د.أحمد كمالي في حوار مع حابي: التضخم أبرز التحديات.. والتدخل وارد لامتصاص آثار غلاء الغذاء

البنك المركزي نجح في الحفاظ على معدلات تضخم ضعيفة خلال العامين الماضيين ويعمل بشكل مستقل

ياسمين منير وباره عريان _ يرى الدكتور أحمد كمالي، نائب وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن التحديات الاقتصادية التي تفرضها المتغيرات العالمية المتزايدة قد تلقي بظلالها على أداء الاقتصاد المحلي الذي نجح في تحقيق نتائج إيجابية رغم الظروف الاستثنائية التي فرضتها أزمة وباء كورونا، مؤكدًا أن الضغوط التضخمية التي فرضت نفسها على الاقتصاد العالمي تمثل التحدي الأبرز خلال هذه المرحلة في ظل انعكاساتها المتنوعة خاصة على صعيد ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الاستثمار الخاص.

وكشف كمالي في حواره مع جريدة حابي عن تجدد رهان الحكومة المصرية على القطاع الخاص الذي يمثل العنصر الرئيسي في معادلة النمو خلال هذه المرحلة الاستثنائية، مسلطًا الضوء على الجهود التي يتم بذلها لتشجيع حركة الاستثمار الخاص، ومن أبرزها وضع حوافز استثمارية جديدة لتشجيع الاستثمار الأخضر من المنتظر الانتهاء منها في غضون شهرين، بالتوازي مع تسهيل النفاذ للحوافز الاستثمارية التي نص عليها قانون الاستثمار، والعمل على إزالة المعوقات التي تواجه كل نشاط بشكل تفصيلي، على أن يتم البدء بقطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والاتصالات والتكنولوجيا، والتي تم اختيارها وفقًا لمنهجية راعت فرص النمو وحجم التأثير في الناتج المحلي الإجمالي.

E-Bank

كما كشف كمالي عن الاتجاه لإعادة تقدير حساب الاستثمار الخاص على غرار ما تم في تقدير حساب الناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى الاستعانة بجهات دولية في تنفيذ ذلك المشروع الذي يستهدف رصد الاستثمار الخاص الحقيقي، متوقعًا الانتهاء من ذلك الأمر خلال عام.

كما تناول الحوار دور الصندوق السيادي وفرص طرح مبادرات جديدة لتنشيط الاستهلاك خلال الفترة المقبلة، وكذلك وضع الدين الخارجي وجهود تنشيط التصدير.

إلى نص الحوار..

د.أحمد كمالي نائب وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية

حابي: حقق الاقتصاد المصري نموًّا لافتًا خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري رغم التداعيات الاقتصادية المستمرة لوباء كورونا ومتحوراته وكذلك الاضطرابات التي يشهدها أداء الاقتصاد العالمي فيما يتعلق بارتفاع معدلات التضخم واضطراب سلاسل الإمداد.

كما يفرض الصراع الروسي – الأوكراني خلال هذه المرحلة حزمة من التحديات الجديدة التي تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي عالميًّا..

في البداية نريد التعرف على قراءتكم للمشهد الاقتصادي العالمي وتأثير التغيرات الجديدة على توقعات النمو ومؤشرات الاقتصاد المحلي خلال الفترة المقبلة؟

كمالي: الوضع الاقتصادي العالمي شهد قدرًا من التعافي والتحسن إلا أنه لا يمكننا القول إن الوضع العام إيجابي، وأسباب ذلك وتأثيره أمر يطول شرحه.

ولكننا سنتطرق إلى بعض القنوات التي يمكن للاقتصاد العالمي أن يؤثر من خلالها على الوضع المحلي، ويأتي في المقدمة التضخم، وهنا تجدر الإشارة إلى نجاح البنك المركزي المصري في استهداف التضخم، والذي اتسم خلال الآونة الأخيرة وحتى خلال تداعيات جائحة كوفيد-19، بحفاظه على التواجد ضمن الحدود المعلنة من البنك المركزي وقد بلغت أقل منها في بعض الأحيان، علمًا بأن النسبة المستهدفة في هذا الإطار هي 7% (±2%)، لكن بشكل عام مصر شهدت معدلات تضخم ضعيفة خلال العامين الماضيين.

