محمود محيي الدين: 3 أولويات استثمارية لمواصلة نمو الاقتصاد المصري

تطوير القرى أهم مشروع قومي يحقق أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر وزيادة العدالة

حابي _ حدد الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي وعضو مجلس إدارته الممثل عن مصر والدول العربية، 3 أولويات استثمارية لمواصلة نمو الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة، وهي: التحول الرقمي، والاستثمار في البنية المساندة لاقتصاد تنافسي يعتمد على التصدير، ومشروع تطوير وتنمية القرى المصرية.

واستهل الدكتور محمود محيي الدين، كلمته المصورة لمؤتمر حابي للاستثمار السنوي في دورته الثالثة، والتي انعقدت بعنوان «استثمار التعافي.. ما بعد صمود الاقتصاد المصري في مواجهة جائحة كورونا»، بالإشادة باختيار عنوان وموضوع المؤتمر والذي يعتبر موضوع الساعة حول العالم.

E-Bank

العالم يواجه 3 تحديات متزامنة: الأزمة الصحية وتراجع الأداء الاقتصادي وزيادة المديونيات

أشار محيي الدين، إلى أن العالم لا يزال في إطار التعامل مع 3 تحديات متزامنة، هي الأزمة الصحية وتراجع الأداء الاقتصادي وزيادة المديونيات.. وقال: إن الأزمة الصحية لا تزال معاناتها مستمرة عالميًّا بعد تجاوز حالات الإصابة 128 مليون حالة، وتخطت الوفيات 2.8 مليون حالة. مشيرًا إلى إن العديد من دول العالم تتحدث عن احتمالية انتشار موجة رابعة لانتشار الوباء، ما لم يتم تدارك الأمر بتوفير اللقاح، ومواصلة الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.

أضاف، أن الخروج من الأزمة الصحية يستوجب ضرورة العمل على تحقيق العدالة في الوصول إلى اللقاح، لكن هذه مشكلة كبيرة كما أشارت منظمة الصحة العالمية والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، ومؤخرًا ما قالته المديرة الجديدة لمنظمة التجارة العالمية «نغوزي أوكونجو»، من أن هناك 10 دول فقط قامت بتوفير ما يعادل 70% من اللقاح عالميًّا، في حين أن هناك دولًا أخرى لم تحصل حتى الآن على جرعة واحدة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

السيطرة على الجائحة وسط تفاوت توزيع اللقاحات «مستحيلة» ونرجو حل الأزمة خلال الأسابيع المقبلة

أشار المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، إلى أن آلية «كوفاكس» التي صُممت بدعم منظمة الصحة العالمية والمسؤولة عن توفير اللقاح للدول النامية والأقل دخلًا ما زالت تعاني ليس فقط من عجز التمويل ولكن أيضًا في اللقاحات الممكن التعاقد عليها، لا سيما بعد مبالغة بعض الدول المتقدمة في التعاقد، موضحًا: «بعض البلدان أعطت اللقاحات لعدد كبير من مواطنيها على حساب الدول الأفقر».

وتابع: «يجب أن يكون هناك إدراك ووعي بأن القضاء والسيطرة على انتشار هذه الجائحة لا يمكن تحقيقه طالما كان هناك مثل هذه التفاوتات والتجاوزات وهذا ما حذرنا منه من قبل».

أضاف: «أعتقد أن صحيفة حابي قامت بنشر مقال بنفس هذا المعنى في ديسمبر الماضي، وذلك بعد تطوير اللقاحات، والمشكلة أنه كان هناك تعارف عليها من البداية، ولكن التدابير المطلوبة لم يتم اتخاذها، ونرجو أن يكون هناك في الأسابيع القادمة حل لهذا الأمر».

وترتبط الأزمة الثانية التي يواجهها العالم بالأداء الاقتصادي حسبما أفاد الدكتور محيي الدين، مشيرًا إلى أن العام الماضي شهد حالة للاقتصاد العالمي الذي تراجع بمعدلات النمو إلى حيز سلبي، ورقم النمو كان -3.4%، وفقًا لإحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ورهن المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، توقعات النمو للعام الحالي بالقدرة على السيطرة على الأزمة الصحية وتداعيات الجائحة، مشيرًا إلى أن تلك التوقعات تتجه نحو نمو يلامس 5.6%.

