عمرو الألفي يكتب: عاجلا أم آجلا

aiBANK

بقلم عمرو الألفي الأمين العام للجمعية المصرية لخبراء الاستثمار (CFA مصر) _ الأزمة الآسيوية (1997)، الأزمة الروسية (1998)، الأزمة الأرجنتينية (1999-2002)، فقاعة دوت كوم (2000)، الأزمة المالية العالمية (2008)، الأزمة اليونانية (2012)، انهيار أسعار البترول (2014)، أزمة الأسهم الصينية (2015)، أزمة بريكست (2016-2020)، الأزمة التركية (2018)، أزمة الأسواق الناشئة (2018)، الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2018-2020)، وأزمة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط (2020) — ما هي إلا أمثلة من أزمات اقتصادية ومالية وسياسية ألمَّت بأسواق المال العالمية خلال آخر 25 عامًا وكان لها تأثير تجاوز حدود الدول التي بدأت بها وهناك غيرها العديد. فقد أصبح طبيعيًّا—فيما يبدو— أن نجد أزمة تلو الأخرى تقريبًا كل عام وكأنها “موضة السنة” الجديدة.

إضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض

E-Bank

وبلا شك تصبح الأزمة —أيًّا كانت— مثارًا للجدل والنقاش وتتصدر تفاصيلها عناوين الأخبار بوسائل الإعلام المختلفة، المرئية والمقروءة والمسموعة منها.

تخيل معي لو لم يظهر فيروس كورونا ولم تضع حرب أسعار النفط أوزارها هذا العام، ومع توقيع “المرحلة 1” من اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين في منتصف يناير الماضي.

كل ما سبق يجعلني أسأل نفسي سؤالًا يلح عليّ ما بين ظهور وانقشاع أزمة تلو الأخرى: “تُرى ما هو الخبر الأهم الذي كان سيتصدر المشهد العالمي؟!” ومع انشغال العالم حاليًا بجائحة كورونا التي لم تكن على بال أي قيادة سياسية أو مستثمر في العالم أجمع، نجد كل الأمور الأخرى التي كان من الممكن أن ترقى لمستوى الأزمة وقد توارت خلف الستار لحين إشعار آخر.

قد تكون أحد هذه الأمور “المرحلة 2” من اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين ضمن تلك الأمور وقد تكون العلاقة السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية وقد تكون تعامل المملكة المتحدة مع باقي دول العالم بصفة عامة ودول الاتحاد الأوربي بصفة خاصة إثر تفعيل بريكست في مطلع هذا العام.

إنما من المؤكد أن هناك من الأمور ما كان سيعكر صفو أسواق المال العالمية وإن كانت مجرد فكرة استمرار السوق الصاعد (bull market) في الولايات المتحدة لمدة تفوق العشرة أعوام وما يتبعه ذلك من تخمينات من جميع المتعاملين بالأسواق حول مدى قدرة أسعار الأسهم على الاستمرار بالارتفاع.

في الأيام الماضية حدث ما لم ندرسه قط في أي كتاب مختص بأسواق المال

في الأيام الماضية، حدث ما لم ندرسه قط في أي كتاب مختص بأسواق المال وهو ظهور أسعار سالبة في العقود المستقبلية لخام غرب تكساس الوسيط تسليم شهر مايو لتنخفض حتى سالب 37 دولارًا أمريكيًّا وهو ما تناولته وسائل الإعلام العالمية كمعجزة كونية لم تحدث من قبل. الجزء الأخير من المقولة صحيح وهو أن هذا الحدث لم يحدث من قبل بالفعل ولكن الجزء الأول منها غير صحيح بالمرة في ضوء ثلاث نقاط:

أولًا: عندما نتحدث عن المشتقات المالية التي تشتق قيمتها من تغير أسعار الأصول الأساسية كالأسهم والسندات والسلع، قد تتدخل عوامل أخرى في تسعير تلك المشتقات المالية غير أسعار تلك الأصول الأساسية.

فعلى سبيل المثال، إن انحسار الطلب على النفط بشكل عام مع انتشار فيروس كورونا وتأثر اقتصادات العالم نتيجة لذلك ومع وجود “تخمة” في المعروض من النفط أدى إلى انخفاض الأسعار متماشيةً مع النظرية الاقتصادية حتى تصل لنقطة التوازن.

