حسين شكري يحدد نقاط قوة وضعف سوق المال في حوار حابي

aiBANK

ياسمين منير ورضوى إبراهيم:

اقتنصت جريدة «حابي» نحو ساعة ونصف مع حسين شكري مؤسس شركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار الذي يتمتع بمكانة خاصة بين أوساط سوق المال المصرية، باعتباره شاهدًا وفاعلًا في رواج السوق المصرية خلال مراحل ركودها ونشاطها على مدار نحو 25 عامًا.

E-Bank

عاد شكري من نيويورك بعد أن شغل منصب العضو المنتدب ببنك مورجان ستانلي لنحو 6 سنوات انتهت عام 1993، ليكتفي بلعب الدور الاستشاري للشركة الأمريكية حتى عام 2007، وأسس شركته التي حملت الحروف الأولى من اسمه على غرار بنوك الاستثمار العالمية التي تحمل أسماء مؤسسيها.

ونجح منذ البداية في وضع قدم ثابتة في المنافسة بمجالات الاستثمار المختلفة بالسوق المصرية لأكثر من 20 عامًا، بالتوازي مع تقديم خدمات الاستشارات المالية بالسوق الإمارتية بين الأطراف الخليجية والأجنبية.

كشف شكري في حواره الموسع مع جريدة حابي عن فلسفة خطته الاستثمارية منذ تأسيس شركته ومستهدفاتها خلال الفترة المقبلة، وفي صدارتها اقتحام نشاط الاستثمار المباشر وإعادة دراسة تفعيل رخصة التأجير التمويلي التي حصلت عليها خلال العام الماضي، في إطار خطة لتنويع الإيرادات ومحاولة للبقاء وفقًا لوصفه للتوسعات الحالية لأغلب بنوك الاستثمار بمجالات التمويل غير المصرفي.

ورصد شكري المشكلات التي تعوق نشاط البورصة المصرية التي باتت تعاني ضعفًا ملحوظًا في أحجام التداول وكذلك عدد الشركات المقيدة، كما سلط الضوء على معوقات الاستثمار التي ما زالت تهدد فرص جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية الخاصة، والتي يعتبرها شكري الرهان الوحيد لبلوغ مراحل النمو الاقتصادي المستقر والمنشود.

كما تطرقت المناقشات للتغيرات التي طرأت على وضع المنافسة في السوق المحلية، والعلاقة ما بين الشركات والرقيب، إلى جانب القطاعات الأكثر ربحية خلال المرحلة الحالية سواء بالقطاع المالي أو بالقطاعات الصناعية والخدمية المختلفة، وكذلك توصياته للحكومة المصرية والصندوق السيادي المصري الذي يشغل عضوية جمعيته العمومية.

وإلى نص الحوار..

حسين شكري رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة اتش سي للأوراق المالية والاستثمار

حابي: في بداية هذا الحوار وقبل التعرف على خطتكم خلال الفترة المقبلة، نريد أن نتوقف معك قليلًا عند أهم المحطات في رحلة حسين شكري كأحد أبرز قامات سوق المال المصرية ومؤسس واحدة من أهم شركات الأوراق المالية التي نجحت في الحفاظ على تنافسيتها ضمن أٌقوى 10 لاعبين بمجالات الخدمات المالية على مدار سنوات طويلة.. كيف بدأت رحلتك بالسوق المحلية وما هو تقييمك للوضع الحالي؟

شكري: الأمر لا يتعلق بمحطات قدر ما هو مرتبط بفلسفة عامة.. فلسفة في الحياة وفي الإدارة، فهناك أشياء لا يمكن المفاوضة عليها أو التنازل عنها، فأنا دائمًا ما أنادي بالأمانة، الأمانة تجاه العملاء وتجاه نفسي وتجاه زملائي، وأعتبر الأمانة أهم شيء في هذه الرحلة إلى جانب وضع مصلحة العميل أولًا.

أعتبر الأمانة أهم شيء في هذه المرحلة ووضع مصلحة العميل أولًا

فعندما بدأت هذه الشركة بعد عودتي من الخارج ووضعت الحروف الأولى من اسمي عليها، لم يكن لدي شيء يذكر أو فريق عمل.

فالأمر بدأ بي فقط وبعد ذلك بثلاثة أشهر انضم إليّ مدام سامية مديرة مكتبي التي ما زالت تعمل معي حتى الآن واستمر الوضع على ذلك لعدة أشهر أخرى، وكان ذلك خلال عام 1994، في حين تأسست شركة اتش سي عام 1996، وخلال العامين قبل التأسيس أنجزت عددًا من عمليات الاستشارات المالية، ولكن منذ اليوم الأول وأنا على دراية بما يجوز وما لا يجوز، وكذلك أعلم بوجود خطوط حمراء يجب عدم تعديها حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى كسب المال أو تحقيق نمو سريع للشركة، فهذه الأمور لا تهمني، فالالتزام بتنفيذ ما هو صحيح يعد الطريق الأمثل للاستمرار.

حابي: ما هي أول محطة اختبرتها شركة اتش سي ووضعتها في مكانة مميزة بين اللاعبين بسوق المال المحلية؟

شكري: أعتقد ستكون أول عملية استشارات نفذتها الشركة على صعيد الاندماجات والاستحواذات M&A، وعلى ما أتذكر كانت لصالح إحدى شركات الأسمنت.

بدأت نشاط إدارة الأصول بمحفظة استثمارية بمساهمة بنوك وشركات تأمين.. وما زلنا نديرها حتى الآن

وكذلك أول صندوق استثمار أدارته الشركة يعد من أبرز العلامات في رحلة اتش سي، فنحن حاليًا ندير 14 صندوقًا ولكن الأمر بدأ بصندوق واحد، حيث استمرت الشركة لمدة عامين أو ثلاثة بعد التأسيس دون صناديق تحت إدارتها. والأمر بدأ باقتراحي لفكرة إنشاء شركة استثمار مساهمة يكون رأس مالها هو نواة محفظة اوراق مالية نقوم بإدارتها وبالفعل تم تأسيسها وساهم بها عدد من البنوك الكبرى وشركات التأمين.

وكنا نجري اجتماعاتنا في شركة اتش سي لتوفير النفقات وكانت تجري الاجتماعات بحرفية كبيرة جدًّا حتى إنني أرى أنها كان يجب أن تدرس، وكانت هذه الاجتماعات في كل مرة تجري مراجعة عامة على الأحوال الاقتصادية للبلد، على مستوى الاقتصاد الكلي وشروط السوق العامة ومكونات المحفظة شركة شركة، وكذلك كل المستجدات التي تطرأ على الساحة الاستثمارية.

