لُقْمة بربع جنيه مخروم..!!

aiBANK

بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

جاء رد فعل الكثيرين مخزيا ومحبطا ومخيبا للآمال.. تجاه مقدار الانخفاض الذي جرى في أسعار البنزين بجميع أنواعه بفعل “تطبيق آلية التسعير التلقائي” لأول مرة.. تزامنا مع تأكيد الحكومة إقدامها على اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الظروف المعيشية استجابة لمطالب المواطنين.

E-Bank

للأسف.. كان المنتقدون لهذا الإجراء إما جاهلين بحقيقة ما يحدث وتفسيراته وخلفياته وأبعاده الفنية والعلمية.. أو مغرضين يحاولون استغلال “صدمة القرار” سياسيا في الدق على أوتار آلام وأحلام البسطاء وتأليبهم.. بعد أن فشلوا قبلها بأيام في إستثارة غضب الناس ودفعهم دفعا إلى الشوارع في مواجهة الدولة.

فأفرغ هؤلاء المغرضون إجراء خفض أسعار البنزين من كل دلالاته ومضامينه الاقتصادية والسياسية الإيجابية.. وأوهموا العامة بأنه ليس إلا “لقمة بربع جنيه مخروم” تلقى بها الدولة في أفواههم لتمتص غضبهم.. وهذه مغالطة كبيرة.. وخبيثة.

•• بداية
لا يمكننا إنكار الظروف الاستثنائية التي صدر فيها قرار خفض أسعار البنزين.. وأن هناك حالة احتقان فعلية تعيشها الأغلبية من الطبقات الاجتماعية التي تحملت الكثير من الإنهاك وشظف العيش بسبب قسوة إجراءات الإصلاح الاقتصادي.

وكم نادينا من قبل بضرورة الانتباه الى خطورة الضغط الدائم على طبقات المجتمع الدنيا والمتوسطة.. وتحميلها كل فاتورة الإصلاح “من باب العشم” في وطنيتها أو حبها.

كما نادينا بأن ليس هناك ما يمنع أن يسير الإصلاح في خطين متوازيين.. بحيث يتم التوازن بين تلبية احتياجات الناس في تحسين ظروف معيشتهم والسير قدما في نفس الوقت في تنفيذ خطط ومشروعات تنمية وبناء الدولة.

كما قلنا من قبل إن أحداث الأسابيع الثلاثة الماضية قد دقت جرس إنذار.. كما ضرب خلالها المصريون ـ كعادتهم ـ أروع مثال للوطنية والصمود والوعي في مواجهة دعوات التخريب والتحريض والفتن.

وقلنا أن هذا الشعب من حقه أن تَسعَد به مصر وتُسعده.. وأنه قد يكون من المناسب اتخاذ إجراءات لتخفيف أعباء المعيشة.. من بينها خفض أسعار المحروقات في ظل المتغيرات التي مهدت لذلك.. كإنخفاض الأسعار العالمية للبترول وإرتفاع أسعار صرف الجنيه وتزايد الإيرادات النفطية الناتجة عن إستغلال الاكتشافات الجديدة في حقول غاز البحر المتوسط.. وما ترتب عليها أيضا من وفر في تكاليف استيراد احتياجات الاستهلاك من الغاز الطبيعي الذي حققنا منه الآن الكتفاء الذاتي الكامل.

•• لكن
علينا أن نفهم أن خطوة كهذه لا بد لها من آلية تنفيذ محكمة وغير عشوائية.. لأن المحروقات والمنتجات النفطية ليست قطعة “حلاوة طحينية” في يد بقال يستطيع خفض سعرها بأي قدر وفي اي وقت من أجل كسب رضا الزبائن وودهم.. كما أن كل قرش سيجرى تخفيضه من أسعار المحروقات سيكون له انعكاس مباشر على موازنة الدولة بشقيها.. الإيرادات والاستخدامات.. ومن أجل ذلك كانت “آلية التسعير التلقائي” التي لجأت الحكومة الى تطبيقها لتحديد الأسعار الجديدة للبنزين.

