشكل رئيسي محليًّا فقط.

المنافسة الحكومية تؤدي إلى إحجام المستثمرين عن الدخول في قطاعات معينة

القطاع الخاص عندما يجد أن المجال الذي يريد الاستثمار فيه يتسم بمنافسة صعبة مع القطاع الحكومي، وبالمناسبة لا أحد يخاف من المنافسة مع القطاع الخاص وبعضه البعض، لأن الأفضل هو من سيستمر في النهاية، لكن المشكلة هي في المنافسة مع الشركات المملوكة للدولة، لأن القطاع الخاص لا يمتلك نفس القوة التي يواجه بها المنافسة غير العادلة من القطاع العام، وبالتالي لا نستطيع جذب استثمارات أجنبية، لأن المستثمر الخارجي يرفض منافسة القطاع العام، ويفضل الاستثمار في قطاعات محددة.

مطلوب إتاحة فرص وتسهيلات وحوافز في القطاعات التي لن تستثمر فيها الدولة

على الجانب الآخر من المفترض أن القطاع الخاص يكون هو المصدر الرئيسي للعملة الصعبة، وبالطبع نحن لدينا استقرار جيد في وضع العملة الصعبة، لكن علاج مشكلة العملة الصعبة هو التوسع في السياحة والتصدير، وبالتالي مصادر واضحة للعملة الصعبة، تساهم في مساعدة الاقتصاد المصري، ولكن للأسف المنافسة مع القطاع العام في بعض القطاعات تجعل الشركات الخاصة تعزف عن الدخول في هذه القطاعات، رغم أنها من الممكن أن تكون مصدرًا جيدًا للعملة الصعبة، وبالتالي لا بد أن يكون هناك منافسة عادلة وفرصة كافية وإمكانية الوصول إلى التمويلات بشكل جيد لتشجيع نمو القطاع الخاص .

ماجد شوقي: نعود مرة أخرى إلى الأستاذ باسل رشدي، وحضرتك تحدثت عن اتفاق المساهمين، دعنا نشير إلى أننا أمام أمر واقع، وما قيل معظمه في إطار توصيف مشكلة أو توصيات، لكننا أمام أمر واقع، وفي جزئية اتفاق المساهمين بالذات، عندما تأتي مع اتفاقيات حكومية مع القطاع الخاص، أعتقد أن سمعة مصر في هذه الجزئية متأرجحة، والثقة في الالتزام بتعاقد طويل الأجل، لأن كل المشاريع التي تحدثت عنها مشاريع تم التعاقد فيها، واتفاق المساهمين فيها لا يقل عن 20 سنة، ثقة القطاع الخاص عموما، سواء كان مصريًّا أو أجنبيًّا أو عربيًّا، في استمرارية التعاقد لمدة 20 سنة بثبات الاتفاق، أصبح بها تحد نسبي أو شك في أن يستمر الحال على ما هو عليه، خاصة عندما نتحدث عن مشاريع مثل الطاقة النظيفة التي تحدثت عنها، وكان هناك مراجعات في عقود عديدة منذ سنوات طويلة، وكان لها تأثير سلبي، ما وجهة نظرك في هذا الأمر؟

العنصر الأهم في التخارج والشراكة هو كيفية الإدارة بكفاءة

باسل رشدي: أتفق مع حضرتك في أن هناك تحديات كثيرة، وأحد التحديات المهمة جدا هو نظام وقانون التحكيم، هل سيكون التحكيم في مصر أم خارج مصر، وطريقة تحديد مقاعد المحكمين، وطريقة التمثيل والتحكيم نفسها والآليات، وقد تنجح في بعض الحالات ولا تنجح في البعض الآخر، لكن يمكننا القول إن هناك قطاعات متطورة في مثل هذه الأمور مثل الطاقة والبترول والقطاع المصرفي، وقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة شهد بعض النجاحات والإخفاقات، وبالتالي فكرة ثبات هذه العوامل والعناصر هامة جدًّا وتعتبر عامل جذب للمستثمر، فمثلًا لو تم تعاقد طويل الأجل وحدث تغيير في سعر الصرف وهو أمر وارد، لكن لا بد من حساب نسبة هذا التغير بحد أدنى وأقصى، لكن لا يصح أن يتم العمل بمعطيات معينة ونجد تغيرًا في النظام الضريبي بنسبة 50% أو بنسبة أكبر، بينما التغيرات الهامشية بنسبة 2 إلى 5% لا يحدث فيها مشاكل، رغم أنها قد تكون مؤثرة، لكنها في النهاية مقبولة ويمكن التحكم فيها.

على الحكومة أن تعلن القطاعات التي تريد الاستثمار فيها بوضوح

من ضمن التحديات المهمة أيضًا مسألة حقوق المساهمين، وطريقة التخارج ومن الذي سيتخارج في حالة الخلاف بين الشركاء، هل نذهب إلى التحكيم مباشرة أم نتجه إلى وساطات لحل المشاكل؟ وهو ما تسعى إليه الجهات الرسمية في الدولة حاليًا سواء وزارة المالية أو الاستثمار أو الرقابة المالية، بحيث يكون هناك وحدة لحل مشاكل المستثمرين قبل التوجه نحو التحكيم.

