قراءة هادئة فى أسباب تراجع البورصة
من انخفاض ربحية الشركات وارتفاع أسعار الفائدة والجنيه إلى غياب القوى الشرائية
حابي
فرض التراجع المتتالي لمؤشرات البورصة المصرية ووصول أحجام التداول لمستويات متدنية، ضرورة الوقوف على ماهية الأسباب التي أدت لهذا الانخفاض، خاصة مع استمرارها على الرغم من الانفراجة النسبية في ملف ضرائب البورصة الذي تصدر مناقشات اجتماع رئيس الوزراء ووزيري المالية وقطاع الأعمال العام بعدد من قيادات سوق المال منتصف الأسبوع الماضي.
وحدد عدد من قيادات أكبر بنوك الاستثمار ومديري الأصول عدة محاور أكدوا أنها ساهمت في تراجع البورصة خلال الفترة الأخيرة، وأن نصيب أزمة ضريبة الدمغة محدود للغاية في مقابل محاور أخرى.
جاء في مقدمتها ارتفاع أسعار الفائدة، والتراجع الكبير في ربحية شريحة كبيرة من الشركات في نتائج أعمال الربع الأول من العام الجاري، وارتفاع سعر الجنيه، علاوة على التراجع العنيف في حجم السيولة المتداولة نتيجة افتقاد السوق لطرح منتجات جديدة على مستوى الأسهم أو الأدوات المالية.
وتوقعوا استمرار التحركات العرضية المستقرة خلال الأسبوع الجاري، ورجح بعضهم أن تميل تحركات المؤشر الرئيسي للصعود.
في هذا السياق، قال محمد ماهر، الرئيس التنفيذي لشركة برايم القابضة للاستثمارات المالية، ورئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية “إكما”، أن هناك ثلاثة أسباب لتراجع البورصة المصرية خلال الفترة الأخيرة، في مقدمتها تأثر سيكولوجية المتعاملين بالسوق سلبيًّا نتيجة لمخاوفهم المتعلقة بمصير ضريبة الدمغة على التعاملات بالبورصة.
استمرار الفائدة عند مستويات مرتفعة رغم تراجع التضخم تسبب في سحب سيولة كبيرة من السوق
وأوضح ماهر أن استمرار أسعار الفائدة في مستويات مرتفعة ساهم أيضًا بصورة كبيرة في سيكولوجية المتعاملين بالبورصة المصرية سواء المحليين أو الأجانب، وهو ما أدى إلى سحب جزء كبير من السيولة المتداولة سعيًا وراء الفائدة المرتفعة.
وأشار ماهر إلى أن التراجعات التي شهدتها البورصات العربية والعالمية خلال الفترة الأخيرة جراء تصاعد حدة الحرب التجارية بين كل من أمريكا والصين وإيران انعكس بالفعل على تعاملات البورصة المصرية خلال جلسات التداول الأخيرة.
سيكولوجية المتعاملين تأثرت بمصير ضريبة الدمغة.. ومقترح إكما طلب بتحصيل ضرائب البورصة عبر مصر للمقاصة وضمنها “ضريبة التوزيعات”
وأضاف رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية” إكما” أن سيكولوجية المتعاملين تأثرت بعنف خلال الفترة الأخيرة نتيجة تزامن عدة عناصر سلبية، وهو ما أدى إلى استمرار الحالة السلبية بنفس حدتها على الرغم من الانفراجة النسبية التي شهدها ملف ضريبة الدمغة على التعاملات بعد اجتماع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووزيري المالية وقطاع الأعمال العام مع مجموعة من قيادات سوق المال لبحث سبل تطويرها ومناقشة عدد من الملفات الحيوية.
وقال: “هناك أصوات تنادي بإلغاء كل الضرائب المفروضة على البورصة المصرية، ونحن بالفعل بحاجة لإلغائها ولكننا مدركون صعوبة تحقق ذلك في الوقت الحالي على الأقل، وأرى أن الاجتماع كان مثمرًا، ومتفائل بدراسة المقترح المقدم من إكما، والذي يقضي بأن يكون الحد الأقصى لضريبة الدمغة على التعاملات هو 10% من ربحية المستثمر من إجمالي المحفظة والتسوية بنهاية العام عن طريق شركة مصر للمقاصة”.
