كريم هلال يكتب: ماذا بعد الكورونا؟

لا أعتقد أنه بإمكاننا في الوقت الحالي قياس أو تقييم الأبعاد والآثار طويلة الأجل

aiBANK

بقلم كريم هلال العضو المنتدب لقطاع التمويل المؤسسي وعلاقات المستثمرين بشركة كربون القابضة ورئيس الجمعية المصرية الآسيوية للأعمال _ يمر العالم بما يمكن أن يشار إليه بأصعب وأهم حدث منذ الحرب العالمية الثانية خاصة من حيث ما بدأت ملامحه تظهر بالفعل من قلب موازين القوى في العالم والتغير المترقب في ديناميكية وتشابك العلاقات والتحالفات الدولية.

إضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض

E-Bank

في غضون أسابيع قليلة توقفت دولايب ماكينة الإنتاج في جميع أركان العالم بصورة مفاجئة وشبه كاملة، كاشفة بذلك وبشكل غير متوقع عن هشاشة ما يسمى بنظام العولمة.

لا أعتقد أنه بإمكاننا في الوقت الحالي قياس أو تقييم الأبعاد والآثار طويلة الأجل لأزمة الكورونا هذه، والمقصود هنا ليس فقط التوابع والخسائر الاقتصادية، ولكن قد تكون الأهم الأبعاد السياسية والاجتماعية سواء من منظور عالمي شامل، أو من منطلق كل دولة على انفراد.

إني على قناعة أو قد يكون أمل، بأننا على مشارف نظام عالمي جديد ومختلف، حيث إنه ظهر بجلاء أن المعطيات والنظام الحالي أثبت فشله، ونرى الآن أن جميع دول العالم تعاملت مع هذه الأزمة بأساليب وسياسات مختلفة، وبحسب قدرات كل دولة ومواردها، وأيًّا كانت هذه الإجراءات فهي وبلا جدال أتت بتكلفة اقتصادية باهظة للغاية، بل ومنهكة إلى حد الخطر لبعض البلاد النامية الأقل قدرة من ناحية الأموال والإمكانيات.

أزمة 2008 كانت محددة في قطاع مالي ومصرفي ومعروف كيف بدأت

يشبه كثيرون الوضع الحالي بالأزمة المالية العالمية في عام 2008، وقد أختلف مع هذا الرأي لسببين، الأول أن أزمة 2008 كانت محددة في قطاع مالي ومصرفي معروف كيف بدأت وكيف سمح لها بالتوحش الذي وصلت إليه دون رقيب وبدون ضمير، وفي النهاية فالصغير هو من دفع الفاتورة.

والسبب الثاني أن الوضع يختلف هذه المرة حيث إنه أشبه بموجات التسونامي التي تطيح بكل من يأتي في طريقها في موجات متتابعة ومتتالية وبسرعة قياسية وبشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث، ومن الواضح أن التكلفة الاقتصادية هائلة، ولا تحصى في الوقت الحالي، وبدون أي تمييز بين قطاع وآخر أو فئة وأخرى على مستوى العالم.

ووفقًا لدراسة صدرت مؤخرًا من جامعة لندن للأعمال London Business School، فإن التوقعات لأكثر القطاعات تأثرًا وتوقعات بدء تعافيهم كالآتي “الترتيب حسب الأكثر تأثرًا”:

قطاع السياحة سيبدأ التعافي بالربع الأخير من العام الجاري.

قطاع الطيران سيبدأ التعافي بالربع الثالث أو الرابع.

قطاع الطاقة سواء النفط أو الغاز سيبدأ التعافي بالربع الثالث.

صناعة السيارات ستبدأ التعافي بالربع الثاني أو الثالث.

المنتجات الاستهلاكية ستبدأ التعافي في الربع الثاني.

السلع الاستهلاكية المعمرة ستبدأ التعافي بالربع الثالث.

ويجب الإشارة إلى أن هذه التوقعات لا تزال مرهونة بمدى استمرار الوضع الذي نحن فيه الآن.

وفيما يخص منطقتنا بالشرق الأوسط وخاصة مصر، فإن هذه الأزمة تسلط الضوء بصورة مباشرة على العديد من أوجه القصور والتي ما هي إلا نتيجة طبيعية لعقود سابقة من الإهمال والفساد الصارخ وسوء الإدارة والإهدار خاصة في:

التعليم وهو حجر الأساس لوعي وإدراك الشعوب وتعظيم إحساسها الجماعي بالمسؤولية، وأعتقد أننا جميعًا قد لمسنا هذا في الأسابيع الماضية.

الصحة، خاصة وأن الأمان الصحي هو أهم وأول حقوق كل مواطن من أي دولة، وكلنا يعرف مدى قصور المنظومة الصحية بمصر سواء من حيث الكم أو الكيف، التي يعاني منها بشكل غير آدمي الغالبية العظمى من المواطنين غير القادرين، وفي الوقت نفسه يجب أن ندرك أن شأنه شأن التعليم، فإصلاح هذه التركة المهولة بالأثقال والأحمال سيأخذ وقتًا طويلًا وموارد هائلة.

أعتقد أن حتمية وضرورة الارتقاء العظيم والسريع لهذه الجوانب سوف يتصدر الموقف وأولويات الإنفاق ما بعد كورونا، وسيصاحب ذلك بالضرورة الإسراع وتعظيم الجهود والموارد لرقمنة المجتمع، وهو بالفعل أحد المستهدفات الحالية ضمن منظومة الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي يجب أن يظل هدفه الأساسي هو توفير الحياة الكريمة بكل أساسياتها في علم وصحة وعمل وبنية تحتية لكل مواطن.

العالم الآن يقف عند مفترق طرق، هل يسلك مسار التعاون وتوحيد الجهود كنظام عالمي متوافق بين مكوناته وأعضائه، أم نشهد صعودًا جديدًا للنزاعات الإقليمية، وكل دولة تنظر لمصلحتها فقط ومن أضيق الحدود؟ ما زالت الإجابة غير واضحة ولن تظهر إلا في الشهور القادمة.

وبغض النظر عما يسفر عنه الوقت، فإن الحقيقة التي باتت ظاهرة للكل في ضوء توقف الموردين على مستوى العالم ستكون في تغيير جذري للمنظومة الصناعية بدلًا من الفكر الحالي والذي هو وليد العولمة، والذي يقول: “سوف نصنع احتياجاتنا في المكان الأقل تكلفة، وهو ما أدى إلى ظهور الصين كقوة اقتصادية هائلة، وسيكون الاتجاه الجديد هو سوف نصنع احتياجاتنا في أرضنا”.

وأعتقد أن هذا التحول الحتمي في الفكر هو عامل إيجابي للغاية بالنسبة لنا في مصر، فنحن ننادي منذ سنوات طويلة بضرورة التركيز على دعم الصناعة كأهم الحلول الجذرية لمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والجدير بالذكر أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء صرح الأسبوع الماضي بل وطالب بضرورة وأهمية تصنيع البدائل المحلية بنسبة 100%.

لا شك أننا سنمر من هذه الأزمة الطاحنة خلال أسابيع أو شهور ولكن السؤال الأهم والذي يطرح نفسه ليس فقط لمصر ولكن على مستوى العالم، وماذا بعد الكورونا، وهل استفدنا من الأزمة؟

كل ما أتمناه ألا يكون اليوم الأول بعد انتهاء الأزمة مثل اليوم الأخير قبل ظهور كورونا.

الرابط المختصر