من ضمن التحديات القوية طريقة التقييم، في حالة التشارك بين قطاع حكومي وخاص، وقد تكون المشاركة برأس المال، وحصة قد تكون 10 أو 20%، وتحديد الأدوار في مجلس الإدارة وتوقيت التخارج، وتقييم الحصة، وفي هذه المسألة هناك تجارب ناجحة وأخرى غير ناجحة، وأحيانًا يتم التوقيع على أمور معينة لكن وقت التنفيذ لا يتم تنفيذها، وهذه المسألة تتسبب في مخاطر للمستثمر، ووقتها تمارس ضغوط حكومية على المستثمر لإجباره على قبول شروط غير موجودة في التعاقد الأساسي.

هذه التحديات نرى أنه يتم حلها تدريجيًّا في الفترة الأخيرة، ولن يستمر الحال على ما هو عليه، طالما هناك آليات للتغيير، وضغط وإصرار من القطاع الخاص لتغييرها.

ماجد شوقي: أنا سألت هذا السؤال بالذات في هذه الجزئية لأنه من تحديات تخارج الدولة من قطاعات كثيرة، ففي أحيان كثيرة يكون لدى الدولة نية طيبة وتريد التخارج لصالح القطاع الخاص أو مؤسسات كبيرة، لكن القطاع الخاص يكون مترددًا بسبب هذه التحديات، واليوم نسمع مثلًا عن طرح الدولة المطارات على القطاع الخاص لإدارتها وليس البيع، وهو فكر جيد جدًّا، وكلنا نحبذ ونشجع ذلك، لكن هذا التعاقد ليس 5 أو 10 سنين، بل تعاقد 20 و30 سنة، وكل المشاكل التي تحدثت عنها هي بالفعل مشاكل لا تزال موجودة.

جزء من نجاح الحكومة أنها تتخارج أو تستمر في قطاعات معينة هو أهمية التعاقد واستمراريته والالتزام به، وألا تكون التغيرات مؤثرة بشكل كبيرة وتقلب معادلة البزنيس كلها.

الأستاذ محمد الدماطي تحدث عن أن الدولة دخلت في مجال لم يكن معتادًا أنها تدخل فيه أو دخلت سابقًا أيام الاشتراكية والرئيس جمال عبد الناصر، وبعدها تخارجت منها وقالت إنها دور القطاع الخاص، وهى المنتجات التي تباع للمستهلك سواء كانت غذاء أو سيارات أو عقارات أو غيرها كلنا نستهلكها ونشتريها، الدولة دخلت في هذه المجالات، وجزء من المعضلة الملاحظة هنا هو لماذا دخلت هذا المجال أو غيرها، هل لأنها ترى أن اللاعبين الموجودين في هذا المجال غير كافين، أم أنهم كافين ويحققون مكاسب جيدة وتريد أن تكسب مثلهم أيضًا؟

منافسة الحكومة للقطاع الخاص في الصناعات الغذائية لم يكن منطقيًّا

محمد الدماطي: الدولة ترى أن المستثمرين يحققون مكاسب عالية وتريد هي الأخرى أن تحقق مكاسب.

بعد أحداث 2011 كان هناك إحجام من المستثمرين عن الاستثمار، وبالتالي الحكومة دخلت في مجالات معينة، لكن حدث تماد في هذه الاستثمارات بشكل زائد عن اللازم، والمسألة ليست فكرة قلة المعروض، لكن الإحساس العام بأن هؤلاء المستثمرين يحققون مكاسب جيدة، فمثلًا في قطاع الصناعات الغذائية يقولون إن الناس لن تتوقف عن الأكل، وبالتالي تدخل الحكومة في هذا القطاع للاستثمار به، لكن في النهاية هوامش الربح أصبحت ضعيفة جدًّا، وبعدما كان القطاع جاذبًا جدًّا للاستثمار قبل 2015 و2014، والشركات العالمية موجودة في مصر، وكان لديهم الاستعداد للتوسع ودخول شركات أجنبية جديدة للسوق، لكن حدث نوع من الإحجام.

منذ 2010 حتى 2016 شهدنا 4 اكتتابات عامة لشركات في قطاع الصناعات الغذائية (جهينة وإيديتا ودومتي وعبور لاند)، وكان ذلك إنجازًا كبيرًا جدًّا، لكن منذ ذلك التاريخ لم نشهد أي اكتتاب لشركة أغذية في السوق.

أسلوب الإدارة أو معيار المكافأة مختلف جدًّا بين القطاع العام والخاص

الإجابة كما قلت بأن الدولة دخلت في هذا القطاع ليس بسبب قلة المعروض وإنما الإحساس العام بأن هذه الشركات تحقق مكاسب عالية، ونريد تحقيق مكاسب أيضًا كدولة .