وتابع: “أتمنى تطبيق المقترح، وأرى أنه سيساهم بصورة كبيرة في تنشيط تعاملات المستثمرين بالبورصة وارتفاع أحجام التداول لمستويات أفضل من الحالية، خاصة وأن ضريبة الدمغة تطبق على أي تعاملات سواء كانت رابحة أو خاسرة، ولذلك أتوقع تحسن أوضاع السوق بالتزامن مع المناقشات الخاصة بحسم أمرها”.
وأضاف ماهر أن المقترح راعى أيضًا مخاوف المتعاملين بالبورصة من إجراءات فتح ملف ضريبي، وقال: “هذا ما دفعنا لاقتراح إتمام جميع عمليات التحصيل والتسوية الضريبية للمتعاملين بالبورصة عن طريق شركة مصر للمقاصة، بما فيها ضريبة التوزيعات لضمان رفع كفاءة تحصيلها”.
وتابع: “أما أسعار الفائدة فارتفاعها يمثل تحديًا كبيرًا أمام نشاط تعاملات البورصة المصرية خلال الفترة الأخيرة، خاصة وأن المتعاملين أصيبوا بإحباط بعد تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع الأخيرة للجنة السياسة النقدية، نتيجة توقعاتهم بخفضها على خلفية تراجع معدل التضخم، وأعتقد أننا بحاجة لخفضها 200 نقطة أساس”.
وأكد ماهر أن تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه خلال الفترة الأخيرة سيساهم بصورة كبيرة في خفض تكلفة عدد كبير من السلع بالسوق المحلية سواء المستوردة أو التي تعتمد بصورة كبيرة على مدخلات إنتاج مستوردة من الخارج، وبالتالي قد تدعم قوة الجنية الاتجاه لخفض أسعار الفائدة.
وتوقع ماهر استمرار حالة التذبذب وتحرك المؤشر الرئيسي بصورة عرضية خلال الأسبوع الجاري، مع استمرار أحجام التداول عند مستوياتها الحالية.
ومن جانبه قال أحمد أبوالسعد، رئيس شركة رسملة مصر لإدارة الأصول، وعضو مجلس إدارة البورصة المصرية، إن أزمة البورصة تتركز في عدم اهتمام الحكومة بسوق المال بالشكل الكافي والمناسب لحجم مساهمته في تنشيط بيئة الاستثمار بالسوق المحلية.
الاهتمام الحكومي بسوق المال ليس بالقدر المناسب لدوره ومساهمته في تنشيط بيئة الاستثمار
وتابع أبو السعد: “تلعب البورصة وسوق المال بوجه عام دورًا محوريًّا في تنشيط حركة الاستثمار وتيسير حركة أموال المستثمرين بكل اقتصادات العالم رغم تنوع سياستها، ولا بدَّ أن تعكس تحركات الحكومة اهتمامها بالبورصة المصرية لأن ذلك سيساهم في زيادة حجم الاستثمارات الخارجية سواء الأجنبية أو العربية”.
وأكد أبوالسعد أن البورصة مرآة نجاح السياسات الاقتصادية للحكومات وليست مرآة للاقتصاد، وأن ذلك يتطلب زيادة الاهتمام الحكومي بسوق المال، خاصة أن الرؤية ما زالت غير واضحة بصورة كافية رغم تحسن معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي.
ورأى أبوالسعد أن اجتماع رئيس الوزراء بقيادات من سوق المال أمر إيجابي ولكنه ليس كافيًا، وألقى الضوء على أهمية عقد اجتماعات أخرى مع بنوك الاستثمار ومديري الأصول الذين يتعاملون بصورة أكبر مع المستثمرين الأجانب بما سيساعد في تكوين الحكومة صورة كاملة لاحتياجات سوق المال الذي يعد أحد أهم آليات تنشيط الاقتصاد المحلي.
وأضاف رئيس شركة رسملة مصر لإدارة الأصول أن غياب الشركات الجديدة عن الدفعة الأولى من برنامج طروحات الشركات الحكومية بالبورصة أثر على جاذبية البرنامج لدى شريحة كبيرة من المتعاملين خاصة المؤسسات.