وأرى أننا ساهمنا بهذه الاجتماعات في إدخال عدد كبير من ممثلي البنوك الحاضرين في تفاصيل العملية الاستثمارية في البورصة وكيفية اتخاذ قرارات الاستثمار.

وإنني أعتقد أن هذه الاجتماعات بمستواها الفني المرتفع شجعت ممثل إحدى البنوك في طلب عرض لإدارة صندوق خاص بمصرفه الذي كانت تديره شركة أخرى.

لقد كان هذا الصندوق فاتحة خير علينا حيث كانت هذه الشركة المنافسة تدير صندوقًا لبنك آخر الذي بدوره طلب عرض إدارة صندوق آخر من قبلنا. فبعد أن انتظرنا ثلاث سنوات دون صندوق انفرجت الأمور ووجدنا أنفسنا ندير صندوقين في خلال شهرين. وللعلم لا نزال ندير هذه المحفظة المالية التي كانت سبب الخير لنا والتي حققت نتائج مالية متميزة.

حابي: ما هو حجم رأس المال الذي تم جمعه؟ وهل كان يستهدف الاستثمار في البورصة فقط أم في قنوات استثمارية أخرى؟

شكري: بدأنا بحوالي 35-40 مليون جنيه بغرض الاستثمار في البورصة فقط.

وبالتالي بدأ نشاط إدارة الصناديق كنشاط موازٍ بجانب نشاط إدارة المحافظ، وامتد الأمر إلى أن وصلنا إلى إدارة 14 صندوقًا حاليًا.

حابي: ما هو حجم الأصول تحت إدارة اتش سي حاليًا وتوزيعها؟

شكري: لدينا 6 صناديق للأسهم واثنان إسلامي، ومثلهم متوازن، علاوة على 3 صناديق نقدية وصندوق آخر لحماية رأس مال.

مجمل حجم الأصول تحت الإدارة تخطت 6 مليارات جنيه، مقسمة إلى 3.2 مليار جنية تقريبًا مستثمرة في الأسهم من خلال صناديق استثمار ومحافظ عملاء، إلى جانب 3 مليار جنية تقريبًا مستثمرة في أسواق العائد الثابت المصرية.

ندير أصولًا تتجاوز 6 مليارات جنيه حاليًا .. والرقم محزن مقارنة بأعلى قمة بلغت 9 مليارات خلال 2009 بعدد أقل من الصناديق والمحافظ

ولكن هذا الرقم يعد محزنًا بعد كل هذه السنوات، خاصة أن أعلى مستوى بلغته إدارة الأصول بالشركة كان عام 2009 بقيمة نحو 9 مليارات جنيه رغم أن عدد الصناديق والمحافظ كان أقل بكثير من الوضع الحالي.

أي أن زيادة عدد الصناديق والمحافظ والحسابات على مدار السنوات العشر الأخيرة لم يشفع في زيادة حجم الأصول، بل تراجعت من 9 إلى 6 مليارات جنيه، رغم كل العوامل الاقتصادية التي كان من شأنها مضاعفته مثل تعويم العملة وارتفاع معدلات التضخم، ما يدلل على حالة الضعف العام التي تعاني منها السوق.

حابي: ما هو تفسيرك لأسباب حالة الضعف والتراجع التي تعاني منها سوق المال المصرية.. هل الأمر مرتبط فقط بالاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر على مدار السنوات الأخيرة؟

شكري: بالتأكيد الأمر مرتبط بما شهدته البلاد من اضطرابات سياسية واقتصادية، فمنذ عام 2009 لم تشهد السوق المصرية أوقات ازدهار كثيرة.

فكما أتذكر بعد عام 2009، عانت السوق المحلية من تداعيات الأزمة المالية العالمية، فرغم أن تأثيرها على مصر كان أقل من أسواق أخرى إلا أنها أثرت سلبًا على وضع الاستثمار، ثم عقب ذلك ثورة 2011 وما تبعها من تغيير في الحكومة ونظام الحكم حتى عامي 2014 و2015.

ثم بدأنا مرحلة التقاط الأنفاس نسبيًّا في عام 2016، ولكن طوال هذه الفترة وما عقبها شهدت الأجواء العامة تغيرات ومستجدات متعددة على المستويين السياسي والاقتصادي أثرت على أداء السوق المحلية، وفوق كل هذا، هناك مسائل أخرى تتعلق بشكل مباشر بالبورصة وسوق المال.

هناك ظاهرة عامة دولية تشير إلى تراجع عدد الأوراق المالية المتداولة.. والسوقان الأمريكية والفرنسية أبرز النماذج

أولًا هناك ظاهرة عامة دولية في أسواق العالم تشير إلى تراجع عدد الأوراق المالية المتداولة، فالسوق الأمريكية شهدت مؤخرًا تراجعًا في عدد الشركات المتداولة، كما قرأت مؤخرًا مقالًا يؤكد نفس الأمر بالنسبة للسوق الفرنسية.

عودة أصحاب رؤوس الأموال لتفضيل الخصوصية وراء انسحاب شركات من البورصة وضعف استقطاب أسهم جديدة

بالطبع ما زال عدد الشركات المتبقية بهذه الأسواق كبيرًا على عكس وضع السوق المحلية، ولكن بدأ يتشكل اتجاه عام بانخفاض عدد الشركات المتداولة، وذلك نتيجة لاعتقاد الكثيرين حاليًا بأن الاتجاه إلى الخصوصية «Going Private» بات أفضل من التوجه نحو الجمهور العام، لما يتمتع به وضع الاستثمار المغلق من تدخلات أقل وحرية أكبر في الإدارة، خاصة مع توافر القدرة حاليًا على جذب التمويل المدين من خلال المستثمرين من المؤسسات الاستثمارية الكبرى مثل الصناديق السيادية وصناديق الاستثمار المباشر التي لم تكن متوافرة منذ سنوات طويلة وأصبحت لاعبًا أساسيًّا في منظومة الاستثمار في العالم.

وهذه الظاهرة يمكن النظر لها كخلفية لوضع الاستثمار في أسواق العالم، ولكن هناك أيضًا أمور خاصة بالسوق المحلية، وأرى أن التفكير في كيفية فرض ضريبة على الأوراق المالية كانت نقطة التحول وأحد أهم الأسباب التي ساعدت في انكماش التداول.

وثاني العوامل التي أثرت على ضعف السوق المحلية، اتجاه كثير من أصحاب رؤوس الأموال للانسحاب من البورصة كشركات متداولة، وبالنظر إلى عدد الشركات الكبرى التي شطبت من السوق المصرية خلال السنوات الأخيرة لن نجد شركات مقابلة حلت محلها.

وأعتقد أن السبب وراء انسحاب الشركات من البورصة هو أن أصحاب رؤوس الأموال رأوا أن العودة للخصوصية مرة أخرى يوفر قدرًا أكبر من المرونة.