ماجد شوقي: أستاذ أحمد أبو السعد .. معضلة التقييم كبيرة، وفيها جدل، ولدينا أمثلة لمؤسسات كان من المفترض أن يتم خصخصتها أو تباع حصة منها لمستثمر إستراتيجي، لكن التقييم من جانب الدولة أو الحكومة كان على مستويات مرتفعة جدا، وعادة معظم البورصجية يجادلون ويقولون سعرًا مبالغًا فيه، فالتقييم أصبح مشكلة في معظم أسباب التخارج، لأنه عادة في تجارب سابقة، القبول بتقييم مخالف أو طبقًا لمعايير السوق، وقد يكون منخفضًا عن القيمة التي يريدها صاحب المال وهي الدولة، وقتها يتم إلقاء اللوم على صاحب قرار البيع بهذه القيمة، رغم أنها القيمة الحقيقية التي يقبلها السوق في وقت البيع .. ما رأيك في ذلك؟

من غير المعقول وجود 130 أو 140 شركة سمسرة و200 صندوق يعملون على سوق يضم 240 شركة فقط

أحمد أبو السعد: هذه مسألة جدلية جدًّا، ومنذ صغري يقال إنه سيتم طرح بنك القاهرة، ثم كبرت وتزوجت وقالوا إن بنك القاهرة سيطرح، والآن ابني دخل الجامعة وبنك القاهرة لم يطرح، وهذا مثال فقط، ليس من المعقول أن يكون لدينا 130 أو 140 شركة سمسرة و200 صندوق، و700 صندوق تأمين خاص، يعملون على سوق يضم 240 شركة فقط، أي كوميديا هذه، في حين أن مصر فيها على الأقل 20 ألف شركة يجب أن تكون مدرجة في البورصة.

عندما باعت الحكومة 20% أو 25% من شركة سيدي كرير أو المصرية للاتصالات ماذا حدث؟ بالعكس أنت لديك أصل ناجح لم يكن لدى الحكومة تقييم له أصلا، وإذا كانت الحكومة تقييمها له بـ 50 مثلًا، فإنه مع التداول زاد بنسبة 100% .. هل هناك من حاسب أو حبس المسئولين عن اتخاذ القرار؟ لا .. بالعكس الحكومة باعت 20% فقط، والـ 80% المتبقية تضاعفت قيمتها، فعن أي شيء نتحدث؟! ومن أي شيء نخاف؟

إذا كانت لدى الحكومة مشكلة في تقييم شركة ما، فيمكنها طرح حصة أقلية فقط يتداول عليها المستثمرون، وتجعل الشعب يشعر بأنه يمتلك أصول بلده.. على الحكومة أن تطرح أي شركة رابحة في البورصة، وتجعل المستثمرين يقيمونها تقييمًا صحيحًا.. ولا نقول بيعا لمستثمر إستراتيجي أو غيره.. نعم هناك بعض الحالات نحتاج إلى دخول مستثمر إستراتيجي فيها، لكن هناك حالات أخرى لا تحتاج إلى ذلك.

الشركات المقيدة في البورصة المصرية في وضع إدارة كوارث مستمر منذ 15 سنة.. ورغم ذلك حققت نجاحًا باهرًا

عندما كان سيتم طرح بنك القاهرة قبل كوفيد بتقييم 2.2 مليار دولار، بالرغم من أن الأسعار وقتها كانت 1.4 مليار دولار، واليوم مليار دولار فقط، إذا تم طرح بنك القاهرة على مليار دولار أو حصة 15% فأنت لم تظلم أحدًا.. الدولة لديها 85% حصة متبقية تستطيع من خلالها أن تتحكم في الأمور كما تريد، وفي الوقت نفسه أصبح هناك مساءلة ومسؤولية وإفصاح في البورصة، والشركات تكون على المجهر أمام الجميع، لكن ما يحدث هو أن كل مسئول في شركة حكومة لا يريد أن يحاسبه أحد ويتصرف فيها كأنه يملكها، لكن بعد الطرح سيكون عليه التزامات وإعداد موازنة وإفصاحات، وبالتالي لا أرى أي مشكلة في ذلك، خصوصًا أن الفلسفة وراء طرح الشركات الحكومية في البورصة، هي أنه إذا لم تكن تستطيع التخارج بشكل كلي، فأنت قمت بطرح جزئي تستطيع من خلاله تقييم الشركة بشكل حقيقي، ونستطيع وقتها أن يكون هناك إدارات مختلفة للشركات وممثلين عن المساهمين فيها، وبعدها ستنتقل هذه الشركة لمكان آخر تمامًا في السوق.

التقييم ليس حجة لعدم طرح الشركات الحكومية للشراكة مع القطاع الخاص أو البورصة، وخاصة في التخارج الجزئي، وعندما نطرح شركات في قطاع الغزل والنسيج مثلًا وتنجح هذه الطروحات سنجذب بعدها المستثمرين الأجانب لدخول السوق المصرية.

نحن نتحدث عن بنك القاهرة، ولم نتحدث حتى الآن عن بنك مصر والبنك الأهلي وغيرها.. البنوك السعودية كلها مطروحة في البورصة، وبالتالي الطرح هو المخرج الحقيقي للشراكة بين القطاع الخاص والعام، ونحتاج إلى تكرار تجربة طرح المصرية للاتصالات.

ماجد شوقي: معك حق جدًّا، والشيء الغريب جدًّا، هو أن مصر لديها تجارب وزخم كبير في مسألة الخصخصة وبيع الأصول، ومنها تجارب ناجحة وأخرى غير ناجحة، وأعتقد أن التجارب التي حدثت في الفترة من التسعينيات وحتى 2005، معظمها كانت ناجحة جدًّا، والدولة كانت أول طرف كسبان، لأنها تبيع حصة والسوق يتداول على السهم والأمور شكلها يختلف، والحقيقة عندما ننظر إلى دخول القطاع الخاص في البورصة المصرية سنجد دائمًا أنه يبدأ بطرح أو طرحين ناجحين تابعين للحكومة، لكن الآن نسير بالعكس، وكل الطروحات خاصة وهي شيء جميل ونشجعه، لكن ما زالت الحكومة لم تتدخل بتجربة بيع الحصص بشكل قوي.

