محسن عادل خبير اقتصادي
من الحكايات التي أصبحت شهيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك رجل أعمال ذهب إلى فندق صغير في شمال إيطاليا وحجز غرفة لمدة أسبوع مقابل ألف دولار سددها لصاحب الفندق الصغير الذي قام بدوره بسداد نفس المبلغ لصاحب السوبر مارك القريب الذي يدين له به والذي قام هو أيضًا بسدادها لصاحب المزرعة التي كانت تورد له منتجاتها والذي قام بدوره بسداد نفس المبلغ لصاحب شركة السيارات التي وردت للمزرعة جرارًا ليقوم صاحب شركة السيارات بسداد المبلغ ذاته لصاحب الفندق الصغير الذي كان قد قضى فيه أسبوعًا احتفالًا بذكرى زواجه، وتختتم الحكاية بأن رجل الأعمال لم تعجبه الغرفه فقام بسحب الألف دولار ورحل عن القرية رغم ذلك كان الجميع قد قام بسداد ديونه.
دلالات هذه القصه ظهرت بشكل واضح خلال الأيام القليلة الماضية عندما بدأ الجميع يتحدث مرة أخرى عن حرب عملات تشتعل من ناحية الشرق حيث بدأ الكل يبرز مخاوفه من ارتفاع حدت الضغوط على الاقتصاد العالمي المتداعي في الأساس تحث وطأة مخاوف ركود اقتصادي تطل برأسها على كافة دول العالم مما يجعل أي تغيرات حادة في السياسات النقدية أشبه بممارسة مباراة لكرة القدم مع استبدال الكرة بقنبلة منزوعة الفتيل فيربح الفريق الذي ينجح في تفجير القنبلة في الفريق الآخر.
ظهور حرب العملات حاليًا ليس بأمر مفاجئ ولكنه يثير المخاوف الاقتصادية القديمة من أن استخدام الادوات النقدية سيكون هو البديل عن معالجة الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية والحروب التجارية المستمرة من عقود وتغير النماذج الاقتصادية والتي تحتاج الآن إلى مراجعة جذرية ليس فقط على مستوى قصير المدى ولكن بتحولات جذرية في الأسس التي تستند إليها، ولا أتصور أن الفترة الحالية التي يحتاج الجميع فيها إلى معرفة أن مسكنات تغيير السياسات النقدية قد تمثل محفزًا للنمو على المدى القصير ولكنها لن تعالج المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدول.
المثير للاهتمام أن الاستراتيجيات التي بدأت الدول تواجه بها الأزمات الاقتصادية بعيدًا عن تحركات السيولة النقدية وأسعار العملات والتي دائمًا ما تثير مخاوف التحرك في مستويات التضخم مما قد يؤدي إلى آثار سلبية عميقة المدى إذا لم تدر السياسات النقدية بحكمة, قد تشابهت كثيرًا في ظل محدودية البدائل.
فإذا نظرنا إلى النموذج الروسي الذي تضرر كثيرًا من العقوبات الأوربية والانخفاض الحاد في أسعار النفط فإنه قد اعتمد بشكل أساسي على عدة استراتيجيات أهمها ضغط الإنفاق وتوفير تمويل مصرفي رخيص لتنمية الصناعات خاصة الصغيرة والمتوسطة مع تخفيض ملكية الدولة في بعض استثماراتها والعمل على فتح شراكات واسعة النطاق حول عدد من القوى الاقتصادية والتجارية ويضاف إلى هذا محاولة تقوية السيولة المحلية في القطاع المصرفي والحد من الواردات الخارجية إلى جانب تشجيع الاستهلاك المحلي والتقليل من الاقتراض الخارجي قدر الإمكان ورفع الفائدة محليًّا لإعادة دعم العملة أو تقييم استراتيجية لدعم العملة بصورة مستمرة في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية مع وضع سياسات لاستهداف التضخم والحد منه.
الأكيد أن النموذج الروسي يتشابه بصورة كبيرة مع الاستراتيجيات التي اتبعتها مصر لمواجهة الأزمة ذاتها مع الأخذ في الاعتبار أن مصر أضافت إلى تلك السياسات العمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة في ظل كون الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحكمها محددات قد تجعل من مصر عنصرًا جاذبًا لها في ظل تمتعها بموارد وموقع جغرافي واستراتيجي يؤهلها لمزيد من الاستثمارات خلال الفترة القادمة.
بالتأكيد فإن جميعنا لا يرغب في أن يواجه أزمة فندق شمال إيطاليا إذا ما حدث لدينا إفراط في سياسات غير مدروسة للإقراض أو الإفراط في معالجة أزمتنا في السياسات النقدية.
منذ أيام قليله قالت «فايننشال تايمز» إن التحدي الأكبر الذي يواجه القاهرة والعديد من الحكومات الأخرى في المنطقة يتمثل في التحرك إلى ما هو أبعد من الإصلاحات المالية والعمل على تحسين البنية التحتية والتعليم وإزالة الحواجز والعقبات أمام الأعمال والشركات وتحفيز مستويات الاستثمارات المطلوبة لخلق الوظائف.
وتقول مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري «العديد من الإصلاحات في مصر كانت في المجال المالي وهو أمر ضروري، رغم أنه لا يزال هناك الكثير من التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد» وهو ما يستلزم الإسراع بخطط الإصلاح الاقتصادي الجديدة في هذه المرحلة مع تحول سريع نحو الاستثمار التكنولوجي وتطوير لقطاع الخدمات وتحفيز لقطاعات الاستهلاك الداخلي مع زيادة الصادرات والإحلال محل الواردات وزيادة معدلات الجذب الاستثماري والعمل علي تنويعها.