مسلتزمات الإنتاج بوابة عبور التضخم العالمي للسوق المحلية.. وأستبعد تسجيل ارتفاعات كبيرة

يشهد العالم حاليًا ضغوطًا تضخمية، ناتجة عن ارتفاع معدلات التضخم في العالم أجمع، ومن المؤكد أن مصر تستورد جزءًا كبيرًا من الاحتياجات الغذائية، وأيضًا الاحتياجات من مستلزمات الإنتاج، وهنا أرى أن الشق الغذائي قد يتأثر، إلا أن الدولة من الممكن أن تتدخل بطرق معينة لتخفيف الأضرار، ولكن الأمر يختلف فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج.

فعلى سبيل المثال، مستثمرو القطاع الخاص العاملون في إنتاج الملابس أو الثلاجات سيتأثرون بارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج التي يتم استيرادها من الخارج، مما سيدفع إلى زيادة أسعار المنتجات، وبذلك يصل ارتفاع التضخم العالمي إلى مصر.

ولكن هل هذا يعني أننا سنشهد ارتفاعًا كبيرًا في مستويات التضخم؟ الإجابة لا، لأن الأسعار لن تزيد جميعها بنفس المعدل، كما أن هناك تدخلات حكومية لمواجهة وامتصاص بعض من زيادات الأسعار.

وفي الوقت نفسه، هناك الأدوات النقدية، التي يتدخل البنك المركزي من خلالها في أوقات معينة للحد من موجات التضخم.

حابي: هل توجد خطة أو إجراءات محددة من المقرر تنفيذها خلال الفترة القادمة في هذا الإطار؟

كمالي: البنك المركزي يعمل على هذا الجانب من الإجراءات بشكل مستقل في ضوء استهدافه لمعدلات التضخم، وهو ما نجح به بصورة كبيرة.

ارتفاع أسعار الفائدة وتكلفة الإقراض تحمل انعكاسات سلبية على الاستثمار الخاص وعجز الموازنة

ولكن هناك جانبًا هامًّا يجب التطرق له، فزيادة التضخم من شأنها رفع أسعار الفائدة، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة الإقراض، الأمر الذي له انعكاسات متعددة، منها أنه سيؤدي إلى انخفاض الاستثمار الخاص عالميًّا، وبالتأكيد مصر ستتأثر لأنه بذلك سيكون عليها رفع أسعار الفائدة، وفي الوقت نفسه هناك تأثير آخر في غاية الأهمية، وهو أن زيادة الفوائد على القروض ورفع تكلفة الاقتراض، سيكون لهما انعكاسات سلبية على عجز الموازنة.

إعادة تقدير الناتج المحلي تؤثر في ضبط الوضع والبقاء في الحدود الآمنة مع الارتفاع المحتمل بعجز الموازنة

وما يحدث الآن من إعادة تقدير للناتج المحلي، قد يؤثر بعض الشيء في ضبط الوضع ، وذلك بسبب أنه يتم قسمة العجز على الناتج، وقد يشهد العجز زيادة نسبية، ولكن في الوقت نفسه رقم الناتج المحلي ينمو كما شاهدنا، لذلك من المرجح أن يظل هذا المؤشر في الحدود الآمنة.

حابي: ماذا إذا لم يتم هذا التعديل الخاص بإعادة أسلوب احتساب الناتج المحلي.. هل كنا سنظل عند الحدود الآمنة؟

كمالي : دعونا نتفق على أن هذا التغيير لا يعني اختلاف طريقة احتساب الناتج المحلي، بل يتم استخدام البيانات الجديدة حتى نتمكن من تقدير الناتج بصورة أدق، وليس من خلال طريقة جديدة.