تلك الآلية التي يجب فهمها جيدا قبل التسرع في اتخاذ مواقف سلبية محبطة تجاه ما حدث.. وهي الآلية التي تقوم فكرتها ببساطة ووفقا لما يحدث في دول عديدة تأخذ بها.. على وضع معادلة سعرية.. “تأخذ في الاعتبار بأسعار البترول العالمية وسعر صرف الجنيه أمام الدولار بالإضافة إلى أعباء التشغيل داخل مصر.. بحيث تسمح بارتفاع وانخفاض سعر المنتج بحسب التغير في عناصر التكلفة.. وفي حدود لا تزيد أو تقل عن 10%.. بما يساهم في خفض تكلفة دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة”.

•• وهنا
علينا أن نتفهم النقاط التالية:

• ان الأسعار الجديدة للبنزين تم تحديدها وفقا لمتوسط التغير في سعر الخام وسعر الصرف خلال المدة من بداية سريان الموازنة التي يتم فيها تحديد قيمة الدعم وفقا للأسعار السائدة وقتها.. باعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي تطبق فيها الآلية.

• ان تقديرات الموازنة لبند دعم المحروقات كانت قائمة على أساس 68 دولارا لبرميل النفط و16.80 قرشا للدولار.. وتم تخفيض أسعار البنزين على أساس متوسط 62 دولارا للبرميل و16.60 جنيه للدولار.. وليس على أساس السعرين الحاليين وهم 56 دولارا للبرميل و16.20 جنيه للدولار.

• وللعلم ستكون هذه الآلية مفيدة لو حدث العكس وارتفعت الأسعار العالمية أو سعر الصرف.. حيث سيتم احتساب النسبة أيضا وفقا للمتوسطات.. وبذلك لا يكون الارتفاع كبيرا في أسعار المحروقات.

• للعلم أيضا.. فإن أسعار البنزين قبل الانخفاض الأخير كانت أقل من الأسعار العالمية.. وهذا لابد أن يؤخذ في الاعتبار عند إعادة التسعير.. والدليل على ذلك أنه عندما أعلنت الحكومة في يوليو الماضي عن إطلاق آلية التسعير التلقائي للوقود وبدء تطبيقها اعتبارا من بداية اكتوبر الجاري.. نص القرار الذي تم نشره في الجريدة الرسمية على أن تطبق هذه الآلية على منتج بنزين 95 فقط.. دون باقي المنتجات التي مازالت الدولة تدعمها بنسب أقل.

• إن القول بأن هذا المبلغ بسيط وأن ذلك لا يحدث في غيرنا من الدول التي تأخذ بآلية التسعير التلقائي.. مردود عليه بأن دولة كالإمارات العربية المتحدة قررت في سبتمبر الماضي خفض سعر البنزين الممتاز الى 2.30 درهم بعد أن كان 2.53 درهم في يونيو.. أي بفارق 23 فلسا (أقل من ربع درهم).. والبنزين العادي إلى 2.18 درهم بعد أن كان 2.42 درهم .. بفارق 24 فلسا (أقل من ربع درهم أيضا) .. مع العلم ان سعر صرف الدرهم لم يرتفع مثل الجنيه.

ومع الأخذ في الاعتبار بالفارق الكبير في مستويات الدخل وفي القيمة الشرائية للعملة.. حيث لا يمثل هذا الفرق البسيط جدا في السعر أي شئ بالنسبة للمواطن الإمارات.. وقد حدث ذلك أيضا في كل من دولة قطر وسلطنة عمان.. وبنفس النسب تقريبا.

• لا يفوتنا التأكيد على أنه كان الأولى بـ “لجنة متابعة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية” التي احتسبت الأسعار الأخيرة أن يتم التخفيض وفقا لنسبة مئوية تحددها وتختلف قيمتها من منتج لآخر حسب سعره.. وليس وفقا لمبلغ تخفيض ثابت (25 قرشا) على جميع المنتجات.. وهو ما خلق لغطا واسعا حول آلية التسعير.

•• على أي حال
نرى أن الأمر الآن بات يتطلب استدعاء ممثلي الحكومة.. وتحديدا ممثلي لجنة متابعة آلية التسعير الى البرلمان.. لتوضيح حقيقة ما جرى وشرح أبعاده.. كما نرى أنه من الظلم.. ومن الحماقة أيضا.. استمرار البعض في اختزال قرار تخفيض أسعار البترول في أنه مجرد “لقمة بربع جنيه مخروم”.. دون النظر الى دلالته العظيمة في إثبات أن مصر تمضي بنجاح في طريق الإصلاح الاقتصادي.. وهو ما تعكسه أرقام المؤشرات العامة للاقتصاد.. وهذا هو الأهم.

الرابط المختصر