حابي: هل ترى أن بنوك الاستثمار كان عليها القيام بدور أكثر فاعلية في مواجهة هذه الظواهر السلبية التي أضعفت السوق؟

شكري: بنوك الاستثمار ضحايا، وأرى أنه يجب النظر في كيفية مساندتهم.

فهم ضحايا التراجع العنيف الذي شهدته أحجام التداول، في حين تتكبد الشركات مصروفات تشغيلية عالية من مرتبات وكهرباء وإيجار مقر وغيرها من التكاليف التي لا تقابلها إيرادات في ظل أحجام تداول لا تتعدى 500 مليون جنيه.

حابي: لماذا لم تنشط بنوك الاستثمار لجذب شركات جديدة للقيد في البورصة خاصة أنهم الأكثر قدرة على لعب أدور مؤثرة في تحريك عجلة الاستثمار؟

شكري: لا يمكن لعب هذا الدور في ظل الظروف الصعبة جدًّا التي اختبرتها مصر، فمن من الشركات يمكن إقناعه بالطرح في البورصة أثناء اندلاع ثورة، كما يصعب إقناع أحد بنجاح الطرح في البورصة مع توافر معدلات فائدة كانت تصل إلى 20%.

حابي: لم تشهد السوق المحلية قبل فترة الاضطرابات سوى عدد محدود من الطروحات الكبيرة، فهل يمكننا القول بأنه بعد توقف برنامج خصخصة الشركات الحكومية تراجعت وتيرة قيد وطرح الشركات الخاصة أيضًا.. وبماذا تفسر هذا الأمر؟

شكري: أرى أن السوق المحلية تعاني ندرة الكيانات الكبيرة، فلا يوجد عدد كبير من الشركات الكبرى المؤهلة للطرح في البورصة، كما أعتقد أن عددًا من أصحاب رؤوس الأموال رأوا أن حياتهم ستكون أقل تعقيدًا مع الحفاظ على الخصوصية وعدم التوجه نحو التداول العام.

حابي: هل ترى أن تنفيذ برنامج طروحات الشركات الحكومية سيكون له تأثير إيجابي في تنشيط عمليات قيد الشركات الخاصة في البورصة؟

شكري: وارد، ولكن من الصعب التنبؤ.

حابي: بماذا تفسر هذا التحول الكبير علي الفكر الاستثماري بعد أن كان ينادي الجميع خلال السنوات الأخيرة بأهمية توسيع قاعدة الملكية ودور أسواق المال في تدعيم حوكمة الشركات وتوفير الشفافية؟

شكري: أعتقد علينا أن نسأل لماذا أصبح لدى الشركات هذا الرأي السلبي تجاه أسواق المال وأرى أن السبب قد يكون نتيجة شعورهم بعدم معاملتهم بطريقة طيبة.

حابي: ماذا تقصد بالمعاملة الطيبة؟

شكري: أرى أهمية إعادة النظر في منظومة القوانين وطريقة الإدارة وغيرها من الأمور، فمن المفترض أن نقدم أفضل معاملة ممكنة في سبيل جذب الشركات، التي بدورها ستساهم في تشجيع شركات أخرى على القيد والطرح.

حابي: هل هناك قواعد أو قوانين محددة ترى أهمية إعادة النظر فيها؟

شكري: أولًا كل ما يتعلق بالضرائب والدمغات ومقابل الخدمات وغيرها من التكاليف يجب إعادة النظر بها، فنسبة ضريبة الدمغة ومقابل الخدمات تزيد على ما يحصل عليه السمسار، هذا أمر غير متوافر في أي سوق أخرى.

السوق المحلية تعاني ندرة الكيانات الكبيرة المؤهلة للطرح .. وقد يكون العزوف عن البورصة نتيجة للشعور بعدم المعاملة الطيبة

كما يجب غلق باب منح التراخيص الجديدة بنشاطي السمسرة في الأوراق المالية وإدارة المحافظ والأصول، فعدد الشركات العاملة في النشاطين لا يتلائم على وجه الإطلاق مع متوسط أحجام التداول اليومية التي لا تتعدى نصف مليار جنيه، وعلينا في ذلك الاقتداء بسياسة البنك المركزي في التعامل مع تراخيص البنوك، ما ضاعف من قيمتها وكفاءتها.

يجب غلق باب التراخيص الجديدة بنشاطي السمسرة وإدارة المحافظ اقتداء بسياسة المركزي في تراخيص البنوك

فالتوسع في منح التراخيص على مدار السنوات الماضية تسبب في دخول كيانات غير مسئولة، تسببت في إحداث خلل في وضع العمولات وكذلك جودة الخدمة المقدمة.

حابي: بما أنك كنت شاهدًا على مختلف المراحل التي مرت بها سوق المال المحلية، ما هي أبرز االتغيرات التي شهدتها طبيعة المنافسة بين بنوك الاستثمار مقارنة بالفترات السابقة.. وكذلك تطور العلاقة بين الشركات والرقيب؟

شكري: لا أعتقد أن هناك اختلافات جوهرية في طبيعة المنافسة بين بنوك الاستثمار، فعدد الشركات المتنافسة محدود طوال الوقت، فالأنشطة المتكاملة مقصورة في عدد يدور حول 5 شركات، فيما شهدت السنوات الأخيرة دخول عدد من اللاعبين الجدد مثل شركة أرقام وفاروس وشعاع.

فما أقوله إن السوق المصرية كانت لديها فرصة جيدة للنهوض، لكن الظروف لم تساعدها وكذلك لم نساعد نحن أنفسنا.

فعندما يقال إن السوق الأمريكية تفرض ضرائب على أرباح الأوراق المالية، فهذا أمر صحيح ولكننا لسنا مثل السوق الأمريكية ولا نتمتع بنفس ظروفه المالية والاقتصادية، ولا يوجد ما يدعو للاقتداء به في هذا الأمر.

فمن يقول إن صناديق الاستثمار بعد 20 عامًا أصبحت تمثل نسبة ضئيلة مما كانت عليه منذ سنوات طويلة، فعندما بدأ النظر إلى أن هذه الصناعة مربحة وتم فرض ضرائب عليها انخفض حجمها، وكذلك عندما تم وضع قيود على أحجام الصناديق النقدية تراجع نشاطها.

حابي: هل ما زال لدى بنوك الاستثمار وشركات إدارة الأصول القدرة على خلق أنواع جديدة من المنتجات المالية الجاذبة؟

شكري: المنتجات الجديدة ستحمل أيضًا بأعباء الضرائب، وأتساءل هل كان لصناديق الاستثمار أن تنشط من الأساس إذا كانت محملة بعبء الضرائب منذ البداية؟

أرى أنه من الاستحالة أن تنشط أو أن يتجه أحد لتأسيس صناديق من الأساس.

