اقتصاد البيانات.. الكنز المصري المفقود

aiBANK

بقلم محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار – نشر موقع “أرقام” مؤخرًا تحقيقًا تفصيليًّا عن اقتصاد البيانات مبنيًّا علي دراسة لجامعة “هارفارد” حيث تشير الدراسة إلى أنه من المتوقع أن يولّد “اقتصاد البيانات” نحو 13 تريليون دولار في عام 2030 ليتفوق في ذلك التوقيت على كل ما عداه من الصناعات التقليدية بل وفي اقتصاد الخدمات مثل الاتصالات على سبيل المثال.

وتشير الدراسة إلى أن المشكلة الرئيسية التي تعترض اقتصاد البيانات أنه أقل استقرارًا من نظيره التقليدي، حيث إن 77% من التطبيقات تفقد غالبية مستخدميها خلال الأيام الثلاثة الأولى فحسب لتنزيلهم للتطبيق، بينما في 30% من الحالات في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا يعيد المستهلكون تشغيل التطبيق أو برنامج الكمبيوتر بعد تنزيله لمرة ثانية.

E-Bank

وعلى الرغم مما توفره “بلوك تشين” من مزايا في مجال تبادل البيانات بحرية أكبر وبشكل غير مركزي، إلا أنها كذلك تجعل الكثير من مقدمي البيانات لا يستطيعون السيطرة على منتجاتهم بأي شكل، خلافًا لـ”البيانات الضخمة” مثل “جوجل” التي تضع خوارزميات محددة لتحديد أولويات البحث يمكن للجميع السير عليها لضمان تسويق منتجاتهم بصورة أكبر ووصول المستهلكين لها بسهولة.

ولذلك وعلى الرغم من توقع الدراسة لسيادة تكنولوجيا “بلوك تشين” خلال 10 سنوات فحسب من الآن، إلا أنها تشكك أيضًا في إمكانية حدوث ذلك بـ”السهولة المتوقعة” بسبب المعارضة التي ستظهر من العديد من القوى الاقتصادية في العالم، والتي سيهددها بالطبع حالة اللامركزية الطاغية على “بلوك تشين”.

وتصل توقعات الدراسة إلى حد التنبؤ بضرورة فصل ناتج البيانات عن الناتج الحقيقي بحيث يظهر مؤشر “ناتج البيانات الإجمالي” معتبرة أن في ذلك حماية للاقتصاد التقليدي من طغيان الاقتصاد الحديث عليه بفصل المؤشرات وجعلها أكثر وضوحًا بما يسهم في سن سياسات تحفظ للاقتصاد توازنه بدلًا من الاهتمام بنسبة النمو فحسب.

وتضع دراسة “هارفارد” المنشورة بموقع أرقام أربعة معايير رئيسية لترتيب الدول في اقتصاد البيانات وتشمل:

الحجم: كلما زاد ما يولده بلد ما من بيانات وما يستهلكه أيضًا كان ذلك مؤشرًا على اندماجه في اقتصاد البيانات بصورة أكبر.

ولهذا يتضح تفوق الدول المتحدة باللغة الإنجليزية في هذا المجال بصورة كاسحة، فعلى الرغم من أن الدول الناطقة بالإنجليزية لا تتعدى 20% من سكان الأرض، إلا أن ما نسبته 55% من محتوى البيانات حول العالم باللغة الإنجليزية بينما تتقاسم بقية اللغات النسبة الباقية.

الاستخدام: أو عدد المستخدمين النشطين على الإنترنت وبطبيعة الحال كلما زاد عدد المستخدمين (وليس نسبتهم قياسًا إلى عدد السكان فحسب). وهنا تبرز الصين والهند بطبيعة الحال، غير أن دولًا مثل الولايات المتحدة وسويسرا تبقى في مكانة عالية بسبب النسبة العالية للمستخدمين (89% من السكان في أمريكا).

سهولة الوصول للبيانات: ولذلك علاقة بالعديد من العناصر ومنها جودة وسائل الاتصال وتقدمها وحرية الإنترنت وقوانين المعلومات ونسبة المواقع المحظورة وغير ذلك من عناصر تحديد سهولة الوصول للمعلومات. وتتفوق الدول الإسكندنافية تمامًا في هذا المجال بلا أي محظورات تقريبًا في مجال البيانات.

متوسط الاستهلاك والإنتاج: متوسط الاستهلاك والإنتاج للفرد أيضًا يؤثر في ترتيب الدولة من بين منتجي البيانات، وفي ذلك يتفوق المواطن الأمريكي بإنتاجه أكثر من ضعف المعدل العالمي لإنتاج البيانات واستهلاك ثلاثة أضعاف المعدل نفسه.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتصدر اقتصاد البيانات عالميًّا كما تتصدر الاقتصاد التقليدي، إلا أن الصين تأتي ثالثًا وليس ثانيًا كما هو متصور، حيث تحل المملكة المتحدة ثانيًا مستفيدة من عنصر اللغة الإنجليزية العالمية التي تعينها على تسويق البيانات بصورة أيسر وتأتي سويسرا رابعة وكوريا الجنوبية خامسة لتبرز دول مثل التشيك ونيوزيلندا والأرجنتين وتشيلي وبولندا والمكسيك في قائمة أقوى 30 دولة في اقتصاد البيانات حول العالم على الرغم من أن بعضها قد لا يكون من القوى الاقتصادية التقليدية.

وترى الدراسة ختامًا أن ترتيب الدول قد يخضع لتغييرات كبيرة ومفاجئة بسبب الطبيعة غير المستقرة –حتى الآن- لاقتصاد البيانات، بما قد يعطي صورة مستقبلية مختلفة تمامًا لهذا الاقتصاد في المستقبل القريب.

إن الأمر يحتاج الآن إلى إعادة نظر شاملة في الإمكانيات التي تحتاج إليها مصر حاليًا لاستخدام البيانات الضخمة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقديم القروض حيث يستلزم ذلك إلى البيئة التنظيمية التي تسهل توليد كمية هائلة من البيانات.

وأتصور أن ذلك أمر ليس بعيد المنال في ضوء الخطوات الحالية التي تقوم بها مصر في هذا المجال خاصة إذا تزامنت تلك المتغيرات مع صدور بنك الاستثمار العالمي مورجان ستانلي حول الاقتصاد المصري مشيرًا إلى أن الاستهلاك لم يعد هو قائد النمو كما كان الوضع حتى 2015، ولكن مع ارتفاع سعر صرف الجنيه في 2019 وانتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادي، تبدأ معدلات الاستهلاك في التعافي.

كل هذا جعل مصر قصة إصلاح اقتصادي عظيمة في عيون الأسواق العالمية مع الإشارة إلى التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصري الذي تجاوز مرحلة الإصلاح المالي، ما يتيح مساحة أكبر لدعم وتحسين تنافسية القطاع الخاص، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ونحن نعتقد أن مصر في طريقها لانطلاقة أكبر.

أرى هذا الاتجاه حاليًا كرؤية حقيقية تقوم بها مصر كنتيجة لتطوير بنية الدولة ضمن عملية التحول الرقمي لأجهزتها، في ظل تأكيد الدوله على أن عملية التحول الرقمي للدولة هي مسألة “أمن قومي” وأن التأخر في التحول الرقمي، ترتب عليه التراجع في عدة مجالات، وإن مصر ستكون قادرة من خلال هذه المنظومة الجديدة على رؤية الواقع وتحسين أداء الدولة بشكل يليق بمصر خلال السنوات القليلة المقبلة.

الرابط المختصر