أحمد أبو السعد: اسمح لي أن ألقي الضوء على هذه النقطة، منذ 2016 وضعنا 33 شركة، ثم جددنا هذه القائمة، وأود القول بأن الصناديق السيادية الأجنبية انسحبت من السوق المصرية، بسبب عدم التزام الحكومة بهذا البرنامج، وقد تحدثت عن ذلك بشكل علني، لكن فعلًا، السوق يصغر باستمرار ولم يعد جاذبًا للأجانب.

ماجد شوقي: المهندس أشرف صبري، حضرتك ذكرت نقطة مهمة جدًّا، وذكرت الصين والمساواة في المعاملة والحيادية، وكذلك الإدارة، لأنه في القطاع الخاص لا بد أن تكون الإدارة ناجحة وتحقق إيرادات وتتوسع في أسواق، وإلا تكون إدارة فاشلة، وتأتي الجمعية العمومية التي يظهر فيها خلاف حاد وتسحب الثقة من مجلس الإدارة حتى تعين إدارة جديدة للشركة، وبالطبع هناك أمثلة كثيرة على ذلك داخل مصر وخارجها، وحضرتك محق في أن القطاع الحكومي ليس بالضرورة أن معيار النجاح في الإدارة الإيرادات ولا أعرف السبب الحقيقة، وقد عملت في الحكومة 18 سنة، وكنت معاصر لشركات كثيرة في قطاع العمال العام، والحقيقة أن أسلوب الإدارة أو معيار المكافأة مختلف جدًّا، وهناك أشخاص كثيرون أمامي في القاعة أعرفهم منذ سنوات طويلة، متأكد أنهم يعلمون جيدًا أن هناك شركات حكومية حتى الآن تحقق خسائر وتحمل موازنة الدولة أعباء كبيرة وكان من المفترض خصخصتها منذ فترة، وحتى الآن إذا لم يوزع حافز إنتاج تحدث مظاهرة في المصنع، حافز إنتاج وهي شركة تحقق خسائر منذ 20 أو 30 سنة.

أريد أن أسأل حضرتك ما الاقتراحات التي يمكن تقديمها إذا كنت في اجتماع مع الحكومة والدولة لخصخصة الإدارة، بصورة واقعية، غير الأمثلة التي سنقولها مثل المصرية للاتصالات التي تعتبر إدارة خاصة منذ طرحها، وتجربة المصرية للاتصالات في مصر ناجحة جدًّا، من هيئة إلى شركة، إلى شركة مقيدة، وتدار من أشخاص كانوا يديرون شركات اتصالات عالمية، وهذه تجربة ناجحة تمامًا، فبالنسبة لحضرتك ما الاقتراحات التي يمكن أن تقدمها في هذا الشأن؟

 

أشرف صبري: نحن لدينا قطاعان في مصر بهما منظم قوي، وفي ظل وجود المنظم القوي حدث تزاوج بين القطاع الخاص والقطاع العام، والاثنان ناجحان، لدينا القطاع المصرفي به عدد كبير من البنوك، جزء منهم قطاع خاص كبير، وهذا ناجح وهذا ناجح، ولكن المنظم قوي، قطاع الاتصالات ينطبق عليه نفس الأمر، والمنظم يتدخل في التسعير وكل شيء، وأصبح لدينا أورانج وفودافون والمصرية للاتصالات والكل متعايش مع بعض في ظل وجود منظم قوي استقطب كفاءات من السوق.

أعود مرة أخرى لما قاله أستاذ أحمد أبو السعد، وهو الهدف، وانصب حديثه حول أن البورصة تحتاج إلى شركات أكبر، وإذا طرحنا جزءًا من أسهم الشركات، فإننا لا نطرح لمستثمر إستراتيجي، وبالتالي سنخضع لتقلبات السوق، وسيترتب على ذلك وجود إدارة أحسن للشركة، والمنظومة كلها ستكون واضحة، وكان في بعض الأحيان يقال إنهم يريدون البيع لتسديد الديون لأن الحكومة ليس لديها موارد، لكن هذا هدف وذلك هدف آخر، إذا كنا نريد مستثمرًا إستراتيجيًّا لكي ينهض بقطاع معين فهذا هدف آخر.

ما أود قوله هو أنه في ظل غياب رؤية واضحة، فإن الأمور لن تكون سهلة، لأن كل طرف يتحدث من المنطلق الخاص به، إنما الصياغة العامة هي الناقصة، هل مطار دبي مثلًا قطاع خاص؟ وهو أحسن مطار في العالم، لا ليس قطاعًا خاصًّا، ولكن يدار بأسلوب جيد، ولذلك القصة ليست قصة قطاع خاص أو عام، القصة هي هل يدار بكفاءة أم لا؟ الهيئات الحكومية في الإمارات التي تمنح التراخيص بعد يومين هل هي قطاع خاص؟ لا.

