في الجلسة الثانية من مؤتمر حابي: برامج الإصلاح في عين القطاع الخاص

ألقت ثاني جلسات مؤتمر جريدة حابي، الضوء على نظرة القطاع الخاص لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وتقييمه لوتيرة الإجراءات الإصلاحية، وشهدت الجلسة الكثير من التوصيات المهمة التي تنوعت ما بين مقترحات لهيكلة ورفع جاذبية الاقتصاد الكلي وتحسين بيئة الاستثمار، وتوصيات مرتبطة بقطاعات ومجالات اقتصادية بعينها.

مؤتمر جريدة حابي.. ماجد شوقي: فرص واعدة لجذب الاستثمار بمجال التصنيع بغرض التصدير
ماجد شوقي رئيس شركة كاتليست بارتنرز ورئيس البورصة المصرية الأسبق
E-Bank

ماجد شوقي: مقارنة أرقام السياحة بين الدول تكشف الفرص المهدرة

ماجد شوقي: تشارك معنا في هذه الجلسة أسماء غنية عن التعريف، ولكن سنناقش اليوم برنامج الإصلاح الاقتصادي في أعين القطاع الخاص ووجهه نظره به، مرت فترة طويلة منذ عام 2016، ونحن في برامج متعددة مع صندوق النقد الدولي.

نشارك منذ فترة طويلة في برامج متعددة مع صندوق النقد الدولي، وذلك منذ عام 2016، ذلك فضلًا عن الإجراءات الإصلاحية، سواء كانت هيكلية تختص بالسياسة المالية والسياسة النقدية، أو الاقتصاد الكلي، الأمر الذي كان له تداعيات وتأثير أكيد على الكثير من الجوانب، منها مجال الأعمال.

تابعنا على | Linkedin | instagram

الحقيقة لم يسعني الوقت لترتيب الأسئلة معهم، ولكن سأبدأ بالتقديم أولًا، يجلس على يساري الأستاذ محمد الدماطي نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة دومتي، وبالطبع أستاذنا الكبير .. الأستاذ شريف سامي رئيس الشركة القومية لإدارة الأصول، ورئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق، ثم الصديق العزيز الأستاذ مصطفى فوزي العضو المنتدب لشركة إسباير كابيتال، والأستاذ عمر الشنيطي الشريك التنفيذي لشركة زيلا كابيتال، والصديق المهندس طارق يوسف العضو المنتدب لشركة كونكريت بلس للإنشاءات والصناعة.

تقلبات سعر الصرف تؤثر على إستراتيجيات الاندماج والاستحواذ

في الحقيقة لن ألتزم بترتيب الأسماء بشكل كبير، ولكن سأحاول، حتى يسير الحديث في مختلف الاتجاهات، سأبدأ مع الأستاذ محمد الدماطي .. السؤال المعتاد بالطبع هو عن برنامج الإصلاح الاقتصادي وآثاره، وما رؤيتكم في هذا الإطار، ولكننا نود أن نتناول هذا الأمر أيضًا من الجانب العملي، مما لا شك فيه أن هناك برامج تمت، حيث تم تنفيذ أكثر من برنامج، وهو ما له إيجابيات، أو يمكننا القول إنه له ما عليه، كما له ما له.

السياحة في مصر تحتاج إلى خطط إستراتيجية أكثر طموحًا لجذب السياح

النقاط الإيجابية تتمثل في كونها تضع مصر على طريق نمو اقتصادي مستقر ومستمر ومستدام، يتلافى بها إخفاقات حدثت في سنوات سابقة، واقتصاد كان يعاني من التأرجح بعد عام 2011، وهو ما لا ينفي أن لهذه البرامج تداعيات إلى حد ما، على تكلفة الإنتاج، والقوة الشرائية، والتسعير والتنافسية مع الأسواق العالمية.

يجب على مصر تحسين جودة السياحة لجذب عدد أكبر مقارنة بدول أخرى

وعندما نتحدث هنا عن شركة دومتي، فمن وجهة نظري، هي لها جانبان، أحدهما متمثل في تكلفة الإنتاج، والتنافسية، إلى جانب القوة الشرائية، في هذا الإطار، أو إذا كنت تفضل تناول الموضوع من زاوية أخرى، ما رؤيتكم لهذا الأمر في ظل كونكم عينًا على برنامج الإصلاح الاقتصادي من واقع مجال عملك؟

محمد الدماطي خلال مؤتمر حابي السادس
محمد الدماطي خلال مؤتمر حابي السادس

محمد الدماطي: التضخم هو العدو الأول للاقتصاد في المرحلة الحالية

محمد الدماطي: شكرًا بالتأكيد لجريدة حابي على الدعوة الكريمة، سعيد بتواجدي معكم في هذه الجلسة النقاشية، من المؤكد أنه يجب أن نتحدث بمنتهى الأمانة، بعد مضى نحو 6 سنوات أو أكثر من الإصلاح الاقتصادي، أن تجربة الصندوق مع مصر، أو تجربة الصندوق بشكل عام، ليس من الشرط أن تكون ناجحة ومبهرة.

أعتقد أن أكبر عدو لنا في الفترة الحالية، والذي يجب أن نضعه بعين الاعتبار، هو التضخم، حيث يعد التضخم أخطر ما يواجه الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، كما أعتقد أن السبل التي يعمل صندوق النقد الدولي عليها مع الحكومة المصرية، تقوم على نظرية الأواني المستطرقة، حيث يتم تحريك سعر الصرف، ومن ثم يتم رفع سعر الفائدة، ويلي ذلك القيام برفع الدعم عن بعض السلع والكهرباء والسولار، مما يسفر عن زيادة التضخم مرة أخرى، وعليه نقوم برفع سعر الفائدة مجددًا، وهو ما يجعلنا نسير بنفس الدائرة المفرغة منذ فترة.

السيولة المنخفضة وارتفاع تكاليف الإنتاج وراء استمرار معدلات التضخم المرتفعة

وأرى أننا يجب أن ندق ناقوس الخطر عند نقطة معينة، حيث أن الأمور ليست سهلة، كما أن التضخم ليس سهلًا على المواطن، والقوة الشرائية لأغلب طبقات الشعب المصري حاليًا ليست جيدة، أو ليست في أفضل حالاتها، والمشكلة تكمن في التخوف من كون الأمور متزايدة، فقد شهدنا حركة بسعر صرف الدولار بنحو 4% خلال الشهر الماضي، حيث ارتفع من 48.5 جنيهًا، إلى 50.5 جنيهًا تقريبًا، وهو ما يمثل زيادة في تكلفة الإنتاج.

زيادة سعر الفائدة، لا تؤدي إلى خفض التضخم في مصر، بالعكس فهي تسفر عن زيادة التكلفة، لأن التضخم لدينا ناتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج، وليس نتيجة توفر السيولة في السوق، فعلى العكس، السيولة الموجودة في السوق تتسم بكونها قليلة.

الإصلاح الاقتصادي الأفضل في تاريخ مصر تحقق بعقول محلية وليس بشروط صندوق النقد

لذا على صعيد التأثير، أننا نعي بالتأكيد أهمية صندوق النقد، وأنه يعد بمثابة شهادة صك جودة كما ذكرت حضرتك، تفيد بأننا تمكنا من تخطي الأزمات، لكن يجب أن نتذكر أن أفضل إصلاح اقتصادي قمنا به في تاريخ مصر في عام 2002، و2004، تم عمله دون صندوق النقد الدولي، حيث تم القيام به بعقول مصرية، من خلال تغيير الانطباع عن مصر.

ضرورة كسر الحلقة المفرغة لارتفاع سعر الصرف والفائدة لمواجهة التضخم

وهو ما كنت اتمنى القيام به، عن طريق تغيير الانطباع عن مصر بسواعد أو عقول مصرية، وليس بمساعدة صندوق النقد الدولي، حيث أنه بالفعل أنجح تحول اقتصادي تم القيام به، كان في عامي 2002، و2004، عندما ارتفع سعر صرف الدولار من 3.5 جنيهات إلى 7 جنيهات، ثم عاد للانخفاض إلى 5.5 جنيهات قبل عام 2011، وكان لدينا آنذاك أعلى استثمارات خارجية، وهو ما تزامن مع ارتفاع دخل السياحة، فقد كانت الأمور تسير بشكل جيد، دون أي شروط أو أي شيء من صندوق النقد.

التدرج الزائد في الإصلاحات يسبب إحباطًا ويحتاج إلى مراجعة

لذا أتمنى أن ندرك إحدى النقاط بشكل جيد، وهي أننا ندور في دوائر مفرغة، فقد تكون هذه النقطة لم تأتِ بعد، ولكن يجب أن نضعها بعين الاعتبار، حيث إن التضخم يعد الخطر الوحيد على هذه الدولة، مصر تتسم بكونها البلد الوحيدة التي تقف على أرجلها في المنطقة، وذلك بفضل القيادة السياسية والجيش بالتأكيد، وكذلك بفضل وعي الشعب المصري.

التضخم هو الخطر الوحيد الذي يواجه هذه البلد في الوقت الحالي، لذا يجب الانتباه جيدًا لهذه النقطة.

ماجد شوقي: بالتأكيد، حيث إنه فيما يخص نقطة التضخم، قد علمنا مؤخرًا أن هناك معيارًا جديدًا تم إصداره وهو معيار 51 الخاص بالـ Hyper inflation التضخم المفرط، وهي نقطة مهمة وجوهرية في التعامل وتقييم الأداء الاقتصادي لمصر والشركات الموجودة به.. سأواصل في الصناعة مع المهندس طارق، وسأطرح عليه نفس السؤال الذي قمت بتوجيهه إلى الأستاذ محمد، لديك طرفان.. طرف تكلفة، والنمو، والتنافسية، ومن الناحية الأخرى لديك طرف خاص بالقدرة الشرائية والتضخم، كما ذكر الأستاذ محمد، فما رؤيتكم لهذا الأمر في مجال الصناعة؟

مؤتمر جريدة حابي.. طارق يوسف: الأزمات العالمية والتوترات التجارية تخلق فرصا كبيرة لمصر
المهندس طارق يوسف المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كونكريت بلس

طارق يوسف: التضخم لا يتراجع رغم تقليل السيولة ومعدلات الفائدة المرتفعة

طارق يوسف: في البداية، أود أن أؤيد ما قاله الأستاذ محمد، فيما يتعلق بالجوانب التي ينتج عنها التضخم في مصر، حيث إن الفكرة تكمن في أنه هل يؤدي تحرير سعر الصرف إلى خفض التضخم؟ الإجابة هي لا، والسؤال الثاني هو هل رفع الفائدة يسفر عن خفض التضخم وقلة السيولة؟ والإجابة لا أيضًا، حيث إنها تدخل في تكلفة الإنتاج، وكذلك ما إذا كان تحرير سعر البنزين والسولار، يؤدي إلى خفض التضخم؟ بالطبع لا، ففي قطاع الإنشاءات، بمجرد أن يتم تحريك سعر السولار، تشهد جميع المكونات تحركًا، في اليوم التالي، سواء المباني أو الأسمنت.

لذا فأن فكرة القيام بالإصلاح من خلال زيادة سعر الفائدة، وهذه الأمور، ليس مؤثرا، نظرًا لكونه يؤثر في النهاية على التضخم، حيث إن الأمر لا يتعلق بالسيولة فقط، والتي أعتقد من واقع رؤيتي للسوق -إذا كانت صحيحة- أن هناك مشكلة في السيولة، حتى على مستوى الجنيه، وهو أمر واضح وصريح جدًّا في القطاعات كافة، وهو ما يعكس أن السيولة بالفعل قلت بصورة كبيرة، وبالرغم من ذلك لم ينخفض التضخم.

وهو ما يدعو للتفكير، حيث تم تقليل السيولة بشكل كبير، فكما يقولون «نشفناها على الآخر»، ومع ذلك لم يتراجع التضخم، الأمر الذي يعكس أن ذلك ليس الحل الوحيد.

رفع الفائدة إلى 30% يعوق دخول مستثمرين جدد للصناعة

عند الحديث عن معدلات فائدة نسبتها 30%، بالتزامن مع الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يعني أنك تريد دخول من يستثمر في الصناعة بشكل كبير، وهنا يجب التفكير في أمر وهو .. من سيتجه للاستثمار اليوم إذا لم يكن لديه موارد دولارية، تتيح له الحصول على قرض دولاري؟ من سيبدأ استثمارًا بمعدل فائدة 30%؟

الأمر الذي يلقي بظلاله على الاستثمار في الصناعة، لا سيما لأي مستثمر جديد سيبدأ بمعدلات الفائدة الحالية التي تبلغ 30%، حيث إن المستثمر الموجود بالفعل، ليس أمامه سوى السداد وفقًا لتلك المعدلات، فهو مضطر لذلك، ولكن دخول مستثمر جديد بسيولة لضخها، وسيتعامل بهذه المعدلات المرتفعة للفائدة، أمر يجعلني إن كنت في الموقف ذاته، سألجأ إلى وضعهم في البنك، حيث إن ذلك سيكون أفضل، دون التعرض لمخاطر أو تحمل ضرائب وتأمينات، كما أن ذلك سيضمن الحصول على نسبة 30%، لذا يجب النظر إلى هذا الأمر.