ولكن وجد المضاربون أنفسهم أمام أحد خيارين، إما (أ) أن يقوموا بتنفيذ عقودهم المستقبلية فيقومون باستلام براميل النفط في مايو مع إضافة تكلفة النقل والتخزين ناهيك عن عدم توفر أماكن كثيرة لتخزين النفط بعد تكدسها خلال الأشهر الماضية نتيجة انخفاض الطلب من جهة وتخزين الدول للنفط من جهة أخرى أو (ب) أن يحققوا خسارة قريبة فيتخلصوا من تلك العقود بأي سعر كان حتى ولو كلفهم ذلك أن يدفعوا مبالغ للمشتري على الجانب الآخر. فالموضوع لم يعد سعر توازن بين قوى العرض والطلب على النفط وإنما تعدى ليكون سعر توازن لورقة مالية مشتقة لها طلب وعرض آخران.

الموضوع لم يعد سعر توازن بين قوى العرض والطلب على النفط وإنما تعدى ليكون سعر توازن لورقة مالية مشتقة لها طلب وعرض آخران

ثانيًا: مع تعدد الأزمات التي ذكرت أهمها سابقًا، هناك عامل واحد مشترك بينها جميعًا، ألا وهو الطبيعة البشرية والتي يتم دراستها بشكل علمي أكثر تحت عنوان التمويل السلوكي والاقتصاد السلوكي حيث يحاول الدارسون فهم المؤثرات النفسية والإدراكية والعاطفية والثقافية في عملية اتخاذ القرار الاستثماري والاقتصادي وبالتالي في الأسواق والاقتصادات.

فمع تكرار حدوث أزمات حول العالم وفي نفس ذات الدولة كل عدة سنوات، قد يظن البعض أننا سنكتسب مناعة من الأزمات فتقل وتيرتها مع الوقت ولكن يحدث العكس. فوتيرة الأزمات أصبحت أسرع وقد تتزامن أكثر من أزمة في الوقت نفسه في أسواق أو دول مختلفة وإن لم يتم تداركها أو التعامل معها بسرعة قد تنتشر الأزمة جغرافيًّا وقطاعيًا فيما يسمى بمصطلح “التأثر غير المباشر” (spillover effect).

المدهش أن هذا المصطلح طبي في الأساس وأصبحنا نشهده في أسواق المال والاقتصادات العالمية. فأزمة عقارية بالسوق الأمريكي انتقلت للقطاع المالي الأمريكي لتطيح بأسواق المال في دول العالم لتعرف بعد ذلك باسم الأزمة المالية العالمية.

ومؤخرًا، أزمة صحية في الصين انتشرت لدول العالم المختلفة لتؤثر على اقتصادات تلك الدول وما تبع ذلك من انهيار في أسعار الأسهم والسندات والسلع ومن ضمنها النفط على حد سواء حيث تغلبت الطبيعة البشرية أيضًا في اتخاذ القرار الاستثماري للهروب من المجهول والاتجاه لتجميع النقدية والذهب كملاذ آمن.

عدد الأزمات التي مر العالم بها خلال 25 عامًا فقط يجعلنا نخلص إلى نتيجة منطقية وهي أنها تنتهي ولو بعد حين

ثالثًا: نظرة سريعة على عدد الأزمات التي مر العالم بها خلال فقط 25 عامًا يجعلنا نخلص إلى نتيجة منطقية وهي أن الأزمات تنتهي ولو بعد حين وأن الأزمات ستحدث كل فترة شئنا أم أبَينا.

فأزمة كورونا ستمر بإذن الله وكذلك أسواق النفط ستعود لمستويات أعلى بعد تعافي الاقتصادات من تبعات كورونا وسيعود المستثمرون (تذكَّر الطبيعة البشرية) للأصول الخطرة مثل الأسهم والسندات.

قد يتساءل البعض عن التوقيت، ولكن مع تعدد العوامل المتغيرة في الوقت الحالي الإجابة المنطقية هي “عاجلًا أم آجلًا”.

الرابط المختصر