لا يصح أن نقرر فجأة إغلاق القطاع العام ونقوم بتسريح مئات الألوف من العاملين فيه، بل يجب أن يكون هناك إستراتيجية وبرنامج للتعامل معهم.

من وجهة نظري قطاعيًّا لا بد أن يكون لدينا إستراتيجية وهدف واضح، وهناك خدمات لا يصح أن تتوقف في الدولة، والحكومة هي المسئولة عنها، فلا يصح أن نقول شركة ما في قطاع الكهرباء أفلست وسنقوم بقطع الكهرباء.. هذا لا يصح.. لا نستطيع أن نلغي منظومة النقل لأنها ليست مربحة.. وبالتالي كل دولة لا بد أن يكون لديها إستراتيجية للتعامل مع المخاطر النظامية في القطاعات الاقتصادية، إما تمنحها للقطاع الخاص وتوقع معه عقودًا واضحة النصوص بأنه إذا أفلس أو حدث أي شيء آخر فإنها تؤول إليها ملكية الأصول، ووقتها ليس من حق المستثمر أن يعترض.

في تقديري لا بد أن يكون لدينا رؤية قطاعية واضحة، وأن تعلن الحكومة القطاعات التي تريد الاستثمار فيها، والقطاعات التي لن تستثمر فيها، وهل نقوم بالخصخصة لتحسين أداء الشركات وتقوية سوق المال، أم لتسديد الديون، أهم شيء هو المناخ الجيد، لأنه عندما يكون هناك شركة تعامل ضريبيًّا بطريقة مختلفة عن شركة أخرى فإنها مأساة، وغيرها من الأوضاع.

ما زلت عند رأيي بضرورة وضوح الرؤية والنظام القانوني الواضح وإتاحة الوصول إلى التمويلات والأهداف الإستراتيجية القطاعية الواضحة، وتحسين الـ DNA والاعتراف بأن الحكومة تعاني من مشكلة DNA ليس عيبًا، وقد حضرت إطلاق مدينة الإنترنت بدبي، ووقتها قال الشيخ محمد بن راشد إن الحكومة الإماراتية تعاني من وجود قيادات إدارية تعمل منذ 30 عامًا بشكل معين، ولا بد من تغيير هذا الشكل، وأعلن إن هذه القيادات الإدارية سيتم تكريمهم ومنحهم معاش كامل ومزايا مالية، واستبدالهم بقيادات جديدة لتغيير الـ DNA الخاص بالحكومة الإماراتية.

في بعض الأحيان ننسى تجارب سيئة جدًّا، ونتناسى الأخطاء التي تم ارتكابها ولا نجعل هناك حوكمة كافية في كثير من المشروعات، فنحن لدينا منطقة العين السخنة كم من الأمتار الذي حصلت عليه شركات كبرى واستمر الحال كما هو أو تم استغلال 10% فقط، وهذه مشاكل حقيقية يضعها المشرع في الاعتبار، وهناك مثلًا بيع أرض المعصرة الخاصة بالتليفونات كانت على النيل وأفدنة عديدة، تم بيعها على cash flow وهي أساسًا لم تكن على cash flow أو غيره، وهناك أمثلة أخرى، تلزمنا بضرورة الشفافية.

ماجد شوقي: للأسف رغم أن هذه التجربة كانت سيئة، لكنها أصبحت المقياس عند بيع أي أرض على النيل، فيتم رفع السعر والتقييم يزيد، وفي النهاية لا أحد يشتري.

أحمد أبو السعد: إذن الحل الذي تحدثت عنه لن يضر أحدًا، بحيث يتم طرح حصة 10 أو 20% للتداول الحر، ووقتها الشركة ستجذب المستثمرين الأجانب، والسوق سيقوم بتسعيرها وتقييمها، ووقتها إذا أراد مستثمر إستراتيجي الاستثمار بها فإن الحكومة تبيع له بالسعر القائم، وأؤكد أن أي شركة ناجحة لا بد أن تطرح في البورصة أو حصة منها على الأقل، ونترك تسعيرها للسوق، وأكبر دليل على ذلك ما ذكره أشرف بك عندما تحدث عن الطرق ومطار دبي وقال إنه أفضل مطار في العالم رغم أنه ليس قطاعًا خاصًّا، لكن إدارتهم تحت قيادة القطاع الخاص، والأهم أنهم مدرجون في البورصة، وهناك أمثلة عديدة على ذلك مثل شركات سالك وباركن وغيرها.

