الاستثمارات الصينية تتدفق على إفريقيا

استثمارات بكين تفوقت على نظيرتها الأمريكية منذ 2013

سمر السيد _ احتلت مصر المرتبة الـ 14 في قائمة تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة في قارة إفريقيا خلال الفترة ما بين عامي 2003 وحتى 2022، وبلغت نحو 565.232 مليون دولار، بينما كانت جنوب إفريقيا في المرتبة الأولى بقيمة 3.880 مليار دولار، وفقًا لتقرير أصدره البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير «أفريكسيم بنك» مؤخرًا تحت عنوان «القضايا المعاصرة في التجارة الإفريقية وتمويل التجارة».

مصر تحتل المركز 14 في قائمة تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة في قارة إفريقيا منذ 2003 وحتى 2022

E-Bank

وبحسب الورقة البحثية التي أعدتها خديجة إدريسو، ونُشرت في تقرير البنك، بعنوان «هل يُعدّ الاستثمار المباشر الصيني وجودة المؤسسات أمرًا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية في إفريقيا؟»، واستندت إلى بيانات مبادرة الأبحاث الصينية الإفريقية، جاءت الكونغو الديمقراطية في المرتبة الثانية في القائمة باستثمارات صينية مباشرة قدرها 1.952 مليار دولار، تليها زامبيا بقيمة 1.683 مليار دولار في المرتبة الثالثة، ثم نيجيريا في المرتبة الرابعة في القائمة بتدفقات استثمارية صينية قدرها 1.58 مليار دولار.

فيما جاءت الجزائر في المركز الخامس بتدفقات استثمارات صينية مباشرة قدرها 1.255 مليار دولار، ثم أنجولا التي سجلت الاستثمارات بها 1.146 مليار دولار، ثم إثيوبيا بقيمة 1.120 مليار دولار.

وفي المرتبة الثامنة جاءت زيمبابوي باستثمارات صينية مباشرة قدرها 960.78 مليون دولار، ثم كينيا في الترتيب التاسع بقيمة 807.845 مليون دولار، ثم السودان -عاشرًا من حيث ترتيب التدفقات الاستثمارية المباشرة- بقيمة 789.08 مليون دولار، ثم غانا بقيمة 767.746 مليون دولار.

تابعنا على | Linkedin | instagram

يأتي ذلك فيما احتلت تنزانيا الترتيب الثاني عشر في القائمة بقيمة 724.175 مليون دولار، ثم موريشيوس بقيمة 634.776 مليون دولار ثم مصر في المركز الرابع عشر من حيث ترتيب التدفقات الاستثمارية الصينية المباشرة الواردة للقارة السمراء بقيمة 565.232 مليون دولار.

ومن المقرر أن يزور وفد صيني رفيع المستوى برئاسة نائب وزير التجارة ونائب الممثل الصيني لمفاوضات التجارة الدولية لينج جي، مصر اليوم الأحد، وسيترأس خلالها الدورة الأولى مع وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري حسن الخطيب، حسبما صرح المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة الصين بالقاهرة جاو ليو تشينج، مؤخرًا لوكالة أنباء الشرق الأوسط.

2860 شركة صينية تعمل بمصر في مجالات مختلفة باستثمارات 9 مليارات دولار

وأشار المسؤول الصيني في تصريحاته إلى أن حجم استثمارات بكين بالسوق المحلية يزداد بخطوات ثابتة، لافتًا إلى أن أكثر من 2860 شركة صينية تعمل بمصر في مجالات مختلفة باستثمارات تبلغ 9 مليارات دولار.

وتناولت الورقة البحثية التى نُشرت ضمن تقرير صادر عن البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير مؤخرا، تاريخ العلاقات التجارية بين الصين وإفريقيا.

وأوضح أن تجارة الصين مع إفريقيا نمت بشكل ملحوظ بعد عام 1978، رغم أن إفريقيا في هذه الفترة كانت شريكًا تجاريًّا صغيرًا نسبيًّا مقارنة بالمناطق الأخرى، لكن في القرن الحادي والعشرين، شهدت استثمارات الصين في إفريقيا نموًّا وطفرةً هائلة، مما جعل القارة السمراء ثالث أكبر وجهة استثمارية للصين، موفرًة العديد من فرص الأعمال الواعدة.

