بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ اضطررت للذهاب لإحدى المصالح التابعة لوزارة العدل وبعد توقيعي على أحد الأوراق فوجئت بطلب المسؤول أن أبصم على الورق باستخدام الحبر.
هذه ليست المرة الأولى فقد صدر قرار من سنوات بوجوب البصمة إلى جانب التوقيع عند توكيل أي شخص مثلًا. حوائط مكاتب الشهر العقاري تشهد على كثير من البصمات التي حاول أصحابها التخلص منها.
لا أخفي شعوري بالضيق الشديد تجاه من يطلب مني البصمة بالحبر لأنها غير مجدية من وجهة نظري وغير حضارية. هذا بالإضافة إلى اقتران البصمة بالأمية فهي الطريقة المقبولة قانونيًّا لإجراء المعاملات دون معرفة القراءة والكتابة.
تطور استخدام البصمات بتطور التكنولوجيا الحديثة التي أوجدت قارئًا رقميًّا للبصمات كما أوجدت طرقًا لحفظ البصمات في قواعد البيانات فصارت طريقة تستخدم في إصدار تأشيرات ودخول كثير من بلدان العالم مثلًا.
في السنوات الأخيرة تبنت الإصدارات الجديدة من الهواتف الذكية إمكانية قراءة البصمة حتى أعطت للمستخدم الخيار في أن يستخدم بصمته كوسيلة أمان لفتح واستخدام الهاتف الخاص به.
يحاول العالم الاعتماد التام على التكنولوجيا خاصة في المدفوعات لأنها الطريقة الوحيدة لتحقيق الشمول المالي اللازم حتى يحصل كل شخص على ما يحتاج من خدمات مالية ومصرفية لتحقيق النمو والرخاء لدى الشعوب.
كما أن الرقمنة هي السبيل الوحيد للتحول التدريجي من النظام النقدي للنظام اللانقدي الذي يصب في نفس الاتجاه بالإضافة إلى فوائد عديدة كالحد من الفساد وجرائم غسيل الأموال والتهرب الضريبي.
تعددت وسائل المدفوعات الرقمية وكانت البداية من كروت الائتمان وكان التحدي الرئيسي عند سرقتها واستخدامها بواسطة السارق. تطورت نظم الأمان المصاحبة لتعتمد على مبدأ ما مع المستخدم (الكارت) بالإضافة لما في ذهن المستخدم (الرقم السري). ثم أتاحت الهواتف الذكية أيضًا طرقًا جديدة للمدفوعات تعتمد على نفس المبادئ وطرق التأمين.
صاحب ذلك التطور المستمر إشكال أساسي ألا وهو السرقة بانتحال الشخصية واستخدام رقم كارت الائتمان أو الهاتف الذكي الخاص بشخص آخر في مشتريات لا تخص صاحب الكارت الأصلي.
نتج عن ذلك سباق باستخدام التكنولوجيا بين المصارف من جهة لتحقيق أعلى درجات التأمين لوسائل المدفوعات من جهة ولصوص وقراصنة يستخدمون التكنولوجيا في جريمتهم من جهة أخرى.
بلا شك لعب الثنائي (الهاتف الذكي مع الكارت) دورًا محوريًّا في تضييق الخناق على جرائم انتحال الصفة الرقمية. ومن المعروف أن تكلفة استخدام كروت الائتمان والوسائل الرقمية هي نسبة مئوية يدفعها التاجر وتزيد التكلفة على المستخدم وتزيد تلك النسبة بزيادة احتمالات انتحال الصفة. فالنسبة المفروضة على المعاملات الإلكترونية والتجارة عبر الإنترنت أعلى من تلك التي يتم تحصيلها عند الشراء من المتجر باستخدام نقاط البيع لنفس السبب.
من شهور وخاصة قرب نهاية العام المنصرم كثر الحديث عن استخدام البصمات في تأمين المدفوعات الإلكترونية والمعاملات المصرفية. تبنت عدة شركات تطوير استخدام تلك الخاصية وعلى رأسها الشركات الكبرى المصدرة لكروت الائتمان.
ظهرت بالأسواق كروت ائتمان بها قارئ للبصمة تغني صاحبها عن الرقم السري وتستخدم بصمة صاحب الكارت في تأمين العملية وتستخدم نفس الأجهزة القديمة المرتبطة بنقاط البيع الموجودة عند التجار.
استخدام البصمة في المعاملات المصرفية طفرة غير مسبوقة في تأمينها لصعوبة التزوير ودقة الأجهزة القائمة على قراءة البصمات وتوافرها في كل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصي الحديثة.
تختصر تلك الطريقة زمن الانتظار عند نقاط البيع إلى أكثر من النصف وهي أيضًا الأنسب والأسهل لمن لم تتوفر لهم فرصة التعليم. كما أنه من المفترض أن تؤدي إلى انخفاض العمولة الخاصة بالمدفوعات لانخفاض المخاطر.
بدأت دول إفريقية كنيجيريا في استخدام البصمة بالإضافة إلى الصورة في النظام المصرفي الخاص بها بقيادة بنكها المركزي بالإضافة إلى الصورة. من المتوقع أن تستخدم البصمة في 18 مليار معاملة في العام الحالي 2021 بنحو 210 مليارات دولار.
من الوسائل المتعلقة بجسم الإنسان والخاصة به وغير المتكررة والتي تستخدم إلى جانب الصمة والتي مكنتنا الوسائل الرقمية من قراءتها والتعرف عليها بسهولة هي: الصورة وبصمة الصوت بالإضافة إلى بصمة العين. لتجنب احتمال عدم التعرف على وسيلة منهم لاحتمال تغييرها يمكن استخدام مجموعة من تلك الخواص الفريدة للإنسان في التعرف عليه وتحديد هويته.
أتوقع أن ينتشر استخدام البصمة ليشمل كل المعاملات والإجراءات المصرفية بداية من معرفة العميل وتسجيلة. كما أتوقع أن تكون جزءًا من البطاقات الشخصية ووسائل التحقق منها.
أتمنى أن يتبني البنك المركزي وكل أجهزة الدولة البصمة الإلكترونية لزيادة فرص نجاح التحول لدولة رقمية عصرية وتحقيق أهدافها من شمول مالي وتحول لمجتمع لانقدي بهدف تحقيق معدلات أعلى للنماء الاقتصادي.