بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ خلال مشاركته في جلسة للجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب لعرض آليات عمل الوزارة، أفصح وزير التربية والتعليم عن خطوات تهدف لتقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية وحوكمتها وضمان سلامة البيئة التي يدرس فيها الطلاب.
كما أشار وزير التربية والتعليم إلى ضرورة التأكيد على وجود معلمين حاصلين على رخصة مزاولة المهنة داخل هذه المراكز. كما أضاف العبارة الشهيرة التي تم تداولها بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي بأن «الكل هياخد حقه».
تلك العبارة أعتقد أنها نتيجة تعاون وثيق بين وزارتي المالية والتربية والتعليم بحثًا عن موارد ضريبية جديدة وتقنين الاقتصاد الرمادي والدروس الخصوصية تعتبر جزءًا كبيرًا جدًّا منه.
في اعتقادي أن الدروس الخصوصية بدأت منذ تدهور مستوى التعليم في المدارس بل وأيضًا في الجامعات الحكومية. فاعتمد أولياء الأمورعلى البديل في الدروس الخصوصية، مهما كلفهم هذا من أعباء مادية. ثم استشرت الظاهرة وصارت إجبارًا من معظم المدرسين للطلاب وأولياء أمورهم بل وطالت المدارس الخاصة والدولية.
أما عن أسباب تدهور مستوى التعليم الحكومي فتتمثل في زيادة سرعة ومعدل نمو أعداد التلاميذ عن معدلات ونمو أعداد ملائمة من المدرسين المدربين تدريبًا كافيًا. بالاضافة إلى ذلك عدم التوسع في المباني والأدوات المدرسية بالدرجة اللازمة، وكذلك عدم زيادة أجور ومرتبات المدرسين والعاملين بالكادر التعليمي بالمقارنة بتطور الأسعار. نتجت تلك المشكلات الاقتصادية عن ترتيب خاطئ للأولويات في الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى ممارسات خاطئة كثيرة أدت إلى إهدار الكثير من تلك الموارد.
هناك من وجهة نظري ثلاثة مستويات للتعليم في المدارس الحكومية:
الأول مزيف وهو عبارة عن عملية شكلية تمامًا تنجح الطلاب حتى تفرغ الفصول استعدادًا لملئها بالطلاب الجدد إذ إنها لن تستوعب أي راسبين. وينتج عن هذا النوع أميون لا يعرفون القراءة أو الكتابة على الرغم من وصولهم للمرحلة الإعدادية وأنا على معرفة شخصية بطلاب من هذا النوع وتلك المدارس منتشرة في الأرياف أكثر من المدينة. تندر في تلك الأماكن الدروس الخصوصية لانعدام مقدرة الأهل وينتشر التسرب من التعليم لعدم جدواه.
الثاني ضعيف وهو الأكثر استخدامًا للدروس الخصوصية. لا يرغب المدرس مهما كان مستواه في تقديم أفضل ما لديه في الفصل المدرسي طمعًا في زيادة دخله من الدروس الخصوصية فيقوم بإجبار الطلاب والأهالي عليها. وتدهور مستوى الدروس الخصوصية لزيادة عدد الطلاب حتى وصل إلى الاستعانة بمراكز انتشرت في المنطقة الاقتصادية الرمادية. وكشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق، التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو 2019، أن متوسط إجمالي ما ينفقه المصريون، نحو 26 مليون أسرة في جميع محافظات الجمهورية، على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية يبلغ نحو 47 مليار جنيه، بنسبة تمثل 37.7% من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم في العام نفسه.
الثالث نادر وهو الذي يقدم مستوى ممتازًا للتعليم ولو كان فيه أيضًا دروسًا خصوصية طمعًا من الطلاب وأولياء أمورهم في تحسين المستوى والتفوق. وفيه مداس ومدرسون أمناء يقدمون أفضل ما لديهم في الفصل وإن قدموه مرة أخرى في درس خصوصي.
ولو افترضنا أن معدل زيادة السكان هو 2,5 % سنويًّا فإننا نحتاج سنويًّا إلى استيعاب 2,5 مليون طالب على أقل تقدير وتلك المعادلة هي متوالية هندسية مركبة وليست بسيطة. لذلك فمن وجهة نظري أن الحل يكمن بعلاج لب المشكلة وليست الظواهر وإن كان أحد المبررات هو رغبة وزارة المالية في زيادة الحصيلة الضريبية. وأقترح الآتي:
أولًا: إلغاء مجانية التعليم لأنها غير واقعية وغير موجودة واستخدام الموارد الناتجة من تحصيل المصروفات الدراسية في زيادة الإنفاق الحكومي على عملية التعليم دون إرهاق وزارة المالية. ففي كلتا الحالتين ينفقها الأهالي وتقنينها سيزيد العبء عليهم لأنهم سيتحملون الأعباء الإضافية من رسوم وضرائب. وإن كان تقنين تلك المراكز ستنتج عنه حصيلة ما يمكن لخزانة الدولة الحصول على أضعافها لو حصلت مصاريف مدرسية مقابل العملية التعليمية.
ثانيًا: تجريم الدروس الخصوصية وبالقانون فهي غير موجودة في كل نظم التعليم المتقدمة في العالم وتحويل مراكز الدروس الخصوصية إلى مدارس خاصة تحت إشراف الوزارة إن رغب القائمون عليها في تطويرها طبعًا مع وضع الضوابط والشروط الملائمة. ولا يمكن إقرار إلغاء المجانية إلا بتجريم الدروس.
ثالثًا: ربط الأجور والحوافز للعاملين بالكادر بنتائج الطلاب ومستواهم.
رابعًا: التعاون المكثف مع منظمات المجتمع المدني في إنشاء المداس المجتمعية والحقلية التي تقدم التعليم الأولي الملائم لبيئة الطلاب بالتعاون مع الوزارة وهي مدارس موجودة وناجحة ومعتمدة. وجود تلك المداس هو القادر على تغيير الفشل الناتج عن المستوى الأول المذكور سابقًا.
خامسًا: تعديل أولويات الإنفاق الحكومي على بنود التعليم المختلفة ووقف إهدار الأموال في طباعة الكتب وإكمال مسيرة الوزير السابق في الاعتماد على التكنولوجيا لأنها الحاضر والمستقبل وهي القادرة وحدها على خدمة الأعداد المتزايدة مع زيادة السكان مع محدودية الموارد المالية.
أخيرًا مراكز الدروس الخصوصية باطلة وفاسدة وولدت من رحم نظام تعليمي أشرف على الموت وتقنينها لا يعيد الحياة لنظام التعليم بل ينتج جنينًا مشوهًا قبيحًا غير قادر على مواكبة المستقبل فلنصحح الخطأ ونحاربه وهو الخيار الصعب بدلًا من تقنينه والبحث عن موارد من خلاله. فلا سبيل لنهوض الأمة ومحاربة الفقر والفساد والإرهاب إلا بالتعليم والاستنارة.