التغير في تقدير الناتج المحلي لا يعني اختلاف طريقة احتساب.. بل استخدام بيانات جديدة تعطي صورة أدق

وردًّا على سؤالكم الخاص بالحدود الآمنة، فإن الدين الخارجي على الناتج المحلي يعد في الحدود الآمنة في مصر، أما العجز فهو ينخفض، ولكنه لا يزال رقمًا غير ضئيل، في حين أن مدفوعات الدين أو خدمة الدين على الناتج تمثل قيمة كبيرة من المصروفات الحكومية، حيث تستحوذ على ثلث الإنفاق الحكومي، وهو ما يشكل قيدًا يكبل الدولة، مما يعكس الأهمية الكبيرة لسعر الفائدة، فانخفاضها يؤدي إلى تراجع قيمة خدمة الدين.

نبحث زيادة الناتج المحلي بكل السبل.. والاهتمام بدور القطاع الخاص المحور الأبرز

وأريد أن أطمئنكم إلى أن السنوات الأربع الماضية شهدت انخفاض خدمة الدين، وذلك حتى خلال تداعيات جائحة كورونا أيضًا، ولكن هل هذه النسبة هي المطلوب تسجيلها؟! بالتأكيد نستهدف تحسين الوضع بشكل أكبر وبصورة مستمرة.

حابي: هل توجد مفاوضات مرتبطة بالدين في هذا الإطار؟

كمالي: الأمر لا يتعلق بالدين، ومن غير المقرر أن يتم الدخول في مفاوضات حول الدين.

حابي: هل تم التفكير في السعي لإسقاط بعض الديون خاصة في ظل تداعيات الجائحة والتي شهدت مناداة البعض بذلك؟

كمالي: من الجيد أنكم تطرقتم لهذا الأمر، والذي أود التنويه إلى أنه مقتصر على الدولة منخفضة الدخل، في حين أن مصر مصنفة كدولة متوسطة الدخل، لذا لا يتم إسقاط أي ديون عن مصر، كما أن إسقاط الدين يتم في حالات التعثر، وهو ما لا تشهده مصر والتي لا تعاني من أي تعثر، بل تتميز بالتزامها في السداد، ولكنها تدفع الكثير في هذا الإطار، لذا يتم السعي لتحقيق منحنى نزولي في هذا الملف.

الدين الخارجي في الحدود الآمنة.. والعجز ينخفض لكن ما زال كبيرًا.. وخدمة الدين تقتنص ثلث الإنفاق الحكومي

حابي: ما هي الإجراءات الحكومية التي من المقرر اتخاذها للحفاظ على تحسن الأوضاع؟

كمالي: كلما ارتفع الناتج المحلي أسفر ذلك عن تحسن هذه القيم، لذا يتم بحث وسائل زيادة الناتج من خلال شتى السبل، والتي يأتي ضمنها ضرورة الاهتمام بدور القطاع الخاص في الاستثمار، فحجم الاستثمار من القطاع الخاص ضعيف، وعليه نسعى لتحسين مناخ الاستثمار، فالآونة الحالية تشهد وجود مشاكل بالوضع العالمي فهو ليس في أفضل حالاته، لاسيما إذا ما قورن بعامي 2007 و2008 حيث كانت أبسط المساعي تأتي بتأثير ملموس، فقد تميزت بكونها فترة رواج عالمي، في حين أن الفترة الحالية تشهد حالة من الانكماش وعدم التيقن العالمي، مما يجعل التأثير محدودًا مقارنة بهذه الفترات.

حابي: الصندوق السيادى ذراع مؤثر للدولة ووزارة التخطيط في جذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع القطاع الخاص.. ما الجديد على أجندة الصندوق خلال هذه الفترة؟ وهل هناك منصات أو اتفاقات استثمارية جديدة مع كيانات سيادية وإقليمية؟

كمالي: أرى أن الرجوع لرئيس الصندوق السيادي في هذه التفاصيل أفضل، وأود الإشارة إلى شق هام، فالصندوق السيادي المصري قد تم تنفيذه فعليًّا بأيد حكومية، إلا أنه غير خاضع لوصاية سياسية، وذلك جزء رئيسي في فلسفته، فهو أداة اقتصادية وليست سياسية.