ماجد شوقي: أعود للأستاذ محمد نجم، ونتحدث عن الأموال التي تخرج من مصر للاستثمار في الدول العربية أيًّا كان الهدف سواء لتأسيس شركات ناشئة أو الحصول على إقامات أو غيرها، ليس هناك شك في أن الوضع تغير، وكل ما نقوله رسائل واقعية وعملية ونحاول طرح حلول للوضع الحالي، وقد يستغرق تعديل هذا الوضع وقتًا طويلًا، لكن هناك بعض الحلول المفيدة للبلد والاقتصاد، في الماضي الأسواق الأخرى لم تكن منافسة لمصر بشكل كبير، خصوصًا عندما كانت السعودية مغلقة، لكن اليوم الوضع مختلف تمامًا، وأنا لدي تجربة شخصية في شركتي، وأعتقد تقريبًا معظمنا لديه تجربة مع السوقين السعودية والإماراتية، العائد مختلف، ولن أتحدث عن سهولة الإجراءات، لكن نموذج البزنيس نفسه مختلف، وبالتالي مصر أصبحت اليوم في وضع منافسة، وأنت تحدثت عن هذه الجزئية، اليوم لو الدولة تريد خصخصة جزء أو بيع حصة في شركة ما داخل البورصة، ما توصياتك للحكومة للتعامل مع هذا الموقف، وأنت ذكرت نقطة مهمة جدا، في الفترة التي كان التداول في البورصة المصرية ضعيفًا جدًّا، كانت أموال المصريين تذهب إلى الدولار بسبب السوق السوداء أو العقارات قبل أن تصل الأسعار لمستويات عالية الآن، أو الاستثمار في عقارات بالخارج للحصول على إقامة؟

محمد نجم: في الحقيقة المنافسة ستكون صعبة، فعندما نقارن كبيئة استثمارية بين الإمارات ودول الخليج ومصر فإن المنافسة ليست سهلة، لكننا لدينا مقومات كثيرة ليست موجودة لديهم، ويكفي أننا نمتلك قوى عاملة مؤهلة، لكن فروق سعر العملة في الرواتب تجعل الموهوبين دائما يتجهون للخارج، فلو مثلًا ستعطي موظفًا راتبًا 100 ألف جنيه وهو رقم ضخم، فإنه سيحصل على 50 ألف ريال بسهولة جدًّا في الخارج، وبالتالي إذا أردنا اجتذاب هؤلاء المستثمرين فلا بد أن يكونوا أقوياء في أماكنهم أولًا، فنحن لن نستطيع جذب استثمار من الخارج ونوقف خروج الأموال من مصر، إذا لم يكن هؤلاء يستطيعون العمل بشكل جيد محليًّا، لا بد من إتاحة فرص وتسهيلات وحوافز في القطاعات التي لن تستثمر فيها الدولة، فإذا كانت تريد تنشيط مجال التكنولوجيا المالية، فيجب توفير بيئة تشريعية جيدة، وحوافز ضريبية وتسهيلات وغيرها، حتى تجذب المستثمرين المحليين ولا يتجهوا للخارج، وبالتالي إذا لم يخرج فإنه سيبدأ في تحقيق إيرادات واستثمارات أكبر.

لدينا تجربة جيدة جدًّا من الرقابة المالية في القطاع المالي، ويمكننا القول إن هيئة الرقابة المالية هي الجهة الوحيدة التي لا تمتلك شركات أو تعارض مصالح مع أي طرف، وهي الرقيب الوحيد الذي يعمل رقيبا بالفعل، ونسبيًّا النشاط المالي غير المصرفي هو من أكثر الأنشطة الجيدة تشريعيًّا وجاذب للمستثمرين، ومن أكثر الأنشطة نموًّا سواء أنشطة التمويل المتناهي أو الأنشطة المالية غير المصرفية والأوراق المالية، فعندما أوجدنا بيئة تشريعية ملائمة وتنافسية عادلة، فإن النشاط نما واستطاع جذب رؤوس أموال، وبالتالي رقم واحد واثنين وثلاثة هي البيئة التشريعية والمساواة، ومثلًا سي أي كابيتال والأهلي وإي إف جي الأشطر والأفضل هو من يفوز بالعميل، على الجانب الآخر لا يوجد هذا الأمر في القطاع المصرفي، وهناك بعض البنوك الخاصة لا تستطيع منافسة البنوك الكبرى صاحبة القوة.

منع خروج الأموال ليس سهلًا، لكن الأسهل هو أن الدولة تضع الحوافز والبيئة المناسبة لجذب رؤوس أموال توازي ما يخرج.

الإمارات من أسهل الدول في تأسيس الشركات عالميًّا، وأنا أسست شركة هناك في يوم واحد، ودعني أقول في 3 ساعات، أما في مصر فالأمر ليس بهذه السهولة، رغم أنه ليس بنفس الصعوبة التي كانت موجودة في الماضي، لأنه تم اختصار الكثير من الوقت وأصبحنا نؤسس الشركات في 4 أو 5 أيام، ولذلك نحن نتحسن تدريجيًّا، لكن نحتاج المزيد من السرعة لنستطيع جذب المزيد من رؤوس الأموال.

