صفقات الدمج والاستحواذ العالمية تهوى 23% بالنصف الأول
بسبب التضخم والحرب الروسية وانهيار البورصات
خالد بدر الدين _ تراجعت صفقات الدمج والاستحواذ العالمية بما يقرب من 23% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بسبب اتجاه الاقتصادات الكبرى نحو رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم الذي قفز لمستويات قياسية في العديد من دول العالم وانهيار الأسواق المالية واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وذكرت وكالة ديالوجيك الأمريكية لأبحاث الأسواق المالية، أن قيمة صفقات الدمج والاستحواذ على مستوى العالم هبطت إلى نحو 2.3 تريليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة بنفس النصف من العام 2021، كما انخفض عدد الصفقات بنحو 20% لتنزل إلى 15 ألف و764 صفقة خلال نفس الفترة.
وبلغت قيمة صفقات الدمج والاستحواذ في العالم أكثر من 1.2 تريليون دولار خلال الربع الثاني من هذا العام بارتفاع 5.5% مقارنة بالربع الأول من نفس العام والذي بلغت فيه 1.1 تريليون دولار، بينما انخفض عدد الصفقات بأكثر من 17.5% لتهبط إلى 7122 صفقة خلال الربع الثاني ليسجل أقل عدد منذ 18 عامًا مع تزايد المخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي.
هبوط صفقات الدمج والاستحواذ بنحو الثلث في أمريكا الشمالية
وبالنسبة لمناطق العالم فإن قيمة الصفقات في أمريكا الشمالية هبطت بنحو الثلث خلال النصف الأول من العام الجاري ولكنها ما زالت تشكل نحو 47% من قيمة صفقات الدمج والاستحواذ العالمية بينما شهدت الصفقات في أوروبا انتعاشًا خلال الربع الثاني بارتفاع قيمتها بأكثر من 24% غير أنها انخفضت عن بقية مناطق العالم خلال الربع لأول بسبب غزو روسيا لأوكرانيا منذ 24 فبراير.
ولكن صفقات الدمج والاستحواذ في أمريكا الشمالية استمرت تتراجع خلال الربع الثاني بسبب تنفيذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي لعدة ارتفاعات لأسعار الفائدة لكبح التضخم والحد من مخاوف الركود الاقتصادي، مما جعل الشركات تبتعد عن هذه الصفقات خلال الأشهر الثلاثة الماضية والتي هبطت من حيث العدد بنحو 36% لتنزل إلى 2098 صفقة و32% من حيث القيمة لتنحفض إلى 500.6 مليار دولار بالمقارنة بالربع الأول من هذا العام، بينما انخفضت قيمة هذه الصفقات خلال النصف الأول بنحو 33% لتهبط إلى 1.048 تريليون دولار مقارنة بنفس النصف من العام الماضي.
تقلبات حادة في حجم وقيمة الصفقات في آسيا بسبب متحورات كورونا في الصين
وظهر الوضع متقلبًا في منطقة آسيا حيث هبطت هذه الصفقات بين الربعين الماضيين بنحو 36% في شمال آسيا بسبب إغلاقات الأنشطة الاقتصادية التي نفذتها الصين للحد من انتشار العدوى من متحورات فيروس كورونا التي انتشرت في العديد من المدن الصناعية الكبرى مثل شنغهاي وبكين مما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريدات ونقص إنتاج العديد من الشركات وانخفاض مبيعاتها.
وعلى العكس من ذلك زادت قيمة صفقات الدمج والاستحواذ في أستراليا بنحو مرتين ونصف بفضل بيع شركة رامسي هيلث كير للرعاية الصحية بنحو 21 مليار دولار في أبريل الماضي بينما صعدت قيمة هذه الصفات في الهند بنحو 400% من الربع الأول إلى الثاني نتيجة الصفقات الكبرى بين البنوك الهندية بينما بلغت حصة الشرق الأوسط 3% وأمريكا اللاتينية 2% ونفس النسبة لليابان وجنوب شرق آسيا.
ومن ناحية القطاعات على مستوى العالم سجلت قيمة صفقات الدمج والاستحواذ بين شركات التكنولوجيا 28% بين الشركات المختلقة لتسجل أعلى نسبة وبعدها شركات العقارات بنحو 10% ثم شركات الخدمات المالية بنسبة 9% والنقل والمواصلات وكذلك شركات الرعاية الصحية بأكثر من 8% لكل منهما بينما شركات المرافق والطاقة حققت 5% وشركات الاتصالات أكثر من 3.5% ونحو 3.2% لشركات البترول والغاز الطبيعي.