الصندوق السيادي لا يخضع لوصاية سياسية.. ويمثل إشارة على التوجه لتشجيع القطاع الخاص

فالفلسفة التي يقوم عليها الصندوق السيادي المصري والتي تختلف عن الصناديق السيادية الأخرى، تقوم على استغلال الأصول، سواء غير المستغلة، أو المستغلة بشكل ضعيف.

فهذه الأصول إذا كانت في أيدي القطاع الخاص لكان قام بتحسينها وإدارتها بطريقة أفضل، لذا تكوّن الصندوق السيادي لهذا الشأن، بهدف القيام بشراكة في الأصول الكبيرة والهامة مع القطاع الخاص الذي يحتاج إلى هذه الأصول لتنفيذ مشروعات انتاجية مفيدة للدولة، بينما يتمتع الصندوق بالمرونة الكافية للقيام بهذا الدور، مما يؤكد على أهميته، خاصة أنه يعد بمثابة إشارة جيدة على التوجه لتشجيع القطاع الخاص.

الاهتمام بالبيئة والاقتصاد الأخضر ضمن الأولويات.. ومشروعات الهيدروجين الأخضر نموذجًا

وبالتأكيد سبل جذب القطاع الخاص غير مقصورة على الصندوق السيادي، فهو أحد الأدوات وليس الأداة الوحيدة التي من شأنها تحسين الاستثمارات من القطاع الخاص، وقد نجح فعليًّا في جذب استثمارات جيدة وكبيرة، ولكن بالتأكيد يد واحدة لا تصفق.

وهناك عدة جوانب يجري العمل عليها في عدة ملفات، ويأتي الجانب الخاص بالبيئة والاقتصاد الأخضر من أهمهم، مثل المشروعات الخاصة بالهيدروجين الأخضر.

حابي: هل هناك مشروعات كبرى أخرى مستهدفة؟

كمالي: يمكننا الإشارة أيضًا إلى مشروع تطوير مجمع التحرير، والذي تم الانتهاء من ترسيته على أحد المستثمرين من خلال الصندوق السيادي، وذلك هو الدور المنوط به، فهو من يقوم بجذب رؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية للعمل في مثل هذه المشروعات.

وأنوه أيضًا إلى مشروع تصنيع عربات السكة الحديد، والذي يتم بالشراكة مع الصندوق السيادي بهدف توطين الصناعة، فقد كان يتم الاستيراد في إطار الطفرة الكبيرة التي يشهدها مجال النقل والسكك الحديدية والقطارات، لذا فإن توطين هذه الصناعة يعد أمرًا غاية في الأهمية، ولم نقل إنه سيتم تصنيع الماكينات أو القاطرات المسؤولة عن الجر، بل نسعى لتنفيذ العربات.

كما أن صفقة بنك الاستثمار العربي تعد من المحطات الهامة، فإن اتجاه مؤسسه كبرى للاستحواذ على البنك وضخ استثمارات به يعد أمرًا غاية في الأهمية.

حابي: ما هي أبرز التوصيات التي قدمتها وزارة التخطيط فيما يخص وثيقة القطاع الخاص؟

كمالي: هذا الأمر ليس له علاقة كبيرة بوزارة التخطيط، وهو ما لا ينفي أن الوزارة داعمة ومشاركة في هذا الملف الهام، والذي يمثل أيضًا جزءًا هامًّا من المرحلة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي تستهدف تحفيز القطاع الخاص، فوثيقة القطاع الخاص تتسم بكونها عملًا يخص الدولة، فهو لا يقتصر على وزارة أو هيئة، لذا فإن دولة رئيس الوزارء يولي اهتمامًا كبيرًا بهذا الشأن، في سياق يظهر القطاعات التي لن تتدخل الدولة بها، وكذا القطاعات التي من الممكن الدخول بها إلا أنه من المقرر الخروج منها في مرحلة لاحقة.