وأشار إلى أنه منذ عام 2000، أسهم نفوذ الصين في قطاعات الهيدروكربونات، والمعادن، والتعليم، والاتصالات، والتصنيع في دفع عجلة التنمية في إفريقيا بشكل ملحوظ.

وقارنت الورقة البحثية التي تضمنها تقرير أفريكسيم بنك بشكل أساسي بين الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد من كل من الصين والولايات المتحدة في القارة السمراء، اللذين يعدان أكبر مصادر الاستثمار بالمنطقة، مع التركيز أيضًا على استثمارات دول مثل فرنسا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة.

وبحسب الورقة البحثية، في الفترة ما بين عامي 2014 إلى 2018، كانت الصين، والولايات المتحدة، وفرنسا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة المصادر الرئيسة للاستثمار بالقارة السمراء.

وأضافت أنه في حين انخفض الاستثمار الأمريكي في إفريقيا من 2.6 مليار دولار أمريكي عام 2012 إلى 1.5 مليار دولار أمريكي عام 2013، ارتفعت الاستثمارات الصينية من 2.52 مليار دولار إلى 3.37 مليار دولار في فترة المقارنة السابق ذكرها.

الصين تعهدت باستثمارات مباشرة خاصة بالقارة بنحو 10 مليارات دولار من 2022 إلى 2025

وتابعت أنه منذ عام 2013، استمرت الاستثمارات الصينية المباشرة بإفريقيا في التفوق على نظيرتها الأمريكية، مضيفًة أنه في منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2021، تعهدت الصين باستثمارات أجنبية مباشرة خاصة في القارة بقيمة 10 مليارات دولار خلال الفترة ما بين عامي 2022 إلى 2025.

وذكرت الورقة البحثية أن جميع الدول الإفريقية تقريبًا قد تلقت استثمارات صينية، حيث حصلت جنوب إفريقيا على أعلى مبلغ بقيمة 3.880 مليار دولار، بينما حصلت ساو تومي وبرينسيبي على أقل مبلغ بقيمة 0.3445 مليون دولار.

الحد من التفاوت وتخفيف حدة الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي والاستثمار المحلي.. أبرز الأهداف المعلنة

وعرضت الورقة البحثية العديد من الفوائد التي حققتها تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة في القارة الإفريقية، ومنها الحد من التفاوت أو عدم العدالة، وتخفيف حدة الفقر، وتعزيز نمو الدخل أو النمو الاقتصادي، وزيادة الاستثمار المحلي.

وأضافت أن تأثير الاستثمار الصيني المباشر في التنمية الاقتصادية بإفريقيا يتضح عند مقارنة هذا الاستثمار بقيم 52 دولة إفريقية في مؤشر التنمية البشرية، والذي يُعدّ مؤشرًا للتنمية الاقتصادية.

أوضحت أنه يُمكن للاستثمار المباشر الصيني أن يعزز التنمية الاقتصادية من خلال التوظيف، مشيرًة إلى أنه ما بين عامي 2005 و2016، موّلت الصين 293 مشروعًا في إفريقيا، مما أدى إلى خلق أكثر من 130 ألف فرصة عمل.

وفي عام 2016 وحده، كان الاستثمار المباشر الصيني مسؤولاً عن خلق 38.417 وظيفة في إفريقيا، متجاوزًا بذلك ما خلقته الولايات المتحدة من وظائف في إفريقيا، والذي بلغ 11.430 وظيفة في ذلك العام.

أيضًا، على سبيل المثال، في عام 2006، استثمرت مجموعة يويمي الصينية Yuemei 1.2 مليون دولار في شركة فرعية للتصنيع، و50 مليون دولار أمريكي في مجمع نسيجي، مما أدى إلى خلق ألف وظيفة محلية في نيجيريا.

كما نفذت الشركات الصينية مشروعات بنية تحتية كبرى في تنزانيا، مما أدى إلى خلق نحو 150 ألف فرصة عمل.