مبادرة الفائدة المخفضة 15% نقطة تحول لدعم القطاع الصناعي

وأرى أن مبادرة 15% التي أطلقتها الدولة، ولم يتم الإعلان عن تفاصيلها، تتسم بكونها خطوة فارقة للصناعة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن جزءًا من سبب العطلة فيما يتعلق بمصنع الإطارات -والذي تم التوصل إلى حل به في النهاية، كما أنه أوشك على العمل- كان ناتجًا عن التفكير في تحديد حجم التمويل الدولاري، وحجم التمويل بالجنيه المصري، فقد كان الفكر يميل إلى الأغلبية، إلى أن تم اتخاذ قرار بأن يكون القرض دولاري بشكل كامل، حيث إنه إذا تم الحصول على القرض بالجنيه المصري، سنواجه مشكلة كبيرة جدًّا في القدرة على الحصول على العائد، الذي يمكنه تغطية هذا الاستثمار.

فهذه الأمور يجب وضعها بعين الاعتبار، فالموضوع لا يقتصر فقط على وضع التشريعات، أو منح رخصة ذهبية، أو أرض، بل يتعلق بالاقتصاد وملامحه، حتى تتمكن من جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتوسعات.

فرص استثمارية كبرى في مصر مع تراجع التصنيع في تركيا وارتفاع أجورها

وأرى أن مصر تتسم حاليًا بوجود فرص كبيرة للغاية، حيث إنه إذا كنا سنتحدث عن شكل العالم في الصناعة، سنجد أن تركيا شهدت ارتفاعًا في الأسعار بصورة كبيرة، فإذا تابع أحد الأمر سيجد أن معدلات الزيادة بها ضخمة، حيث إنهم بدأوا في تنفيذ حد أدنى للأجور مرتفع جدًّا، والذي أصبح يقارب إسبانيا والبرتغال، وغيرهما.

فنحن نقوم حاليًا بتنفيذ مصنع لشركة يابانية في مصر، من خلال شق المقاولات، حيث تنفذه شركة كونكريت بلس لصالح شركة يازاكي اليابانية، عندما سألت تبين أن أكبر مصنع لشركة يازاكي موجود في تركيا، وهو ما تسعى الشركة لنقله، نظرًا لارتفاع مستويات الأجور، والتي وصلت إلى 2000 يورو للعامل، علمًا بأن هذه الصناعة تتسم بكونها معتمدة وكثيفة العمالة، الأمر الذي يمنح مصر ميزة نسبية، إذا حاولت الاستفادة من ذلك.

التوتر التجاري بين أمريكا والصين يمنح مصر فرصة ذهبية لاستقطاب الصناعات

هناك حرب تجارية كبيرة جدًّا موجودة بين أمريكا من جانب، والصين وشرق آسيا من جانب آخر، مما يدفع الكثيرين إلى الاتجاه إلى التصنيع في مصر، للخروج عن إطار الصين، لذا إذا تم استغلال تلك الفرص، ليس فقط من خلال الرخصة الذهبية والأراضي، ولكن بتسهيلات أخرى، ذات صلة بالاستثمار، وأيضًا مرتبطة بالأموال، وطريقة منح القروض للعملاء، فهذا الأمر من شأنه تسهيل استقطاب الكثير من الصناعات إلى مصر خلال الفترة القادمة، وهذا ما أعتقد أننا بحاجة إليه.

ماجد شوقي : بالطبع، حضرتك تحدثت عن نقطة هامة للغاية، وهي التنافسية، فعندما نقوم بمراجعة الدول التي يمكن اعتبارها منافسة لنا على صعيد التصنيع، أو التصدير، سنلاحظ أن معظم هذه الدول بدأت منتجاتها في الوصول إلى أسعار مرتفعة خلال الفترة الحالية.

نحن نعاني من انخفاض العملة المحلية، ولكن هذا الأمر يمنحنا قدرة تنافسية في الخارج، إما من خلال الدخول للاستثمار في مصر، أو قيامنا بالتصدير، وعلى الرغم من ذلك، لم نرَ حتى الآن تأثير ذلك، بالشكل الذي كنا نتوقعه.

لذا أود طرح سؤال على الأستاذ مصطفى، في ضوء كونك شركة خدمات مالية، تضم شق خاص بالاستثمار المباشر، لقد ذكرنا أن هناك فرصًا جيدة للغاية، موجودة في السوق، سواء كانت لشركات مقيدة أو غير مقيدة، وعلى الرغم من ذلك، نجد أن عملية الاستحواذات، وإن كانت تشهد زخمًا، إلا أنها لم تصل إلى المستوى الذي يسفر عن تأثير على التشغيل، والإنتاجية، والعمالة.

مصطفى فوزي خلال مؤتمر حابي السادس
مصطفى فوزي خلال مؤتمر حابي السادس

مصطفى فوزي: سوق المشتري يركز على الصناعات التحويلية والغذائية في ظل ارتفاع تكلفة التمويل

مصطفى فوزي: من المؤكد، أنه سوق المشتري، فالمشتري عندما ينظر إلى الأمر، يركز على رغبته في شراء ما هو مُخفض بصورة كبيرة، كما أنه يرى أن تكلفة التمويل في مصر، أو تكلفة رأس المال ستكون مرتفعة جدًّا، لا سيما أن معدلات الفائدة في الدولة تبلغ 30%، فهو يرغب في ضخ جزء، واقتراض جزء، إلى جانب الاستحواذ على كيان قائم في السوق.

بلا شك، أرى أنه خلال الفترة القادمة، بمجرد خفض أسعار الفائدة، وانخفاض تكلفة التمويل نوعًا ما، أتخيل سنبدأ في رؤية فرص كثيرة، وبالأخص في الصناعة، حيث إن أغلب من نراهم ينظرون إلى فرص استثمارية في مصر، يركزون على الصناعة، ومن المؤكد أن هناك ترتيبًا لأولوياتهم في هذا السياق، والذي يشمل الصناعات التحويلية، والحديد، والأسمنت، وكذلك الصناعات الغذائية، فهم ينظرون إلى مصانع في هذه المجالات.

تحسن نتائج أعمال الشركات الصناعية يدفع لزيادة الطلب على الاستحواذات

الفرص ليست كثيرة، حيث إن هذه الأيام تشهد اتجاه أغلب الشركات الصناعية لتحقيق أرقام جيدة، فقد بدأت نتائج أعمالها في التحسن، وهو ما تزامن مع زيادة صادرتها، مما أسفر عن حركة ديناميكية في السوق، بين مشترٍ كان ينظر إلى السوق، ويحاول الاستفادة على مستوى التسعير، ومن جهة أخرى المشتري الذي يرى أن السوق بدأت في التحسن معه، وبالتالي اتجه نحو طلب أرقام أو تسعير أعلى من المستويات السعرية الموجودة في السوق.

ماجد شوقي: هذه نقطة هامة، فذلك يعني أننا بدأنا نشهد عملية تحول نسبي بسيط، حتى وإن كانت بشكل جزئي وصغير، وهو ما يعكس وجود حركة تحدث على مستوى الصناعة على سبيل المثال، الأمر الذي بدأ يسفر عن عائد إيجابي نوعًا ما للمُصنع حاليًا، وبالطبع الجوهر هنا يكمن في ما إذا كان يقوم بالتصدير أم لا.

مصطفى فوزي : بالضبط.

ماجد شوقي: لأن عملية التصدير هنا تكون بمثابة العامل المرجح في القصة، هذا ما أعتقده.

مصطفى فوزي: التصدير قد يكون جزءًا منها، نظرًا لوجود إقبال على الصناعات التي لديها مجال للنمو في مصر، خاصة الصناعات الغذائية، حتى وإن كانت لا تقوم بالتصدير، حيث يرى أن هناك سوقًا كبيرة جدًّا، تضم 120 مليون نسمة، كما أن معدلات الاستهلاك مرتفعة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النقطة التي تمثل مشكلة في هذا الإطار تكمن في التسعير، بين المشتري الذي يرى أن هناك فرصة للشراء بأسعار جيدة، والبائع الذي يحاول الوصول للحد الأقصى.

ماجد شوقي: يحاول الوصول إلى الحد الأقصى، وهنا سأنتقل لسؤال الأستاذ عمر، فقد أعلنت «زيلا» أكثر من مرة عن عدة صفقات، منها صفقات خاصة بشركات أجنبية، أو إقليمية تقوم بالاستحواذ على شركات محلية مصرية، فضلًا عن كونها تُخدم في الأساس على السوق المحلية، وليس التصديرية.

في ضوء تلك المعطيات، والتي يعد جزء منها التحديات في العمل والتكلفة، والقوة الشرائية، كما ذكرنا، فما وجهه النظر كبنك استثمار يتولى مسؤولية المستشار بعملية البيع أو الشراء؟ وكيف يرى المستثمر الخارجي الوضع من وجهه نظره؟ فهذا الأمر يعد أحد جوانب الإصلاح الاقتصادي، حيث إنه يجب أن يتم اجتذاب رؤوس أموال جديدة، واستثمار مباشر، إضافة إلى زيادة التشغيل والنمو.

في مؤتمر حابي.. عمر الشنيطي: الشركة الأم وجهت زيلا كابيتال للتركيز على السوق السعودية في آخر عامين
عمر الشنيطي الشريك التنفيذي لشركة زيلا كابيتال

عمر الشنيطي: لدينا ميزة تنافسية مدعومة بتعويم العملة واتفاقيات تجارية

عمر الشنيطي : أولًا.. شكرًا جزيلًا على هذه الجلسة المثمرة، وذلك المؤتمر الناجح. المستثمر الإستراتيجي ينظر على المدى الطويل للغاية، فعلى سبيل المثال إذا كان أحد في مجال الصناعات الغذائية، لديه مشروع ويقوم بالتصدير إلى المنطقة بأكملها، فهو ينظر إلى مصر كمركز إقليمي، علمًا بأن النظر إليها في السياق يظهر كونها متميزة بصورة كبيرة، وكما ذكر الأستاذ طارق أننا لدينا يد عاملة رخيصة، وهو ما يتزامن مع التعويم وانخفاض سعر صرف الجنيه، الأمر الذي يمنحنا ميزة تنافسية، ذلك فضلًا عن وجود اتفاقيات تبادل تجاري، مما يعكس أن الدولة المصرية تحظى بمميزات في هذا الإطار.

مرونة سعر الصرف وثباته النسبي يعزز الثقة لدى المستثمرين

وأعتقد أن المستثمرين الإستراتيجين الذين نتحدث معهم، يرون هذا الأمر، كجانب أساسي، حيث إنني سأقدم على ذلك، وقد أعاني بعض الشيء، خاصة أن هناك بعض الإجراءات تستغرق وقتًا طويلًا، ولكن إذا قمت بتخطي العائق النفسي المتمثل في وجود معدلات فائدة حالية تبلغ 30%، فإذا تركنا هذا الأمر لمدة عام، بالتأكيد سنصل إلى معدلات تقارب الـ 20% في عام 2026.

كما أنني لو تخطيت عدم الرغبة في خروج الأموال خلال العامين أو الثلاثة القادمة، نظرًا لكوني مستثمرًا إستراتيجيًّا أود أن أقوم بالبناء، والبقاء لفترة طويلة، وكذلك إذا تخطيت أنني لن أقوم بصرف الأرباح، حيث سأقوم بالتصدير، ومن الممكن أن أتجه إلى احتجاز الأرباح على الشركات الخاصة بي الموجودة في الخليج أو إفريقيا، مما يعكس أن وضع الدولة يتسم بكونه جيدًا من وجهه نظر المستثمر الإستراتيجي.

المستثمرون الخليجيون يتجهون للاستحواذ العكسي لتعزيز استثماراتهم الصناعية في مصر

وهو ما ينطبق أيضًا على المستثمر الإستراتيجي الخليجي، الذي يملك مشروعًا كبيرًا في السعودية، ويرغب في عمل استحواذ عكسي، وبدلًا من أن يقوم بالاستيراد من مصر، يتجه إلى الاستحواذ على المصنع الموجود في مصر، وذلك بأسعار قليلة جدًّا، لا سيما إذا تم تحويل هذه القيمة إلى الريال السعودي، والذي يبلغ سعره الحالي 14 أو 15 جنيهًا، هذه هي النقطة الأولى.

وتتمثل النقطة الثانية، في أنه يكون قادرًا على فتح أسواق لها، وهو ما يعكس قدرته على خلق قيمة مضافة للمصنع الذي قام بالاستحواذ عليه.

أما المستثمر المالي، مثل Private equity funds، أو الصناديق السيادية، تختلف وجهه نظرهم في هذا السياق.

ومن وجهه نظرنا، نحن نرى أن من يضع استثماراته في مصر، تكون مهمته متمثلة في ضخ 50 مليون دولار في مصر، على مدار 5 سنوات، على سبيل المثال، وبالتالي نحن موجودون، وأنت كذلك، والشركة أيضًا، لذا فلنسعى إلى الوصول إلى تقييم منطقي، واختيار مشروع يكون لديه فرصة جيدة، حال حدوث أي تعويم أو انخفاضات أو تقلبات اقتصادية، حتى يكون من الممكن تعديل قيمته وفقًا لهذه المتغيرات.

لا شك في أن التضخم يمثل خطرًا كبيرًا للغاية، وهو ما لن أختلف بشأنه، ولكن كل من ينظر برؤية طويلة المدى، يلاحظ أنه إذا تخطينا العام القادم، وتم خفض سعر الفائدة، وتراجعت معدلات التضخم نوعًا ما، وتحرك سعر الدولار، ستتغير الأوضاع.