صفقات «التكنولوجيا» الأمريكية تستحوذ على أكبر حصة بين الشركات العالمية
ونالت أمريكا نصيب الأسد في صفقات الدمج والاستحواذ بين شركات التكنولوجيا والتي حققت 70% من قيمة الصفقات بين هذه الشركات على مستوى العالم بقيادة مايكروسوفت التي اشترت شركة أكتيفيشن بليزارد بنحو 75 مليار دولار في يناير الماضي وصفقة استحواذ برودكوم على VMوير بأكثر من 71.6 مليار دولار في مايو الماضي.
وكانت ثالث أكبر صفقة من حيث القيمة على مستوى العالم بيع شركة هاوسينج ديفيلوبمنت فاينانس أكبر شركة رهن عقاري في الهند لبنك HDFC أكبر بنك هندي بأكثر من 60.8 مليار دولار وبعدها صفقة استحواذ شركة بلاكستون في أبريل الماضي على أتلانتيا لتشغيل المطارات والطرق بقيمة 46.4 مليار دولار مما يشير اهتمام الشركات بالاستثمار في البنية التحتية والعقارات.
وكانت قيمة صفقات الدمج والاستحواذ على مستوى العالم بلغت 5.8 تريليونات دولار العام الماضي بارتفاع 64% عن عام الوباء وذلك بفضل هبوط الفائدة وسهولة الحصول على تمويل رخيص وازدهار البورصات العالمية وارتفاع أسعار الأسهم لتسجل أعلى مستوى في تاريخها لتتفوق على القيمة القياسية السابقة البالغة ما يزيد على 4.55 تريليونات دولار عام 2007 وفقًا لبيانات وكالة ديلوجيك للأسواق المالية.
واحتلت الولايات المتحدة المركز الأول على دول العالم في نشاط الدمج والاستحواذ إذ ساهمت بما يقرب من نصف الأحجام العالمية، وتضاعفت فيها قيمة هذه الصفقات تقريبًا لتصل إلى 2.5 تريليون دولار خلال العام الماضي بقيادة شركات التكنولوجيا والمال والصناعة والطاقة.
والسؤال الذي يحاول المحللون الإجابة عليه حاليًا هو ما إذا كان النصف الحالي سيشهد مزيدًا من الهبوط أم الارتفاع في صفقات الدمج والاستحواذ العالمية!
ويرى محللون أن نشاط الدمج والاستحواذ في أوروبا سيشهد انتعاشًا خلال الشهور القليلة المقبلة حيث تسعى شركة يونيليفر للمنتجات الغذائية إلى بيع وحدة الآيس كريم كما أن عملاق تكنولوجيا المعلومات الفرنسي شركة آتوس تسعى لتقسيم نفسها إلى شركتين بينما من المتوقع أن تشهد الهند مزيدًا من الاندمجات والاستحواذات في قطاعها البنكي.
صائدو الصفقات ينتهزون الفرص خلال الشهور القادمة مع انهيار البورصات الأمريكية والأوروبية
أما في الولايات المتحدة التي تكبدت مؤشراتها الرئيسية انخفاضًا واضحًا طوال النصف الماضي مع تراجع أسعار أسهم العديد من الشركات فإن صائدي الصفقات سيتوفر لهم فرص عديدة لشراء شركات بأسعار أرخص من قيمتها الحقيقة وخصوصًا في قطاع التكنولوجيا بعد أن اشترت مجموعة استثمارات خاصة شركة زينديسك للسوفتوير بنحو 10 مليارات دولار في يونيو الماضي بعد شهور قليلة من رفضها البيع بأكثر 17 مليار دولار مما يؤكد على انتعاش الصفقات بين شركات التكنولوجيا خلال النصف الحالي.
وسجلت شركات العقارات ثاني أكثر القطاعات نشاطًا في مجال الدمج والاستحواذ خلال الأشهر الثلاثة الماضية للربع الثالث على التوالي والذي زادت فيه بنحو 11% لتتجاوز 53 مليار دولار بقيادة استحواذ شركة برولوجيز على ديوك ريالتي ريت بقيمة 27.4 مليار دولار ثم صفقة استحواذ بلاك ستون على شركة أمريكان كامباس كوميونيتيز بنحو 13 مليار دولار و شراء هيلثكير ريالتي تراست لشركة هيلثكير تراست أوف أمريكا بمبلغ اقترب من 11 مليار دولار.