تراجع ربحية الشركات خلال الربع الأول جاء أكبر من التوقعات وأثر سلبًا على أداء الأسهم
وتابع: “تدهور نتائج أعمال معظم الشركات المتداولة خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى جانب تأثر الميزانيات الختامية لعدد منهم خلال العام الماضي، انعكس بالسلب على تعاملات المستثمرين بالبورصة، نظرًا لتدهور نتائج الأعمال بصورة أكبر من التوقعات”.
ومن جهته أوضح عمرو الألفي مدير إدارة البحوث بشركة شعاع كابيتال، أن المؤشر الرئيسي للبورصة EGX30 صعد حوالي 4.8% منذ بداية العام وحتى إغلاق يوم الخميس الماضي، وذلك على الرغم من التراجعات التي شهدتها أسعار الغالبية العظمى من الأسهم المتداولة خلال نفس الفترة، نتيجة لصعود أو تماسك عدد من الأسهم القيادية والتي يغلب أداؤها على تحركات المؤشر الرئيسي نتيجة لارتفاع أوزانها النسبية به.
المؤشر الرئيسي صعد 4.8% منذ بداية العام بفضل صعود «القابضة الكويتية» و«CIB» و«طلعت مصطفى» و«هيرميس»
وقال: “مؤشر الشركات الصغيرة والمتوسطة EGX70 سجل انخفاضًا منذ بداية العام بلغ 12.2%، إضافة إلى تراجع معظم الأسعار السوقية للأسهم المتداولة بالسوق بوجه عام انخفضت بشكل كبير جدًّا، ولكن صعود عدد محدود من الأسهم ساعد المؤشر الرئيسي على التماسك، وفي مقدمتها الشركة القابضة الكويتية المصرية التي صعد سهمها حوالي 30% منذ بداية العام ليغلق بجلسة الخميس الماضي عند 1.39 دولار بدلًا من 1.074 بنهاية ديسمبر الماضي”.
وتابع: “سهم البنك التجاري الدولي سجل أيضًا صعود نسبته 19% منذ بداية العام ليغلق يوم الخميس الماضي عند 70.77 جنيهًا بدلًا من 59.26 جنيهًا نهاية العام الماضي، إضافة إلى ارتفاع سهمي طلعت مصطفى والمجموعة المالية هيرميس خلال نفس الفترة بنسبة 7% و4% على التوالي، فيما تماسك سهم الشرقية للدخان وسجل انخفاضًا نسبته 1.5% منذ بداية العام”.
وأضاف الألفي أن المؤشر الرئيسي ما زال يعبر عن الأسهم القيادية ولا يعكس صورة شاملة لأداء السوق، وقال: “المؤشر سجل ارتفاعًا 4.8% بالجنيه منذ بداية العام، أما إذا تم حسابه على أساس سعر الدولار والذي يهم المستثمر الأجنبي سنجد أنه صعد حوالي 10% نتيجة فرق العملة”.
ارتفاع الجنيه ساهم في انخفاض السوق.. وسيؤدي لتراجع الإيرادات المتوقعة للشركات التي تعتمد منتجاتها على سعر الدولار
وتابع: “كما أن تراجع الدولار واستعادة الجنيه لجزء من قوته سيعوض جزءًا من خسائر مؤشر أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي سجلها منذ بداية العام بحوالي 5% لتصل لحوالي 7.2% بالدولار بدلًا من 12.2% بالجنيه، وأتوقع أن يساهم ارتفاع سعر الجنيه في زيادة تعاملات الأجانب خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن مصر ثالث أرخص سوق بالمنطقة بعد كل من عمان ودبي”.
وأشار الألفي إلى أن مضاعفات الربحية المتوقعة للشركات تداولت عند 9.4 مرة حتى جلسة الخميس الماضي، فيما يدور المتوسط التاريخي لمضاعف الربحية المتوقعة ما بين 11-11.5 مرة.
وأضاف: “إذا نظرنا للعائد على التوزيعات شركات المؤشر الرئيسي EGX30 مقارنة بأسعار الأسهم سنجد أنها الأدق في التعبير عن الموقف الاستثماري لحامل السهم، فلا بدَّ من حساب الربح والخسارة على أساس التوزيعات التي حصل عليها المستثمر إلى جانب الفارق في السعر السوقي، بدلًا من اقتصار التقييم على فارق السعر السوقي فقط، ولذلك نطالب بمؤشر العائد الكلي”.