تقلبات الدولار وسعر الفائدة الحالي عائق مؤقت أمام استثمارات طويلة الأجل

المستثمرون ليسوا حساسين تجاه سعر الدولار، فبالعكس من ذلك، حيث أتصور أنهم حساسين تجاه ثباته لفترة طويلة، فإذا كان السعر متحركًا، يرى المستثمر أن المعدلات تزيد وتقل، ولكن عندما يرى أنه ثابت، يمنحه ذلك شعورًا بأنه سيقفز بشكل مفاجئ، لذا فإن وجود مرونة في حدود مقبولة، من شأنه جعل الوضع أهدى نوعًا ما.

تلك هي وجهة النظر الخاصة بنا، وهذا هو المقترح الذي نطرحه، وأعتقد أغلب المقبلين على الاستثمار في مصر، سواء مستثمرون إستراتيجيون -والذين يمثلون النسبة العظمى- أو صناديق استثمار، فهم ينظرون إلى هذين الجانبين.

ماجد شوقي: بالتأكيد، كل الأمثلة التي ذكرتها حضرتك، تعتمد من وجهة نظري على أمر هام، جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي هو استقطاب رؤوس أموال جديدة، وهو ما تحدثت عنه حضرتك، ولكن في الوقت ذاته، هي تعتمد على مؤسسات وصلت لمرحلة أنها أصبحت قادرة على استيعاب جزء من الصدمات والتكلفة، كما تكون قادرة أيضًا على الاستمرار، نظرًا لأنها تسير وفقًا لرؤية بعيدة المدى على تطور الاقتصاد المصري.

من المؤكد، أنني تعمدت أن أجعل الأستاذ شريف سامي ينتظر، وفي الحقيقة إذا أردت أن أقدم ملخصًا لما قاله السادة الضيوف، فمن المؤكد، أنه قد تم الاتفاق على أن التضخم يمثل أكبر عنصر مخاطرة، وهناك أمر آخر متمثل في أن مرونة الأسعار في مصر، أو مرونة تفاعلها، ليس بنفس القدر من المرونة كما يحدث في التضخم، أو سعر الصرف، حيث إنه إذا شهد سعر الصرف تحرك نسبته 10% أو 20%، أو ارتفعت أسعار الفائدة بنسبة 1% أو 2%، فإن رد فعل السوق على ذلك يكون مضاعفًا، وليس بنسبة 30% أو 40%، مما يعكس وجود ضعف في مرونة التفاعل مع الأسعار، وهو ما يؤدي إلى تضخم دائمًا.

واعتقد أن هذا يعد إحدى الفرضيات التي دائمًا ما يأخذها بعض الاقتصاديين أحيانًا، والتي يتم بناء نماذج للإصلاح الاقتصادي عليها، لكنها تشهد إخفاقات بسبب أن حساب المرونة في الأسعار وتفاعل السوق معها، سيكون بذات القدر أو بمعدل أعلى بنسبة بسيطة، عن تحرك سعر الصرف أو سعر الفائدة أو التضخم، لذا في الكثير من الأحيان، نجد كما ذكرتكم أن هناك حالة فريدة من نوعها، تتمثل في أن سعر الفائدة مرتفع، ولكن التضخم لا يزال مرتفعًا، ذلك على الرغم من عدم توفر السيولة من الجنيه المصري.

وهناك جزء آخر، يتمثل في أنه أصبح هناك توارب في الباب، وأمل في ضوء الإصلاح الاقتصادي، حيث أصبحت هناك عمليات استحواذ تتم، ولكن بدلًا ما كان البيع بها يتم وفقًا لـ Buyer’s market أو ما يعرف بسوق المشتري، أضحى البائع يتمتع برؤية أكبر، وعليه يقوم بالبيع بسعر أفضل، ويتأنى في ذلك، نظرًا لأنه قادر على رؤية التحسن الذي يشهده الوضع، إلى جانب الاستثمارات الخارجية، فيمكننا القول إننا في نقطة بدأت تشهد بوادر لبعض الإيجابيات التي تحدث، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية، بما تشمله من بعض الإجراءات، التي نعتبرها قاسية على المواطن العادي، والذي يتسم بارتفاع درجة تحمله، فما وجهة نظر حضرتك في هذا السياق يا أستاذ شريف؟

مؤتمر جريدة حابي.. شريف سامي: مصر تحتاج إلى برنامج للإصلاحات الصغيرة في مختلف القطاعات
شريف سامي رئيس الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار

شريف سامي: سعر الفائدة.. دواء مر لكنه ضروري أحيانًا

شريف سامي: شكرًا.. كل عام وحابي بخير.. أود أخذ السؤال، وبعض التعليقات على ما قيل، أتصور أني أتفق بصورة أكبر مع ما ذكره الأستاذ عمر الشنيطي خلال حديثه، وإن كنت سأعبر عنه بطريقة أخرى، هناك أمور اعتدنا على انتقادها دون التفكير في وجهه نظر أخرى، منها سعر الفائدة.

سعر الفائدة وفقًا لما نسمعه، يعد أحد المعوقات، كما أنه مُكلف ومُربك، ولكن دعونا نفترض أن هناك علاجًا مرًّا أحيانًا، فليس كل الدواء يكون حلو المذاق مثل فيتامين سي، الذي يكون بنكهه البرتقال، حيث يوجد علاج يكون وقعه ثقيل.

شهادات العائد المرتفع “الملاذ الآمن” لمواجهة التضخم

إذا تخيلنا أن سعر الفائدة ليس فقط السبب في خفض التضخم، أو التعامل معه، فعلينا أن نتصور رد فعل ملايين المواطنين، الذين ليس لديهم مجال للادخار، أو تعويض جزء من التأكل بقيمة النقود الخاصة بهم والمدخرات، في ظل عدم قدرتهم على إيجاد ملاذ آمن، وعليه سنطلق على الشهادات ذات العائد 20% أو 25% مسمى الملاذ الآمن، وهو ما قد يتسبب في خسارة، ولكنه لن يجعلنا نخسر كل شيء.

كان في السابق يحدث أمر في الدول كافة، وهو الاتجاه لشراء أي شيء، علمًا بأنه عند قيامي بشراء أي غرض، بالسيولة المتاحة لدي، نظرًا لأن سعره سيرتفع بعد شهر أو اثنين، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى تفاقم التضخم، لذا أدعو أننا عند التفكير في كوننا لا نريد الاستمرار في معدلات الفائدة المرتفعة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك وجهة نظر أخرى تقول إنه دون رفع سعر الفائدة إلى تلك المعدلات، قد يكون الوضع أسوأ، لذا قمت بالحديث عن هذه النقطة.

سرعة تنفيذ الإصلاح تتيح اتخاذ قرارات حاسمة

وفيما يخص النقطة الثانية، أرى أن القرار الاستثماري، خاصة في الصناعة، أو المشروعات طويلة الأجل، لا تنظر إلى عام، فهي لا تنظر تحت أرجلها، حيث أنه لحين قيامها بالبدء في اتخاذ القرار، ودراسه الأمر، واستصدار التراخيص، من المتعارف عليه تاريخيًّا، أن مصر لن تظل بمعدلات فائدة تبلغ 30% لمدة طويلة، وبالتالي فهي قد تكون عبئًا لفترة، ولكن من يملك مشروعًا ينظر إلى متوسطات أخرى، تختلف عن أعلى رقم شهدناه في تاريخنا، أردت التنويه لهذا الأمر، حتى لا ينتابنا شعور بأننا في وضع سيئ للغاية، وهو ما لا ينفي أن هناك تحديات يجب أن نشير إليها.

كما أود تناول نقطة أخرى تم مناقشتها، والتي سأخذها من عنوان المؤتمر «الإصلاح المرن»، حيث أود الوقوف عند كلمة المرن، حيث إن المرونة تعني سرعه الاستجابة، والتغيير، إضافة إلى سرعة التوافق مع المتطلبات، ونحن نسمع من المستثمرين الصناعيين، ومن هم في مجال المقاولات.

تأخر اللوائح التنفيذية للقوانين يربك المستثمرين

وقد تحدث المهندس نجيب ساويرس قبل هذه الجلسة عن صفقة رأس الحكمة، والتي خلقت ما يطلق عليه باللغه الإنجليزية Euphoria أو ثورة من التفاؤل، وكان يجب أن يتم بناء سلسلة من الخطوات الإيجابية عليها، لتأتي واحدة تلو الأخرى، حتى تستمر النغمه الإيجابية، فنحن نجحنا في عقد صفقه رأس الحكمة، ثم مر أكثر من شهر دون جديد، هذا هو الإيقاع السريع الذي يمكن على وزنه تحقيق مستهدفات، إلا أنك لم تقوم بالاستفادة بذلك.

وعلى صعيد الشركات المقيدة في البورصة، أستاذ ماجد شوقي كان رئيس البورصة المصرية لسنوات طويلة، ويعلم أن هناك دائمًا برنامجًا لإثارة شهية المستثمرين، والتواصل، ودومًا توجد قصة جديدة، وبالتأكيد شركة دومتي تقوم بذلك، وأيضًا الشركات الناجحة.

التغير التدريجي للأسعار ضروري لتفادي التشوهات الاقتصادية

وهنا تجدر الإشارة إلى أننا نفتقد هذا الأمر في الأجندة الخاصة بنا، جزء من ذلك يرجع إلى الطلبات التي نسمعها أو التي ذكرت في الجلسات الأولى، منها على سبيل المثال، ما لم تشتكي منه شركة كونكريت نظرًا لكونها تعمل في المقاولات، وهو كم المديونيات الكبير، والذي يعد أحد المعوقات، حيث إنه ليس من الصحيح أن تقوم الدولة بالاقتراض من خلال مديونيات، علمًا بأن هناك أدوات مالية أخرى من الممكن الاستعانة بها، مما يعكس وجود بدائل.

أحد الأمور الجيدة التي أعلن عنها وزير المالية، ولكنها تنتظر التطبيق، هي المقاصة بين المستحقات، حيث أن كل الجالسين على هذه المنصة، يقومون بدفع الضرائب، والتي تضم ضريبة الخصم والإضافة وكذلك ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يتم في ساعته وتاريخه، كما أن الفاتورة التي يتم إصدارها، ومن المقرر تحصيلها بعد 3 أو 4 شهور، أقوم بتوريد ضريبة القيمة المضافة الخاصة بها اليوم.

تقليص التعديلات المفاجئة في السياسات الاقتصادية يخفف العبء عن المستثمرين

وزارة المالية قدمت فكرة، كنت قد طرحتها على الوزيرة د. هاله السعيد منذ عامين أو ثلاثة، وهي أن يتم عمل مقاصة، حيث إن هناك مستحقات علينا لصالح الحكومة، والعكس، وذلك بهدف تقليل الاحتياج إلى التدفقات النقدية التي تذهب إلى جهة، على الرغم من كون هذه الجهة مديونة لي في الأساس في جوانب أخرى، هذا هو المقصود بالمرونة.

تحدث المهندس نجيب ساويرس عن صناعة السيارات، وهي بالطبع ليست تخصصه، ولكنه قدم من خلالها مثالًا بأن هناك دول تنافسنا، كما أنها قريبة من مصر في الظروف، ففي إفريقيا تحديدًا، يمكنني الإشارة إلى المغرب وجنوب إفريقيا، والذين انطلقوا في صناعة تجميع السيارات، حيث قاموا بوضع إستراتيجية، وتقديم الحوافز، والتيسير عليها، وعلى الرغم من كوننا أقدم منهم في مجال تجميع السيارات، ومنذ عامين أو ثلاثة قمنا بالإعلان عن رغبتنا في تشجيع الصناعة، إلا أننا عندما نسأل كبار الشركات العاملة في المجال، نجد أنهم لا يزالون يعانون من عدم وضوح الرؤية، ذلك فضلًا عن أسعار الجمارك، والمكونات، مقارنة بالمنتج النهائي، وما إلى ذلك.

التسعير العادل للدواء ضرورة لحماية الصناعة المحلية والتصدير

نتحدث منذ 3 أو 4 أعوام عن إحلال التوكتوك، نظرًا لكونه يمثل مشكلة اجتماعية ومرورية وأمنية، وقد استغرقنا هذه السنوات حتى اكتشفنا أنه من الممكن أن يكون هناك بديل صغير، ولكننا ما زالنا نتحسس الطريق، ومن وجهة نظري، أرى أن المرونة مثل «الاستيك» تحتاج إلى سرعة في التنفيذ، حيث إن ذلك يتيح لأصحاب الأعمال والمشروعات، القدرة على اتخاذ القرارات بشكل سريع، نظرًا لأنهم يرون أن ما يتم إعلانه موجود على أرض الواقع، دون الانتظار لعام أو اثنين أو ثلاثة.

لدينا إشكالية متمثلة في أن القوانين التي يتم الإعلان عنها، تنص في قانون الإصدار على أن اللائحة التنفيذية تصدر بعد 3 أو 6 أشهر، علمًا بأن هناك قوانين مر عليها عام أو أكثر، ولم تصدر لائحتها التنفيذية، وهذه الأمور تعد مربكة، لذا فإن الالتفات إلى تلك النقاط الصغيرة يمنح المستثمرين الشعور بالراحة.

