بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
النمو.. هو هدف أي إصلاح اقتصادي تجريه الدول.. ولا إصلاح حقيقيا الا إذا انعكس هذا النمو بشكل مباشر على المواطن.. لذلك لا بد أن يكون هذا النمو جيدا.. ومؤثرا على جميع أوجه نشاط المجتمع.
بالأمس قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي: “مفيش عمل صعب بيتعمل إلا والهدف منه البناء والتنمية، وليس تعذيب وإيلام المواطنين”.. بهذه الكلمات البسيطة.. والعميقة في ذات الوقت.. أوجز الرئيس ما نقصده بتعبير “النمو المؤثر”.. ذلك الذي يسمح لرئيس الدولة بأن يعلن تلك الحزمة من القرارات المتمثلة في زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات وصرف علاوات استثنائية ودورية وخاصة للعاملين بالدولة.. وفوق ذلك الاتزام بسداد مديونية الدولة لصناديق التأمينات والمعاشات المقدرة.. رسميا.. بنجو 640 مليار جنيه.
•• السؤال المهم هو:
كيف تتحقق جودة هذا النمو؟.. وكيف تتحقق استدامته؟.
كيف ترتب الدولة أولياتها في الاستثمار والانفاق من أجل تحقيق هذا الهدف؟.
وبشكل مباشر: هل تحتاج الدولة إلى الاستمرار في هذا الانفاق الضخم الواضح في مشروعات البناء والتشييد.. أم عليها أن تعيد ترتيب أولويات انفاقها لتتتجه الى الاستثمار فى مشروعات الصناعة التي تحقق العوائد المتنامية والمستدامة؟.
نقولها بصدق: إن مستقبل مصر في الصناعة .. هي مفتاح الإصلاح الاقتصادي الحقيقي.. لكن الدولة ـ حتى الآن ـ لم تعط للصناعة والتصدير الاهتمام الكافي .. بالقدر الذي توليه للانجازات الكبيرة التي تحققت بالفعل في مجال البناء والتشييد والبنية الأساسية .. فالتصنيع والتصدير يعني توفير مصدر دائم ومتجدد ومتنام للدخل .. والنقد الأجنبي .. ولترشيد الاستيراد .. وبالتالي لإصلاح الأوضاع النقدية والمالية.. والوصول الى مفهوم “النمو المؤثر”.
•• بالانتاج والصناعة
يقاس مستوى التقدم الاقتصادي للأمم .. الصناعة هي الركيزة الأولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .. وكلما ارتفعت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي .. وفي توفير فرص العمل .. وفي التصدير .. كان ذلك دليل جودة النمو وتقدم وقوة للاقتصاد.
لا ننكر أن هناك جهودا بذلت من أجل امتلاك مصر صناعة تليق بمكانتها .. ابتداء من انشاء الصناعات الثقيلة بعد ثورة 1952 .. ومرورا بانشاء المدن الصناعية في السبعينات .. ثم التحديث الصناعي كأحد ركائز الاصلاح الاقتصادي في التسعينات .. وصولا الى العقد الأول من القرن الحالي .. الذي رفعت خلاله الدولة شعار «النهوض الصناعي».
•• لكن
هل نستطيع القول حقا أننا حققنا تلك النهضة .. أو أننا نمتلك اقتصادا صناعيا حقيقيا؟
لا نعتقد ذلك .. بدليل ما حدث بعد ثورة 2011 .. من تدهور اقتصادي حاد وعنيف .. كنتيجة لتوقف النشاط السياحي .. وتراجع النشاط الاستثماري .. والتوقف شبه الكامل لتحويلات العاملين في الخارج .. وهو ما كان يمكن تجنبه .. لو كانت هناك نهضة صناعية حقيقية في مصر.
ونحن في مصر نمتلك بنيانا صناعيا واعدا .. في مجالات الصناعات الهندسية (الحديد والصلب والسيارات ) والإلكترونية والكهربائية .. والأدوية والمواد الغذائية والتبغ والصناعات الكيماوية (الأسمدة والأسمنت) والغزل والنسيج والملابس والجلود .. لو أُحسن استغلاله وإدارته .. وفق استراتيجية قومية تقودها الدولة .. بالمشاركة مع القطاع الخاص الذي يمتلك امكانيات استثمارية ضخمة معطلة في دهاليز الروتين والفشل الإداري والفساد .. لتغير وجه الحياة في البلاد.
•• ما نحتاجه
هو أن تتحول هذه الصناعات الى مشاريع قومية كبرى .. تشارك فيها الدولة وجميع الأطراف ذات الصلة بهذه الصناعات .. ولتكن البداية بصناعة الغزل والنسيج .. تلك الصناعة الاستراتيجية التي تعانى من مشاكل هيكلية ضخمة .. تتعلق معظمها بنقص المواد الخام وعدم تحديث الآلات والمعدات .. وبفشل السياسات الموجهة لها على المستوى القومى.. وهي مشكلات قديمة ناتجة عن تراكمات وسلبيات حكومات متعاقبة .. أدت الى فقدان صناعة الغزل والنسيج المصرية الكثير مما حققته فى فترة الإزدهار .. وقبل اتباع سياسات السوق الحر فى الثمانينيات.
•• ولنعلم: إن مصر 2020 التي يريدها المصريون.. ليست هي فقط مصر التي تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ـ رغم أهميته ـ وليست فقط التي تمتلك شبكة طرق حديثة وسكك حديدية متطورة وعاصمة إدارية و”علمين” وغيرهما من المدن الجديدة.. بل مصر 2020 التي نحلم بها هي مصر التي تصنع وتنتج وتصدِّر لتبني اقتصادها ومستقبلها وتنمو وتستغني عن المساعدات والقروض.