رئيس البورصة الأسبق: دعم الثقة في سوق المال يتصدر أولويات المرحلة
د. خالد سري صيام: الوضع الحالي محمل برسائل مربكة تسببت في خوف وقلق المستثمر الجاد والمتلاعب على حد سواء
رنا ممدوح _ يرى الدكتور خالد سري صيام، رئيس البورصة المصرية الأسبق، ونائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية سابقًا، أن دعم الثقة في سوق المال يعد من أهم العناصر الواجب التركيز عليها في استراتيجية تطوير السوق خلال هذه المرحلة، مؤكدًا أن الوضع الحالي بات محملًا برسائل مربكة، سواء على صعيد زيادة التلاعبات بالسوق أو زيادة التدخل الرقابي، مما خلق قدرًا من التخوف والقلق لدى المتعاملين الجادين والمتلاعبين على حد سواء.
المناخ الاقتصادي عائق تاريخي أمام تطوير السوق.. والضرائب والعوائق الإدارية والضغوط العالمية وراء عزوف المستثمرين
وأوضح سري صيام لجريدة حابي، أن المشكلات التي تعاني منها سوق المال المصرية ترجع في الأساس إلى أن المناخ الاقتصادي بشكل عام يحتاج إلى أن يكون محفزًا للاستثمار على صعيد المستويات كافة، وهو الأمر الذي يطالب به الجميع منذ سنوات طويلة، وأضيف إلى ذلك ملف الضرائب والعوائق الإدارية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية التي يشهدها القطاع الخاص، ما أسفر في النهاية عن عزوف المستثمرين عن السوق والتوجه لبدائل استثمارية أخرى.
وقال: «السوق المحلية تعتمد منذ فترة على المستثمرين الأفراد، في مقابل تراجع نسبي لدور المؤسسات وكذلك تركيز عدد كبير منها على المتاجرة السريعة.. لذلك فإن كيفية استعادة الثقة في السوق يتصدر الأولويات خلال هذه المرحلة خاصة أن هذا الأمر عادة يستغرق وقتًا ويتطلب اتخاذ خطوات فعلية تجاه التأكيد على هدف ترويج ودعم النشاط بالسوق إلى جانب المهام المتعلقة بحماية المتعاملين وضمان شفافية ونزاهة التعاملات».
السوق تحتاج إلى خطوات فعلية للتأكيد على هدف الترويج عبر تيسير إجراءات القيد والتداول والتخارج دون التفريط في حقوق الأقلية أو المغالاة في حمايتها
وأكد سري صيام أن الجهات التنظيمية في مصر بشكل عام تعاني من صعوبة تحقيق التوازن بين هدفي الترويج والتنظيم، حيث إنه عادة ما يغلب أحد الهدفين على الآخر، لافتًا إلى أن سوق المال تحتاج إلى تكاتف الجهات التنظيمية سواء البورصة أو هيئة الرقابة المالية في محاولة تحقيق التوازن بين الهدفين مع التركيز بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة على جانب الترويج من خلال تيسير الإجراءات والقواعد المنظمة لعمليات القيد والتداول والتخارج، دون التفريط في حقوق الأقلية وكذلك عدم المغالاة في السعي لحمايتها بدرجة قد تزيد من أعباء الاستثمار.
وأكد سري صيام أن السوق المحلية تواجه حاليًا تحديات متعددة على مستويي العرض والطلب، حيث إن الشركات القابلة للقيد في البورصة أو الراغبة في القيد وتتمتع بجاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب غير متوافرة بصورة كبيرة، ويضاف إلى ذلك الأجواء العالمية شديدة الصعوبة، مما يضاعف من صعوبة تحفيز نشاط قيد وطرح شركات جديدة بالبورصة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن الكيانات التي كانت تخطط للطرح مسبقًا قد تواجه خلال هذه المرحلة ضغوطًا اقتصادية تؤثر بالسلب على أدائها المالي، ومن ثم إرجاء خطوة الطرح خوفًا من التقييم المنخفض، والاتجاه نحو جذب مستثمر استراتيجي للاستحواذ المباشر في حالات الرغبة في التخارج.
الوضع يتطلب حوافز ضريبية لتشجيع القيد.. ومحفزات جديدة لجذب الأموال للسوق بما يحقق التوازن أمام الأوعية الخالية من المخاطر والأعباء
وقال: «جانب العرض يعاني مشكلة في جذب كيانات جديدة لطرح أسهمها في البورصة في ظل ضعف الثقة في الوصول لسعر عادل للطرح وكذلك الخوف من عدم وجود الإقبال المرجو على الطرح تأثرًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية وانعكاساتها العنيفة على شهية المستثمرين وأداء أسواق المال».
وأضاف: «على الجانب الآخر، يعاني الطلب في السوق من ضعف السيولة تأثرًا بأسعار الفائدة المرتفعة على مستوى العالم، وكذلك المتغيرات والاضطرابات الاقتصادية واسعة النطاق التي تسببت في قدر عالٍ من التخبط عند اختيار الوعاء الاستثماري القادر على الحفاظ على القيمة، سواء عقارات أو ذهب أو أوعية مصرفية وأسهم، وهو ما يظهر جليًّا في ضعف القوى الشرائية بالسوق المحلية رغم بلوغ أسعار الأسهم لمستويات متدنية ومغرية للشراء خاصة بالمؤسسات والشركات ذات الأداء المالي المتميز والتي حققت نتائج جيدة خلال الفترة الأخيرة».