كما يتم الكشف أيضًا عن القطاعات التي تعتزم الدولة الدخول بها، وذلك بهدف تحسين حالة عدم اليقين لدى القطاع الخاص، والذي يعاني من التخوف المتعلق بالمنافسة، وهذا أمر طبيعي لا سيما أنه في حال دخول الكيان الحكومي أو القطاع العام بأحد القطاعات، سيكون من الصعب على القطاع الخاص المنافسة في هذا الإطار، مما يسفر عن إحجام.

أما إذا تم تحديد القطاعات الخاصة بالقطاع الخاص، وإخطاره بذلك رسميًّا، وكذا إبلاغه بالقطاعات التي سيتم التخارج منها من قبل الدولة بمرور الوقت، سواء من خلال طروحات أو التخارج عن طريق البيع، كما سيتم الإعلان عن القطاعات ذات البعد الأمني والاستراتيجي التي لن يتم التخارج منها، وهو ما سيضمن وضوحًا أكبر للرؤية لدى المستثمرين.

حابي: ذكرت مجموعة من المشروعات التي ساهم بها الصندوق السيادي بتوجه تنموي في الأساس مثل إحلال المركبات والهيدروجين الأخضر، لذا نود معرفة هل هناك مشروعات أخرى من المخطط تنفيذها مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة لا سيما بالقطاعات التي أعلنتم أنها تحظى بأولوية وهي الزراعة والصناعات التحويلية والاتصالات والتكنولوجيا؟

كمالي: المشروعات التي تحدثنا عنها تتسم أيضًا بربحيتها العالية، فليس معنى أنها تخدم أبعادًا تنموية أنها لا تحقق مكاسب.

وبالفعل القطاعات المذكورة تحظى بأولوية، ولكن أؤكد في الوقت نفسه أن القطاع الخاص يعمل بشكل جيد على هذه القطاعات لذلك لا يوجد حاجة لدخول الصندوق السيادي.

الانتهاء من توضيح نطاق الحوافز المنصوص عليها بقانون الاستثمار بعد ملاحظة ضعف الاستفادة منها

حابي: هل هناك حوافز محددة يمكن تقديمها لتنشيط الاستثمار بهذه القطاعات؟

كمالي: قانون الاستثمار نص على ما يسمى بالقطاعات (أ) وقطاعات (ب)،وهو ما يرتبط بالحوافز، ولكن القانون لم يوضح المناطق الجغرافية لهذه القطاعات وهو ما جعله غير مفعل، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد تم الانتهاء من هذا الأمر منذ عدة أشهر، وذلك حتى يتمكن القطاع الخاص من الاستفادة من الحوافز التي ينص عليها القانون، فقد لاحظنا أن الاستفادة من الحوافز الموجودة ضعيفة، وذلك نظرًا لعدم وجود لائحة تنفيذية تمكن من ذلك.

حوافز نقدية ومالية لتشجيع المشروعات الخضراء.. والانتهاء من المقترح التفصيلي مع الجهات المعنية خلال شهرين

كما يوجد توجه آخر مواز مع هذا الأمر، يتمثل في الاتجاه نحو الاقتصاد الأخضر خاصة في ظل استضافة مصر COP27 ، لذا نود تقديم حوافز إضافية لتشجيع المشروعات الخضراء، وقد يتم ذلك سواء من خلال منح حوافز نقدية متمثلة في أسعار الفائدة أو حوافز مالية متمثلة في الشق الضريبي.

حابي: هل سيتم ضخ استثمارات حكومية بالقطاعات ذات الأولوية؟

كمالي: نرى أنه علينا الكف عن ضخ استثمارات حكومية، ونريد أن يتولى القطاع الخاص قيادة دفة الاستثمارات.

حابي: هل سيحدث ذلك من خلال شراكات مع القطاع الحكومي أم لا ؟

كمالي: وفقًا لطبيعة المشروع ومدى الحاجة لذلك، فالقطاع الصناعي على سبيل المثال يشهد تواجدًا قويًّا من جانب القطاع الخاص، وكذا الأمر فيما يخص الزراعة، ولكن هناك معوقات تتعلق بكل صناعة وبكل نشاط، والوزارة تسعى للتعرف على المعوقات التي يعاني منها كل قطاع منفردًا، ومن ثم العمل على إزالتها من خلال إصلاحات قطاعية مؤثرة.