التعاون الدولي لمساندة الدول متوسطة الدخل وإنقاذها من شبح أزمات الديون أصبح ضرورة

وقال الدكتور محيي الدين: «ما خسره العالم في العام الماضي، سيعوضه أكثر هذا العام، ولكن هذا النمو ليس متوازنًا وشاملًا لكل دول العالم، لأن هناك دولًا ستكون معدلات نموها أقل من ذلك بكثير بما في ذلك بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

وأفاد بأن زيادة الاستثمارات العامة والخاصة تحول دون تكرار ركود العام الماضي واستمرار انخفاض معدلات النمو في الدول النامية والأسواق الناشئة.

وقال محيي الدين: «ما وجدناه أن الدول الأكثر تقدمًا اقتصاديًّا رصدت وأنفقت ما يتجاوز 10% من دخولها القومية العام الماضي، الاتحاد الأوروبي وفر حزمًا مالية بقيمة 2.2 تريليون دولار، وجدناه أيضًا يقوم بعمل صندوق للتعافي، لأن الدول تقوم بالإنفاق والتمويل مجتمعة فيما يعد في تقديري إعادة إحياء لدور الاتحاد الأوروبي».

وأضاف: «وجدنا في الولايات المتحدة حزمًا تمويلية متتالية العام الماضي، حيث أنفقت نحو 2.2 تريليون دولار، وفي بداية هذا العام مع تولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم هناك أيضًا إنفاق إضافي بنحو 1.9 تريليون دولار على التعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية».

وتابع المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي: «هناك أيضًا حزمة تمويلية إضافية ثالثة تقدر بنحو 3.3 تريليون دولار، ما زالت محل نقاش وبحث، ولكن الجانب الأكبر منها نحو الثلثين يتم إنفاقه على البنية الأساسية».

وأوضح الدكتور محيي الدين، أن المقصود هنا التعريف الواسع للبنية الأساسية بأنه يشمل الطرق والكباري والسكك الحديدية وتطوير المرافق الرئيسية، وأيضًا البنية التكنولوجية والرقمية، مضيفًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هذا النوع من الاستثمار مولدًا لفرص العمل، وتسعى أيضًا من خلاله إلى تعزيز تنافسيتها دوليًّا في الإطار الذي نراه من سباق محموم بمجال الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات.

وأشار إلى أن دولًا أخرى مثل كوريا الجنوبية تضخ استثمارات ضخمة تتجاوز 140 مليار دولار على مدار 4 سنوات، تركز على التمويل الذكي والتمويل الأخضر في الوقت نفسه.

وذكر محيي الدين أن الأزمة الثالثة، التي ما زالت دول العالم تعانيها تتمثل في زيادة المديونيات، وهي مشكلة كانت سابقة على الجائحة، موضحًا: «في نهاية عام 2019، كانت هناك تقديرات بأن العالم قد وصل إلى ما يعرف بالموجة الرابعة من زيادة تراكم المديونيات، وللعلم إن الموجات الثلاث السابقة انتهت بأزمة، في أمريكا اللاتينية، كانت هناك أزمة في السبعينيات والثمانينيات، وهناك الأزمة الشهيرة في دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات، ثم الأزمة المالية العالمية في 2008».

وقال: «ما نرجوه أن هذه الزيادة في المديونية حول العالم لا تنتهي كسابقتها إلى أزمة كما حدث من قبل، وما يمنع حدوث الأزمة هو أن يكون هناك تعاون دولي في توفير السيولة لمنع زيادة حالات التعثر».

وأكد الدكتور محيي الدين، على وجود اهتمام كبير بالدول الأقل دخلًا، فيما لا تلقى الدول متوسطة الدخل الدرجة ذاتها من الاهتمام، مضيفًا: «يجب التعاون دوليًّا من خلال إنشاء آليات لمساندة الدول متوسطة الدخل، وتوفير القدرات المساندة لها، ليس فقط في مجال التعاون من أجل منع تحول المديونيات إلى أزمات، ولكن أيضًا من أجل توفير التمويل والسيولة والمساندة للاستثمارات في إجراء التعافي».

