البنك المركزي: السياسة النقدية ستظل حذرة لضمان السيطرة على التضخم
السياسات التقييدية تثمر عن استقرار الأسعار وتحسن المؤشرات الاقتصادية
يارا الجنايني – أعلن البنك المركزي المصري في تقريره الصادر عن الربع الأول من عام 2025، عن تسجيل تطورات إيجابية على صعيد الاقتصاد الكلي، أبرزها الانخفاض الحاد في معدل التضخم، وتحسن النشاط الاقتصادي المحلي، واستقرار القطاع الخارجي، إلى جانب استمرار السياسات النقدية التقييدية لضمان السيطرة على الأسعار وترسيخ استقرار الاقتصاد.
وأوضح التقرير أن الاقتصاد العالمي، رغم إبدائه علامات استقرار خلال عام 2024، يواجه تحديات متزايدة في آفاق النمو خلال عامي 2025 و2026، نتيجة تصاعد السياسات الحمائية التجارية، واستمرار التوترات الجيوسياسية، وتفاقم الاختلالات العالمية.

وأشار إلى أن أسعار السلع الأساسية شهدت تطورات متباينة، حيث تميل أسعار النفط إلى التراجع مدفوعة بعوامل العرض والطلب، بينما واصلت أسعار المواد الغذائية العالمية ارتفاعها منذ فبراير 2024.
تراجع حاد في تضخم أسعار الغذاء إلى 6.6% يدفع بانخفاض التضخم الكلي
أبرز التقرير انخفاض المعدل السنوي للتضخم العام في مصر إلى 16.5% في الربع الأول من عام 2025، مقابل 25.4% في الربع الرابع من عام 2024 و33% في الربع الأول من نفس العام. ويُعزى هذا التراجع إلى انخفاض ملحوظ في معدل تضخم السلع الغذائية الذي هبط إلى 6.6%، بعد أن بلغ 45% في الربع السابق. كما شهد معدل تضخم السلع غير الغذائية تباطؤًا، مسجلًا 18.9% في مارس 2025 مقابل 25.7% قبل عام.
ويؤكد التقرير أن هذا الانخفاض يعكس التأثير التراكمي للسياسة النقدية التقييدية، وتراجع اضطرابات سلاسل التوريد، إلى جانب تأثير سنة الأساس. وفي هذا الإطار، شدد البنك المركزي على التزامه بسياسة نقدية ملائمة تهدف إلى تثبيت توقعات التضخم حول المستهدفات المعلنة، ودعم المسار النزولي له.
شهد الاقتصاد المحلي انتعاشًا في الربع الرابع من عام 2024 بعد فترة من التباطؤ بدأت في منتصف عام 2022. ويعود هذا التعافي إلى زيادة مساهمات صافي الصادرات والاستثمارات المحلية، إذ ساهم توحيد سعر الصرف في تعزيز تنافسية الصادرات المصرية. كما ارتفعت الاستثمارات الخاصة مقابل تراجع الاستثمارات العامة، في ظل توجه الدولة لدعم القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.
توقعات بنمو الناتج المحلي إلى 4.8% في 2025/2026 مع استمرار فجوة الناتج السالبة
وتشير المؤشرات الأولية للربع الأول من 2025 إلى نمو النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع، مدعومًا أيضًا بتوسع القروض الممنوحة للقطاع الخاص بالعملة المحلية. وانخفض معدل البطالة إلى 6.4% بنهاية عام 2024، مقارنة بـ6.9% قبل عام، نتيجة توفير فرص عمل استوعبت الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
معدل البطالة ينخفض إلى 6.4% في نهاية 2024 مع تحسن سوق العمل
أفاد التقرير بأن ميزان المدفوعات سجل فائضًا محدودًا في الربع الرابع من 2024، مدفوعًا بتراجع عجز الحساب الجاري نتيجة ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج وتحسن صافي دخل الاستثمار. وفي الوقت نفسه، حقق الحساب المالي فائضًا بدعم من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي غطت معظم عجز الحساب الجاري.
تحسن في صافي الأصول الأجنبية إلى 51.1 مليار دولار بفضل توحيد سعر الصرف وصفقة رأس الحكمة
سجل معدل نمو السيولة المحلية (M2) متوسطًا قدره 30.6% في الربع الأول من 2025، مقابل 19.5% في نفس الفترة من العام السابق، نتيجة لتوحيد سعر الصرف في مارس 2024 وتحسن صافي الأصول الأجنبية، الذي بلغ 51.1 مليار دولار في مارس 2025. وأسهمت صفقة “رأس الحكمة” الاستثمارية وعودة استثمارات الأجانب في أدوات الدين، إلى جانب دعم المؤسسات الدولية، في هذا التحسن.
نمو السيولة المحلية يتسارع إلى 30.6% في الربع الأول من 2025
واصل البنك المركزي المصري تبني سياسات نقدية تقييدية منذ رفع أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس في الربع الأول من 2024، ما ساهم في عودة أسعار الفائدة الحقيقية إلى المنطقة الإيجابية للمرة الأولى منذ الربع الأول من 2022. وبلغ إجمالي تشديد السياسة النقدية منذ مارس 2022 نحو 1900 نقطة أساس. وتظهر بيانات السوق المالية تأثرًا جزئيًا فقط بهذه الدورة التقييدية، إذ ارتفعت أسعار الإقراض وسعر الفائدة بين البنوك بدرجة أكبر مقارنة بباقي أسعار العائد.
ويتوقع البنك المركزي استمرار تراجع معدل التضخم العام خلال عامي 2025 و2026، ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في بداية عام 2025، بسبب تأثير إجراءات ضبط المالية العامة، وبطء تراجع تضخم السلع غير الغذائية. ومن المنتظر أن يقترب معدل التضخم من النطاق المستهدف للبنك بنهاية 2026.
كما تشير التوقعات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.3% في السنة المالية 2024/2025، و4.8% في 2025/2026، مقارنة بـ2.4% في السنة المالية السابقة، في ظل فجوة ناتج سلبية تُعد عاملاً مساندًا لتراجع التضخم.
وأكد البنك المركزي المصري أن لجنة السياسة النقدية ستواصل اتخاذ قراراتها بناءً على تقييم دقيق للتطورات المحلية والعالمية، وستكون مستعدة لتعديل توجهاتها وفقًا للمعطيات، بهدف تحقيق استقرار الأسعار والحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكلية في ظل المخاطر والتقلبات العالمية المستمرة.