ماجد شوقي يكتب: تحفيز الطلب المحلي وتوسيع قاعدة الطبقة المتوسطة

المحك الرئيسي للتقييم يجب أن يكون الوضع السابق للتطورات الحالية

aiBANK

بقلم ماجد شوقي رئيس بلتون المالية القابضة _ منذ بضعة أيام شهدت أسواق البترول العالمية أحداث عاصفة أدت إلى انخفاض حاد لأسعار العقود الآجلة تسليم شهر مايو 2020 لتكون بالسالب لأول مرة في تاريخها وذلك سيلقي بظلاله بقوة على أسعار العقود الآجلة تسليم شهر يونيو 2020 وبالتأكيد على أداء أسعار النفط في الفترة المقبلة.

إضغط لمتابعة جريدة حابي على تطبيق نبض

E-Bank

لا شك أن هناك الكثير ممن يرجع هذه الأزمة التاريخية لارتباط وثيق بين تداعيات انتشار فيروس كورونا على اقتصاديات دول العالم وتوقعات النمو التي أصدرتها المؤسسات الدولية وبما يحدث في أسعار النفط عالميًّا

هذا المقال ليس بغرض تحليل المبررات والمسببات ووضع بعض التوقعات، فهناك خبراء في هذا المجال أفضل مني.

ولكن في العموم المحك الرئيسي في تقييم أي وضع أيًّا كان لشركة أو لقطاع أو لسوق أو لاقتصاد أو لدولة بأكملها يجب تقييم الوضع الذي كانت عليه قبل دخول الأزمة لإمكانية وضع سيناريوهات وتوقعات موضوعية عن مدى تأثير الأزمة وإمكانية الخروج منها بأقل الخسائر وبسرعة.

واقع جديد على شركات النفط بمختلف جنسياتها وأحجامها والدول المصدرة

أولًا: حالة أسواق النفط قبل بدء الكورونا وهل هذا وقع جديد؟

لا شك أن أسواق النفط العالمية دخلت أزمة فيروس كورونا وهناك توقعات من مؤسسات دولية كثيرة بأن سعر النفط سينخفض على المدى الزمني المتوسط وطويل الأجل نتيجة التطوير التكنولوجي في كل من استخدام أكفأ للطاقة التقليدية وفي مجال الطاقة البديلة. وذلك بالإضافة إلى أن كان الإنتاج أكثر من الطلب العالمي.

والصراعات بين الدول ذات اقتصادات للريادة عالميًّا وبالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية في مجموعة ال OPEC+، تكاد تكون توقعات بركود اقتصادي عالمي، فلأن المستويات السعرية اللحظية أو الآجلة لأسعار برميل النفط ستكون في المنطقة المنخفضة للفترة المقبلة وعليه سيكون هناك واقع جديد على شركات النفط بمختلف جنسياتها وأحجامها والدول المصدرة للنفط مع ذلك الواقع الجديد.

ثانيًا: الأثر على الاقتصاد المصري

لا شك أنه نظرًا للظروف الاقتصادية العالمية والتوقعات بالركود الاقتصاد سيؤدي ذلك على المدى القصير والمتوسط إلى ما يلي:

1) انخفاض قيم العملات الرئيسية خاصة الدولار وذلك لقيام حكومات الدول المتقدمة والتي تعاني من تزايد معدلات الإصابات خاصة في أمريكا بضخ أموال في نظامها المالي عن طريق زيادة المعروض من النقود لتتجنب حالة الركود الاقتصادي التي قد ترمي بظلالها على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

2) زيادة المعروض من النقود مع مجموعة الإجراءات التحفيزية في الاقتصادات المتقدمة سيؤدي إلى نهج سياسة نقدية توسعية تؤدي إلى مزيد من انخفاض أسعار الفائدة على العملات الرئيسية.

3) استقرار أسعار النفط عند مستويات منخفضة لفترة حتى يتم استهلاك القدرة الاستيعابية للتخزين على مستوى العالم والبدء في استهلاك جزء من المخزون.