وتابع: “السوق تعاني من انخفاض حاد في السيولة حيث وصل متوسط التداولات اليومية خلال الأسبوع الماضي لحوالي 400 مليون جنيه بعد أن تداولت عند مستوى 500 مليون جنيه خلال الأسبوع السابق له، وأرى أن تراجع أحجام التداول لعب دورًا كبيرًا في تراجع المؤشرات خلال الفترة الأخيرة، فتراجع المؤشرات لم يكن نتيجة لانخفاض القيم السوقية لأسعار الأسهم فقط”.
ورأى الألفي أن البورصة تراجعت لعدة أسباب مالية ومنها نتائج الأعمال المتراجعة لشريحة كبيرة من الشركات بغض النظر عن أزمة ضريبة الدمغة التي تصاعد الحديث عنها مؤخرًا، وقال: “المخاوف التي ظهرت كانت من زيادة ضريبة الدمغة ومنذ إعلان الحكومة عن تثبيتها أرى أنها لم تكن مؤثرة في تراجع التعاملات ولكن هذا ما توصل له المتعاملون في محاولتهم لتحليل أسباب تراجع مؤشرات البورصة وأحجام التداول”.
وأشار الألفي إلى أن ارتفاع سعر الجنيه ساهم في تراجع البورصة نسبيًّا خلال الفترة الماضية، خاصة وأن هناك مجموعة كبيرة من الشركات التي تعتمد منتجاتها على سعر الدولار، ومنها شركات سيدي كرير ومصر للألومنيوم وحديد عز والنساجون الشرقيون والقلعة، والشركات التي تعتمد في تسعير منتجاتها على سعر الدولار تواجه تراجعًا في إيراداتها المتوقعة نتيجة فروق تسعير العملة، على عكس الطفرات التي تحققها بإيراداتها في أوقات ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.
وأضاف أن تراجع السيولة وربحية الشركات خلال الربع الأول ساهما في تراجع البورصة خلال الفترة الأخيرة، ولكن لعب المارجن دورًا كبيرًا في رفع حدة التراجعات وهو ما كشفته مبيعات الأفراد خلال الأسبوع قبل الماضي، إلى جانب أزمة جلوبال تليكوم، وقال: “هناك آمال عريضة على حل هذه الأزمة في عودة ثقة شريحة كبيرة من المستثمرين الأجانب بالسوق وبالتالي ضخ سيولة جديدة بالسوق”.
وتابع: “تعاملات المستثمرين العرب والأجانب سجلت صافي شراء خلال الأسبوع الماضي، بواقع 19 مليون جنيه و58 مليون جنيه على التوالي، فيما سجل المصريون صافي بيع بقيمة 77 مليون جنيه ومعظمها كانت من شريحة المؤسسات”.
وتوقع مدير إدارة البحوث بشركة شعاع كابيتال استقرار التعاملات خلال الأسبوع الجاري، على أن تكون تحركات المؤشر مائلة للارتفاع.
ومن جهته توقع مهاب عجينة، رئيس قسم التحليل الفني بشركة بلتون المالية القابضة، تحرك المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية عرضيًّا خلال تعاملات الأسبوع الحالي ما بين المستويات 13.300 نقطة إلى 13.800 نقطة، نتيجة للتراجع الكبير الذي شهدته أحجام التداول اليومية، علاوة على تراجع أسعار عدد كبير من الأسهم إلى حد التداول بأسعار أقل من السابقة لقرار تحرير سعر الجنيه.
السوق تعاني غياب القوى الشرائية وتفتقد للجديد في الأسهم والأدوات
وأرجع عجينة حالة الضعف التي تعانيها البورصة المصرية خلال الفترة الأخيرة إلى غياب القوى الشرائية.
EGX30 مرشح لتحركات عرضية ما بين 13.300إلى 13.800 نقطة
وأكد أن السوق بحاجة لقصة جديدة قادرة على جذب أموال ساخنة جديدة واستثمارات أجنبية أكثر تنوعًا، سواء على مستوى طرح سهم جديد أو على مستوى الأدوات والآليات المالية، إضافة إلى المزيد من الوضوح على مستوى رؤية الحكومة للاقتصاد خلال الفترة المقبلة.