النظافة من الإيمان

aiBANK

د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية

شعار تعلمناه ورددناه كثيرًا والآن نحن أشد الحاجة إلى تطبيقه فنحن نتحدث كثيرًا عنه ونكتفي بترديده ولا نعيشه بدايةً من أكثر المصريين علمًا وقدرةً ومرورًا بكل فئات الشعب.

E-Bank

مرت بخاطري تلك الأفكار بعد جولة سريعة في بلد عربي شقيق رجعت للتو من زيارته وزرت به عدة قرى ودون أن أشعر مرت بذهني تلك الأفكار والمقارنات.

في الشهر الماضي كنت بإحدى القرى بالساحل الشمالي والتي تحتوي على صفوة المجتمع والمتعلمين ورجال الأعمال وبالرغم من حرص الكثيرين على التخلص من المخلفات في الأماكن المخصصة وقيام إدارة القرية بجمع القمامة باستمرار إلا أن الأرض كانت مليئة بأعقاب السجائر ولا أبالغ إن قلت إنه لم يخلُ منها سنتيمتر مربع. أيضًا لا تخلو الأحياء الأكثر رقيًّا من القمامة في الشوارع ومن مشهد شخص يلقي بعلبة فارغة أو كيس فارغ من نافذة سيارته الفارهة.

تحضرني أيضًا مبادرة بالجامعة التي أنتمي لها بصناديق مختلفة لفصل القمامة من المنبع بهدف إعادة التدوير ولكن نادرًا ما التزم بها الطلاب الذين ينتمون لأغنى العائلات ويتلقون أفضل تعليم. إذا فثقافة النظافة والوعي البيئي وإن كانت أفضل بين المتعلمين إلا أنها ليست بالدرجة المطلوبة.

أما عن شوارع المدن والأحياء فحدث ولا حرج فبعد إسناد مهام جمع القمامة للشركات المتخصصة بدلًا من جامع القمامة التقليدي ووجود صناديق القمامة التي لا يتم إفراغها بالمعدل المطلوب انتشرت وتبعثرت بين الشوارع ولا يخلو شارع واحد من مناظر الأكياس والأوراق المبعثرة والقمامة التي نحيط بتلك الصناديق من كل جانب، فثقافة النظافة والوعي البيئي شحيحة أيضًا بين المسؤولين عن الأحياء.

ولو تطرقنا إلى القرى والأحياء الفقيرة فالأزمة تشتد إذ تحيط النفايات بها من كل جانب ودون حتى أدنى وجود للجهود المشكورة لرؤساء المدن والأحياء التي سبق وأشرنا إليها وإن كانت غير كافية.

في وسط كل هذا الواقع الخالي من الجمال شمعة أضاءت في محافظتي البحر الأحمر وجنوب سيناء اللتين يزيد فيهما الوعي البيئي إذ صدرت قرارات منعت استخدام الأكياس البلاستيكية المضرة بالبيئة والتي سبق ومنعت استخدامها معظم بلدان العالم الأكثر وعيًا بأضرار النفايات غير القابلة للتحلل.

مبادرة أخرى طيبة اشتركت بها شركات خاصة وجمعيات أهلية جمعت كميات كبيرة جدًّا من البلاستك من نهر النيل واشترك بها شباب وأثلجت أخبارها صدور الكثيرين.

سبقت تلك المبادرات تجربة مهمة جدًّا لم تنجح بسبب حرب جامعي القمامة وعدم وعي ومساندة الدولة في إنشاء أكشاك تشتري القمامة القابلة للتدوير.

أعتقد أن أسباب المشكلة تكمن في الآتي:

1. انعدام الوعي بأضرار القمامة وخاصة غير القابل للتحلل منها بين كثير من المسؤولين بالمحليات والعامة. لذلك نحتاج إلى حملة قومية للتوعية بأنواع الخامات الضارة بصحة الإنسان وتأثيرها على المدى القصير والطويل. تلك الحملة تحتاج إلى تكاتف الإعلام والحكومة والجمعيات الأهلية وتكثيف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الحقائق والمعلومات باستمرار. يجب أيضًا إعداد منهج للمدارس فأعداد جيل المستقبل وتنشئته بتلك المعلومات غاية في الأهمية.

2. عدم وجود قوانين تعاقب المضر بالبيئة أو عدم ملاحقة مخالفيها إن وجدت فكم من سيارة نقل فرغت حمولتها من المخلفات على طرق رئيسية وطريق دائري. لذلك وجب مراجعة القوانين الموجودة وتغليظ العقوبة وملاحقة المخالفين فلا أجد سببًا منطقيًّا لترك المخالفين دون عقاب رادع يجبرهم على عدم تكرار تلك الجرائم المعطلة لسير الحياة اليومية وتهديد السلامة والصحة العامة.

3. مصالح البعض التي تحول بين الاستغلال الصحيح للقمامة ومشروعات الجمع الصحي لها وفصلها وإعادة تدويرها بسبب الجشع أو الاستفادة من الوضع الحالي تمامًا كما حدث في مبادرة أكشاك جمع المخلفات القابلة للتدوير. سبب آخر قد يحارب تلك الجهود هو الفساد الذي من مصلحته إبقاء الوضع على ما هو عليه. أما السبب الأخير فقد يكمن في انعدام الحافز لدى المسؤولين واللامبالاة الناتجة عنه. لذا وجب تحفيزهم وإدماجهم في تلك المشروعات والإبقاء على منفعة لهم مقننة ومقبولة بل وضرورية ومشروعة لكسب مساندتهم وتحويلهم من أعداء لتلك المشروعات إلى شركاء فيها.

4. عدم توفر الإمكانات بداية من المكنسة المتهالكة لعامل النظافة المسكين الذي يضحي بصحته كل يوم في جمع القمامة بقطعة من الخشب أو الكارتون ودون زي وأدوات واقية تحمي صحته من الملوثات ومن الانحناء المتكرر نظير جنيهات قليلة لا تساوي تلك المهمة الجليلة التي يقوم بها. لذلك وجب على الدولة فرض حد أدنى من الأدوات والزي المناسب لتلك المهام على شركات النظافة وتجريم مخالفيها وتحويل كل الإيرادات من تلك المخالفات لصالح هؤلاء العمال.

أخيرًا لنتذكر جميعًا إن كل مرة نقوم فيها بالتخلص من القمامة بطريقة غير صحيحة في الشوارع نضر بها إنسان كريم يضطر إلى الإنحناء والأضرار بصحته لالتقاط ما ألقيناه بإهمال ولامبالاة وهذا يتنافى مع تعليم كل الأديان ويتنافى مع أبسط المبادئ المراعية للإنسانية لنعرض عنها جميعًا. كذلك فصل القمامة من المنبع وذلك أضعف الإيمان.

الرابط المختصر