فصناديق الاستثمار أنشئت لمواجهة ضعف خبرة الأفراد من المستثمرين وبالتالي يتم إسناد إدارة الأموال التي يتم جمعها من الأفراد لخبرات محترفة لاستثمارها بالنيابة عنهم، خاصة أن الصندوق سيكون معفى من الضرائب، ولكن عندما فرض عليها ضريبة بات من الصعب إقناع الأفراد بالاستثمار بها وتحمل ضريبة.

حابي: هل ترى أن قواعد تأسيس الصناديق التي قصرت هذا الحق على البنوك وشركات التأمين ساهمت في تحجيم نمو هذا النشاط؟

شكري: لا أعتقد، فالأمر في بدايته كان في حاجة إلى مشاركة البنوك، ولكن كان من المحتمل إذا كبر حجم نشاط الصناديق أن تتجه شركات مثل اتش سي لتأسيس صناديق خاصة بها، لكني أرى أن الفرصة باتت ضئيلة جدًّا، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجه البنوك في جمع أموال الصناديق التابعة لها.

حابي: هل ترى أن ذلك يرجع إلى ضعف شهية الاستثمار بشكل عام أم فقدان الثقة في الصناديق كمنتج مالي جاذب؟

شكري: أعتقد الاثنين، فالبنوك انخفضت شهيتها في ظل عدم تحقيق مكاسب من الصناديق، كما لا تفضل البنوك عادة أن يتجه العملاء للتحول من المنتجات المصرفية إلى الصناديق، علاوة على أن الظروف العامة للسوق تتسم بضعف الإقبال على الاستثمار في الأوراق المالية سواء عبر الصناديق أو بشكل مباشر.

حابي: هل ترى أن سوق المال ضلع مهم في منظومة التطور الاقتصادي بما يستدعي وضع خطة قومية لتنشيطه؟

شكري: بالطبع سوق المال ضلع مؤثر في الاقتصاد، وكلما طرح عليّ سؤال يتعلق بما يجب عمله لإصلاح وتنشيط السوق على مدار السنوات الأخيرة كانت إجابتي تتلخص في «سيبوه في حاله»، فأغلب التدخلات ساهمت في مزيد من التدهور.

حابي: كيف يمكن أن نترجم هذه النصحية حاليًا على أرض الواقع بما يؤثر في عودة نشاط السوق؟

شكري: علينا أولًا مراجعة كل الرسوم ومقابل الخدمات المفروضة على أنشطة الأوراق المالية، وكذلك مراجعة القواعد المفروضة على الشركات المقيدة للوقوف على ما إذا كانت كثيرة أم مناسبة لتخفيف الأعباء وتنشيط حركة جذب الشركات للقيد في البورصة، فمن الواضح أن منظومة القواعد المطبقة حاليًا تحول دون إقبال الشركات.

حابي: هل ترى أن البورصة المصرية في حاجة للتعاقد مع شركة متخصصة لترويج الاستثمار بها؟

شكري: لا، فالبورصة على مدار تاريخها لم تلجأ لجهة خارجية لترويجها، فمن يروج للبورصة هم الأطراف العاملة بالمنظومة المرتبطة بها، فالشركات مثل اتش سي لعبت دورًا مؤثرًا في ترويج الاستثمار ونقل ما يحدث في مصر إلى الخارج، فنحن كنا بمثابة القنوات التي تمر من خلالها الاستثمارات، وذلك من خلال الأبحاث التي نصدرها وتصدرها أيضًا بنوك الاستثمار الأخرى عن الفرص الاستثمارية والشركات المتداولة.

في حين لا يوجد حاليًا الكثير من العناصر الجاذبة التي يمكن ترويجها في مواجهه معدلات فائدة مرتفعة تصل إلى 15% ومتوسط أحجام تداول يومية في حدود 400 – 500 مليون جنيه.

وأرى ضرورة مراجعة كل الأمور المتعلقة بمنظومة سوق المال، سواء القواعد أو الأعباء المالية.

حابي: هل ترى تغيرًا في تركيبة المستثمرين بالسوق المحلية مقارنة بسنوات سابقة؟

شكري: بالطبع، فالسوق حاليًا أصبح يعتمد بشكل أساسي على الأفراد، والدولة لم تساعد على تقوية الجانب المؤسسي في هذه المنظومة، فالصناديق كانت ستكون عاملًا فاعلًا خاصة في ظل عدم توافر صناديق معاشات وشركات تأمين كثيرة على غرار أسواق المال المتقدمة التي تعتمد في تداولاتها اليومية على عدد كبير من هذه الكيانات.

السوق أصبحت تعتمد بشكل أساسي على تعاملات الأفراد.. والدولة لم تساعد على تقوية مساهمة الجانب المؤسسي في المنظومة

حابي: هل ترى السوق مؤهلة لاستقبال برنامج الطروحات الحكومية أم في حاجة إلى إجراء هذه المراجعات بهدف تنشيطه أولًا لتعظيم الاستفادة من البرنامج؟

شكري: أرى أهمية منح السوق أنبوب أكسجين لإنعاشه مبدئيًّا والبحث في المشكلات التي تعوق نشاطه حتى يتم طرح الشركات الحكومية في ظروف جيدة.

حابي: كيف تقيم توسعات بنوك الاستثمار خلال الفترة الأخيرة في الأنشطة المالية غير المصرفية؟

شكري: أرى أنها محاولة للبقاء، فإيرادات النشاط الأساسي لم تعد تغطي المصروفات، وظهرت أنشطة جديدة أكثر ربحية، وبالتالي توجه صحيح جدًّا لبنوك الاستثمار أن تبحث عن منافذ جديدة للربح.

حابي: من وجهة نظرك ما هي الأنشطة الأكثر قدرة على توليد أرباح حاليًا؟

شكري: التمويل متناهي الصغر، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفوائد التي تضعها الشركات والتي تصل إلى حدود 40 و50% وفقًا لما يقال، وقد تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الضوابط لتنظيم ربحيتها.

حابي: هل تفكر اتش سي في اقتحام مجال التمويل متناهي الصغر؟

شكري: لا، لا يوجد لدينا خطط لدخول هذا النشاط.

حابي: هل الأمر ينطبق أيضًا على نشاط التمويل الاستهلاكي الذي يشهد اهتمامًا لافتًا من مختلف المؤسسات المالية؟

شكري: نعم.

