بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
كيف تحوَّل الإحتفال بذكرى مولد الرسول الى «فتنة كبرى» حول مسألة جدلية.. قديمة ومتجددة.. تتعلق بالتشكيك في قواعد ومنهجية علم إسناد الحديث الشريف.. ومحاولة النيل من رموزه وأئمته ورواده.. باعتبار ذلك مدخلا ووسيلة لإصلاح أو تجديد الخطاب الديني.. تلك القضية التي ظلت أكثر من 1400 عام راقدة كالجمر تحت الرماد.. تكاد تحرق بلهيبها كل من يقترب منها؟.. ومن المسئول عن ذلك..؟!.
●● تلك هي المسألة
وبداية نقول: إننا لا نرى أي خلاف بين ما تضمنه خطاب رئيس الدولة خلال الإحتفال وبين ما نطق به شيخ الأزهر.. يستدعي هذا «الاستنفار الشرس» من جانب بعض الانتهازيين والأدعياء وتجار الأزمات.. الذين انبروا وسخروا أقلامهم ومنصاتهم الإعلامية.. ليس انتصارا للرئيس ولا زودا عن الدين ولا دفاعا عن الأزهر ومكانته.. لكنهم فقط أرادوها فتنة..!!
يمكنك أن تكتشف ذلك بنفسك إذا كنت ممن يتابعون قنوات الخيانة والإفك والتضليل الممولة بأموال الإخوان وداعميهم.. وكيف يمارس مذيعوهم «الخونة» التحريض والنفخ في كير الأزمة.. وكيف يبتزون شيخ الأزهر ويستفزونه ويدعونه الى تصعيد الموقف وتضخيمه.. ويزعمون أنهم يدافعون عن «كرامة الإمام الجليل» الذي كانوا بالأمس القريب يسمونه «شيخ الإنقلاب» بسبب موقفه التاريخي المعروف من ثورة 30 يونيو.!!
●● الرئيس والشيخ
كلاهما يتفقان حول قيمة السنة النبوية وثبوتها وحجيتها.. ووجوب اتباعها.. وبينما يحذر رئيس الدولة من أن «بيننا من لم يستوعب صحيح الدين وتعاليم نبينا الكريم، فأخطأ الفهم وأساء التفسير، وهجر الوسطية والاعتدال، منحرفاً عن تعاليم الشريعة السمحة ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة».. نجد الإمام الأكبر يحذر أيضا من «الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها».
التحذيران يمثلان وجهان لعملة واحدة.. هي منع الإساءة الى الدين نفسه.. أوالاتجار بنصوصه وتوظيفها في غير مواضيعها.. سواء لتبرير الإرهاب والترويج له باعتباره «فريضة الجهاد الغائبة».. أو لنشر الإلحاد عن طرق التشكيك في نصوص الحديث الشريف.. بما يقود ربما الى التشكيك في النص القرآني نفسه.. حيث تدل آياته على وجوب اتباع السنة وتثبت حجيتها إثباتا قاطعا.. لا ريب فيه.
فأين الخلاف في ذلك؟.. مع ضرورة تأكيدنا هنا على أن شيخ الأزهر لم يكن يرد على كلمة الرئيس.. حيث كانت كلمته تسبق كلمة الرئيس.. كما أن كلا منهما كان يقرأ كلمة مكتوبة أعدت مسبقًا.
●● نعود الآن
الى سؤالنا الأول: كيف تحول الاحتفال بالمولد النبوي، الى هذا الذي نعتبره «فتنة كبرى»..؟
في رأينا المتواضع.. ان الدكتور أحمد الطيب جانبه الصواب.. مع كل الحب والاحترام والتقدير له.. في أمرين مهمين.
أولهما: أنه ما كان ينبغي للشيخ الجليل أن يركز جل خطابه على هذه المسألة «الفقهية» التي نرى أن مكانها الصحيح هو مجالس العلم ومنابر العلماء.. وليس خطابًا عامًا في مناسبة احتفالية رسمية .. وتقليدية.. كان يمكن خلالها الاكتفاء بذكر السيرة الشريفة للرسول الكريم وفضله ومحاسنه ومغزى ودلالات الاحتفاء بذكرى مولده.. اتقاء لاتاحة الفرصة لإشعال الفتنة وإزكاء الخلاف.
وثانيهما: اننا نربأ بفضيلة الإمام الأكبر أن يقع.. بغير قصد.. في «خطيئة التعميم» وهو يسهب الحديث مدافعا بحماس عن «كل» رواة الأحاديث وما بذلوه من «جهود علمية جبارة مضنية» بهدف «تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة».. وفاتته الإشارة الى أن بعض كتب الأحاديث التي صاغها هؤلاء الرواة العتاة.. تتضمن الى جانب الأحاديث الصحيحة أحاديث أخرى «ضعيفة أو مقطوعة أو موقوفة أو مرفوعة».. ومنها ما يستند إليه مرتزقة الإرهاب في تبرير إجرامهم.
●● ثم أخيرا
هناك خطأ فادح.. بتصور أن «كل» دعوة الى تنقيح وتصحيح الخطاب الديني وتجديد التراث.. تعني بالضرورة التشكيك في السنة وإنكار حجيتها.. وصولا الى المطالبة باستبعادها من دائرة التشريع والأحكام.. فهذا غير صحيح مطلقًا.