سعر الصرف المزدوج سابقًا أضر بجذب الاستثمارات الأجنبية

سأتناول أيضًا تعليقًا تم ذكره على صعيد سعر الصرف، أود الإشارة إلى أن المستثمر القادم من الخارج يتسم بكونه على دراية ووعي، كما أنه يتلقى النصائح من بنوك استثمار وآخرين، فهو لا ينتظر 2022 و2023، حتى يقول إن هناك مشكلة في سعر الصرف، إذا قمنا بعمل Flash back، كما يقولوا بلغة السينما، وعدنا إلى حكومة 2004 و2005، سنجد أن الجميع يعلم أن مصر تعاني من عجز مزمن في ميزان المدفوعات، وأن معدلات التضخم لدينا أعلى من أمريكا، وبالتالي القاعدة الاقتصادية التي لا يمكن الخروج عنها، أن سعر الصرف ينخفض مقارنة بهذه العملات.

أما عن المشكلة الكبيرة، والتي سأشير إليها، حيث إن التضخم يتسم بأنه مشتق، أكثر من كونه سببًا للمشكلة، فنحن نقوم بتلجيم بعض الأمور لسنوات طويلة، مثل الدعم، والغاز وسعر الصرف، وبالتالي عندما نقوم بإطلاقه بشكل مفاجئ، فإن القفزة في السعر تقوم بإرباك الجميع، كما تجعل الأسعار غير سهلة على مستوى التوقع والدراسة.

التوسع الخارجي للشركات المصرية يجب أن يتم بعناية لضمان القيمة المضافة

أثير سؤال حول صفقة المصرف المتحد في الجلسة السابقة، وتبين من الحديث أنه كان هناك سعران للصرف آنذاك، وهو الأمر الذي يجعل المستثمر يحيد عن الدخول في تلك الصفقه، علمًا بأن التغير التدريجي في مستويات الأسعار والدعم .

وهنا أود الإشارة إلى أنه لا يوجد أحد من المتواجدين داخل هذه القاعة، لا يدري أننا نعاني من أزمة حادة في نقص الدواء، وذلك في الكثير من الأدوية، وهو ما نتج عن القيام بتسعير الدواء، على الرغم من أن مدخلات إنتاجه تتسم بكونها مستوردة بالعملة الصعبة، وبالتالي إذا قامت وزارة الصحة بإرجاء إقرار هذه الزيادات، لأسباب اجتماعية، فإن ذلك سيؤدي إلى تشوه في الصناعة والمنتجات التي يتم تنفيذها، وكذلك في التوجه إلى التصدير.

التشجيع على التوسع الخارجي يجب أن يتماشى مع تعظيم الفائدة للاقتصاد

لذا أتصور أن كل متخذ القرار، ومُخطط، عندما يرى الزيادة التدريجية في الأسعار والخدمات وغيرهم، سيكون من السهل عليه إدارة توقعاته، والتسعير على أساسها، سواء كان مستثمرًا خارجيًّا أو محليًّا.

سأختتم حديثي، حتى لا أطيل عليكم، بالحديث عن المرونة والإصلاح المرن، حيث إن جزءًا من ردود أفعالي كمواطن، أو صاحب مشروع أو مدير لكيان كبير، ألا تهطل فوقي أمطار التعديلات التشريعية والتنظيمية طوال الوقت، وهنا لا أعفي أي جهه، سواء البنك المركزي مع البنوك، أو هيئة المجتمعات العمرانية، أو هيئة الرقابة المالية، أو جهاز تنظيم الاتصالات، من المؤكد أن الإصلاح والتطوير يتسمون بأهميتهم، ولكن يجب أن نضع هدفًا نصب أعيننا، وهو أن يتم ذلك الأمر بشكل سنوي على سبيل المثال، وذلك بعد نقاش مجتمعي، فيكون معلومًا أنه في بداية شهر محدد، سيتم الإعلان عن التحديث الجديد للقواعد المنظمة لجميع أعمالنا، وكذلك منشورات مصلحة الضرائب والتفسيرات التي يتم إصدارها.

ولكن عندما نقرأ كل يوم أمرًا ما، فإن ذلك يسفر عن إرباك، وهو ما يُحدث ضرر أكبر من قيمة التعديل، حيث إن الجميع يستيقظون وهم يتساءلون عن ما سيورد إليهم في هذا الإطار، سأختتم حديثي بمثال حول قرار بيع الغاز بسعر مقابل للدولار بالجنيه المصري للشركات المحلية، على أن يتم سداد قيمة استهلاك الغاز الطبيعي بالدولار الأمريكي لمشروعات المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية، وقد تم اتخاذ القرار لأسباب وجيهة للغاية، علمًا أنه إذا كان إصدار هذا القرار تم في ذروة الأزمة، في شهري يناير وفبراير، كان الجميع سيتفهم ذلك القرار، نظرًا لكونهم مضطرين لذلك، ولكن بعد القيام بصفقه رأس الحكمة، بدأت الأمور تستقر، ثم تفاجأ الجميع بهذا القرار.

التوصية التي يمكنني الخروج بها من هذا النقاش، هي ألا تكون وتيرة التعديلات والتغييرات المفاجئة كثيرة دائمًا، حتى وإن تم تجميعها، وشرحها، وتقييم أثرها، نظرًا لما يمثله ذلك من أهمية، فضلًا عن تأثير السياسة وتكلفه ذلك في مقابل الاستفادة الناتجة عنه، فهذا من شأنه التيسير على متخذ القرار.

ماجد شوقي: شكرًا أستاذ شريف.. من المؤكد أن الشق الخاص بالوتيرة والمرونة يتسم بأهميته الكبيرة، وكذلك التوقيت، حيث يعتبرون من البديهيات، كما أنهم جزء من إدارة السياسة الاقتصادية بوجه عام، والتي تشمل جزءًا هامًّا متمثلًا في القرارات أو الوتيرة أو الانطباع الذي ترغب في تركه، لذا يتم الاعتماد على الانطباعات والتوقعات.

فعندما يتم منح انطباع أن القرار الذي يتم اتخاذه، وقتي وهام، ويتم اتخاذه في أجواء محددة، تستغل بها أحد الجوانب الإيجابية، فإن ذلك يجعل أثر القرار أقل، في حال كان يتضمن ضريبة إضافية أو شقًّا سلبيًّا أو إضافة أخرى، وهو ما يظهر للمواطن أو المستثمر أنه عند حدوث انفراجه، تكون قادرًا على اتخاذ الإجراء الإصلاحي الذي قد يكون له عبء على المواطن، أو على صعيد مناخ الأعمال، ولكنه يُخفف عن طريق الإعلان عن خبر إيجابي، مثل إحدى الصفقات الكبيرة.

وهو ما ينقلنا إلى سؤال قد يكون تقليديًّا، ومتكررًا، وهو أنه في ضوء المرحلة التي تم الوصول إليها، ما الذي تتوقعه أو ما الذي من المفترض القيام به؟ فقد كان هناك مسؤولون متواجدون صباحًا، فإذا تم الجلوس مع السادة المسؤولين في الحكومة عن المجموعة الاقتصادية، وقالوا لنا «النقاشات التي قمتم بها تتسم بكونها جيدة، ونحن مقتنعون بها، وهذه هي الأوضاع، وأنتم تعرفونها بشكل كبير، فما الذي تقترحون علينا القيام به؟» سأبدأ بالأستاذ محمد الدماطي.. ما الذي علينا فعله؟

محمد الدماطي: دعم الصادرات وتطوير القطاع السياحي ضرورة لاستدامة الاقتصاد

محمد الدماطي: بالتأكيد، كما يقال «القول أسهل من الفعل»، أعتقد أننا وسط حلبة، كما أن هناك اتفاقيات تمت بالفعل مع الصندوق، ولكني سأتفق مع ما ذكره الأستاذ شريف في جزء، وسأختلف في جزء آخر، فمن المؤكد أن القرارات الكثيرة المتلاحقه تؤدي إلى مشكلة كبيرة، حيث نتفاجأ بالقرارات، فعلي سبيل المثال، بعيدًا عن سعر الصرف ومعدلات الفائدة، نجد قرارات ذات صلة بالضرائب، والتأمينات، قوانين العمل، والتي تجعلنا نواجه مشكلة جديدة كل شهر، وهو ما يستدعي مراجعة الأمور الخاصة بك مرة أخرى.

فيما أود الاختلاف في جانب آخر، صحيح أن الإصلاح المرن يعد أمرًا جيدًا، ولكن يجب أن نطرح سؤالًا على أنفسنا وهو «إلى متى؟». فنحن في مراجعات مستمرة مع صندوق النقد، وتلك المراجعات مرة تطلب تحريك سعر الصرف، وأخرى تطلب خفض الدعم على السولار، وغيرها من الإجراءات.

ومن وجهة نظري، هذا التدرج الزائد قد يكون مُضرًّا في بعض الأحيان، كما أنه قد يصيب المواطنين بالإحباط نوعًا ما، حيث إنك لا ترى نهاية لذلك، وترغب في التوقف، وهو ما قد يكون ضد قوانين السوق، كما ذكر الجميع، وهم محقون في ذلك، حيث إن الإبقاء على السعر ثابت لفترة طويلة، يثير التخوفات من حدوث أمر سلبي بمرور الوقت، ولكن المواطن يرى أن هناك ثباتًا إلى حد ما.

محمد الدماطي: مصر قادرة على جذب استثمارات عالمية بتخطيط محلي قوي

كما حدث في الإصلاح الاقتصادي الذي تم في عام 2004، وكذلك ما تم في عام 2016، إن تتذكروا كنا قد وصلنا إلى 19.5 جنيهًا في سعر الصرف، ثم تم النزول إلى 15 جنيهًا تقريبًا، وبعدها شهدنا ثباتًا بالسعر لفترة طويلة، وهو أمر غير صحيح، وقد تحملنا عواقبه فيما بعد، ولكن التدرج الزائد يعد أمر محبط.

وحول ما أرى أننا قادرون على القيام به في الوقت الحالي، أؤكد على عدم وجود بدائل كثيرة يمكن التحرك بها، سوى القيام بتشجيع الاستثمار، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد استثمار سيدخل اليوم، في ضوء وصول معدلات الفائدة إلى 30%، ومن المؤكد أن حديث الأستاذ شريف عن أهمية وجود ما يتيح للمواطنين الحفاظ على قيمة العملة الخاصة بهم، أمر مفهوم ويُحترم، ولكن يجب على الأقل أن يكون هناك مبادرات لدعم الصناعة بمعدلات فائدة مخفضة، فقد كنا نعمل على مدار 3 سنوات بأسعار فائدة مدعمة 8%، وذلك منذ عام 2018-2019 وحتى عام 2022، ثم الارتفاع إلى 30%، وقد عادوا إلى تقديم عدد من المبادرات، ولكن بأرقام صغيرة جدًّا.

وفي هذا السياق، أؤكد أن الصناعة تحتاج إلى العمل بدعم من المبادرات، سواء من البنك المركزي المصري أو وزارة المالية، هذه هي أول نقطه، كما نحتاج إلى نقطة أخرى هامة تتمثل في التركيز على كيفية زيادة الحصيلة الضريبية، حتى تتم زيادة إيرادات الدولة، وذلك ليس من خلال المجموعة التي تلتزم بالفعل في سداد الضرائب، ولكن عن طريق بحث سبل توسيع المجتمع الضريبي.

نحن نعاني من مشكلة واضحة للجميع، وهي أن كم من هم خارج المنظومة الاقتصادية، يختلف عن ما تتحدث عنه الدولة، الأمر الذي نراه على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من خلال حجم الأموال الموجودة، فضلًا عن العقارات التي تباع بأسعار خيالية، لأشخاص تجهل هويتهم، لذا يجب أن تحصل الدولة على حقوقها في هذا الإطار، حتى نتمكن من العمل على تقليل عجز الموازنة على الجنيه، فلا أتحدث هنا عن الدولار، بل عن كيفية زيادة الحصيلة الضريبية، من خلال توسيع القاعدة.

هناك أمور واضحة جدًّا، ولكننا لا نقترب منها، حيث إننا مثل أي دولة في العالم، عندما يتم القيام بشراء أي عقار، يتم طلب ما يفيد بمصدر هذه الأموال، وهنا تجدر الإشارة إلى أننا غير قادرين على اتخاذ هذا القرار في مصر، لأنك تعلم جيدًا أن هذا يعد بابًا خلفيًّا لأمور عديدة للغاية واتخاذ قرار مثل ذلك سيؤثر على الحركة العقارية في مصر وسيخفض أسعار العقارات.

ولكن إحقاقًا للحق، هناك أشخاص مثلنا ملتزمين بسداد الرسوم الضريبية المستحقة عليهم وبالتالي ترك هؤلاء الأشخاص الآخرين خارج المنظومة، ليس عادلًا فيما يخص المنافسة وكذلك في حق الدولة، لذا فإن أول ما يجب تنفيذه، هو كيفية ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية، ففي مصر أموال كثيرة ولكن خارج نطاق الحكومة، وهو أول شيء يجب التحرك فيه، بجانب الفائدة المدعمة للقطاع الصناعي.

نحتاج رؤية نقطة نهائية للإصلاح المرن، ولا نظل في دائرة مغلقة وكل فترة يرسل صندوق النقد بعثة ونظل نشعر بالقلق تجاه ما ستتخذه تلك اللجنة من توصيات، وبالتالي يجب أن يكون لدينا جدول واضح يحدد متوسطات التحركات خلال العامين المقبلين، وهو ما يجب أن يأتي بالتوازي، مع ضرورة امتلاك برنامج مصر بعقول مصرية.