3 % نموًّا متوقعًا للاقتصاد المصري.. و5.6% للعالمي بشرط السيطرة على الجائحة

وعن الوضع الاقتصادي لمصر، قال المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، إن مصر العام الماضي كانت بين دول قليلة حول العالم استطاعت الحفاظ على معدل نمو اقتصادي برقم موجب يقدر بنحو 3.5% بحسب عدد من المؤسسات الدولية، والتوقعات تتجه نحو مواصلة هذا النمو في رقم موجب يتراوح ما بين 2.8% إلى 3% في هذا العام وفقًا للتقديرات المختلفة من المؤسسات التي تتابع الأداء الاقتصادي المصري.

وأضاف: «من المهم أن نضع هذا أيضًا في السياق الإقليمي لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كان لديها تراجع في معدلات النمو خلال العام الماضي، بنحو 3.8%، ما يعني انكماشًا اقتصاديًّا في حدود 4% تقريبًا، والمقدر في هذا العام وجود رقم للنمو بنحو 2.2% يعني أقل من النمو بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال العام نفسه».

ولفت إلى أن الوضع الحالي يستلزم استكمال الاستثمارات الهامة التي تتم حاليًا، فالدول التي لها تقديرات أعلى في التعافي هي التي تنفق إنفاقًا استثماريًّا عامًّا وخاصة في مجالات البنية الأساسية، والأهم من ذلك أيضًا في الحالة المصرية مواصلة الاستثمار في رأس المال البشري بقطاعات التعليم والرعاية الصحية والنظم المساندة للضمان الاجتماعي.

ضرورة التحول الرقمي والاستثمار في البنية المساندة لاقتصاد تنافسي يعتمد على التصدير

وأشار إلى اهتمام مصر بقطاع التحول الرقمي، وهو ما يعد إضافة للقدرة الإنتاجية بالنسبة للاقتصاد، وكذلك للقدرة التنافسية، بالإضافة إلى التيسير في عمليات الإنتاج ورفع للقدرات الخاصة بالقطاعات المنتجة إذا ما أحسنت استثمارها في مجالات الربط بهذا التحول الرقمي.

ونوه بثلاثة أبعاد لها الأولوية في الاستثمار خلال المرحلة المقبلة، وهي: التحول الرقمي، والاستثمار في البنية المساندة لاقتصاد تنافسي يعتمد على التصدير، لافتًا إلى أن هناك رقمًا معلنًا وطموحًا لزيادة الصادرات المصرية من أرقامها الحالية التي تقل عن 35 مليار دولار إلى ما يقترب من 100 مليار دولار وفق خطة زمنية، وهذه الخطة تحتاج إلى مساندة كبرى في مجالات النمو والتشغيل ونظم المساندة المؤسسية واللوجيستية، والتيسير بالنسبة للقطاع الخاص في هذا الشأن.

واختتم المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي كلمته قائلًا: «الأمر الأخير، يتمثل في أهم مشروع قومي على الإطلاق، ويعد في إطار منافسة مع مشروعات قومية كبيرة متعددة تشهدها بلادنا في هذه الفترة، وإذا كان لي أن أختار أحد المشروعات والذي سيكون له اعتبار كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر وزيادة العدالة بين المصريين، والعدالة في توزيع الدخل، وفرص العمل، سوف يكون هو المشروع المرتبط بتطوير وتنمية القرى المصرية».

وقال الدكتور محيي الدين: «هو المشروع الأهم في إتاحة فرص جيدة في تنمية البنية الأساسية لزيادة القدرات والكفاءة للمرافق العامة لتحسين التعليم والرعاية الصحية، وإيجاد فرص العمل الجيدة واللائقة والمنتظمة في القرى والأحياء المنتفعة بهذا المشروع الحيوي والبداية بتطوير 1500 قرية تعتبر بداية كبيرة ولها فرص مهمة في الاستثمارات العامة، وأيضًا الاستثمارات الخاصة».

الرابط المختصر