محمود محيي الدين يستعرض اتجاهات الأسواق الناشئة بعد أزمة كورونا

الوقت حان لتجاوز تحليلات الأسواق ويجب البدء في متابعة القطاعات والشركات

قدم الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل، عرض توضيحي بعنوان، “الأسواق الناشئة بعد كوفيد – تمويل خطط النمو”، وذلك خلال المؤتمر الاقتصادي الرقمي الثاني للمجموعة المالية هيرميس، والذي نظمته أوائل الشهر الجاري.

اضغط لتحميل تطبيق جريدة حابي

E-Bank

بدأ محمود محيي الدين، حديثه بالإجابة عن سؤال وجه له يدور حول ماهية عمليات الخصخصة، وإشرافه لها عندما كان وزيرًا للاستثمار، وقال إن الخصخصة بمفهوم التسعينات وبداية هذا القرن تختلف تمامًا عن طبيعة واحتياجات المرحلة الراهنة، ولكنني مازلت على قناعة بأن هناك حاجة ضرورة لاتباع نهج براجماتي مرن يقوم على التفاعل بشفافية وانفتاح مع حركة الأسواق والمعطيات الاقتصادية وكذلك دوائر الاستثمار على نطاق واسع.

اضغط لتحميل العدد الرابع والخمسون من نشرة حابي

وأكد على أن المرحلة الراهنة في حاجة ملحة لتأصيل قيم الكفاءة والتنافسية والقدرة الإنتاجية وغيرها من القيم الرئيسية اللازمة لنجاح أي منظومة اقتصادية حول العالم.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وأوضح، أن هناك قيمة حقيقية لتدخل الدولة، سواء بدورها الرقابي والتشريعي، أو حتى أكثر من ذلك في بعض الحالات، وهذا أمر ضروري وصحي لحماية الأسواق، شريطة أن يتم في إطار منهجي متطور وأن يستند لبيانات واضحة ومتكاملة وأن يكون مدعومًا بالقدرة على المتابعة والإشراف بفعالية.

وأضاف محيي الدين أن العامل الآخر يتمثل في دور الدولة فيما يتعلق بإدارة الأصول، وأعني هنا نظام إدارة الأصول سواء بالبيع أو الشراء أو التشغيل، وهو النظام الذي طورته في 2004 ونتوقع أن تشهد الفترة القادمة توسعات ملموسة في تطبيقه.

وتابع أنه من بين النماذج المتنافسة اليوم، هناك نجاحات يمكن رصدها بسهولة في النموذج الأنجلو ساكسوني التقليدي وأيضًا في النماذج الشابة الناشئة في أسواق آسيا.

وقال إن ما يعنيه هنا بالعمل وفق نهج براغماتي مرن لا يتعلق بشكل النموذج المطبق بقدر ما يتعلق بضمانات التعامل بشفافية ووضوح حول كيفية تحقيق الأهداف النهائية وهي خلق النمو الحقيقي وتشجيع المنافسة والتنافسية وإتاحة المزيد من فرص العمل.

وأشار إلى أن معايير ومستوى الإفصاح مازالا بحاجة إلى مزيد من التقدم والعمق، مضيفًا أنه في الوقت الحالي معايير قليلة وتكليفات أو دوافع أقل للإفصاح، ولكن نرى أن هناك قناعة بدأت تترسخ لدى الجميع بالدور الحيوي الذي تمثله الأبعاد البيئية والمجتمعية ومعايير الحوكمة في تشجيع المناخ الاقتصادي بشكل عام.

واستطرد أنه لأول مرة نرى “الأربعة الكبار” من مؤسسات المراجعة والتدقيق متفقين بشأن الإطار العام لأعمال التدقيق بناء على معايير الإفصاح عن ممارسات البيئة والمجتمع والحوكمة، كما أن نيوزلندا أصبحت أول دولة تابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجعل هذا النوع من الإفصاح إلزاميًا.

وأكد محمود محيي الدين على أن الإفصاح بشفافية أمر جيد للجميع حتى ندرأ ذريعة “التبييض” أو الادعاءات بغير الحقيقة عن الشركات والدول على حد سواء. شأنها شأن المعايير المحاسبية، نحن بحاجة شديدة إلى تطبيق معايير واضحة للإفصاح عن الأبعاد البيئية والمجتمعية ومعايير الحوكمة.

وبسؤاله عن إمكانية تحديد بعض أصول الدولة المدارة بشكل سليم وفعال، قال إن الملكية في حد ذاتها ليست مقصدًا في النهاية، وهناك معايير أكثر كفاءة ودقة لقياس الأداء الاقتصادي ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، قيم الانضباط ونظم الإدارة وغيرها.

