هل كنت مستعدا؟

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ لم يكن يتوقع أي إنسان منذ أسابيع قليلة أن يدخل العالم في حظر تجول جزئي أو كامل لمدة أسابيع، لا أدري إن كان هناك من صور حتى في أحد أفلام الخيال العلمي السماوات التي لم تخترقها طائرة وطبقة الأوزون الآخذة في التعافي إلى آخر ما نسمع عنه من عجائب هذه الأيام.

ولكن من المؤكد في الأسابيع الماضية أن الجميع بغض النظر عن ثقافاتهم وأعمالهم وخلفياتهم وأعمارهم أدركوا أهمية التكنولوجيا والتحول الرقمي، حيث شئنا أم أبينا صارت التكنولوجيا هي عماد التواصل بين الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة، كما صارت هي الوسيلة الأفضل لتقديم الخدمات، وفضل الكثيرون استخدام منصات التجارة الإلكترونية عن المجازفة بالتواجد في الأسواق أو المحال التجارية والاختلاط بمن وبما لا يعرفونه.

E-Bank

بادرت المؤسسات التعليمية من المدارس والجامعات بالاعتماد على المنصات الرقمية في تقديم المحتوى العلمي والتواصل مع الطلاب ومتابعتهم ولا تزال تبحث عن الوسيلة المثلى للامتحانات إن وجدت وتقييم هؤلاء الطلاب وإن استحالت بالنسبة للكليات العملية لاستحالة التواجد وسط الإمكانات غير الرقمية اللازمة للتعليم.

بناء على ما سبق لدي بعض الملاحظات والدروس المستفادة التي يجب على المؤسسات احتوائها للاستفادة من تلك الفترة التي تبدوا للغالبية فترة خسائر لا محالة من تفاديها.

أولا: لا يمكن للمنصات الرقمية عمل كل شيء ولا يمكن أن نستعيض بها عن تجاربنا الإنسانية وتواصلنا الإنساني، فغالبية البشر يتواصل عبر المنصات وينتظر بفارغ الصبر زوال الخطر حتى يتمكن من ممارسة التواصل الإنساني الذي هو لا غنى عنه، ليس التواصل فقط بل تجربة التواجد الإنساني وسط دور عبادة وأسواق تجارية ومقاهي وطائرات وغيرها مما افتقدته إنسانيتنا، وتتوق له يوميا، أيضا في بعض من المجالات لم تسعفنا المنصات الرقمية كالتعليم العملي.

ثانيا: انقسمت المؤسسات إلى ثلاث فئات من حيث الجاهزية الرقمية والتي أعني بها استعدادهم رقميا قبل الأزمة لاستمرار الأعمال وتقديم خدماتهم وبضائعهم رقميا بالكامل دون الحاجة إلى التواجد في مقار الأعمال بصفة يومية.

الفئة الأولي هي المؤسسات التي تبنت الرقمنة منذ سنوات واختبرتها وعملت بها وغيرت من ثقافة موظفيها للتعامل وتقديم الأعمال عبر تلك المنصات، تلك الفئة هي بلا شك الفئة الأكثر استفادة، فمثلا إن رغبت في شراء مواد غذائية دون الرغبة بالمخاطرة بالذهاب إلى الأسواق فستبحث عن المتجر الذي له منصة تجارة إلكترونية للتعامل معه والحصول علي البضائع في المنزل، فلو كان متجرك المفضل قبل الأزمة جاهزا بتلك المنصة لقمت باستخدامها، أما إن كان غير جاهزا فستقوم بالبحث عن متجر آخر للشراء منه، وبذلك سيكتسب صاحب المنصة الرقمية زبائن من لم يتبن التكنولوجيا من قبل.

الفئة الثانية هي مؤسسات تبنت التكنولوجيا وكانت تظن أنها مستعدة لتلك الأزمة لكنها لم تقم بتجربتها واختبارها بالكامل، وعند حدوث الأزمة اضطرت تلك المؤسسات للاعتماد علي التكنولوجيا التي لم تعمل بكفاءة في الأيام أو الأسابيع الأولى واحتاجت إلى مزيد من الموارد الرقمية كالخوادم أو المساحات التخزينية أو السعة الاستيعابية لخطوط الاتصال، ومثال تلك المؤسسات المدارس والجامعات التي استثمرت في المنصات الرقمية و لكنها لم تدرك أو تحسب جيدا حجم الموارد الضرورية لاستيعاب دخول كل الطلبة والأساتذة وحجم ملفات المحاضرات، فكانت التجربة في بدايتها بطيئة وغير مبشرة ولكن بعد توفير تلك الموارد وتعود مقدمي ومتلقي المحاضرات صارت أفضل.

أما الفئة الأخيرة فهي الفئة التي لم تكن مستعدة إطلاقا ولم تفكر أو تبدأ في بناء المنصات الرقمية الخاصة بها ولم تعتمد علي التكنولوجيا في القيام بأعمالها، وهذه المؤسسات هي الخاسر الأكبر لأنها شبه متوقفة عن تقديم خدماتها وبضائعها وفي نفس الوقت تتحمل فاتورة مصاريفها الثابتة على أقل تقدير.

في الختام الدروس المستفادة من تلك الأزمة غاية في الأهمية، إن لم تثبت التكنولوجيا جدارتها أو قدرتها على ملء الاحتياج والتواصل الإنساني واستبداله بالكامل إلا أنها أثبتت مقدرتها على إمكانية البشر القيام بمعظم أعمالهم وتقديم خدماتهم في وقت الأزمات أو كوسيلة بديلة دائمة أسهل وأسرع وأوفر.

وعلى المؤسسات التي لم تتبن التكنولوجيا استغلال تلك الفترة في بناء المنصات والأنظمة التكنولوجية التي ستمكنهم من تقديم أعمالهم بصورة أفضل والاحتفاظ بعملائهم الذين أدركوا جيدا أهمية وكيفية استخدامها، إنها فترة مهمة لتبادل الخبرات عن كيفية الاستفادة من التكنولوجيا بصورة أفضل حتى لمن كان سابقا في المجال الرقمي.

الرابط المختصر