د.أحمد كمالي نائب وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في حوار مع حابي

حابي: هل تستهدفون السير بنفس النهج في القطاعات كافة على أن تكون الأولوية للقطاعات الثلاثة السابق ذكرها؟

كمالي: من المقرر البدء بهذه القطاعات الثلاثة، والاختيار تم وفقًا لمنهجية محددة اعتمدت على مساهمتها الكبيرة في الناتج المحلي، وكذلك قدرتها كبيرة على النمو كما أنها تتمتع بقدرتها على خلق فرص عمل بصورة كبيرة، وذلك فضلًا عن وجود ميزة تنافسية بها، ووجود طلب مرتفع على هذه القطاعات، وأؤكد أنه قد تم عمل مصفوفة وفقًا لهذه المحددات، مما أسفر عن اختيار تلك القطاعات.

حابي: على صعيد الحوافز الخضراء ذكرت حوافز مالية ونقدية.. هل يمكن الكشف عن تفاصيل أكبر في هذا الإطار؟ وهل سيتم ذلك في صورة قرارات حكومية أم في إطار تشريع؟

كمالي: الإعلان عن هذا الأمر سيتم من خلال قرارات حكومية، وكذلك قرارات من البنك المركزي.

حابي: هل هناك مبادرات محددة مرتبطة بالفائدة أو حوافز ضريبية يتم مناقشتها حاليًا مع وزير المالية؟

كمالي: يجري إعداد وتصميم الحوافز المقترحة بالتعاون مع الجهات المعنية، ومن ثم طرحها على مجلس الوزارء للحصول على الموافقات اللازمة.

حابي: متى تعتزمون الانتهاء من إعداد التصور وعرضه على مجلس الوزراء؟

كمالي: نعتزم الانتهاء من هذا الأمر قبل فعاليات مؤتمر COP27، لذلك أتوقع أن يتم إنجاز التصور النهائي خلال الشهرين القادمين.

حابي: هل يمكن الكشف عن تفاصيل أكبر فيما يتعلق بالحوافز المقترحة؟

كمالي: هناك جوانب تقنية، مثل خفض الانبعاثات بنسب محددة، فمن الممكن على سبيل المثال أن يتم الربط بين خفض الانبعاثات وحوافز معينة، ليكون لكل نسبة يتم تحقيقها الحوافز الخاصة بها، حيث من المقرر التعامل بهذا الأسلوب.

حابي: هل يعني ذلك التطرق إلى الشق الصناعي بشكل رئيسي؟

كمالي: ليس فقط الشق الصناعي، بل سيشمل ذلك جميع القطاعات، فعلى سبيل المثال من الممكن تطبيق ذلك أيضًا على القطاع الزراعي من خلال مبدأ Zero Waste – صفر نفايات – وفي ذلك يتم الاعتماد في الماكينة التي تضخ المياه على الطاقة الشمسية، ومن ثم تسير هذه المياه في خراطيم بالتنقيط ، على أن يتم استخدام الفائض في المزارع السمكية، وأن يتم الاستفادة من الفضلات الناتجة عن السمك في تسميد الأراضي الزراعية، الأمر الذي من شأنه تخفيض الانبعاثات، كما أنه يندرج ضمن المشروعات الخضراء.

وما تطرقنا له مجرد مثال أقصد منه إيضاح الفكر والأسلوب والتوجه المستهدف وليس حوافز بعينها سيتم تطبيقها، فمن الممكن أن تكون البداية هي التصنيف والتعريف بماهية المشروع الأخضر، فحتى الآن لا يوجد تعريف رسمي في هذا السياق، لذا قد تكون الخطوة الأولى إصدار التعريف به، ومن ثم يتم تصنيفه إلى فئات تتحدد على أساسها الحوافز التي سيتم الحصول عليها، فبمجرد إتمام هذه الخطوة يمكننا الانتقال إلى الأهداف، وبالتالي وضع حوافز متدرجة وفقًا لمعدل الإنجاز في تحقيق الأهداف.