حابي: بدأت شركة اتش سي مرحلة جديدة هذا العام باقتحام نشاط الاستثمار المباشر.. لماذا هذا التوقيت تحديدًا وهل تعتبره محاولة للبقاء أيضًا؟

شكري: بالتأكيد، فهو وسيلة لتنويع الدخل في المقام الأول، كما شعرت أنه بعد فترة عملنا الطويلة بالسوق اكتسبنا خبرة جيدة ومشهود لنا بالكفاءة والنزاهة، وبالتالي نستطيع أن نكون مجموعات استثمارية لاقتناص الفرص الواعدة، ولكن الوقت ما زال مبكرًا للحديث عن التفاصيل.

حابي: حدثنا أكثر عن نموذج الاستثمار المستهدف؟

شكري: لن نؤسس صندوق استثمار، ولكن سنختار الشركات الجاذبة ونستحوذ على حصة منها عبر مجموعة من المستثمرين.

حابي: هل السياسة الاستثمارية تفرض الاستحواذ على حصص محددة بالشركات؟

شكري: نستهدف تنفيذ صفقات ما بين 500 مليون جنيه إلى مليار جنيه، بما يمثل حصة توازي ما بين 10 إلى 30% من الشركة المستثمر بها.
فهي حصص مؤثرة توفر تمثيلًا في مجلس الإدارة مع توافر حقوق أقلية مؤثرة، توضح ما لنا من صلاحيات والتزامات.

حابي: ما هو الشكل القانوني الذي سيتخذه هذا النمط الاستثماري؟

شكري: تأسيس شركات منفصلة لكل استثمار.

حابي: ما هي القطاعات التي تستبعد الدخول بها؟

شكري: لا أستبعد قطاعات ولكن من الصعب مثلًا الدخول في الصناعات الثقيلة مثل الأسمنت والحديد، ولكن اهتمامنا سيتركز على الصناعات الاستهلاكية والطبية والتعليمية وكل ما يخاطب المئة مليون مستهلك.

حابي: هل العقارات والمقاولات على أجندتك الاستثمارية؟

شكري: من الوارد التوجه نحو الاستثمار العقاري ولكن بمواصفات خاصة جدا، بمعنى الإهتمام بالعقارات التي تعتمد على النشاط التجاري أو الإداري، بما يحقق عوائد مستديمة.

حابي: لماذا لا تفكر في تأسيس صندوق عقاري قائم على العقارات الإيجارية وهي الفكرة التي طرحت منذ فترة ولم ترَ النور؟

شكري: الضرائب ما زالت عائقًا أمام نشاط الصناديق العقارية، وبالنظر إلى وضعها منذ إطلاق النشاط نجد أنها لم تجذب اهتمام سوى القليل ومن حصل على رخصة ما زال غير قادر على تفعيلها بالشكل الأمثل.

التوجه للاستثمار بالقطاع العقاري وارد بشرط تحقيق عوائد مستديمة

فنحن كنا من أول الشركات التي بحثت تأسيس صندوق عقاري، ولكن بعد ما صدرت القواعد المنظمة تأكدت أنها لن تلقى إقبالًا من أحد.

حابي: ما هو الأجل الزمني للاستثمار المباشر في الشركات؟

شكري: وضعنا حدًّا أقصى 5 سنوات.

حابي: ما هو معدل العائد المستهدف على الاستثمار؟

شكري: 25% على الأقل.

حابي: ما هو حجم مساهمة شركة اتش سي في الاستثمار الواحد؟

شكري: نحو 5% – 10%.

حابي: هذا نفس هيكل ونموذج عمل الصناديق المتخصصة في الاستثمار المباشر؟

شكري: نعم، نحن نحاول أن نستثمر السمعة والخبرة التي اكتسبناها، واختيارنا لهذا التوقيت مبني على إيجاد الشخص المناسب الذي حفزنا على اتخاذ هذه الخطوة التي كانت مستهدفة منذ عدة سنوات.

حابي: من هم أبرز المستثمرين مع اتش سي في مجال الاستثمار المباشر؟

شكري: لا يوجد لدينا مؤسسات، هيكل المساهمين سيتوزع ما بين 5 إلى 10 أفراد من جنسيات مختلفة مصرية عربية وأجنبية.

حابي: ما هو موعد تنفيذ أول صفقة؟

شكري: سيتم الإعلان عن أول صفقة قبل نهاية العام الجاري.

حابي: كيف تقيم قطاعي الرعاية الصحية والتعليم حاليًا من الناحية الاستثمارية؟

شكري: من القطاعات الأكثر جذبًا للأموال.

حابي: هل ترى أن فرص نمو القطاعين تأثرت سلبًا بالهجمة الاستثمارية التي شهداها خلال السنوات الأخيرة؟

شكري: مشكلة المغالاة في التقييم الناتجة عن ارتفاع الاهتمام الاستثماري بالقطاع يمكن للمحترفين وذوي الخبرة التعامل معها بسهولة، فالأمر مرتبط بحسابات العائد وإذا لم يحقق التقييم توازنًا في معدل العائد المستهدف يكون استثمارًا غير جيد.

قطاعا الرعاية الصحية والتعليم الأكثر جذبًا للأموال.. والمشاركة سبيلنا للاستثمار بالتكنولوجيا لغياب الخبرة الكافية

وقطاعا الصحة والتعليم من القطاعات الأساسية في حياة المواطنين، كما أنهما من القطاعات القادرة على مقاومة ظروف السوق المعاكسة.

فمن المعروف أن السكن والغذاء والدواء والتعليم من الأساسيات التي تتمتع بطلب دائم، ولذلك كان قطاع الرعاية الصحية من أول القطاعات التي استقطبت رؤوس أموال كبيرة، قبل انتقال الصفقات لقطاع الأغذية، ثم إلى قطاع التعليم سواء على مستوى المدارس أو الجامعات.

وأتذكر أن مجموعة أبراج الإماراتية أجرت عدة صفقات في مجال الرعاية الصحية، كما توجد صناديق استثمار لديها الرغبة للاستثمار في المستشفيات.

حابي: هل لديك اهتمام بالاستثمار في مجال التكنولوجيا؟

شكري: لا أمتلك خبرة كافية في مجال التكنولوجيا وقد أشارك من يمتلك الخبرة بهذا المجال.

حابي: ما هي الصناعات التي تستهدفها شركتكم عبر نشاط الاستثمار المباشر، خاصة وأن معظم توصيات المحللين الاقتصاديين ما زالت تراهن على المجالات الصناعية في تحقيق النمو؟

شكري: بالطبع نحن مهتمون بالمشروعات الإنتاجية، خاصة إذا كانت تلك الشركات قادرة على المنافسة بقوة ولديها حصة تصديرية كبيرة للأسواق الخارجية، وبالتالي ستكون قادرة على توليد عملة أجنبية.

