سكاي نيوز _ تسير عملات الأسواق الناشئة نحو “أسوأ أداء نصف سنوي” منذ عام 2020؛ مدفوعة بالانخفاض اللافت بسبب قوة الدولار غير المتوقعة على ذلك النحو.
وتشير بيانات نشرتها صحيفة “فاينانشال تايمز” إلى أن مؤشر صرف العملات الأجنبية للأسواق الناشئة لدى بنك جي بي مورجان انخفض بنسبة 4.4 بالمئة حتى الآن هذا العام، وهو انخفاض أكبر من ضعف الفترة نفسها في السنوات الثلاث السابقة.
جاء ذلك في الوقت الذي قلص فيه المستثمرون آمالهم في تخفيضات سريعة في أسعار الفائدة الأمريكية خلال العام الجاري 2024، كما أدت التوترات بشأن الاقتصادات الضعيفة والسياسات المالية التوسعية إلى انخفاض العملات في بعض الأسواق الناشئة الرئيسية.
وفي التصريحات التي نقلتها عنه الصحيفة، يعزو الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق الناشئة في سيتي جروب، لويس كوستا، الأسباب الكامنة وراء أداء عملات الأسواق الناشئة، إلى مزيج من الأسباب، بداية من الاقتصاد الأمريكي الذي أظهر مرونة أكثر من المتوقع، ومن ناحية أخرى، فإن بعض الأسواق الناشئة مثل تشيلي والمجر والبرازيل استمرت في خفض أسعار الفائدة.
وقال، إن خفض أسعار الفائدة يجعل عملات هذه الدول أقل جاذبية للمستثمرين، مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها.
وأضاف: “إن آفاق النمو في الأسواق الناشئة ليست مذهلة لهذا العام والعام المقبل.. هناك انكماش مستمر في التجارة العالمية، وهو عام معقد للغاية بالنسبة للانتخابات”.
ويُبرز التقرير كذلك أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف عملات الأسواق الناشئة، وهو ما يرتبط بتراجع استراتيجية “التداول بفروق العوائد” أو carry trades، حيث يستفيد المستثمرون من الاختلافات في العائدات بين العملات. وكانت هذه التجارة شائعة لدى مستثمري الأسواق الناشئة في وقت سابق من هذا العام.
ولكن في الأسواق الناشئة الأكبر حجما على وجه الخصوص، واجهت هذه الصفقات مشاكل حيث أدت الانتخابات إلى جعل الأصول أكثر تقلباً، كما أصبح المسار المستقبلي لأسعار الفائدة المحلية أقل وضوحا.
وقال محللو بنك جي بي مورجان الأسبوع الماضي، إن الضعف الأخير في البيزو المكسيكي كان “مثالا على تفكيك تجارة كبيرة من العملات الأجنبية التي كانت تتراكم في السابق لمدة عامين، من منتصف عام 2022 إلى نهاية مايو 2024”.
وانخفض البيزو المكسيكي بنحو 10 بالمئة منذ أن حقق حزب مورينا الحاكم في البلاد فوزا ساحقا أثار المخاوف بشأن السياسة المالية في المكسيك وزيادة التدخل في الاقتصاد.
ويقول المستثمرون إن التأثيرات امتدت إلى عملات أخرى في أمريكا اللاتينية مثل البيزو الكولومبي والريال البرازيلي.
وقام بعض المستثمرين بتحويل صفقات الشراء بالاقتراض من الأسواق الكبرى مثل البرازيل إلى الاقتصادات الأصغر والأفقر التي تخرج من فترات الاضطراب، حيث يعتقدون بأن السياسات بما في ذلك أسعار الفائدة المرتفعة لا تزال تجعل الرهانات على سندات العملة المحلية جذابة، على سبيل المثال نيجيريا ومصر.
رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق ، يقول في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، إن حجم الضغوط التي تواجه عملات الأسواق الناشئة يرجع إلى عدد من الأسباب.
– السبب الأول والأساسي هو قوة الدولار الأمريكي؛ لا سيما في ضوء أن الفيدرالي الأمريكي مستمر في معدلات الفوائد المرتفعة مقارنة بباقي البنوك المركزية، لا سيما تلك التي اتجهت إلى خفض الفوائد أخيراً.
قوة الدولار تعد عامل ضاغط كبير على عملات الأسواق الناشئة، خاصة وأن ما يزيد عن 50 بالمئة من الديون السيادية لها مقوم بالدولار، لذلك تزداد قوة عملة الدولار مع إعادة دفع الديون، مما يشكل ضغطاً على قيم عملات الأسواق الناشئة.
– السبب الثاني يتمثل في التطورات الجيوسياسية التي تلعب لها تأثير سلبي على الأسواق الناشئة بالشرق الأوسط وعوامل ضاغطة في ضوء المخاطر التضخمية.
ويوضح أنه بالنسبة للأسواق الآسيوية، فإن ضعف اليوان الصيني والين الياباني يكون ضاغطاً على الاقتصادات والعملات الآسيوية ودول أمريكا الجنوبية، خاصة عملة المكسيك، وفي ضوء عدم الاستقرار السياسي بالدول الناشئة وما يتبعه من عدم استقرار اقتصادي.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فقد واجهت العملات الآسيوية، وهي من بين العملات الأكثر تأثراً بضعف الاقتصاد الصيني، صعوبات هذا العام. فانخفض الوون الكوري الجنوبي بنسبة 7 بالمئة مقابل الدولار، في حين انخفض كل من البات التايلندي والروبية الإندونيسية بنحو 6.5 بالمئة.
وواجهت العملات في جميع أنحاء العالم صعوبة هذا العام في الأداء مقابل الدولار الذي ارتفع بنسبة 4.5 بالمئة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بعد أن أجبرت البيانات الاقتصادية الأمريكية القوية والتضخم الثابت على إعادة التفكير بشكل كبير في توقعات أسعار الفائدة.
ويراهن المستثمرون الآن على تخفيضين لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، انخفاضًا من ستة أو سبعة تخفيضات في بداية العام.
وقال مدير محفظة الأسواق الناشئة في شركة أبردن، كيران كورتيس: “أكثر قليلاً من نصف ضعف الأسواق الناشئة كان بسبب قوة الدولار”.
وأضاف: “في بداية العام اعتقد المستثمرون بأنه من الممكن أن تكون هناك ستة أو سبعة تخفيضات في أسعار الفائدة (في الولايات المتحدة) هذا العام – والآن قد لا يمكن أن يكون هناك أي تخفيض”.
المدير التنفيذي في شركة VI Markets، أحمد معطي، يقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”:
أبرز الأسباب وراء ضعف عملات الأسواق الناشئة تتمثل في قوة الدولار الأمريكي واستمرار تشديد السياسة النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.
تلك السياسة التشددية تسهم في استمرار معدلات الفائدة المرتفعة مقارنة بباقي البنوك المركزية حول العالم، وهو ما يدفع رجال الأعمال وصناديق الاستثمار إلى ضخ السيولة في السوق الأميركية؛ للاستفادة من تلك المعدلات.
التوترات الجيوسياسية تعد أحد العوامل الأخرى وراء الضغوطات الواسعة التي تواجهها عملات تلك الأسواق في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.
كما أشار في الوقت نفسه إلى تقدم أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا وبريطانيا وانعكاسات ذلك السلبية على البورصات الأوروبية، مقابل تأثير إيجابي على صعيد البورصة الأمريكية، وبالتالي استمرار قوة الدولار بين باقي العملات الأخرى.