قبل أن أموت … هل لي أن أكتب إليكم!

بقلم مصطفي عادل العضو المنتدب لشركة توين كابيتال للاستثمار

بقلبي وطأة لا يمكنني، بعد الآن، أن أصنع منها شيئًا جميلًا، أو أن أظل كمصاب يستمتع بين كل حين وآخر، بتحريك ساقه المبتورة، أو كمن خرج للتو من متاهة طويلة جدًّا لا يدرك بعد أن فارقها كم المجهود الذي لا يطاق حتى يتسنى أن يرى نفسه خارجها، والآن وها قد قررت أن أطلق روحي خارج جسدي، وأن أفارق بقايا دماء تلطخت بها أوردتي كنبضٍ يسري فيها، قبل أن يقتلني هذا الألم الغامض في صدري، وقبل أن تنتهي حربي مع السرطان، هل لي أن أكتب لكم؟

E-Bank

أكتب عن من كنت أنا، أكتب قليلًا جدًّا عن ملايين من اللحظات التي أخوضها يوميًّا، نعم كنت أرى نفسي يوميًّا محاطًا بكثير من البشر، الأماكن، والشوارع، كنت أبتسم حتى لرواد الأماكن التي اعدت زيارتها، كنت اُقبل بناتي يوميًّا وأزور أمي وأمنح لحظات طويلة من عمري لمن أحب، كُنت أنا!

لم يتبدل فقط بي الحال لأفقد بريق كل تلك الأشياء حولي، ولكن أصبحت أشعر أن حتى سريري ملّ كثرة ململات جسدي عليه، حوائط غرفتي كأنها لا تطيق استمراري فيها، شعور يتملكني أن أصدقائي كأنهم يشفقون على حالي أكثر من أصل توددهم لي. أكثرهم قربًا لي ضجروا من تخبطي وهمي، أصبحت أكتب كثيرًا لا أقرأ كما كنت، وفيض ما بداخلي من مخاوف.. لا ينتهي ولن.!!

نعم قتل النفس للنفس حرام، وعبء النفس على النفس لا يُحتمل، واستمرار الحياة بلا أمل، كمن يبني حائطًا من ثلج.. ليسكن فيه صيفًا.. فينهار وينهار.. حتى قبل أن تنتصف شمس النهار!

تابعنا على | Linkedin | instagram

ولكن ما يثير فزعي حقًّا ليس أن يصبح هذا هو الفصل الأخير من حياتي.. ليست النّهاية ماتخيفني ولكن.. استمرار الآلم حتى النهاية.. دون أن أترك خلفي سوى غبار ذكريات ينفضها أحبتي بعد وقتٍ قليلٍ من رحيلي، أن أستمر في كفاح بلا أي أمل ينتظرني على الجهة الأخرى!!

لذا قررت أن أتحدث لكم ليس عني أو عن تجارب تشبهني، فليست هنا سوى كثير من المشاعر المختلطة بين حُزن وإحباط وألم، وكثيرًا من الذكريات عني وعن أشخاص كانوا بيني وبينهم فقط مسافة أن أتحدث ويصل همسي لآذانهم، شوارع فارغة بعد منتصف الليل على ضفاف النيل، هذا ما تبقى من شخص كان حتى شهور مضت يجد نفسه كمن دبت في صدره حياة بكل لهفة بعد دقات ليلة رأس سنة جديدة، وأخذ كل شيء يذبل حتى شحبت كل الصور.

نعم لا توجد مساحة نبحث عنها في تلك الدنيا سوى المساحة الآمنة، واليوم ولأني لا أعلم حقيقة من أنا، ولا أود أن أبحث بين خطوط وجهي ولا في صور قديمة ولا بين ورق كتبت فيه ولا على منديل خطّ أحدهم فيه كثيرًا من الكلمات والحروف المبهمة والذي أحتفظ به دائمًا بجانبي، فقط أبحث وجعًا عني، عن فنجان قهوتي الذي شاركتني حبيبتي فيه، عن ذات الشوارع والأماكن التي أسميناها بأنفسنا، ضللت عن نفسي، أو حقًّا أنا أبحث عن نفسي التي فارقتني، ولكن هل لي أن أتنفس بينكم وحدي حتى ولو كانت تلك آخر أنفاسي.

سأكتب لكم حتى لو كنت وحدي من يقرأ لي، فإلى الأمس القريب كنت هنا بينكم من صُناع مهنة المال والأعمال أكتب وأتحدث عنها، والآن وقبل أن ينتهي بي الأمر في ذاكرة نسياني في قلوب مَن أحبهم، سأكتب لعل ما أقوم به عمل نبيل لنفسي على الأقل، يزيل ما بداخلي من آلام، أو لتكن همزة وصل أخيرة اليوم بيني وبينكم.

هل لي أن أتحدث لكم؟

الرابط المختصر