كما أن المشروعات الصناعية التي تستحوذ على حصة سوقية كبيرة محليًّا وتستطيع تحقيق نمو بأرباحها، تعد جاذبة لنا أيضًا، ولا بد أن تكون هذه المشروعات تتمتع بفرص نمو جيدة.

20 % الحد الأدنى لنمو الأرباح سنويًّا بالفرص الجاذبة.. والمحترفون قادرون على تجاوز مغالاة التقييم

فالشركة التي لا تستطيع تحقيق نموًّا سنويًّا بأرباحها في حدود 20% لا تمثل فرصة جاذبة بالنسبة لنا، حتى وإن كانت هذه الشركة ناجحة وفقًا لمعايير أخرى.

اتش سي تكون مجموعة لتنفيذ أول صفقات الاستثمار المباشر
حسين شكري رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة اتش سي للأوراق المالية والاستثمار

حابي: لماذا تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في السوق المصرية على الرغم من إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها الحكومة منذ عدة سنوات؟

شكري: هناك شريحة كبيرة من القطاع الخاص ما زالت تترقب إتاحة فرص أكبر للمشاركة في التنمية.

وأتمنى التركيز على توجيه رسائل تحفيزية للقطاع الخاص، وتوضيح رؤية الحكومة لدورها خلال الفترة المقبلة.

أتمنى اكتفاء الدولة بالاستثمار في البنية الأساسية وتشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لتولي العملية الإنتاجية

فعزوف الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية عن الدخول أمر يثير تساؤلات، وأتمنى أن تكتفي الدولة بالاستثمار في مشروعات البنية التحتية والأساسية، التي لا يستطيع القطاع الخاص أن يقوم بها، على أن تعمل الحكومة جاهدة على تشجيع وجذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية للعملية الإنتاجية.

حابي: كيف ترى مشروعات الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في عدة مجالات خلال الفترة الماضية، وهل تفضل «HC» الدخول في مثل هذه الشراكات؟

شكري: في الحقيقة الأمر يتعلق في أساسه بأهداف الشركات وسياساتها الاستثمارية، فهناك نوعية من المستثمرين لا يفضلون الدخول في شراكات مع الحكومات بوجه عام، كما أن هناك نوعية أخرى من المستثمرين لا تفضل الدخول في شراكات من الأساس.

حابي: هل تستحوذ نوعية المستثمرين التي لا تفضل الدخول في شراكات على نسبة كبيرة بين باقي نوعيات المستثمرين بالسوق المصرية من وجهة نظركم وبحكم الخبرة الطويلة في التعامل مع مستثمرين محليين وعرب وأجانب؟

فيما يتعلق برؤيتي الخاصة، فلدي اعتقاد أن في الاستقلال أمورًا جيدة ومميزة.

حابي: نريد أن ننتقل من الحديث عن نشاط الاستثمار المباشر إلى نشاط التأجير التمويلي الذي حصلتم على رخصة مزاولته خلال العام الماضي، وكان من المستهدف تفعيلها خلال العام الجاري.. ما هي أسباب إرجاء تفعيل الرخصة حتى الآن؟

شكري: أفضل دائمًا مراجعة قراراتي وتحركاتي بصورة مستمرة، ولا يمكنني التغافل عن العلم بوجود عدد ليس قليلًا من اللاعبين الجدد بنشاط التأجير التمويلي، ومن بينها عدد من الكيانات التابعة لبنوك كبرى والتي تمتلك إمكانيات ضخمة ستزيد من حدة المنافسة.

وبالفعل وضعت شركات التأجير التمويلي التابعة للبنوك ضغوطًا كبيرة على ربحية الشركات المنافسة، خاصة وأن تكلفة الأموال بالنسبة لها ستكون منخفضة بنسبة كبيرة عن نظيرتها من الشركات المستقلة.

فتفعيل الرخصة ودخولنا سوق التأجير التمويلي رهن تأكدنا من أن المناخ مناسب ويسمح للشركة بتحقيق عائد مناسب على رأس المال.

حابي: هل من الممكن أن ينتج عن فترة الدراسة اتخاذ قرار بالتراجع عن دخول نشاط التأجير التمويلي؟

شكري: سنتخذ القرار الأمثل للشركة بعد إتمام دراستنا للسوق.

حابي: هل من الوارد دخولكم في شراكة مع أحد اللاعبين بنشاط التأجير التمويلي إذا كان لديه حصة سوقية جيدة؟

شكري: نعم، من الممكن الدخول في شراكة مع أحد اللاعبين، ولكن القرار رهن المراجعة التى نجريها خلال الفترة الحالية وتشمل التشاور مع بعض العاملين في المجال.

وأود إلقاء الضوء على نقطة هامة في نشاط التأجير التمويلي، وهي أن معظم اللاعبين المحليين المستقلين وغير التابعين لبنوك تجارية، ليس لديهم مقرض في حالة التعرض لأزمات مالية.

فالأمر يختلف تمامًا بالنسبة للاعبين التابعين لبنوك تجارية، حيث إن البنك المركزي في نظامه الأساسي هو المقرض الأخير للبنوك التجارية في حالة تعثرها، أما الشركات المستقلة العاملة بنشاط التأجير التمويلي التي تعتمد في تمويلها على البنوك التجارية ليس لديها مقرض أخير في حالة التعثر مما يعرضها للإخفاق المالي.

وهذا بالفعل ما حدث في الأزمة المالية لبنك ليمان برازرز، فعندما تعرض للتعثر لم يجد من يقرضه أو يقوم بتغطية مراكزه، حيث كان يمول نفسه بالاقتراض من سوق الإنتربنك ثم إقراض عملائه دون وجود ودائع يمكن الاعتماد عليها، وهو ما عرض الشركة للإفلاس وقتها.

ولذلك سنجد أن هناك كيانات عملاقة مثل مورجان ستانلي وجولدمان ساكس اتجهت للحصول على رخصة بنوك تجارية من البنك المركزي لتؤمن نفسها من الوقوع في مخاطر الإفلاس والتعثر، وحتى توفر مصدرًا للاقتراض وقت الأزمات، وهذا غير متوفر بالسوق المصرية ولذلك علينا التأني قبل اتخاذ هذه الخطوة.

حابي: ما هي الأنشطة الاستثمارية التي ترى أنها فرصة جيدة لتوسعات HC خلال الفترة المقبلة؟

شكري: أرى أن نشاط الاستثمار المباشر من أكثر الأنشطة الواعدة.

حابي: هل لا ترى فرصًا بأنشطة أخرى بخلاف الاستثمار المباشر بالنسبة لشركتكم خلال الفترة المقبلة؟

شكري: العبرة بجودة الفرصة وقدرتها على تحقيق الأهداف، والتركيز مطلوب، ونجاح الاستثمار ليس بكثرة الأنشطة وتشعبها، كما أننا لا يمكن التغافل عن أهمية توافر الكوادر المتخصصة والمؤهلة لإدارة مثل هذه الاستثمارات.