ولهذا سيكون لمصر مساحة في التحرك بمرونة خاصة على صعيد السياسة النقدية والمالية نحو السياسة التوسعية للحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي وبالإضافة إلى إمكانية استخدام عدد من الأدوات والسياسات لتحفيز الاقتصاد القومي في الفترة القادمة دون التخوف من ضغوط تضخمية ناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة أو ارتفاع قيمة عملات الشركاء التجاريين أو تقلبات حادة في سوق الصرف، ويكون في المجمل أثرًا إيجابيًّا على الاقتصاد المصري.

وقد يرى البعض أن الانخفاض الحاد في أسعار البترول له بعض الآثار السلبية الميزان الجاري بميزان المدفوعات نتيجة الانخفاض المتوقع في موارد تصدير البترول والغاز وانخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة انخفاض قيمة المدفوع من ناقلات البترول للمرور في القناة، وانخفاض تحويلات العاملين من الخارج خاصة في الدول العربية وذلك فضلًا عن انخفاض حاد في إيرادات السياحة.

ولكن هذا الانخفاض سيحدث في جميع الأحوال نتيجة دخول العالم في حالة ركود في الفترة المقبلة نتيجة انتشار وباء الكورونا.

دافع لمراجعة بعض السياسات الاقتصادية والتركيز على تنشيط ودعم الصناعات المحلية التي تخدم السوق المصرية

ونظرًا لحالة الارتباك التي يشهدها العالم كله والنظرة المستقبلية السلبية على النمو الاقتصادي باستثناء عدد من الدول القليلة منهم مصر، قد يكون ذلك دافعًا لمراجعة بعض السياسات الاقتصادية والتركيز الأكثر على تنشيط ودعم الصناعات المحلية التي تخدم السوق المصرية دون التركيز فقط على الصناعات التصديرية، وتنمية السوق المحلية بما في مصر من ميزة من تعداد سكان مرتفع وذلك عن طريق تحفيز الطلب المحلي والعمل على توسيع قاعدة الطبقة المتوسطة ودعمها التي هي تعد الأساس الداعم لكافة الاقتصادات القوية وتساعده على امتصاص الصدمات والتعافي بأقل التكاليف، والتي قد تأثرت وانكمشت بسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وعندما ننظر للتاريخ ليس ببعيد عن أداء الاقتصاد المصري في الأزمات العالمية وبتحليله نرى أن العنصر الأساسي الداعم لاستمرار النمو الإيجابي للاقتصاد المصري بمقارنة معظم دول العالم بالنمو السلبي هو “الاستهلاك” المكون لمعادلة الناتج المحلي. ثم يأتي بعدها الإستثمار الحكومي في مشاريع البنية التحتية الذي من دوره أن ينشط عجلة الإنتاج وتحفيز الاقتصاد القومي مما يؤدي إلى تشجيع دخول استثمارات القطاع الخاص مرة أخرى.

فعلى سبيل المثال في 2001 بعد أحداث سبتمبر 2001 رغم تراجع نمو الاقتصاد العالمي الذي نتج عن الحادث الإرهابي في نيويورك نمى الاقتصاد المصري بين عامين 2002،2001 في المتوسط بحوالي 3.2%، وفي عام 2008 بعد الانهيار الكبير في النظام المالي العالمي نتيجة أزمة الديون العقارية الأمريكية وما تبعتها من إفلاس أعرق وأكبر المؤسسات المالية العالمية حتى أن تصور الكثير من الاقتصاديين والسياسيين أنها نهاية الرأسمالية الأمريكية، نما الاقتصاد المصري فيما بين عامي 2009 ،2010 بحوالي 5% في المتوسط مقارنة بنمو سلبي في معظم الأسواق الناشئة.

وأخيرًا في 2011 عندما توقفت الحياة الاقتصادية بالكامل وأغلقت البنوك والبورصة وكانت الحالة الأمنية في أسوأ حالاتها نمت مصر فيما بين عامي 2011 ،2012 في المتوسط ب 2% على عكس توقعات كافة المؤسسات الدولية التي توقعت انكماش الاقتصاد في مصر وكان العامل المؤثر في النمو هو الاستهلاك المحلي.

وعليه فانتهاج سياسات تحفيزية للطلب المحلي في الفترة المقبلة لمصر سيكون الداعم الرئيسي لعبور مصر من صدمة الكورونا والحفاظ على مكتسبات الإصلاح الاقتصادي والإستفدة من التقلبات الحادة في سوق النفط.

الرابط المختصر