حابي: أعلنتم مؤخرًا عن تدشين أول أكاديمية للتصدير والعمل على وضع الأطر التنظيمية الخاصة بها مع المصدرين وهيئة تنمية الصادرات.. نود التعرف على المزيد من التفاصيل في هذا الإطار وهل يأتي ذلك في ضوء التوجه لزيادة الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار؟

كمالي: ليس لدي معلومات كثيرة حول هذه الأكاديمية، لكن الواقع أن الصادرات في مصر تتسم بكونها ضعيفة جدًّا مقارنة بحجم الاقتصاد، وتعادل الصادرات المصرية حجم صادرات المغرب تقريبًا، مع الفارق بحجم الاقتصاد بين المغرب ومصر، في حين أن تركيا تمثل 3 أضعاف حجم الصادرات المصرية، وهو ما يعكس وجود مشكلة في معدلات التصدير، وذلك نظرًا لعدم وجود ثقافة التصدير في مصر، وهو ما قد يكون دفع معالي الوزيرة للتفكير في تدشين أكاديمية للتصدير، فالأغلب يفضل الاكتفاء بالسوق المحلية التي تتميز بحجمها الكبير، دون بذل مجهود أكبر للتوجه نحو التصدير، فملف التصدير رغم أهميته إلا أن وضع مصر به ضعيف للغاية.

نستهدف النمو بحجم الصادرات ذات القيمة المضافة .. وضعف الثقافة بأهمية الملف إحدى المشكلات

وفي الوقت ذاته، نلاحظ أن التكوين التصديري في مصر ليس جيدًا، فمن الضروري النمو بحجم الصادارات ذات القيمة المضافة الكبيرة، بمعنى أننا قد نكون سعداء بتصدير الطماطم بمعدلات كبيرة، ولكن تُرى هل الأفضل هو الاكتفاء بذلك أم تصدير صلصة الطماطم، والذي من المؤكد سيكون أفضل، نظرًا لفرق السعر الكبير بين السلعتين، كما أن هذه العملية ستؤدي إلى إنشاء مصنع وتوظيف عمالة، وهو ما يجعل القيمة المضافة للمنتج المصدر أعلى.

حابي: هذا الأمر يعود بنا للحديث عن زيادة استثمارات القطاع الخاص سواء الاستثمار الأجنبي المباشر أو المحلي.

كمالي: هذا حقيقى بنسبة 100%، ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر ليس هو كل شيء.

حابي: طرحت وزارة التخطيط منذ فترة مبادرة لتنشيط الاستهلاك المحلي.. كما أعلنت وزارة المالية عن التفكير في تأسيس صندوق متخصص لتنشيط الاستهلاك.. ما هي تطورات هذا الأمر؟

كمالي: قمنا بالاشتراك مع وزارة المالية بهذه المبادرة، وكانت تمثل مرحلة تستهدف تشجيع الاستهلاك الخاص، نظرًا لأن معدلات النمو في هذا السياق قد بدأت تضعف، نتيجة لضعف توافر الأموال لدى المواطنين، لذلك تم التفكير في تشجيعهم على الاستهلاك، ولكن الأهم أن ذلك تم عبر استهداف تشجيع الصناعة الوطنية، من خلال منح تخفيضات ولكن فقط على المنتجات المصنعة محليًّا.

حابي: هل تعتزمون تكرار هذه المبادرة مرة أخرى؟

كمالي: الدكتور محمد معيط وزير المالية كان قد أبدى استعداده لتكرار هذا الأمر مرة أخرى.

وزير المالية أبدى استعدادًا لتكرار مبادرة تنشيط الاستهلاك.. لكن لا أتوقع ذلك قريبًا

حابي: هل ترى أن الفترة الحالية ملائمة لهذه الخطوة؟

كمالي: في تصوري الشخصي، أرى أن ذلك لن يتم حاليًا، وقد أكون مخطئًا في ذلك.