فالحكومة الحالية تمتلك كوادر جديدة وقوية وتتحدث بنفس اللغة التي أتحدث بها حاليًا وهي كيفيه تغيير الانطباع عن مصر، فاليوم أغلب الاستثمارات التي نعتمد عليها هي الأموال الساخنة الواردة من الخارج، حيث يتم رفع سعر الفائدة على أذون الخزانة إلى 30 % و32% لجذب موارد دولارية، ولكن يتم دفع نتيجة ذلك عندما تخرج الأموال الساخنة.

وهناك حديث يدور حول كون السبب في تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار خلال الأيام الماضية، ناتجًا عن خروج الأموال الساخنة، فأين الاستثمارات الحقيقية؟ وأين الاستثمار بالمصانع، وهنا أود التنويه إلى أن صفقة رأس الحكمة تتسم بكونها ممتازة، ولكن هناك جزءًا منها بدعم من العلاقة القوية التي تجمع دولتي مصر والإمارات.

فالانطباع عن السوق المصرية يجب ألا يقتصر على الرغبة في الحصول على أموال ساخنة أو يورو بوند، حيث يجب أن يكون هناك انطباع ستجذب الاستثمارات وفقًا له، فالسعودية على سبيل المثال تشهد إقبالًا عالميًّا للاستثمار فيها، وعندما تطلع على موازنتها ستجدها تواجه عجزًا، ولكنه مقصود في ظل عمليات الإنفاق الكبيرة التي يقومون بها، رغبة منهم في تغيير الانطباع الخاص بهم، وبالتالي العالم بأكمله يهرول نحو الاستثمار في المملكة العربية السعودية، وذلك بعدما تمكنت من خلق انطباع عام بأنها واجهة الشرق الأوسط.

مصر تمتلك الإمكانيات التي تؤهلها لفعل نفس الأمر، ولكن يجب أن تكون الخطوات المتخذه صادرة من العقول المصرية ومن خلال برنامج جيد للغاية تستطيع مصر الوصول لهذا الأمر في ظل امتلاكها للعقليات القادرة على التنفيذ.

ماجد شوقي: فيما يخص جزئية العقليات، في الحقيقة المجموعة الاقتصادية الجديدة الحالية والسادة الوزراء المعينين حديثًا قادرين على ذلك، لا سيما أنهم كانوا يعملون في مؤسسات دولية وأجنبية، وهم على علم بنظرة المستثمر الأجنبي لمصر، وأعتقد أن لديهم القدرة على مخاطبة العالم وتغيير الانطباع للسوق المصرية.

أوجه نفس السؤال للأستاذ مصطفى، ما هي الخطوات التي تقترحها على الحكومة خلال الفترة المقبلة للاستفادة على الأقل من برامج الإصلاح المتتالية؟ حيث إن أي برنامج إصلاح يجب أن يكون له استفادة، وليس فقط من أجل سداد المديونات المستحقة عليك، ولكن أيضًا من أجل زيادة التشغيل والتنمية المستدامة ورفع حد الفقر، وهو ما يؤكد عليه الخطاب الرسمي لصندوق النقد الدولي، فما الذي تراه في هذا السياق؟

مصطفى فوزي: دعم التصدير والسياحة يمكن أن يحلا جزءًا كبيرًا من المشاكل

مصطفى فوزي: أرى أن هناك مجالين لو ركزت الحكومة عليهما أتوقع أن تحل جزءًا كبيرًا من مشاكل مصر، المجال الأول هو التصدير، خاصة محاصيل الخضروات والفاكهة سواء الطازجة أو المجمدة، بالإضافة إلى السياحة، فنحن نقوم حاليًا بتصدير محاصيل بقيمة 6 مليارات دولار وأغلبها مصرية، وبالتالي يجب زيادة برامج دعم الصادرات ودعم الشحن.

ماجد شوقي: في الحقيقة انخفضت.

مصطفى فوزي: نعم انخفضت من 7 إلى 4%، كما أن 20% من القوى العاملة في مصر يعملون في مجال الزراعة وهناك فرصة كبيرة لتنمية هذا القطاع، حيث تقوم مصر بتصدير محاصيل بقيمة 6 مليارات دولار من أصل 50 مليار دولار إجمالي الصادرات المصرية، ومن الممكن الوصول بصادرات المحاصيل إلى ما بين 12 و18 مليار دولار حال وجود برنامج طموح، علمًا بأن كل مدخلات الإنتاج تتسم بكونها محلية، وبالتالي لن تحتاج لأي مواد خام مستوردة، وهنا نتحدث عن المحاصيل الطازجة والمجمدة، ومصر تمتلك أصناف عديدة من المنتجات التي يمكن تصديرها طوال العام.

ماجد شوقي: هذا صحيح.

مصطفى فوزي: والمجال الثاني السياحة، فحتى الآن لا أرى أن الطموح الحالي هو الأفضل في ظل الكم الكبير من الآثار والمقومات المصرية، حيث تقتصر آمالنا على الوصول إلى 15 مليون سائح، علمًا بأن هذا العدد يذهب إلى دبي خلال 6 أشهر فقط.

مصطفى فوزي: الصناعات الغذائية والحديد والأسمنت على رأس أولويات المستثمرين

أرى أن مصر تحتاج إلى وجود خطة طموحة لتشجيع السياحة، وهنا لا أتحدث عن تشجيع شركات السياحة فقط، بل يشمل الأمر برامج وطرق وخطوط طيران وشركات ما يعني برنامج متكامل، وحال تحقيق هذا الأمر سيؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الموارد الدولارية من هذا القطاع كما سيؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري، هذه هي وجهة نظري.

ماجد شوقي: حضرتك محق، في ضوء الحديث عن السياحة، أود التنويه إلى أنني أتابع أرقام السياحة في عدد من الدول خلال الفترة الماضية، وتفاجئت بالأرقام مقارنة بعدد سكان تلك الدول.

مصطفى فوزي: بالضبط.

ماجد شوقي: وقد استوقفني وجود مظاهرات واحتجاجات من جانب سكان بعض تلك الدول ضد السياحة، نظرًا لكبر حجمها، وعند النظر إلى المنتجات التي تقدمها تلك الدول أو المقومات الموجودة لديها، ولا أقصد بذلك التقليل من شأنها، ولكنه لا يستدعي على الإطلاق وصول عدد السياح لديهم إلى أضعاف تعداد السكان هناك، وهذه نقطة هامة للغاية.. أود طرح السؤال نفسه على المهندس طارق.

طارق يوسف: جذب الصناعات العالمية يتطلب حلولًا مالية وتسهيلات مستدامة

طارق يوسف: أتفق مع حديث المهندس محمد الدماطي حول الشق الخاص بمعدلات الفائدة، حيث اتفهم رأي الأستاذ شريف بصورة كبيرة، بأن ارتفاع الفائدة يساعد المواطنين حتى لا تقل أموالهم، ولكن عند النظر إلى الوضع بشكل كامل، سنجد أن حجم السيولة الموجودة في البنوك، يتم إقراضها للعملاء، بمعدلات تفوق المعدل العالمي بشكل كبير، فلا أتذكر الأرقام، ولكنها تقريبا تعادل 3 أضعاف المعدل العالمي، كما أن أغلب استثمارات البنوك تتجه نحو أذونات الخزانة، وهو ما يعكس أن المجتمع بذلك ليس صحيًّا.

يمكن أن أتفهم قيام المتقاعدين، وحالات أخرى في وضع أموالهم بالبنوك، ولكن هناك حالة تدعو للضحك، حيث عاد أحد أصدقائي من السعودية بعد أن ادخر بعض المال، وكان حينها عمره 42 عامًا، وآنذاك كانت معدلات الفائدة 20%، وذلك في عام 2016، فقام بوضع أمواله بالبنك، ومكث في منطقه التجمع، وأصبح يذهب صباحًا للجلوس على «كافيه»، وهذا ليس المنطق.

فمن المفروض أن تقوم الدولة بحث المواطنين على استثمار أموالهم وتنفيذ مشروعات صناعية، لتعزيز حركة رأس المال، لذا يعد ملف الفائدة أحد المعوقات، في حين تتمثل النقطه الثانية في ضرورة أن يكون هناك توجه، حيث إن التوجه الأساسي للدولة هو القطاع الخاص، سواء كان محليًّا أو من الخارج، والأهم هنا هو كيفية التوسع في هذا الإطار.

كل التجارب التاريخية، أثبتت أن القطاع الخاص يتسم بكونه أنجح بشكل كبير، مع كامل احترامي للقطاع العام أو الأعمال، والذي يتمثل في وزارة قطاع الأعمال، حيث إنه إذا تحدثنا عن نجاحات الشركات المصرية، فقد ذكرت حضرتك أنه قد حدث نمو في الصناعة، ومن ثم تم القيام بالتصدير، وهو ما يرجع في الأساس إلى مجهودات فردية، نظرًا لكون الحاجة أم الاختراع، حيث أن عدم القدرة على الوصول إلى الدولار، دفع البعض إلى التحرك بشكل منفرد في هذا الاتجاه، الأمر الذي أسفر عن فتح أسواق أكثر للتصدير، وهو ما أدى إلى تحسن ميزانياتها.

طارق يوسف: القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للاقتصاد ويجب تعزيز دوره في التنمية

الضغوط التي حدثت دفعت شركات القطاع الخاص للتحرك بشكل سريع، وهو ما جعلها تنجح في خلق فرص بديلة، الأمر الذي كان له انعكاس، لذا يجب أن يكون التوجه الأساسي للدولة أن يتم تعزيز توسع القطاع الخاص، وعدم منافسته من جانب قطاعات الدولة.

حيث إن دور الدولة يكمن في كونها منظم Regulator، إلا إذا كانت هناك بعض الجوانب الإستراتيجية التي ترغب في التواجد بها، لحفظ التوازن الاجتماعي، وما إلى ذلك، فنحن نتفهم هذا، ولكن فيما عدا ذلك، لقد اثبت القطاع الخاص تاريخيًّا كونه أكثر مهارة من القطاع العام، وقطاع الأعمال في التعامل خارجيًّا.

أما الأمر الثاني الذي سأتناوله، هو حدوث Euphoria أو حالة التفاؤل التي ذكرتها حضرتك، وبغض النظر عن اقتناعي بأن هذه الصفقه لها شق مرتبط بدعم من علاقتنا بدولة الإمارات، لكن الخصخصة وتنفيذ هذا النوع من الصفقات، حتى وإن كانت ليست بالسعر الحقيقي، لا سيما وأننا استغرقنا فترة طويلة، في سماع شعارات ليس لها معنى في رأيي الشخصي، مثل الحديث أنها تُباع بأقل من سعرها، وهنا سأطرح تسأول وهو ما مشكلة حضرتك إن كان هذا حقيقيًّا؟ حيث إنه إذا تم الاتفاق مع من سيحصل عليها، أن يقوم بالتوسع بشكل محدد، إضافة إلى إتاحة فرص عمل، وتحقيق أرباح بمعدلات أكبر، فإنك حينها ستتمكن من الحصول على كل ما تتحدث عنه خلال 3 سنوات من خلال الضرائب، وتكون حينها تخلصت من هذا العجز أو النقص.

لدينا نحو 3700 شركة في قطاع الأعمال، وإذا نظرنا بشكل عام قد يبدو أن القطاع يحقق أرباحًا، لكن عند التدقيق في تفاصيل الشركات، نجد أن نحو 3500 منها تعاني من الخسائر، في حين أن بعض الشركات المحدودة مثل تلك العاملة في مجال الأسمدة وبعض الشركات التي تتمتع بعقود امتياز هي التي تعوض هذه الخسائر. والسؤال المطروح هنا: لماذا نثقل كاهل الدولة بهذه الشركات؟ حتى وإن كانت هذه الشركات خاسرة، فإنها قد تباع بأسعار معقولة، ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما حدث في تركيا قبل نحو عشرين عامًا، عندما قامت الحكومة التركية ببيع مصنع للكاوتش كان في حالة مشابهة لمصنع «النسر» لدينا، وتم بيعه لمستثمر بسعر زهيد للغاية، واليوم أصبح هذا المصنع ينتج 13 مليونًا إطار سنويًّا. بينما نحن، للأسف، لا نستفيد من هذه التجربة، بل على العكس، نكبد الدولة خسائر متواصلة نتيجة لعدم اتخاذ الإجراءات الحاسمة. الحل الأنسب والأكثر فعالية يكمن في تعزيز دور القطاع الخاص بشكل واسع في الاقتصاد المصري، مع التأكيد على ضرورة منح المستثمر المصري نفس الامتيازات التي تقدمها الدولة للمستثمرين الأجانب، لضمان بيئة استثمارية عادلة ومزدهرة للجميع.

ماجد شوقي: أوجه السؤال ذاته للأستاذ عمر.

عمر الشنيطي: في رأيي، الموضوع ينطوي على جانبين رئيسيين. الجانب الأول هو أن تجربة مصر مع صندوق النقد الدولي ليست تجربة فريدة من نوعها. بالطبع، نحن نعتقد أن مصر دولة ذات خصوصية متميزة في الكثير من المجالات، ولكن تجربتنا مع صندوق النقد ليست استثنائية على الإطلاق. العديد من دول أمريكا اللاتينية مرت بتجارب اقتصادية قاسية، وكذلك دول شرق أوروبا، حيث خاضت بعض تلك الدول تجارب شديدة التعقيد، بعضها أتى بنتائج إيجابية، وبعضها الآخر كان له تأثيرات سلبية.