واحتلت شركات الرعاية الصحية المركز الثالث بقيمة صفقات اقتربت من 50 مليار دولار خلال الربع الماضي ولكن بانخفاض 66% عن قيمتها خلال الربع الثاني من العام الماضي ولكن بارتفاع 15% عن مثيلتها خلال الربع الأول من العام الجاري، وكانت صفقة استحواذ شركة فايزر للأدوية على بايوهافين فارماسيوتيكال بقيمة 11.5 مليار دولار هي أكبر صفقة في مجال الرعاية الصحية خلال الربع الثاني من هذا العام.
انخفاض الصفقات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا
وتراجعت صفقات الدمج والاستحواذ في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا خلال النصف الأول من العام الجاري بعد الارتفاع القياسي الذي سجلته خلال العام الماضي وذلك بسبب الضغوط التضخمية وتزايد المخاوف من حدوث ركود اقتصادي في المنطقة والتوترات الجيوبوليتيكية التي جعلت الشركات تقلص إنفاقها .
وبلغ إجمالي قيمة صفقات الدمج والاستحواذ في هذه المنطقة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري نحو 617 مليار دولار من 5493 صفقة بانخفاض 12.7% عما شهدته خلال النصف الأول من العام الماضي الذي حقق نحو 705 مليار دولار ولكن بتراجع أيضًا بنحو 28% عن النصف الثاني من نفس العام الماضي الذي سجل نحو 858 مليار دولار.
ويذكر أن إجمالي قيمة صفقات الدمج والاستحواذ في هذه المنطقة هذا العام صعد لأعلى مستوى سنوي سجلته وكالة ديالوجيك لأبحاث الأسواق المالية العالمية وذلك بفضل الصفقات الكبرى التي شهدها الربع الثاني من العام الجاري، حيث إن إجمالي قيمة الصفقات التي لا تقل الواحدة منها عن ملياري دولار بلغ 194.4 مليار دولار مقارنة مع 124.5 مليار دولار خلال الربع الأول من هذا العام.
وأكد محللون في مراكز بحثية عالمية مثل شركة سولومون للاستشارات الأمريكية، أنه ليس من المحتمل تحقيق عدد كبير من الصفقات الضخمة خلال بقية شهور العام الجاري ولا سيما أنه من العسير اتجاه الشركات لعقد صفقات الدمج والاستحواذ عندما تتداول الشركات أسعار أسهمها عند أدنى مستوى لها هذا العام وخصوصًا مع ارتفاع أسعار الفائدة.
توقع استمرار تراجع الصفقات في المستقبل بسبب ارتفاع تكلفة التمويل
ويرجع أيضًا توقع هبوط هذه الصفقات إلى أن تمويل الدمج والاستحواذ بات أكثر تكلفة بالنسبة للشركات بعد أن رفعت البنوك المركزية العالمية أسعار الفائدة لمكافحة التضخم الذي قفز لمستويات قياسية لدرجة أنه حتى الشركات التي تحظى بسيولة نقدية ضخمة لإجراء صفقة تجد صعوبة في الاتفاق على السعر في الأسواق التي تتميز هذا العام بتقلبات حادة وانخفاضات التقييمات، غير أن صانعي الصفقات يتوقعون انتعاش الصفقات العابرة للحدود بين الولايات المتحدة وأوروبا مع نهاية العام لاتساع الفجوة بين تقييم الشركات الأمريكية والأوروبية بفضل الدولار القوي.
ورغم أن حجم الصفقات انخفض بنحو 11% إلى 2256 صفقة في منطقة آسيا الباسيفيك خلال الربع الثاني من هذا العام إلا أن هناك انتعاشًا في قطاع الدمج والاستحواذ في هذه المنطقة والذي زاد بنحو 18.4% ليتجاوز 286.7 مليار دولار بالمقارنة بنفس الربع من العام الماضي برغم إغلاقات الأنشطة الاقتصادية في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، كما انخفض حجم وقيمة الصفقات بنحو 10.2% و 22.6% خلال النصف الأول من العام الجاري ليهبطا إلى 4803 صفقة و528.7 مليار دولار على الترتيب بالمقارنة بنفس النصف من عام 2021.