ماجد شوقي: نعم، الآن سوف أسأل سؤالًا أخيرًا للسادة الضيوف، نحن تحدثنا عن كل شيء يمكن أن تفعله الدولة حتى نعود إلى دور القطاع الخاص في ضوء منافسة عادلة ومساواة، لأنه لو حسبنا بالأرقام، فإن القطاع الخاص ليس الأكبر في جذب الدولار، لكنه الأكبر في التشغيل ودفع المرتبات، وبالتالي نخلق طبقة متوسطة تستهلك، وتستعمل فوري لدفع الفواتير، وتشتري جبنة أكثر، وما يحدث في بعض الأمور التي تستوقفني، أننا بدأنا نلجأ إلى ما يسمى اقتصاد الصفقات، ومن الممكن أن يكون المسمى غير منتشر نسبيًّا، لكن نحن لدينا مديونية كبيرة وأمر واقع لا بد من التعامل معه، كما تعاملنا في الثمانينيات والتسعينيات، وبدأنا نلجأ إلى بيع قطع أراضٍ لتغذية موازنة الدولة والبنك المركزي بالعملة الأجنبية، وتسديد الالتزامات، وفي الوقت نفسه ما رأيكم في هذا الحل الذي أعتبره مؤقتًا، وسريعًا لجذب الأموال، لكنه في الوقت نفسه غير كاف لحل الأزمة، بل بالعكس يعتبر من الحلول المؤقتة جدًّا، والشيء الآخر هو أنه لأننا سوق صفقات فإننا نحتاج إلى الانتهاء بسرعة من كل شيء، وبالتالي نلجأ إلى المقاولين من الباطن، وفجأة بدلًا من أن نقوم بتشغيل 20 مقاولًا في مشروع كبير، نقوم بتشغيل مقاول واحد وكل مقاول يقوم بتشغيل اثنين أو ثلاثة من الباطن، وبالتالي القيمة المضافة الحقيقية ليست بحجم المشروع، ولهذا تأثير سلبي على الاقتصاد وليس إيجابيًّا، وهنا أريد من حضراتكم تعليقًا على اقتصاد الصفقات وكيف نستطيع الخروج منه في ظل التزامات المديونية وفوائدها؟

أشرف صبري: بيع قطعة أرض لتنفيذ مشروع سياحي أمر جيد، والنتائج الاقتصادية لها سواء زيادة السياحة ومعدلات التشغيل وغيرها، كلها أمور جيدة، لأن هذه هي طبيعة هذه الصناعة، على عكس بيع جزء كبير من شركة أبو قير للأسمدة، لأنها بالنسبة لي استثمار مستقر ويولد عملة صعبة، فنحن كنا أمام نموذج لمصنع إنتاجه كله مباع بالعملة الصعبة، وبالتالي لا أعرف لماذا باعت الحكومة جزءا من أبو قير للأسمدة، إلا إذا كانت مضطرة جدا لذلك، وأعتقد أن طبيعة المشروعات التي يمكن بيعها ويمكنها توليد فرص استثمارية سواء في المجال الزراعي أو السياحي فإنها تكون صفقات جيدة .

محمد الدماطي: أعتقد أن موضوع سداد الدين وتخفيضه الأساس فيه هو أن التخارج من أجل نمو الناتج المحلي، وليس التخارج من أجل سداد ديون، لأن التخارج من أجل السداد هو هدف قصير الأجل، ومهما باعت الحكومة لكي تسدد فإن الأمر لن ينتهي، وليس حلًّا، خاصة أن فوائد الديون عالية، وبالتالي الحل هو تحفيز القطاع الخاص ونمو الناتج المحلي، وبالتالي حجم الاقتصاد كله ينمو، فالحصيلة الضريبية تتضخم بشكل متسارع، مع ضرورة ضم الاقتصاد غير الرسمي للاقتصاد الرسمي، ما يساعد في النهاية على سداد الديون، والأهم من حجم الدين هو حجم خدمة الدين، ولذلك نحتاج إلى أن نصل لمعادلة تفيد بأن إيراداتنا تغطي خدمة الدين بشكل جيد، وعدم تضخم الدين بصورة متسارعة مرة أخرى، وبالتالي تستطيع الحكومة السيطرة على تأثير خدمة الدين، وفي النهاية مسألة بيع الحكومة للشركات هو “بانادول”، وحتى إذا باعت بـ 50 مليار أيضًا هو “بانادول”، نحن نحتاج إلى خطة طويلة الأجل لتنمية الاقتصاد بشكل معين، وبالتالي يرتفع الناتج المحلي الإجمالي، ومعه الحصيلة الضريبية ترتفع، ونحدد ما سنستخدمه منها للتنمية وسداد الدين لوقف نزيف خدمة الدين.

مصر بها 20 ألف شركة على الأقل يجب إدراجها في البورصة

أحمد أبو السعد: دعنا نفرق بين بيع الشركات، لأن الحكومة كانت مضطرة لذلك مثل بيع شركة أبو قير للأسمدة كما ذكر المهندس أشرف صبري منذ قليل، بسبب تخارج الأجانب من أذون الخزانة، وبعدها حدثت حرب روسيا وأوكرانيا، وكانت الحكومة تحتاج إلى 2 مليار دولار بشكل عاجل، وبالتأكيد إذا كنا نمتلك رفاهية الانتظار فإن طريقة البيع كانت مختلفة، لأننا في هذه الحالة قمنا ببيع دولار بدولار، وعلى العكس كان من الممكن إشراك المستثمرين الخليجيين في هذه الشركات من خلال زيادة رؤوس أموال وليس بيع حصص، لكن في النهاية لم يكن لدينا رفاهية في هذه الصفقة.

أما فيما يتعلق ببيع أراضٍ لتنفيذ مشروعات مثل رأس الحكمة وعلم الروم، أنا لا أسميها بيعا وإنما تطويرًا مشتركًا، وهو نموذج مطلوب جدًّا، ونحتاج إلى تكراره في القطاعات الأخرى مثل الزراعة وغيرها، وهنا لن نقول أنه تم بيع الأراضي، لكن تم استثمار الأراضي في تشغيل عمالة وإنتاج، في سبيل تحقيق المستثمر عوائد استثمارية جيدة من المشروع.