وأكد أن هناك الكثير من الأمثلة الناجحة لنماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص حول العالم مثل الأصول الفندقية ومشروعات المرافق والمؤسسات المالية وغيرها من الأصول المملوكة للدولة وتخضع إدارتها لمعايير القطاع الخاص. فكلما وجدنا منافسة سوقية والتزام بالمعايير التنظيمية، سنجد نماذج ناجحة للأصول المملوكة للدولة.

وعلق محيي الدين حول تطبيق آليات الحكم المحلي في دول خاضعة لنظم المركزية، وصرح بأن الأمر يزداد سهولة في نظم الحكم الفيدرالي مثل كولومبيا وإسبانيا، ولكن حتى في النظم المركزية، نؤمن أن الانضباط والمرونة في عملية اتخاذ القرار على المستوى المحلي فيما يتعلق بأوجه الإنفاق والموازنة سوف يكشف عن أية فجوات ويتيح بالتالي مخاطبة كل منها على حدة.

وأشار إلى أن التطور الرقمي يعتبر سمة العصر في العالم اليوم، وبالتالي لم يعد الحديث مقتصرًا على المركزية في مواجهة اللامركزية، بل أصبحت الإدارة المحلية وتوطين التنمية أمراً ممكناً وقابلاً للتطبيق في أي مكان من خلال الاستعانة بالنظم الرقمية الحديثة.

ولفت إلى أن هناك تساؤلات عديدة بشأن استدامة التحويلات من الخارج وأثرها على مستقبل الاقتصاد والاحتياطي النقدي وحياة المواطنين بشكل عام، خاصة في ظل وجود متغيرات عديدة من بينها تلك الناتجة عن أزمة (كوفيد – 19) إلىجانب تحديات أخرى تتعلق برقمنة الخدمات غير القابلة للتسليع، وأضف إلى ذلك ظهور الأفكار والسياسات الشعبوية والأحزاب اليمينية المتشددة في أوروبا ودورها في عرقلة تدفقات الهجرة.

وقال: “علينا في هذه الحالة أن ندرس التحولات بشكل تدريجي على فترة زمنية ممتدة وليس فقط خلال عام 2020. كما يجب الاستعداد والتعامل مع المؤشرات التي تبعثها الدول المضيفة والتي تسعى إلى التأميم والرقمنة وتقديم مختلف الخدمات آليًا، وهو ما سيؤثر بطبيعة الحال على معدل الهجرة والتحويلات المالية”.

وذكر محمود محيي الدين أنه على الرغم من نمو تحويلات العاملين بالخارج على مدار السنوات العشر الماضية وبشكل يتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بعض الحالات، إلا أننا يجب علينا دراسة المخاطر وكافة العوامل المؤثرة لمعرفة التوجه السائد فيما يخص تحويلات العاملين بالخارج.

وتابع، أنه من اللافت للنظر أن نرى مجلس الاحتياطي الفيدرالي يبذل قصارى جهده خلال شهري مارس وأبريل، ومؤشر ستاندرد آند بورز(S&P) يرتفع إلى مستويات عالية جديدة، وسوق الأسهم السعودية في انتعاش، وبينما اتجهت البنوك المركزية في مصر وباكستان إلى خفض أسعار الفائدة في محاولة لدفع الأسواق المالية. يبدو أن هناك انفصالًا بين الأسواق وما يحدث في الاقتصاد الحقيقي.

وقال إن عدم الارتباطبين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي ليس ظاهرة جديدة بأي حال من الأحوال ولكنه أكثر إثارة للاهتمام في الوقت الراهن، ولا يخفى على المتابع الجيد أن الأسواق تطلعية بطبيعتها، وفي كثير من الحالات تقودها شركات استفادت بأشكال عدة من الحزم التحفيزية الأخيرة أو استفادت من الأوضاع الراهنة بشكل مباشر.

وأضاف أن المثال على ذلك هو الشركات الرقمية والتقنية وغيرها من الأنشطة التي صعدت للمقدمة خلال جائحة كوفيد-19. وفي المقابل، لدينا الكثير من المواطنين والأفراد الذين يحصلون على دعم نقدي مباشر، علمًا بأن إعادة ضخ تلك الأموال في السوق هو الخيار الوحيد نظرًا للظروف والأوضاع الراهنة.

ويرى أن الوقت قد حان لتجاوز تحليلات السوق، ومن ثم يجب البدء في متابعة قطاعات بعينها أو شركات بعينها أو حتى أصول بعينها إذا أردنا صورة دقيقة لما يحدث على أرض الواقع.

أما بخصوص خفض الفائدة، قال هناك الآن مساحة أكبر للبنوك المركزية بالأسواق الناشئة لإعادة النظر في ترتيبات السياسة النقدية في إطار توجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتوجيهاته بشأن افتراضات العام المقبل.