تنشيط جانبي العرض والطلب أولوية خلال العامين الجاري والمقبل.. بالتوازي مع تطوير صناعة الصناديق
وأكد سري صيام أن تجاوز صعوبات تنشيط جانبي العرض والطلب من المهام ذات الأولوية خلال العامين الجاري والمقبل، وهو ما يتطلب تقديم حوافز فعلية تعمل على دعم ثقة المستثمرين وأصحاب الشركات على حد سواء، وعدم الاكتفاء بالتصريحات والرسائل الشفهية في هذا الإطار.
وقال: «نحتاج إلى إجراءات مباشرة وواضحة للجميع، كما يتطلب الوضع إعادة النظر في ملف الضرائب والذي يعد من العناصر التي تسببت لفترة طويلة في حالة من الإرباك داخل السوق المحلية، خاصة أن المستثمر المحلي بطبيعته يشعر بالقلق عند الحديث عن تطبيق ضريبة خاصة مع الإشارة إلى فتح ملف ضريبي له بما يزيد من تخوفه تجاه تعرضه للمساءلة في المستقبل».
وأضاف أن السوق المحلية تحتاج حاليًا إلى حوافز ضريبية للتشجيع على القيد على غرار التي كانت مطبقة سابقًا، وكذلك خلق حوافز جديدة للتشجيع على ضخ الأموال والمدخرات بسوق المال، بما يحقق التوازن بين الاستثمار في الأسهم والأوعية الاستثمارية والادخارية الأخرى التي تتسم بكونها خالية من المخاطر ومن الأعباء الضريبية أيضًا.
ضعف الثقافة المالية لدى أغلب الشركات المساهمة أحد أسباب ضعف الإقبال على أدوات التمويل
وشدد سري صيام على أهمية دعم وتشجيع صناعة صناديق الاستثمار خلال هذه المرحلة لزيادة الطلب المؤسسي بالسوق وجذب مزيد من السيولة، مقترحًا منح مرونة أكبر للصناديق في تحديد نسب الاستثمار، وإلغاء الحد أدنى المطلوب لنسبة الأسهم من إجمالي الاستثمارات، مشيرًا إلى أن هذا الشرط يعوق قدرة مديري الاستثمار في التفاعل مع أداء السوق خاصة في خلال موجات الهبوط.
وأكد سري صيام أن هناك العديد من الأدوات المالية بالسوق التي ما زالت لم تصل إلى درجة النشاط المطلوب، ضاربًا مثالًا بإصدارات التوريق التي يرى أنها رغم نشاطها خلال الفترة الأخيرة إلا أنها قادرة على جذب استثمارات مضاعفة عن المحقق حاليًا.
وقال: «شاركت في إعداد الباب الخاص بالتوريق في اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال مع بداية عملي في هيئة الرقابة المالية، وكان من المتوقع حينها أن تلقى هذه الأداة المالية رواجًا كبيرًا وتجذب مليارات ضخمة من العديد من القطاعات، ورغم أنه من الإصدارات النشطة نسبيًّا حاليًا إلا أنه ما زال يعتمد على شركات التأجير التمويلي ولم يمتد بالصورة المرجوة لنشاط التمويل العقاري».
وأشار سري صيام إلى أن أغلب شركات التطوير العقاري حاليًا تقدم أنظمة تقسيط طويلة تزيد عن 8 و10 سنوات، ما يجعلها في مرتبة قريبة من التحول إلى مؤسسة مالية، وبالتالي فإن الاعتماد على التوريق سيكون له دور فاعل مع عدد كبير من الكيانات عبر توريق المديونيات طويلة الأجل.
كما لفت إلى أهمية تنشيط أنواع إصدارات الدين المختلفة، مثل سندات الشركات، وإصدارات السندات القابلة للتحويل لأسهم، وكذلك الصكوك التي لم تشهد النشاط المرجو والمتوقع منها حتى الآن رغم الاهتمام الاستثماري بهذه الأداة، وكذلك العمل على تشجيع الاعتماد على سوق المال في عمليات زيادات رؤوس الأموال.
وأشار سري صيام إلى ضعف الثقافة المالية لدي شريحة كبيرة من مجتمع الأعمال، وعدم وجود دراية كافية بأدوات وبدائل التمويل المتاحة بما في ذلك أنماط التمويل التقليدية، مؤكدًا أن أغلب الشركات المساهمة البعيدة عن سوق المال والبورصة لا تعلم الكثير عن أدوات التمويل، وهو ما لمسه بصورة شخصية عبر عضوية بمجالس إدارات شركات مغلقة في مجالات مختلفة.
وقال: «التركيز خلال الفترة الأخيرة منصب على التثقيف المالي للمواطن وتعريفه بالأوراق المالية ومزايا الاستثمار في البورصة، في حين لم يلقَ القائمون على إدارة الشركات المختلفة نفس قدر الاهتمام بالتوعية المالية التي توضح له أدوات وبدائل التمويل غير المصرفي وليس فقط القيد في البورصة».
وأوضح أن بنوك الاستثمار عادة ما تستهدف شريحة الشركات الكبرى أو كيانات بعينها، وبالتالي يكون من الصعب الاعتماد عليها في مهمة التثقف المالي للشركات، خاصة أن عدد بنوك الاستثمار الفاعلة في مصر ما زال محدودًا للغاية، مدللًا على ذلك بضعف أداء أغلب الكيانات التي حصلت على ترخيص راعٍ للشركات الصغيرة والمتوسطة، وعزوف كثير منهم عن قيد أو تأهيل شركات لبورصة النيل.