علاوةً على ذلك، أسهم الاستثمار المباشر الصيني في تنمية موارد عدد من الدول الإفريقية، فمثلًا استفادت أنجولا وغانا وغينيا ونيجيريا من تنمية مواردها التي دعمتها تدفقات الاستثمارات الصينية.

كما أسهمت الاستثمارات الصينية أيضًا في تنمية البنية التحتية الإفريقية بشكل كبير؛ ففي كينيا، انتهت شركة الطرق والجسور الصينية “CRBC” من تنفيذ خط السكة الحديد بين نيروبي ومومباسا، وفي إثيوبيا، بنت بكين خط سكة حديد أديس أبابا- جيبوتي، مما عزز التجارة الإقليمية.

وفي نيجيريا، حدثت الصناديق الصينية خط سكة حديد لاجوس-كانو لتحسين النقل، وقد عزز الاستثمار الصيني في محطة مطار لواندا الدولي وشبكات الطرق، السفر والبنية التحتية في أنجولا.

وفي جنوب إفريقيا، دعمت الصين مشروع جوترين Gautrain، الذي يربط جوهانسبرغ وبريتوريا ومطار أو آر تامبو الدولي، مما ساهم في تحسين النقل العام، والتكامل الاقتصادي.

فخ الديون والتبعية وتضرر الصناعات المحلية والتعرض للصدمات الخارجية.. أبرز المخاوف

على الجانب الآخر ترى الورقة البحثية، أن هناك عدد من المخاوف من الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا؛ وأبرزها مخاوف فخ الديون، مشيرًة إلى أنه عندما تؤدي القروض الصينية المخصصة للبنية التحتية إلى ديون غير مستدامة، فإنها تخلق اعتماداً مالياً وتمنح الصين نفوذاً، مما قد يعرض الاستقرار الاقتصادي وسيادة البلدان المتلقية للخطر.

وتضيف أن بعض شركاء التنمية مثل صندوق النقد الدولي، حذر الدول الإفريقية من القروض الصينية، ولفتت إلى أن البعض يعتقد أن تدفقات الاستثمارات الصينية مدفوعة بمصالح إستراتيجية وليست اقتصادية بحتة.

تشمل هذه المصالح الإستراتيجية تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية أو توسيع النفوذ الجيوسياسي للصين، حسبما أوضحت الورقة البحثية.

وتابعت أن هناك مخاوف من أن الاعتماد الكبير على الاستثمار الصيني قد يخلق تبعية اقتصادية؛ حيث تصبح الدول الإفريقية معتمدة بشكل كبير على الصين في التمويل والتجارة، مما يقلل من سيادتها الاقتصادية.

ومن المخاوف الرئيسة الأخرى التي تستعرضها الورقة البحثية، أن تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة إلى قارة إفريقيا تتجه إلى الانخفاض في أعقاب الأزمات العالمية، فعلى سبيل المثال، بعد الأزمة المالية لعام 2008، انخفض هذه الاستثمارات من 5.49 مليار دولار في عام 2008 إلى 1.44 مليار دولار في عام 2009 .

الحروب التجارية المستمرة بين واشنطن وبكين يمكن أن تُقوّض فوائد الاستثمارات الصينية بالقارة السمراء

وتابعت أنه يمكن للحروب التجارية المستمرة، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، أن تُقوّض فوائد الاستثمارات المباشرة الصينية في إفريقيا؛ حيث إن انخفاض فرص التصدير الصينية يُقلّل من إيرادات الشركات، مما يحدّ من قدرتها على تمويل المشروعات بالقارة السمراء، ويتسبب في تأخيرها أو إلغائها.

أيضًا قد تُحوّل السلع الصناعية الفائضة إلى إفريقيا بأسعار منخفضة، مما يُلحق الضرر بالصناعات المحلية ويُعمّق الاعتماد على الواردات، كما قد يدفع ضعف الأوضاع الاقتصادية بكين إلى تشديد الإقراض أو فرض شروط سداد أكثر صرامة على القروض المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر، مما يزيد من تعرّض إفريقيا للصدمات الاقتصادية الخارجية.

ورغم هذه المخاوف، تذكر بعض الدراسات أن المؤسسات الإفريقية الجيدة يمكن أن تُخفف من حدة أية مشكلات متوقعة؛ فعلى سبيل المثال، خلصت دراسة –أشارت إليها الورقة البحثية- إلى أن تحسين المؤسسات يمكن أن يُقلل من حدة الفقر في القارة السمراء بشكل أكبر.