حابي: وماذا عن تطورات صندوق تشجيع الاستهلاك والذي يخاطب مستوى أعلى من الذي استهدفته المبادرة؟

كمالي: في منظوري الاقتصادي، وبعيدًا عن منصبي كنائب نائب وزير، أرى أن المشكلة في مصر ليست في الاستهلاك الخاص، بل تكمن في الاستثمار الخاص، وحتى نكون منصفين يجب الإشارة إلى أن حجم الاستثمار في مصر يتسم بكونه أقل من التقديرات مثلما كان الأمر في الناتج المحلي، لذا من المقرر الاتجاه نحو عمل مراجعة لتقدير الاستثمار الخاص، حيث إننا وجميع الخبراء المحليين والدوليين مقتنعون بأن حجم الاستثمار الخاص الحقيقي أكبر من المعلن حاليًا بكثير.

حابي: أتقصدون بذلك الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي؟

كمالي: بالفعل، أعني الاثنين، فعلى سبيل المثال يعد من السهل معرفة الاستهلاك الحكومي من وزارة المالية، كما يسهل أيضًا الحصول على البيانات الخاصة بالاستيراد والتصدير، وكذا الأمر فيما يخص الجمارك، ولكن الاستثمار الخاص كيف يمكن الحصول على بيانات دقيقة عنه.

حجم الاستثمار الخاص في مصر أقل من الحقيقي مثلما كان الأمر في الناتج المحلي.. ونعمل على وضع إطار موضوعي لتقديره

حابي: أليس من المفترض أن يكون هذا الرصد موجودًا لدى الهيئة العامة للاستثمار؟

كمالي: هيئة الاستثمار ترصد فقط الجانب الخاص بشركات الأموال والمساهمة، ولكن شركات الأفراد ليست معلنة لديها بشكل كامل، وهنا أؤكد أن وزارة التخطيط تعمل حاليًا على الملف الخاص بإعادة تقدير الاستثمار الخاص.

حابي: ما المحددات التي سيتم العمل في إطارها؟ هل سيكون البدء من خلال تجميع البيانات؟

كمالي: من المقرر التركيز على تجميع البيانات ورصد الاستثمارات المتاحة على أرض الواقع، حيث يتم النظر إلى حجم هذه الاستثمارات، فقد شهد الناتج زيادة فعلية نتيجة إعادة التقدير واحتساب البيانات الجديدة، وهو ما ترجم بالقطاعات، ولكن يبقى كيفية توزيع ذلك على الاستهلاك الخاص والاستثمار.

يجري العمل بقوة على الشق المتعلق بالاستثمار الخاص، وهو ما يعد أمرًا صعبًا للغاية عالميًّا، نظرًا لكونه غير مرئى، فما يظهر في هذا الإطار ليس الحقيقة كاملة، لذا فإننا نبحث كيفية عمل إطار متسق موضوعي لتقدير الاستثمارات.

الاستعانة بخبرات دولية لإتاحة منهجية جديدة لتقدير الاستثمار الخاص.. والمشروع يستغرق عامًا

حابي: هل تعتزمون الاستعانة بجهات خارجية للمساعدة في هذا الرصد؟

كمالي: بالطبع سيتم الاستعانة بجهات متخصصة في هذا الإطار، ونحن نفضل دومًا العمل وفقًا للمعايير الدولية، وفي حالة عدم القدرة على إنجاز أحد الجوانب، يتم الاستعانة بخبراء دوليين سواء من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو بنك التنمية الإفريقي أو الأسكوا وغيرها من المؤسسات الدولية، وذلك بهدف إتاحة منهجية جديدة للتعامل واستكمال الصورة، فقد أكون غير قادر على القيام بذلك، لذا يتم الاستعانة بالخبراء المتخصصين في هذا الإطار.

حابي: متى تتوقع الانتهاء من هذا المشروع؟

كمالي: يجري العمل على هذا المشروع حاليًا، ومن المتوقع الانتهاء منه خلال عام من الآن، ويمكن أن تكون ملامحه قد اتضحت بنهاية العام الجاري 2022.

 

الرابط المختصر