حابي: لفت قطاع التأمين أنظار العديد من المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، واستطاع جذب رؤوس أموال جديدة خلال الفترة الماضية.. هل تنوي HC دخول القطاع خلال الفترة المقبلة ضمن توسعاتها بالأنشطة المالية غير المصرفية؟

شكري: ليس في نيتنا الدخول في مجال التأمين في الوقت الحالي. وبخلاف التأجير التمويلي ليس هناك نية للدخول في هذه الأنشطة في الفترة المقلبة.

حابي: كيف قرأت الحركة والهجمة الاستثمارية على قطاع التأمين خلال الفترة الماضية، خاصة وأنها ضمت استثمارات كيانات مالية كبرى ورجال أعمال وشركات ارتبط عملها بقطاعات اقتصادية أخرى؟

شكري: في الحقيقة يمثل التوسع في مجال الخدمات المالية غير المصرفية فرصة واعدة للتوسع وتحقيق عوائد مرتفعة من هذه الاستثمارات المتشعبة والتي تبعد بمسافة عن النشاط الأصلي لبنوك الاستثمار.

25% على الأقل عائدًا مستهدفًا بصفقات الاستثمار المباشر.. و5 سنوات الحد الأقصى لأجل الاستثمار

وأود الإشارة هنا إلى أن سيتي بنك في آخر أيامه وقبل تدخل الحكومة لإنقاذه عام 2009 كان يمتلك بنكًا تجاريًّا، وبنك استثمار، وشركة تأمين، وشركة تمويل استهلاكي، بالإضافة إلى عدة شركات متخصصة في كافة الأنشطة المالية، أي كان يمتلك كل شيء، وعلى الرغم من تولي شخصية عبقرية فذة لرئاسة هذا الكيان العملاق إلا أنه في النهاية لم يستطيع الجمع بين إدارة كل هذه الأنشطة بكفاءة في نهاية الأمر، وهو ما اعتذر عنه للحكومة والشعب الأمريكي في أعقاب اندلاع الأزمة المالية العالمية.

حابي: ما هي خطط التوسع الخارجي التي تستهدفها شركتكم خلال الفترة المقبلة؟

شكري: نحن مكتفون بدبي خلال الوقت الحالي.

حابي: هل ستكتفون بها حاليًا على الرغم من تأثره باضطرابات أسواق المنطقة؟

شكري: بالفعل سوق دبي متأثر للغاية خلال الفترة الأخيرة، ولكن نحمد الله أننا لا نزاول هناك نشاط التداول والسمسرة حاليًا، ولكننا ندير عمليات استحواذات واندماجات بين أطراف خليجية بالإضافة إلى نشاطنا في السوق المصرية.

مكتفون بدبي حاليًا على المستوى الإقليمي.. والتوسع بأسواق إفريقيا أكثر ملاءمة للجيل الجديد

وأرى أن أعمالنا هناك تسير بوتيرة جيدة ومناسبة لأهدافنا، وأعتقد أننا حققنا نجاحًا، فتنفيذنا لعمليات بعيدة عن السوق المصرية جميع أطرافها من غير الكيانات المصرية دليل على نجاحنا، حيث كان من المتاح أمام هؤلاء الأطراف اللجوء لأحد بنوك الاستثمار العربية أو الأجنبية العاملة بهذه الأسواق.

حابي: هل تنوي التوسع في أسواق القارة الإفريقية خلال السنوات المقبلة؟

شكري: أعتقد أن هذه التوسعات أكثر ملاءمة للجيل الجديد، فأنا أعمل حتى الآن بدافع حبي الشديد لهذه المهنة ولا أتخيل نفسي في العمل بمهنة أخرى، وأرى أنها مهنة عظيمة، خاصة وأنها تتيح للشخص التأثير على قرارات اقتصادية هامة ومفيدة للمجتمع، كما أنها مهنة تتسم بالأناقة والرقي، ولكنها تحتاج للفهم الجيد والتعامل بحكمة.

حابي: كم صفقة استحواذ واندماج تديرها شركة HC خلال الوقت الحالي؟

شكري: ندير حوالي ثماني صفقات، في القطاع الصناعي والرعاية الصحية وقطاع الأغذية والمشروبات، قطاع البترول، واللوجيستيات بالإضافة إلى قطاع الخدمات المالية، وتتراوح قيمة كل صفقة ما بين 25 – 75 مليون دولار أمريكي.

حابي: هل تستهدفون المنافسة على الطروحات الحكومية المرتقبة؟

شكري: نتقدم عند دعوتنا للمنافسة على العمليات الحكومية، وبالفعل تمت دعوتنا مؤخرًا للمنافسة على طرح حصة جديدة من شركة سيدي كرير للبتروكيماويات.

حابي: هل تفضل خوض شركة HC للمنافسة على إدارة هذه الطروحات بشكل مستقل، أم عبر التحالف مع أحد بنوك الاستثمار؟

شكري: ننظر لكل حالة على حدة، وبالفعل خضنا المنافسة من قبل عبر التحالف مع أحد البنوك الخارجية، وليس لدينا مشكلة في التحالف مع آخرين في المنافسة على الطروحات المرتقبة.

حابي: ما هي الشركات التي تتصدر اهتمامات واستفسارات عملائكم كبنك استثمار خلال الفترة الحالية، خاصة وأن الحكومة بدأت الاستعداد لاستئناف برنامج طروحات الشركات الحكومية بالبورصة؟

شكري: لم نتلقَّ استفسارات على قطاعات أو شركات محددة بعينها، ولكننا نعتمد على بحث ودراسة الفرص بصورة جيدة قبل عرضها على العملاء.

حابي: هل تجهزون لطروحات جديدة بالبورصة خلال الوقت الحالي ضمن الصفقات التي تعملون عليها؟

شكري: لا، جميعها صفقات اندماج أو استحواذ بشركات مغلقة.

حابي: تسعى الحكومة ممثلة في وزارة قطاع الأعمال لطرح إدارة شركة مصر الجديدة للإسكان ضمن خطة طرح حصة جديدة منها بالبورصة المصرية خلال الفترة المقبلة.. هل ترى في هذا الطرح فرصة لشركتكم؟

شكري: أرى أنها فرصة استثمارية جيدة جدًّا لإحدى شركات التطوير العقاري، وأعتقد أن دخول مستثمر مالي مثلنا سيتطلب تفرغه بصورة كبيرة لإدارة هذا الكيان الكبير مما قد يؤثر على أنشطته الأخرى، ولذلك أجدها فرصة أكثر ملاءمة لمطور عقاري.