وأشار إلى إن أعباء الديون مرتفعة للغاية في جميع أنحاء العالم، والتضخم بالنسبة للبلدان المتقدمة هو الطريقة الواضحة لتخفيف عبء ديونها، لكن الأسواق الناشئة غير قادرة، كمقترضين بالعملة الصعبة، على تضخيم أعباء الديون.

ولفت محيي الدين إلى أن المحلل أو الاقتصادي يقع في أغلب الأحيان في مشكلة عند نقل نماذج من الأسواق المتقدمة لتطبيقها على الأسواق النامية، وقال إذا كنت تقترض بمعدل فائدة 0% أو قرب 0% بالعملة المحلية، وتقدر على ذلك دون مخاوف بشأن استدامة الدين فهذا أمر جيد.

وأضاف أنه من المعقول على سبيل المثال أن تقترض بسعر منخفض لاستبدال الدين القائم، ولكن هذا ليس الحال بالنسبة للاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط نظرًا لارتفاع سعر الفائدة وتقلب أسعار العملة وهنا تكمن إشكالية استدامة الدين والقدرة على الوفاء بأعبائه.

واستطرد: بهذه المناسبة أشير أنه خلال بضعة أسابيع سوف يناقش صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أطروحة استدامة الدين علماً بأن كلتا المؤسستين طالما حذرتا من الموجة الرابعة من الديون قبل تفاقم أزمة “كوفيد – 19”.

وذكر محمود محيي الدين أنه عندما يتعلق الأمر بالتضخم فإن المؤشرات الاقتصادية ستخبرك بأنه في حالات الركود ستحتاج الاقتصادات النامية إلى فتح الصندوق الأسود للرقم القياسي لأسعارالمستهلكين.

وقال، نحن بحاجة للنظر فيما هو أبعد من مؤشر السعر الاستهلاكي والنظر بشكل أكثر دقة في مكونات سلة السلع الاستهلاكية نفسها للتحقق من مدى تأثر بعضها من تبعات كوفيد -19 مثل الغذاء أو الإنترنت أو الخدمات الصحية. ونحتاج لسن سياسة نقدية وترتيبات اجتماعية بناء على نتيجة هذا الاستبيان.

وأكد على أن الكثير من الدول في الوقت الحالي بدأت تكتسب مساحة للتنفس، غير أنه ينبغي التركيز على الدول منخفضة الدخول التي كانت أكثر عرضة لتقلبات أسعار السلع الأساسية.

وأوضح أن الأمر بحاجة إلى خطوات فعالة فيما يتعلق بجهود خفض مستويات الدين وسبل تسوية الديون، وكذلك الأطر المنظمة لتلك القضايا، وسيتوجب على الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة المبادرة باتخاذ ما يلزم من إجراءات قبل اتجاه الأسواق إلى تسعير مخاطر العجز عن سداد الديون.

وأضاف أن الأهم من ذلك، يجب على تلك البلدان تحري الشفافية فيما يتعلق بهياكل الديون وقدرتها على السداد وسط الظروف الراهنة، فهذه الدول ستحتاج المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنمية محفظتها الاستثمارية، وبالتالي يجب تأسيس مناخ أعمال يساهم في تحقيق النمو عبر جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بدلاً من الاعتماد على تمويل الديون.

وتوقع محمود محيي الدين حدوث مزيد من العولمة ولكن بشكل مختلف، وقال سيظل نموذج التجارة والاستثمار السبيل الرئيسي لتحقيق النمو الاقتصادي غير أننا سنشهد من يتصدر المشهد خلال العقد المقبل، مع العلم بأن الأزمة الراهنة أدت إلى تسريع وتيرة التوجه إلى العولمة.

وأشار إلى أن مصر تستهدف لأول مرة تنمية حجم الصادرات إلى 100 مليار دولار، والذي سينعكس تأثيره بشكل واضح على النمو الاقتصادي وحجم الاستثمار، ومن المفترض أن زيادة حجم الصادرات من 30 إلى 100 مليار دولار سيأتي من القطاعات غير النفطية، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول سبل الاستثمار والإنتاج والتمويل اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

وأكد أن المسعى في هذه الحالة هو تنويع الاقتصاد على الرغم من كونه أكثر فعالية وإفادة للدول النامية في الوقت الحالي، مضيفًا أن زيادة الصادرات ستظل مهمة بالنسبة للدول العربية لأن الأسواق المحلية ليست ضخمة بالشكل الكافي، وهو ما سيساهم في جذب المزيد من الاستثمار وزيادة المعرفة اللازمة شريطة عدم تطبيق النماذج بعينها التي تتبناها الدول المتقدمة.

خصم خاص بنسبة 50% على خدمات بوابة حابي

الرابط المختصر