عمر الشنيطي: انخفاض سعر الجنيه يجعل مصر خيارًا جذابًا للاستثمار الصناعي الخليجي

عندما درست مجال الاقتصاد التنموي، وقع في يدي كتاب مهم بعنوان «الحياة بعد الموت»، الذي كتبه رئيس الاقتصاد في البنك الدولي لفترة طويلة. هذا الكتاب كان يشير إلى أن الدول التي تمكنت من التعافي والتعامل بنجاح مع صندوق النقد الدولي، كان سر نجاحها يكمن في تتابع القرارات الاقتصادية. وهو ما يوضح أن صندوق النقد يقدم للدول مجموعة من القرارات التي تتعلق بالسياسات النقدية والسياسات المالية.

هنا تكمن المشكلة الحقيقية: التتابع غير المنسق للقرارات. وهذا ما كان يشير إليه المهندس محمد عندما تحدث عن «فكرة الأواني المستطرقة». فممكن أن نتخذ قرارًا جيدًا من الناحية النقدية، ولكن في اليوم التالي يأتي قرار آخر من الناحية المالية يجعل القرار الأول يصبح عديم الفائدة. إذن، التتابع والترتيب السليم للقرارات أمر بالغ الأهمية .اليوم، مع انتشار التضخم، يقوم البنك المركزي برفع أسعار الفائدة كإجراء رئيسي لمكافحة التضخم. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يتبنى البنك المركزي توجهًا لسحب السيولة من السوق، وهو الإجراء الأكثر فعالية لمكافحة التضخم.

لكن، في المقابل، رفع سعر الفائدة يؤدي إلى جذب الأموال الساخنة (Hot Money)، لكنه في الوقت ذاته يضر بالقطاع الخاص المحلي ويزيد من صعوبة الوضع بالنسبة للمستثمرين المحليين. ومع هذه الارتفاعات، تأتي زيادة أخرى في أسعار السولار والسلع الأساسية، ما يزيد من تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ. هذه السياسات تخلق حالة من الارتباك. إذا كان هناك شيء يمكنني قوله لصانع القرار، فهو ضرورة التنسيق التام بين السياسة النقدية والسياسة المالية، فالتجارب السابقة علمتنا أن هذا التنسيق يمكن أن يقلل من 80% من المشاكل الاقتصادية.

أما بالنسبة للجزء الثاني من الموضوع، وهو من وجهة نظر القطاع الخاص، سواء كنا مستثمرين أو نتعامل مع مستثمرين في البنوك، فإن القضية الأساسية تكمن في الشفافية. الحقيقة هي أن الحديث عن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أصبح مكررًا وأشبه بالفيلم السينمائي الذي تم عرضه مرارًا وتكرارًا،

عمر الشنيطي: تسريع عمليات الاندماج والاستحواذ يساهم في جذب الاستثمارات

فما عادت هذه المسألة مثيرة أو جديدة. الحقيقة التي يجب أن نواجهها هي أن الاستثمارات الأجنبية لن تأتي إلى مصر إلا إذا كان المستثمرون المحليون يحققون أرباحًا حقيقية. فإذا كان المستثمرون المحليون غير قادرين على الاستفادة من استثماراتهم، فإن المستثمرين الأجانب لن يكون لديهم أي حوافز لاستثمار أموالهم هنا. وعليه، إذا كان هناك أشخاص داخل البلد يحاولون استثمار أموالهم في الخارج أو استثمارها في شراء العقارات أو تحويل الأموال إلى الدولار،

فإن هذه الظاهرة تدل على عدم استقرار السوق وتدهور الثقة. العقارات في السنوات الأخيرة، كما نعلم جميعًا، كانت أكثر القطاعات ربحًا، وقد فاقت أي قطاع آخر من حيث العوائد. لذلك، إذا كان المستثمر المحلي لا يحقق عوائد مجزية، فلن يكون في مقدوره جذب أي مستثمر أجنبي.

أرى أن الشفافية هي العنصر الأساسي في هذا الأمر. ففي بعض الأحيان، ما نقوله اليوم بشأن السياسات الاقتصادية، نكتشف في وقت لاحق أنه تم تغييرها أو اتخاذ قرارات متناقضة، وهذا يساهم في اهتزاز الثقة في الاقتصاد المصري. نسمع عن برامج طروحات واعدة، ولكن نجد في كثير من الأحيان أنها لا تُنفذ كما كان مخططًا لها. جزء من هذه المشكلة يعود إلى الحماس الزائد في بعض الأحيان، والتوقعات غير الواقعية التي تُبنى على أمل غير مدروس، لكن أؤكد أن الشفافية في السياسات العامة هي الأساس، وبدونها سنظل نواجه هذه الإشكاليات.

أيضًا، هذا يتداخل مع قضية المنافسة بين القطاع الخاص والقطاع العام أو الشركات التابعة للدولة. اليوم، لا أحد يرغب في أن يستثمر في مشروع معين ليكتشف بعد ذلك أنه ينافس كيانات حكومية تتمتع بقدرات مالية وتمويلية ضخمة. إذًا، ما نحتاجه هو تتابع متسق للقرارات الاقتصادية، وشفافية كاملة في توجيه السياسات الاقتصادية، بحيث يعرف الجميع الاتجاه الذي تتجه إليه الحكومة،

ويشعر المستثمرون بالثقة والراحة في استثماراتهم. إذا تم تحقيق ذلك، ستبدأ السوق في الانتعاش تدريجيًّا، وستزداد القوة الشرائية، وعندها سيأتي المستثمر الأجنبي ليدفع بعجلة الاقتصاد، إما من خلال توفير التمويل أو تقديم الخبرات الفنية. ولكن من الضروري أن نفهم أن المستثمر الأجنبي لن يكون هو من ينقذنا، لأنه ببساطة لا أحد يمكنه أن ينقذ أحدًا.

ماجد شوقي: أنا متفق تمامًا مع ما قلته، ولكن أود أن أوجه سؤالي للأستاذ شريف بشكل مختلف قليلًا. بعد أن تم طرح هذه الآراء والتوصيات في الجلسة، كيف يمكن الرد على الوضع الحالي؟ بمعنى آخر، نحن نعلم أن الدولة متواجدة في العديد من الصناعات والأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، وهذا الوضع قائم بالفعل. وفي الوقت نفسه، نعلم أن القطاع الخاص هو قاطرة النمو في مصر، وأننا بحاجة إلى عودته بقوة. لكن السؤال هو: من أين نبدأ؟ كيف يمكننا البدء في إتاحة الفرصة للقطاع الخاص لاستعادة دوره الهام في الاقتصاد المصري؟

لماذا أطرح هذا السؤال؟ لأنني سبق وطرحت سؤالًا مشابهًا في وقت سابق، وأعتقد أن بعض الإجابات تم فهمها بشكل خاطئ. سأروي لكم وجهة نظري: عندما بدأت عملي في الحكومة في عام 1993، كنت أعمل على برنامج يتضمن خصخصة 304 شركات مملوكة للدولة، وكان من المقرر تنفيذ هذا البرنامج خلال فترة زمنية معينة، وكان من بين الشركات المطاحن والزجاج والإسمنت.

والكثير من هذه الشركات كانت جزءًا من الطروحات العامة في البورصة في ذلك الوقت. لكن، إذا عدنا إلى قائمة الشركات التي تم تحديدها في 1993، سنجد أن هناك العديد من الشركات لم يتم خصخصتها حتى اليوم. الواقع العملي يؤكد أن بيع الأصول أو الخصخصة، مهما سميَّت، هي عملية معقدة للغاية، مليئة بالتحديات والمصاعب، وليست سهلة كما قد يبدو. حدثت العديد من الظروف السياسية والاقتصادية التي أثرت على هذه العملية، وكان لها أبعاد زمنية معينة.

ولكن اليوم، ونحن نقول إن الوقت قد حان للقطاع الخاص ليأخذ دوره الأساسي في دفع النمو الاقتصادي، السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سنتعامل مع هذه القضية في ظل الظروف الحالية؟

شريف سامي: ليس الأمر مجرد وقت حان للقطاع الخاص الآن.

ماجد شوقي: الأمر كان كذلك منذ وقت طويل، دعونا نقول الآن.

شريف سامي: للتوضيح، أول من بدأ الحديث عن أهمية القطاع الخاص كان الرئيس السادات. ولنتذكر بداية القطاع الخاص في مصر في تلك الحقبة. اليوم، لدينا كيانات ضخمة موجودة منذ تلك الفترة. وبالحديث عن صندوق النقد الدولي، أعتقد أنه لا ينبغي أن نضع عليه أهمية أكبر مما يستحق. فغالبية ما يُطلبه منطقي إلى حد بعيد. ربما يكون التوقيت أساسيًّا لتسريع العمليات، وذلك لتجنب التجارب السابقة التي أثبتت عدم الإلتزام بمطالبه.

شريف سامي: الإصلاحات الصغيرة تساهم في تحسين مناخ الاستثمار

ولكن، إذا اخترت التوجه نحو هذا الصندوق، فيجب أن تكون مستعدًا للقبول بشروطه طالما أنها معقولة. دعوني أستخدم مثالًا بسيطًا: عندما تذهب إلى طبيب يعالجك من أمراض متعددة، سيعطيك توصيات دقيقة كأن يتطلب منك أن تتجنب تناول الأطعمة الضارة، والإقلاع عن التدخين، والنوم في ساعات مبكرة، وممارسة الرياضة. إذا التزمت بهذه التوجيهات، فلا يجوز لك الشكوى من قسوة العلاج.

أما بالنسبة للسؤال الأساسي، فالأمر يستدعي أن نميز بين القطاع العام وغيره من الكيانات المملوكة للدولة. القطاع العام لا يزال موجودًا، ولكنه في تراجع مستمر، ويعاني من الخسائر. ربما يصل العدد إلى نحو 300 شركة تابعة لهذا القطاع، ولكن الوضع التنظيمي لا يزال غريبًا جدًا، حيث أن نصف هذه الشركات تتبع وزارة قطاع الأعمال العام، والنصف الآخر موزع بين عدة وزارات، وهو أمر يتناقض مع ما تم الاتفاق عليه في عام 1993. فبعض الشركات تتبع وزارة النقل من خلال الشركة القابضة للنقل، وبعضها الآخر يتبع وزارة التموين، وهناك جزء لا يزال تحت إشراف وزارة الري، خاصة فيما يتعلق بالكراكات، وبالطبع، هناك شركات تتبع هيئة قناة السويس، هذا النظام الإداري يعكس تعدد القوانين التي تنظم هذه الشركات. لا يوجد شخص واحد مسؤول عن المساهمات العامة، مما يفاقم التحديات أمام هذه الشركات.

بالنسبة لموضوع الطروحات العامة، أنا شخصيًّا لا أرى ضرورة لتسليط الضوء على هذه المسألة بشكل مبالغ فيه. البائع الذكي لا يعلن عن تفاصيل البيع مسبقًا. الأهم هو أن تكون هناك رؤية واضحة، وعندما تُتاح الفرصة المناسبة، يتم تنفيذ الخطوة دون الحاجة إلى برنامج معلن ومواعيد ثابتة يتم محاسبتي عليها بعد ذلك إذا لم يتم التنفيذ كما هو مخطط. ما أحتاجه بالفعل هو برنامج يركز على الإصلاحات الصغيرة التي تؤثر في الحياة اليومية.

على سبيل المثال، لا حاجة لحديث عن أرقام ضخمة مثل تصدير 200 مليار دولار أو التوجه للتجميع المحلي لمليون سيارة. أنا بحاجة إلى إصلاحات صغيرة يتم التوافق عليها من قبل رجال الأعمال وأصحاب الشركات. وهي الإصلاحات التقليدية التي نعمل عليها، مثل تحسين الضريبة، التأمينات، تخصيص الأراضي، توصيل المرافق، والحصول على موافقات التراخيص، بدءًا من فتح المحلات التجارية التي تشمل الحماية المدنية. هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يهمنا بشكل أساسي. وبالرغم من أن الشركات الكبيرة التي تجلس معنا على المنصة قادرة على التعامل مع هذه الأمور بسهولة، إلا أن الأمر يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للقطاع العريض الذي يمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة.

لقد بدأ رئيس الوزراء مشكورًا في الاهتمام بريادة الأعمال، لكن التركيز كان على الشركات المبتكرة في مجالات مثل التكنولوجيا المالية «الفينتك”. وفي الوقت نفسه، فإن الشركات الكبيرة تملك قدرة أكبر على إيصال صوتها عبر اتحاد الصناعات والغرف التجارية. بينما نجد أن الشريحة الأوسع، والتي تضم أصحاب الورش والمحلات الصغيرة مثل تجليد الأشياء أو تجفيف المواد، تجد صعوبة في الوصول إلى الدعم والتوجيه المناسب. من هنا، أتصور أن الإصلاحات الصغيرة هي التي يجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر، لأنها هي التي تلامس احتياجات هذا القطاع العريض.

وعلى سبيل التأكيد مجددًا، عندما يُقال إن لدينا تراخيص ذهبية، فهذا في الحقيقة مؤشر على وجود خلل، وليس أمرًا نفتخر به. الأصل أن يكون النظام الإداري منظمًا وميسرًا للجميع، لا أن يعتمد على نوافذ VIP أو ترتيبات استثنائية. هذه مجرد انعكاسات لإصلاحات غائبة يجب أن تبدأ.