حابي: أين تقع أنشطة التصكيك وصانع السوق على خطة توسعات HC خلال الفترة المقبلة؟

شكري: في الحقيقة أني غير مهتم بهذه الأنشطة في الوقت الحالي، ونحن مكتفون بالحصول على رخصة الشورت سيلينج حاليًا من بين الأنشطة الجديدة بسوق المال.

حابي: لماذا لا تهتم بالحصول على تراخيص هذه الأنشطة، وكيف ترى ضعف الاقبال عليها أو تراجع حماس الشركات تجاهها على الرغم من ترقب السوق لتفعيلها سنوات طويلة؟

شكري: هل ترون أنتم أن هناك أي فكرة من الأفكار التي سطع نجمها خلال العشرين عامًا الأخيرة تم تنفيذها؟!

السوق أصبحت تعاني منذ سنوات، وأعتقد أنه بحاجة لمساحة أكبر من الحرية، حتى يستطيع الانطلاق من جديد.

حابي: ما هي الروشتة الاقتصادية التي توصي بها خلال الوقت الحالي، خاصة بعد انتهاء المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإنهاء المرحلة الأخيرة من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

شكري: لا بد أن نعمل حاليًا بتركيز كبير على جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، فهذا هو التحدي، لأننا لن نستطيع الاستمرار في تحقيق نمو اقتصادي بناءً على الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية فلا يمكن الاكتفاء بذلك فقط، ولمواصلة تحقيق النمو نحتاج لجذب القطاع الخاص للقيام بدوره في العملية الإنتاجية.

حابي: هل تقترح منح حوافز للقطاع الخاص؟

شكري: بالطبع يحتاج القطاع الخاص لبعض الحوافز الاستثمارية من الحكومة خلال الفترة الحالية.

فهناك بعض الدول التى تمنح المستثمرين الأراضي مجانًا ولكن مع فرض عدد من الاشتراطات، كإلزام المستثمر بأن يكون 50% من مدخلات ومكونات الإنتاج محلية على سبيل المثال، إلى جانب إلزام الشريك الأجنبي بتعيين وتدريب عدد معين من العمالة المحلية.

وفي رأيي، هذه الاشتراطات أهم بكثير من بيع الأراضي بمقابل مجزٍ، حيث إن إلزام المستثمر بتشغيل عمالة واستخدام مكونات إنتاج محلية أكثر نفعًا للاقتصاد القومي ومن شأنه تحسين مستوى معيشة المواطنين بصورة ملحوظة ومستقرة.

فعلى سبيل المثال مصنع شركة سامسونج ببني سويف، يقوم بتصدير منتجات للخارج قيمتها مليار دولار، وجزء كبير من مكونات إنتاج سامسونج مستورد من الشركة الأم، ونحن نستفيد بتوظيف العمالة المحلية في المصنع، ولكن لو تصورنا أننا منحناهم الأرض مجانًا في مقابل استخدام نصف مكونات الإنتاج من السوق المحلية، مع العمل على دعم تصنيع هذه المكونات محليًّا سنكون في حال أفضل.

إن الدول التي حققت طفرات اقتصادية مثل دول جنوب شرق آسيا اعتمدت إلى حد كبير على استقطاب الشركات عابرة القارات كقاعدة تصديرية لها مع محاولة تدبير جزء كبير من المكونات من السوق المحلية. هذا بالإضافة إلى أن بعض الشركات المحلية قادرة على المنافسة والتصدير للخارج إذن اعتمدت هذه الدول على طريقتين في بناء صادراتها، إما عن طريق الشركات المحلية القادرة على المنافسة في الخارج، أو عبر الشراكة مع الشركات الأجنبية بالمكون المحلي.

ولكي نحقق النمو المستهدف فيجب إذن أن ننمي صادراتنا غير البترولية كما أنه يجب علينا جذب الاستثمارات الخارجية لأن المدخرات المحلية لا تستطيع وحدها تحقيق المستهدفات.

حابي: هل تتوقع حراكًا أكبر في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة، خاصة مع توقعات خفض أسعار الفائدة على الودائع والقروض بعد تراجع معدلات التضخم؟

شكري: أتمنى ذلك، والسوق بحاجة لخفض أسعار الفائدة، ولكنها ليست العائق الوحيد، وأعتقد أننا بحاجة للقضاء على البيروقراطية وتوجه الدولة للسماح للقطاع الخاص بالعمل بحرية ودون منافسته.

حابي: ما تقييمك لحجم مساهمة تعافي سعر الجنيه أمام الدولار خلال الفترة الماضية في تراجع البورصة المصرية، مقارنة ببعض العوامل الأخرى كارتفاع أسعار الفائدة وملف الضرائب وتراجع نتائج أعمال الشركات؟

شكري: كان من الممكن أن يتعافى الجنيه دون أن يؤثر سلبًا على البورصة إذا كان مرتبطًا بتحسن النشاط الاقتصادي بصفة عامة ونتائج أعمال الشركات.

فهناك طرق كثيرة لتوفير النقد الأجنبي، أفضلها من خلال التصدير والاستثمارات المباشرة. وفي الحقيقة نحن استفدنا خلال الفترة الحالية من الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة، إلا أنها استثمارات قصيرة الأجل، ولكن الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو عوائد التصدير هي الأكثر نفعًا واستقرارًا. كما أن تحسن إيرادات السياحة وإنتاج البترول وتحويلات المصريين في الخارج ساهمت بشكل كبير في تكوين رصيد جيد من النقد الأجنبي.

حابي: ما هي آخر تطورات أعمال الصندوق السيادي المصري بصفتك عضوًا بجمعيته العمومية؟

شكري: لم تجتمع الجمعية العمومية للصندوق، ولا توجد تطورات جديدة بخلاف المعلن عنها رسميًّا.

حابي: ما هي أهم توصياتك للصندوق السيادي؟

شكري: لا بد أن يعمل الصندوق السيادي على الاستغلال الأمثل لأصول الدولة غير المنتجة وتحويلها إلى أصول ذات قيمة، ويمكن بيعها بأرباح جيدة.

وأرى أنه من الضروري النظر للصندوق السيادي كمنشأة هادفة للربح، وكونه صندوقًا مملوكًا للدولة فهو يتمتع بوضع مميز يمكنه من استقطاب ومخاطبة وجذب شركاء على مستوى عالٍ عالميًّا.

كما أنه بحكم تكوينه المميز يستطيع القضاء على البيروقراطية والإجراءات المتشابكة والتي تعوق دورة نشاط الاستثمارات بوجه عام.

حسين شكري رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة اتش سي للأوراق المالية والاستثمار فى حوار مع حابي
الرابط المختصر