د. محمود محيي الدين: إعادة هيكلة أنظمة التمويل والديون ضرورية لتحقيق المساواة في تمويل الطبيعة
مؤتمر COP30 فرصة لدفع التكامل بين جهود تمويل الطبيعة وتمويل المناخ مع المطالبة بتخفيف أعباء الدين
أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمية، على أهمية إصلاح أنظمة التمويل والديون العالمية لضمان تدفق الموارد المالية مباشرة إلى المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية والفئات القائمة على جهود الحفاظ على الطبيعة على أرض الواقع.
جاء ذلك خلال مشاركته في الجلسة العامة رفيعة المستوى للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) بعنوان “تعزيز العدالة وإعادة بلورة الحفاظ الشامل على الطبيعة”، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة الذي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

وقال محيي الدين إن هيكل التمويل الحالي يعد أحد أكبر العوائق أمام تحقيق الحفظ العادل والشامل للطبيعة، مشيرًا إلى فجوة التمويل السنوية للتنوع البيولوجي والتي تقدر بنحو 700 مليار دولار، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنتدى الاقتصاد العالمي.

وسلّط محيي الدين الضوء على آلية التمويل المبتكرة المتمثلة في مقايضة الديون بالطبيعة كأداة فعالة لمعالجة هذه الفجوة، مشيرًا إلى نجاحها في عدة دول مثل الإكوادور وجزر البهاما والسلفادور والجابون خلال السنوات الماضية، وشدد على أن هذه الآلية تقدم فائدة مزدوجة حيث تساهم في تخفيف العبء المالي عن الدول وتوجيه تمويل مستدام للحفاظ على الطبيعة.
وقدّم محيي الدين رؤية لإعادة هيكلة أنظمة التمويل لتحقيق المساواة، تتمركز حول سبعة مبادئ أساسية أولها التمويل المباشر، ويعني ضرورة توجيه الأموال مباشرة إلى الصناديق المجتمعية وأجهزة الحكم المحلي، وتخطي الوسطاء التقليديين الذين يزيدون التكاليف الإدارية ويقللون الشفافية، وثانيها تضمين مبدأ المساواة في هيكلة نظام التمويل، بمعنى وجوب أن تتضمن أدوات التمويل، مثل مقايضات الديون، شروطًا تتعلق بتقاسم المنافع، مع مراعاة الاحتياجات والتحديات على المستويات المحلية.
وأضاف أن المبدأ الثالث يتعلق بضرورة تقليل المخاطر، حيث دعا البنوك متعددة الأطراف والمؤسسات العالمية إلى تقديم ضمانات ائتمانية لتشجيع تدفق رأس المال الخاص نحو المشاريع المجتمعية، أما المبدأ الرابع فهو إلغاء وإعادة هيكلة الديون، حيث أكد أن المساواة الحقيقية تتطلب إلغاء أو إعادة هيكلة الديون بشكل أوسع، وليس مجرد مقايضتها، خاصة في البلدان منخفضة الدخل.
والمبدأ الخامس، بحسب محيي الدين، فهو احترام التعددية القيمية، حيث يجب أن تحترم الأنظمة المالية القيم الثقافية والحيازة العرفية وأنظمة الحكم المحلية، والمبدأ السادس هو الأدوات المجمعة واللامركزية، حيث اقترح إنشاء صناديق عالمية أو إقليمية مجمعة مخصصة للتمويل المجتمعي المباشر، أما المبدأ السابع فهو الشفافية والتعلم التكيفي، ويعني ضرورة وجود آليات رصد وتقييم تشاركية يشارك فيها المجتمع المحلي، ونشر البيانات بشكل شفاف.
واختتم محيي الدين كلمته في هذه الجلسة بدعوة واضحة للعمل، طالب فيها المانحين وبنوك التنمية بتخصيص حصة ثابتة من تمويل الحفاظ على الطبيعة كتمويل مباشر للمجتمعات المحلية، مع تبني متطلبات امتثال أكثر مرونة، وطالب مصممي هياكل التمويل بدمج شروط المساواة في أدوات التمويل ومقايضات الديون منذ البداية، كما دعا صناع السياسات إلى دعم أدوات تقليل المخاطر والسعي الجاد نحو إلغاء الديون وإعادة هيكلتها. كما أشاد بمبادرة الغابات الاستوائية Tropical Forests Finance Facility لحرصها على تعبئة التمويل لدعم حلول قائمة على الطبيعة تعزز العدالة والمساواة من خلال تمكين الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية من الحصول على الموارد المالية التي تضمن مشاركتهم الفعالة فى حماية الغابات وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي مشاركته في جلسة بعنوان “وعد الطبيعة للمناخ والبشر: نداء والتزام من مجتمع الحفاظ على البيئة في مؤتمر بيليم وما بعده”، شدد الدكتور محمود محيي الدين على الحاجة إلى إطار تمويل دولي جديد يعالج بشكل متكامل أزمات المناخ والطبيعة والديون.
وقال محيي الدين إن مستقبل العمل الدولي متعدد الأطراف لما بعد ٢٠٣٠ سيتحدد من خلال قدرة المجتمع الدولي على تمويل الرؤية المشتركة، مشيرًا إلى أن أقل من ١٠٪ من تمويل المناخ يصل إلى الحلول القائمة على الطبيعة، وأقل من ذلك يصل إلى المجتمعات المحلية والأصلية التي تحمي معظم التنوع البيولوجي في العالم.
وأوضح محيي الدين ثلاث ركائز لإحداث التحول في نظم التمويل، أولها التحالفات المالية المتكاملة، حيث دعا إلى إنشاء تحالفات تدمج وتوائم التمويل مع التأثير تتشكل من الحكومات والبنوك متعددة الأطراف والقطاع الخاص في إطار استثماري موحد للمناخ والطبيعة، وثانيها هو اعتماد آليات تمويل مبتكرة، حيث شدد على ضرورة الانتقال من المساعدة القائمة على المشروعات إلى نماذج الاستثمار المشترك القائمة على المنصات التي تحدد أولويات الاستثمار، كما دعا إلى تبني مقايضات الديون بالطبيعة وإنشاء أسواق رأس المال الطبيعي، أما الركيزة الثالثة فهي إصلاح النظام المالي العالمي، وتعني إصلاح المؤسسات المالية العالمية لضمان تمثيل عادل للدول النامية، وأن تشارك هذه الدول في تصميم الحلول المالية العالمية، وليس فقط متلقية أو منفذة لها.
وشدد محيي الدين على ضرورة أن يمثل مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) في بيليم لحظة الربط بين النقاشات العالمية المنفصلة حول الديون وتمويل المناخ وتمويل الطبيعة، مقترحًا وضع إطار متماسك لتخفيف الديون لصالح العمل المناخي، ودمج معايير المناخ والطبيعة في إعادة هيكلة الديون، وخلق دور استباقي لبنوك التنمية في توفير التمويل الميسر.
واختتم محيي الدين كلمته بالقول إنه ينبغي لمؤتمر الأطراف (COP30) أن يتجاوز مرحلة التعهدات إلى إنشاء ميثاق مالي جديد يمكن البلدان النامية من الاستثمار في القدرة على الصمود وحماية التنوع البيولوجي دون زيادة أعباء ديونها.