بينما رأت دراسة أخرى أن المؤسسات القوية يمكن أن تساعد الاستثمارات الصينية على الحد من عدم المساواة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وهناك من يرى أن تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة يمكن أن تُعزز معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير في إفريقيا، وذلك عندما تشكل المؤسسات القوية في الدول الإفريقية مفاوضات العقود الثنائية بين الطرفين، الأمر الذي سيؤدي إلى شروط إقراض مواتية وسداد أسهل لهذه البلدان، حسبما أفادت الورقة البحثية المنشورة بتقرير أفريكسيم.

بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لهذه المؤسسات إنشاء أطر لتوجيه الشركات الصينية، وتحسين بيئة عملها، مما يساعد عملياتها ويٌقلل خسائرها المحتملة خلال فترة ظهور أية تحديات عالمية.

وتؤكد الورقة البحثية أن المؤسسات الاقتصادية المحلية ذات الإدارة الجيدة تضمن توزيع فوائد الاستثمار الأجنبي المباشر على نطاق واسع، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

وضربت مثالًا في هذا الإطار بأن منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين زامبيا والصين -التابعة لإشراف وكالة تنمية زامبيا- أسهمت في توفير أكثر من 6000 فرصة عمل بالبلاد، ومكّنت من نقل التكنولوجيا، وجذبت نحو 9 مليارات دولار أمريكي من الاستثمارات.

في حين، على العكس من ذلك، قد يؤدي ضعف المؤسسات إلى سوء استخدام الموارد، وعدم المساواة في توزيع المنافع، مما قد يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية، وفقًا للتقرير، الذي أكد أنه يُمكن للمؤسسات القانونية القوية توفير آليات لحل النزاعات، وإنفاذ العقود، وحماية حقوق الملكية، مما يعزز عمل البيئة مواتية للاستثمار.

وأضافت أنه في البلدان التي تكون فيها المؤسسات القانونية ضعيفة أو معرضة للفساد، يُمكن أن تزداد المخاطر المرتبطة بالاستثمارات المباشرة مثل نزاعات العقود أو نزع الملكية أو التحديات القانونية، مما قد يردع الاستثمارات المستقبلية ويقوض الاستقرار الاقتصادي، وفقًا لبعض الدراسات التي أشارت إليها الورقة البحثية.

وأكدت على الدور الفعال الذي أسهم فيه إنشاء مركز التحكيم المشترك بين الصين وإفريقيا (CAJAC) على صعيد جذب الاستثمارات الصينية المباشرة.

في المقابل، ترى الورقة البحثية أن الاستثمارات الصينية في قطاعات كالبنية التحتية والتعدين قد تؤدي إلى نزوح المجتمعات المحلية، وتغييرات في الديناميكيات الاجتماعية، وتحولات في أسواق العمل، لكن يُمكن للمؤسسات الاجتماعية القوية أن تُسهم في إدارة هذه التحولات من خلال ضمان مشاركة المجتمع، وحماية حقوق الفئات المتضررة، وتعزيز الوساطة بين الأطراف المتنازعة للتوصل إلى اتفاق أو مصالحة.

بالإضافة إلى ذلك، لفتت دراسات إلى الدور الذي تلعبه المؤسسات الاجتماعية المحلية في تشكيل التصورات العامة للاستثمارات الصينية وقبولها، مما قد يؤثر في استدامة هذه الاستثمارات على المدى الطويل.

وحسبما أفادت الورقة البحثية، لا تعمل مؤسسات الدولة المضيفة للاستثمارات الصينية على تقليل مخاطر هذه الاستثمارات فحسب، بل يمكنها أيضًا تعزيز التنمية الاقتصادية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأخرى بشكل مباشر، مؤكدًة أنه بناءً على دراسة منشورة سابقًا، فإن وجود مثل هذه المؤسسات يعزز التخصيص الفعال للموارد، مما يساعد بدوره على تقليل عدم المساواة – وهو عامل أساسي في التنمية الاقتصادية.

الرابط المختصر