أما بالنسبة للقطاعات، فلا يمكن تناولها بصفة عامة، فلكل قطاع تحدياته الخاصة؛ السياحة لها قضاياها، والزراعة والتعدين كذلك. وهنا أتفق تمامًا مع المهندس نجيب ساويرس حين أشار إلى أهمية الاستثمارات الملائكية Angel Business في مصر، وهو مجال حيوي ولكنه يتراجع.

سهولة التعامل مع الهيئات الرقابية في مصر تدعم الاستثمار

أما فيما يخص الصادرات، فإن القطاعات الصناعية والخدمية تبرز كعناصر محورية، إضافة إلى قطاع المقاولات الذي يمثل مجالًا تقليديًّا للقوة المصرية. مشروعات رصف الطرق والبنية التحتية في إفريقيا مثال واضح على ذلك؛وشركة أوراسكوم، كانت لسنوات طويلة رائدة ومتميزة في تنفيذ هذه الأعمال في القارة الإفريقية، حيث يُقدّر للمصريين قدرة كبيرة على التعامل مع السوق الأفريقي بفضل التفاهم الثقافي والسياسي بين الجانبين.

ما يثير قلقي حقًّا هي الإحصائيات الأخيرة التي كشفت عن عدد الشركات المصرية التي حصلت على تراخيص في كل من الرياض ودبي. في الرياض، كانت الشركات المصرية في الصدارة في الربع الأول، أما في دبي، فقد حلت في المرتبة الثانية بعد الهند، التي تتفوق علينا بـ15 مرة. بعض الشركات الكبرى مثل السويدي وأوراسكوم تمثل نموذجًا للاستثمارات التي تحقق عائدًا ملموسًا يعود مباشرة إلى الاقتصاد المصري، لكنها تظل استثناءً في بعض الحالات، حيث نجد كيانات أخرى تنشأ خارج مصر وتعمل بنظام موازٍ لا يعيد أرباحه إلى الداخل بالشكل المتوقع. ومع ذلك، فإن هذه الكيانات تسهم في توفير فرص عمل للمصريين ورفع شأن المنتجات والخدمات المصرية في الأسواق الخارجية، لكن يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استفادة الاقتصاد الوطني بشكل كامل من هذه النشاطات.

الحديث عن «التيسيرات الصغيرة»، أو ما يمكن تسميته بـ»الانتصارات الصغيرة»، يبرز أهميتها في تحسين مناخ الاستثمار. فبدلًا من التركيز على إصلاحات كبيرة قد تكون صعبة التنفيذ أو معرضة للتراجع بسبب تغير الظروف أو القيادات، فإن الإصلاحات التدريجية مثل تعديل نظام الضرائب، تحسين أنظمة التأمينات، تيسير تخصيص الأراضي، وإصلاحات في التراخيص يمكن أن تحدث فرقًا ملحوظًا. ومن الأمثلة التي أشار إليها المهندس نجيب، فإن تطوير المطار كمرفق يعد خطوة بسيطة نسبيًّا لكنها ضرورية لأنه يمثل واجهة الدولة أمام السائحين والمستثمرين.

إلى جانب ذلك، هناك حاجة إلى نهج عملي ومستدام يركز على متابعة الإنجازات السنوية، حيث يتم تقييم ما تحقق بالفعل من إصلاحات صغيرة يمكن البناء عليها. ومثال ذلك قطاع التمور، حيث تعتبر مصر أكبر منتج عالمي لهذه السلعة، لكنها لم تستغل هذا المورد بالكامل. من الممكن تنظيم مهرجانات أو حملات دولية للترويج للتمور المصرية، وجعلها جزءًا من الهدايا الرسمية والدبلوماسية، كما تفعل دول أخرى مع مواردها مثل البن في البرازيل أو السكر في كوبا.

وفيما يتعلق بالصناعات الأخرى مثل إعادة التدوير وإدارة المخلفات، فهناك إمكانيات هائلة لجذب المستثمرين الأجانب، خاصة في ظل الطلب الكبير على هذه الأنشطة التي تحسن البيئة وتوفر أرباحًا مجزية. وهنا يظهر احتياج مصر إلى إزالة المعوقات البيروقراطية والمربكات الاستثمارية لتصبح وجهة أكثر جذبًا لرأس المال الأجنبي والمحلي.

ماجد شوقي: من النقاط المهمة جدًّا التي أود الإشارة إليها هي تلك المتعلقة بالإحصائية التي ذكرتها حضرتك، حيث إن مصر تُصنف في الربع الأخير ضمن المراتب الأولى أو الثانية في تأسيس الشركات بدول الخليج. لكن الأمر هنا لا يتعلق فقط بدول الخليج، بل هناك جانب آخر أكثر تحديدًا وهو تأسيس الشركات المصرية خارج مصر، التي تعمل على خدمة السوق المصرية وأسواق أخرى. هذا النمط من الأعمال ليس بجديد على مصر، بل هو ممارسة موجودة منذ فترة واعتاد عليها قطاع الأعمال.

تحديات الخصخصة منذ 1993 لا تزال تؤثر على تطور القطاع الخاص في مصر

ما نعيشه اليوم يجعلنا ننظر إلى هذه الظاهرة بواقع قد يبدو للبعض مقلقًا. الانطباع السائد من الأرقام يشير إلى أن هناك شركات وأفرادًا يختارون الخروج من مصر، إما لأنهم لا يرغبون في الاستمرار بالعمل في الداخل، أو أنهم يقومون بتحويل جزء من أنشطتهم إلى الخارج بهدف توفير العملة الصعبة في انتظار استقرار الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

لكن، وهنا السؤال الذي أود طرحه: هل يمكن أن نستفيد من هذا الوضع في الفترة المقبلة؟ لأن مثل هذا السيناريو قد حدث من قبل. لقد رأينا شركات مصرية خرجت للعمل بالخارج، وتمكنت من تحقيق نجاحات كبيرة وتوسعت أعمالها حتى أصبحت تمتلك أنشطة ضخمة على المستوى العالمي.

أولًا، هؤلاء كانوا بمثابة سفراء يمثلون مصر في القطاع الخاص بأفضل صورة ممكنة. ثانيًا، العديد من هذه الشركات ما زال مقيدًا في البورصة المحلية إلى جانب البورصات العالمية، وهو ما يساهم في تقديم صورة إيجابية للغاية عن السياسات الحكومية الداخلية. كما يعزز هذا من حقيقة أن القطاع الخاص يشكل عنصرًا أساسيًا وجوهريًا في النمو الاقتصادي، بل يمكننا القول إنه المحرك الحقيقي للعجلة الاقتصادية.

لذلك، أطرح هنا سؤالًا للجميع على المنصة: بالنظر إلى الواقع الذي نواجهه، ما الذي يمكننا فعله لتحويل هذا التحدي إلى فرصة؟ نحن لا نتحدث عن إغلاق الشركات لأنشطتها في الخارج، بل نسأل: ما هي الإجراءات أو الخطوات التي يمكن اتخاذها لدعم هذه الشركات وتحفيزها؟ كيف يمكننا استغلال هذا الوضع لصالح مصر وتحقيق أقصى استفادة منه؟

طارق يوسف : دعونا نميز بين جانبين مختلفين تمامًا. الجانب الأول يتعلق بالشركات التي تقوم بتأسيس كيانات قانونية خارج مصر فقط لنقل ملكية أصولها المحلية إلى الخارج، دون إضافة أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. مثل هذه الحالات قد تبدو شائعة، لكنها تفتقر إلى الأثر الإيجابي على الاقتصاد، حيث تظل العمليات الإنتاجية والإدارية داخل مصر، ولكن المالك النهائي يصبح خارج الحدود. على سبيل المثال، شركة تعمل في مصر لكنها تسجل ملكيتها في هولندا. هذا النوع من التحركات لا يسهم بأي شكل في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي أو زيادة فرص العمل.

أما الجانب الثاني، فهو النموذج الأكثر واقعية وفائدة، ويتمثل في الشركات التي تنطلق من مصر لتصبح لاعبًا دوليًّا، مثل أوراسكوم في قطاع الاتصالات، والتي أصبحت سفيرًا قويًّا للاستثمار المصري وجلبت استثمارات ضخمة إلى البلاد. مثال آخر هو شركة OCI التي حققت إنجازات مشابهة. هذه النماذج تحتاج إلى دعم وتوجيه لتكرار نجاحاتها وتوسيع نطاقها.

مع ذلك، علينا أن ندرك أن هناك تحديًا جديدًا اليوم يتمثل في ارتفاع تكاليف توسع الشركات المصرية إلى الأسواق الخارجية نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية. في الماضي، كان من الممكن لشركة ما أن تستثمر 200 مليون دولار بسهولة في الخارج، ولكن هذا الرقم اليوم يعادل نحو 10 مليارات جنيه مصري، مما يجعل الاستثمار الخارجي أكثر صعوبة. وبالتالي، تحتاج الشركات المحلية إلى فترة زمنية لاستيعاب تأثير هذه التغيرات، سواء من حيث زيادة الإيرادات أو تعزيز أصولها، قبل أن تكون قادرة على التوسع القوي خارج الحدود.

رغم هذه التحديات، يظل التوسع الخارجي خيارًا إستراتيجيًّا بالغ الأهمية، وأرى أنه يحدث الآن بشكل طبيعي مع سعي الجميع لتأمين مصادر دخل دولارية. على سبيل المثال، قطاع المقاولات يظهر بوادر إيجابية، حيث بدأت العديد من الشركات في التوسع خارج مصر. وأول من اتخذ هذه الخطوة كان عثمان أحمد عثمان مع شركته المقاولون العرب، التي تميزت بكونها الشركة الوحيدة في مصر التي تمتلك أكثر من 30 أو 40 فرعًا في إفريقيا والعالم العربي.

يمكننا أن نستفيد من التجربة التركية في هذا السياق، حيث تعتبر تركيا قطاع المقاولات قاطرة لنهضة اقتصادية شاملة. عندما تتولى شركة تركية مشروعًا كبيرًا، مثل مطار الكويت الذي نفذته شركة” ليماك التركية”، تحصل على دعم حكومي مشروط باستخدام نسبة محددة من المنتجات التركية في المشروع. على سبيل المثال، يمكن أن يصل الدعم إلى 4%، شريطة أن تكون 30%-40% من المواد المستخدمة تركية الصنع. هذا الحافز يدفع الشركات لتفضيل المنتجات المحلية على تلك المستوردة مثل السيراميك والإضاءة.

لدينا فرصة لاستخدام قطاع المقاولات كقاطرة اقتصادية تدعم مختلف الصناعات المرتبطة به، بشرط تقديم حوافز واضحة وصريحة. على سبيل المثال، يمكن أن نقدم دعمًا بنسبة 10% للشركات التي تحقق نسبة معينة من استخدام المنتجات المحلية في مشاريعها الدولية.

وفي سياق آخر، أود الإشارة إلى التكامل بين الجهود المختلفة. كما قال الاستاذ شريف سامي، عندما نتحدث عن الطروحات الحكومية، نجد أننا منذ عام 1993 نناقش هذا الموضوع، ولم ننفذ سوى القليل. ولكن يجب أن نعلم أن المصريين هم من بين أفضل خبراء الاستثمار المصرفي (Investment Banking) في المنطقة. الشركات المصرية مثل EFG Hermes وبلتون هي من الأسماء البارزة التي تقود هذا القطاع. لماذا لا نستفيد من هذه الكفاءات؟

بدلًا من التعقيدات الإدارية واللجان العليا، يمكن ببساطة منح هذه الشركات تفويضًا لإدارة الطروحات. على سبيل المثال، إذا أسندنا لكل شركة إدارة طرح 10 أو 15 شركة من بين الـ100 شركة المدرجة للطرح، يمكن إنجاز العملية بأفضل الشروط وفي وقت قياسي يترواح بين سنة إلى سنة ونصف، دون الحاجة إلى اللجان البيروقراطية والإجراءات المطولة.

ماجد شوقي: هل من تعليق إضافي من أعضاء الجلسة على هذا المنطق الذي تم طرحه؟

عمر الشنيطي: من منظورنا كشركة متخصصة في مجال الاستثمار، حيث يتواجد مقرنا الرئيسي في أبو ظبي في السوق العالمي، رغم أننا نعمل أيضًا في السوق المصرية، نلاحظ في السنوات الأخيرة اتجاهًا واضحًا نحو التركيز على السوق السعودي سواء في مجال الاستثمار أو في إدارة الأصول. وقد قمنا مؤخرًا بفتح فرع لنا في السعودية، وهو ما يثير السؤال حول إمكانية تحقيق تكامل بين الأسواق المختلفة. الإجابة المختصرة والواضحة على هذا السؤال هي نعم، بالطبع.

كما أشار المهندس طارق، هناك العديد من شركات الاستثمار المصرية التي تُعد من بين الأفضل في المنطقة، وعلى رأسها EFG Hermes التي تمثل مثالًا رائدًا في النجاح على مستوى المنطقة. نحن في Zela Capital، أيضًا حققنا بعض النجاحات الجيدة في مجالاتنا الخاصة. وفيما يتعلق بالتكامل، تكمن الفائدة الحقيقية في القدرة على تقديم خدمات متكاملة للمستثمرين. على سبيل المثال، عندما تتوجه لمستثمر في السوق السعودي، يمكنك أن تعرض عليه فرصًا في منتجات إدارة الأصول وتوسيع محفظته لتشمل أسواقًا مثل السوق الأمريكية أو المصرية. هذا التكامل بين الأسواق هو ما يمكننا تقديمه بفعالية، وهو ما يعزز فرص النجاح.