أعتقد أننا لا نحتاج إلى حلول قصيرة الأجل، لأن أنبوبة الأكسجين الصناعي الموجودة معنا حاليًا تكفي حتى 2026 و2027، ومعنا حاليًا سنتين يمكننا أن نقوم فيها بتشغيل باقي أعضاء الجسم حتى لا نجد أنفسنا بعد انتهاء السنتين بلا نفس.

النشاط المالي غير المصرفي من أكثر الأنشطة الجيدة تشريعيًّا وجذبًا للمستثمرين

محمد نجم: أود القول في هذه المسألة إن الدولة تعاملت مع الشركات التي تم بيعها مثل أبو قير وغيرها معاملة الجنيه الذهب، وعندما احتاجت إلى 2 مليار دولار تخارجت منها واستطاعت الحصول على المبلغ المطلوب، وهذه ميزة إدراج الشركات في البورصة بعيدًا عن تقييمها في وقت البيع، ومثلًا أرامكو السعودية أول طرح لها كان 1% فقط، الفكرة أنك عندما تحتاج إلى أموال ستجدها من الحصة المتبقية في الشركة ولم تطرح في الطرح الأول وهكذا، وعلى العكس بيع حصص في شركات غير مقيدة في البورصة أمر صعب جدًّا، وبالتالي طرح الشركات أو حصص منها في البورصة أمر مطلوب، ومع الوقت سيرتفع تقييمها، وإذا أرادت الدولة التخارج منها في أي وقت فإن تقييمها موجود في أي وقت بالسوق حسب العرض والطلب.

من المفترض أن يكون القطاع الخاص هو المصدر الرئيسي للعملة الصعبة

باسل رشدي: اتفق مع كل ما قيل وأضم صوتي إلى صوت الأستاذ أحمد أبو السعد، نحن لدينا أراضٍ كثيرة في كل مكان، يجب استغلالها في مشروعات التطوير المشترك، وتشجيع الشركات المصرية على أن تنشط في السوق، ولا يقتصر البيع على الشركات الأجنبية فقط، لا بد عند التفاوض مع الجهات المشترية من منح أولوية لبعض التوريدات المصرية مثل مواد البناء والتشطيبات والأغذية، حتى لا تكون معظم الاستثمارات الأجنبية مستفيد منها الخارج وليس الداخل.

أعتقد أن تطوير المشروعات لا يجب أن يقتصر على المشروعات السياحية، وإنما يجب أن يكون هناك مناطق صناعية وزراعية ومتعددة الاستخدامات.

المصريون يستثمرون أموالًا كبيرة في الخارج.. وأصبحنا لاعبًا رئيسيًّا في القطاع العقاري بدول الخليج

الجزء الأهم المطلوب أيضًا هو الاستعانة بإدارات مؤهلة وجيدة في الشركات والمؤسسات الحكومية التي نرى أنها يمكن أن تحقق عوائد استثمارية جيدة، ولو بعقود إدارة مؤقتة.

ماجد شوقي: أعتقد أن الصندوق السيادي يفعل ذلك حاليًا.

باسل رشدي: بالضبط، لكننا نحتاج إلى سرعة أكبر في التنفيذ، لأننا عندما نبدأ المشروع وننتهي من التعاقد نستغرق وقتًا يصل إلى 3 سنوات، ولذلك نريد أن يستغرق الوقت 6 أشهر فقط.

محمد الدماطي: لن أزيد عما قيل، لكن مسألة تجهيز الشركات للإدراج في البورصة من أجل زيادة رأس المال في أي وقت مهمة جدًّا، والمثال الخاص بشركة أرامكو جيد جدًّا.

المهندس أشرف صبري: رغم المشاكل والتحديات، إلا أن أحسن أداء في البورصات الناشئة هي بورصة مصر، ومعدل الأرباح جيد، حتى لا تكون الأمور كلها سيئة، لكن هناك إيجابيات أيضًا.

ماجد شوقي: الحقيقة أن سوق المال المصري يعبر عن نفسه بوضوح في كل مرة، حتى في الأزمات، ونحتاج إلى نظرة أخرى له من المستثمرين.

أحمد أبو السعد: ورغم ذلك ما زال رخيصًا، السوق “ببلاش” وهذا أكبر دليل على أن القيد في البورصة يحسن من أداء الشركات، الشركات المقيدة في البورصة المصرية حرفيًّا منذ 15 سنة وهم في وضع إدارة كوارث مستمر، ومن الإبهار هناك شركات عندما حدث شح في الدولار، وكان نموذج العمل معتمدًا بنسبة 85% على خامات مستوردة و15% على المحلي، وجدناها خلال سنة قامت بتغيير النموذج وأصبح 85% محليًّا وهذا إبهار، وبالمناسبة منها شركات عائلية خاصة، وأخرى حكومية عليها ضغط بسبب قيدها في البورصة، وهذا ما نتحدث عنه بفوائد القيد في البورصة.

ماجد شوقي: أعتقد أننا وصلنا لنهاية المطاف، أشكركم شكرًا جزيلًا، أشكر جريدة حابي على هذا المؤتمر الجميل، وأشكر السادة الضيوف، ذوي القامات، وأتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذا الحوار.

الرابط المختصر