النقطة الثانية التي أود طرحها هي أنه لا يوجد حاليًا بلد لا تفرض ضرائب، الإمارات والسعودية يفرضان ضرائب، وهو ما يعني أن ميزة الإعفاء الضريبي الكامل لم تعد موجودة بنفس الدرجة. لكن هذا لا يعني أن هذه الدول أصبحت أقل جذبًا للاستثمار، بل إنها تظل توفر بيئة مرنة وسهلة للتعامل مع الشركات. إن سهولة التعامل مع الهيئات الرقابية هي من أبرز العوامل التي تحدد قرارنا بشأن اختيار السوق التي سنعمل فيها. تجربتنا مع الهيئة الرقابية في مصر كانت إيجابية للغاية، حيث تعمل الهيئة بشفافية وكفاءة. أما في الإمارات، فإن الإجراءات تتسم بالوضوح والسرعة، وفي السعودية، لم تضح الرؤية بعد ولكننا نراقب الوضع مع الهيئة عن كثب. هذه العوامل تسهم بشكل كبير في تسهيل اتخاذ القرارات الإستراتيجية الخاصة بالشركات.

أما في ما يتعلق بالشركات المصرية، فقد بدأنا نلاحظ تزايد الوعي بأهمية تنويع مصادر الدخل. فقد بات من الواضح أن الاعتماد الكامل على الجنيه المصري يمثل تحديًا في ظل التقلبات المستمرة في سوق العملة. وهذا يبرر التوجه نحو الحصول على دخل بالدولار، وهو أمر يُعد من الأولويات في العديد من الشركات. في إطار تعاملنا مع عملائنا، نلاحظ أن هناك تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام بتحقيق توازن بين العملة المحلية والدولار. وهذا التوجه يعكس حاجة الشركات المصرية إلى توسيع نطاق عملها في أسواق دولارية لتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات العملة المحلية.

وفي هذا السياق، فإن دعم السلطات المحلية لهذه التحولات من شأنه أن يعزز التكامل بين الشركات والإسهام في تيسير العمليات بين الأسواق المختلفة. على سبيل المثال، في مجال الاندماجات والاستحواذات، إذا كانت الإجراءات تتطلب وقتًا طويلًا ومعقدًا قد يصل إلى 6 أشهر، فإن الشركات قد تفضل تنفيذ هذه العمليات في الخارج حيث تكون الإجراءات أكثر سرعة ومرونة لأنها لا تستغرق سوى أسبوعين. في هذا السياق، يمكننا الاستفادة من التكامل بين الأسواق والإجراءات السريعة لخلق بيئة استثمارية أكثر جذبًا وفاعلية.

ماجد شوقي: معذرةً، قبل أن أوجه الحديث إلى الأستاذ مصطفى، لدي نقطة أود إضافتها وأؤيد فيها رأي الأستاذ عمر فيما يتعلق بالتجارب والتوجهات في السوق. نحن في شركة كاتليست، لدينا تجربة أيضًا في السعودية، وهي تجربة تكاملية، وليست بديلة. على العكس تمامًا، نحن اليوم، والحمد لله، لدينا عملاء في السعودية نتعامل معهم بشكل مباشر، ولكن من خلال المكتب المصري، وباستخدام شباب مصريين على أعلى مستوى من الذكاء والتعليم. هؤلاء الشباب، عندما يسافرون إلى السعودية، يشاركون في الاجتماعات مع العملاء ويتركون انطباعات إيجابية للغاية. هذه تجربة تثبت أن هناك إمكانيات كبيرة للعمل المصري في الأسواق الخارجية، وأننا قادرون على تقديم خدمات متميزة.

أعتقد أن ما ذكرته بخصوص العمليات والخطوات هو نقطة محورية جدًا. بالنسبة لنا، المسألة لا تتعلق بتكلفة فقط، بل بمدى سلاسة ومرونة الإجراءات. في السوق المصري، عندما نقرر دمج شركات أو الاستحواذ عليها، أو اتخاذ أي قرار يتعلق بالإجراءات المؤسسية (corporate actions)، فإن عملية التنفيذ تستغرق وقتًا طويلًا، مما يؤدي إلى تعقيد الأمور في بعض الأحيان. هذا الزمن الطويل قد يكون مضرًا في بيئة تتسم بالمتغيرات السريعة. على سبيل المثال، في الحالات التي نكون فيها قد اتفقنا على سعر ما أو سعر مبادلة، قد نفاجأ بأن سعر الصرف قد تغير بشكل كبير، ربما بنسبة 30% أو 40%، مما يغير تمامًا من نموذج العمل الخاص بالاندماج أو الاستحواذ. هذا يعكس تحديًا كبيرًا في إدارة العمليات المؤسسية في السوق المصرية.

تفضل أستاذ مصطفى.

مصطفى فوزي: سريعًا ،أود أن أشارك بتجربة حديثة كنت قد تعرضت لها منذ يومين، والتي تعكس بشكل كبير الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها رأس المال البشري في مصر. نحن في الاتحاد المصري لكرة السلة وانا عضو مجلس إدارة به، وفي إطار تنفيذ التحول الرقمي، قمنا بالتعاقد مع عدة شركات لتدعيم هذا المشروع. ومن المفاجآت التي صادفناها، كانت شركة يترأسها مجموعة من الشباب المصريين، أكبرهم لا يتجاوز عمره 28 عامًا.

مصطفى فوزي: تشجيع المصريين على التوسع الدولي يعزز مكانة مصر في الأسواق العالمية

وتعمل الشركة من السعودية، حيث يتولى هؤلاء الشباب إدارة 6 أندية سعودية في الدوري الممتاز، وهم المسؤولون عن كل ما يتعلق بإدارة صفحات التواصل الاجتماعي «social media” لهذه الأندية. الشركة، التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها، تضم 22 موظفًا مصريًّا، فقط اثنان منهم يقيمان في السعودية. ويمثل هذا النشاط مصدر دخل كبير لمصر من خلال الإيرادات المتدفقة من هذا المشروع، إلى جانب كونه يمثل قوة ناعمة للدولة المصرية في المنطقة.

أنا أرى أن هذا المثال يبرز قيمة رأس المال البشري المصري ويؤكد أن لدينا ثروة بشرية هائلة، وأنه من الضروري أن نواصل تشجيع المصريين على التوسع في الخارج، وتعزيز وجود الشركات المصرية في الأسواق العالمية. هذا النوع من التوسع يعكس قوة لنا ويعزز من حضورنا الدولي.

ماجد شوقي: حتى لو كانت البدايات تهدف إلى تحقيق مرونة أكبر أو حرية عمل أوسع، فإن هذه التجارب في النهاية تعود بالنفع على مصر. مثلًا، نأخذ تجربة أوراسكوم كمثال: عندما كانت تسعى للتوسع خارج مصر، لم تتمكن من تحقيق ذلك بشكل فعال من داخل المركز المصري، لكنها تمكنت من النجاح من خلال العمليات الدولية. وفي النهاية، كانت هذه التجربة مفيدة ليس فقط للمجموعة نفسها، بل أيضًا للسوق المصري وللاقتصاد المصري بشكل عام.

مصطفى فوزي: ولا يمكننا أن نتجاهل أيضًا تجربة السعودية والتغيرات الكبيرة التي تشهدها في اقتصادها. التوسع السعودي والتوجهات الاقتصادية الجديدة في المملكة تقدم فرصًا كبيرة. إن التوسع المصري في هذه السوق يُعد خطوة إيجابية لصالح الاقتصاد المصري. فإذا كان بإمكاننا تشجيع الشركات المصرية على التوسع في السعودية، فهذا سيكون بمثابة إضافة كبيرة لنا .

ماجد شوقي: تفضل بالحديث أستاذ شريف.

شريف سامي: طبعًا، أشعر وكأنني قد تم توجيه الحديث نحوي في اتجاهٍ ربما يبدو كما لو أنني أرفض فكرة توسع الشركات المصرية في الخارج، لكن على العكس تمامًا، نحن نرحب بهذا التوسع وانتشار الشركات المصرية في الأسواق الدولية. لكن ما أود التعليق عليه هو خلق كيانات موازية ليس لها أي علاقة ملكية بالشركات الأم. هذا يشبه شخصًا متزوجًا من اثنتين ولكنه لا يستطيع العدالة بينهما. وهذه نقطة يجب أخذها في الاعتبار عند مناقشة توسع الشركات المصرية بالخارج.

فيما يتعلق بالزخيرة من الأموال التي تظل تحت إدارة الدولة، هناك العديد من المؤسسات التي تملك أموالًا ضخمة لكنها لا تعتبر قطاعًا عامًا ولا تنافس في السوق بشكل مباشر. على سبيل المثال، هيئة تأمين صحي الشامل، وهيئة الأوقاف، وغيرها من الهيئات التي تحتفظ بمبالغ ضخمة، التي تقع على عاتقها مسؤولية تنويع استثماراتها. وهذا لا يعني أنها تتخارج من الملكية الخاصة (private equity)؛ فهذه المؤسسات قد تتبع أساليب استثمارية مبتكرة تهدف إلى تحقيق أهداف تنموية جنبًا إلى جنب مع أهداف الربح.

إحدى الأمثلة الجيدة في هذا السياق هي شركة البريد للاستثمار، التي تمثل نموذجًا للاستثمارات الموجهة نحو التنمية، بعيدًا عن الاستثمارات الربحية البحتة. أما الجهات الأخرى، مثل شركات التأمين، فهي بحاجة إلى تنشيط دورها الاستثماري، خاصة وأن الجزء الأكبر من استثماراتها لا يزال موجهًا نحو الأذون والسندات والسكوك. ومع ذلك، يبقى جزء غير صغير من تلك الأموال يحتاج إلى توجيهٍ استثماري أوسع وأشمل.

محمد الدماطي: فكرة خروج الشركات من مصر، بالطبع، تحمل طابعًا إيجابيًا بشكل عام، ولن نقول عكس ذلك، لكن علينا أن نفرق بين نوعين من الأنشطة: الاستثمارات المالية والصناعية. ففيما يتعلق بالاستثمار المالي، كما ذكرتم، نحن نتحدث عن نموذج «أصول خفيفة»، حيث تفتح الشركات مكاتب هناك، تستأجر مقرًا، وتنقل بعض الموظفين، ولكن عندما نتحدث عن الصناعة، فإن الموضوع يصبح مختلفًا تمامًا.

على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الصناعات الغذائية، هناك تحديات كبيرة تواجه الشركات في هذا القطاع. ففي حال كنت تمتلك 10 مليون دولار سنويًّا للاستثمار، وكان السوق المصري يتمتع بقوة شرائية كبيرة ومع تسارع النمو الاقتصادي، كان من الممكن أن يتم استيعاب هذه الاستثمارات بالكامل، مما يجعلنا غير قادرين على التفكير في التوسع خارج الحدود المصرية. لكن للأسف، في الوقت الحالي، بدأنا نفكر في التوجه نحو الأسواق الأخرى. هذا التوجه سببه أن القوة الشرائية في مصر بدأت تتأثر بسبب التضخم المرتفع، وبالتالي قد يشهد الطلب تباطؤًا مع مرور الوقت.

لذلك، نرى أنه من الضروري التمييز بين القطاعات المختلفة في هذا السياق، لأن كل قطاع له ظروفه الخاصة. ولكن في النهاية، من المهم التأكيد على أن خروج الشركات المصرية ليس أمرًا سلبيًا، بل هو جزء من عملية البحث عن الفرص، خاصة مع رغبة الشركات في تأمين مداخيل دولارية كما أشار أستاذ عمر. في النهاية، يتعين على الشركات التكيف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة والتوجه نحو الأسواق التي توفر لها الاستدامة والنمو.

ماجد شوقي: في الختام، إذا أردنا تلخيص ما تم مناقشته، يجب أن نؤكد على ضرورة إعادة دعم الصادرات كما كان في السابق، مع وضع خطة شاملة ومتكاملة للقطاع السياحي. يجب أن يبقى القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي للاقتصاد، مع السعي نحو ضمان منافسة عادلة بين الشركات، حتى وإن كان ذلك يتم تدريجيًّا.

كما أن تنفيذ الإجراءات الخاصة بصندوق النقد الدولي يجب أن يستمر بنجاح، إلى جانب الاستفادة من الشركات المصرية التي توسعت في الخارج، لتكون بمثابة سفراء لمصر في الأسواق العالمية.

قد يعتقد البعض أن هذه التوصيات قد تم طرحها من قبل، وربما أكثر من مرة. ولكن، ما العيب في أن نكررها؟ في النهاية، هذه بلادنا ويجب أن نبذل كل جهدنا من أجلها.

وأتمنى أن تكون الحكومة الحالية، التي تضم مجموعة من الأفراد المدركين لهذه القضايا منذ ما قبل انضمامهم للحكومة، قادرة على تنفيذ هذه الاستراتيجيات وتحقيق التقدم المنشود.

شكرًا لكم جميعًا، وأشكر جريدة حابي على تنظيم هذا المؤتمر. وبالتوفيق إن شاء الله.

الرابط المختصر