حسن حسين: حزمة مقترحات لخفض الضغط عن الدولار.. واستعادة نشاط سوق العقار

المستجدات الدولية تفرض إعادة النظر في سياسة الاقتراض الخارجي

aiBANK

أعده للنشر: باره عريان _ قدم حسن حسين، الخبير المالي ورئيس لجنة البنوك والبورصة بجمعية رجال الأعمال، عددا من المقترحات التي تستهدف تخفيض ضغط الطلب على العملة الأجنبية، التي تأثرت بقوة إثر عوامل متعددة خارجية وداخلية على خلفية التداعيات الاقتصادية للحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا.

كما ألقى الضوء في حوار مع جريدة حابي على أهمية السوق الثانوية لتداول العقارات في مصر، والتي باتت تمثل إحدى أبرز المشكلات التي تعرقل نمو السوق العقارية وتهدد جاذبيتهة كمخزن للقيمة، ووجهة استثمارية مميزة وسط الاضطرابات الاقتصادية التي تخيم بظلالها على مختلف مناحي الاستثمار.

E-Bank

في البداية، قال حسين إن الأوضاع الراهنة تفرض أهمية إعادة النظر في سياسة الاقتراض الخارجي، خاصة أن مصر تعد من أكبر الدول المقترضة على المستوى الدولي، كما ترى مختلف الجهات الدولية أن حجم الاقتراض خاصة الخارجي يفوق المستوى المطلوب.

وأكد في الوقت نفسه تفهم اتجاه الدولة نحو الاقتراض بهدف التوسع في الاستثمارات وإقامة مشروعات جديدة خلال وقت كان فيه القطاع الخاص غير نشيط أو فعال، وكذلك مع عدم إقبال الأجانب على الاستثمار.

التحول لنظام المقايضة والاتفاقيات المباشرة مع الدول المصدرة ضرورة لتقليل الطلب على العملات الأجنبية

ويرى حسين أهمية تغيير سياسة الاقتراض خلال الفترة الحالية، لاسيما في ظل الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا، وذلك لسببين يتمثل أولهما في أن حجم الاستيراد يفوق الصادرات بقيم مضاعفة، بينما يتمثل السبب الثاني في السندات الدولية التي يتم طرحها وسحبها وسدادها بالدولار، مما يجعل الطلب على الدولار بالسوق المحلية ضخما للغاية، لتغطية الواردات وكذلك خدمة الدين وسداده.

واقترح حسين الاتجاه لتخفيض الضغوط على الدولار من خلال تحويل جزء من الواردات لنظام المقايضة، والجزء الآخر عبر اتفاقيات مباشرة بين مصر والدول التي تستورد منها، الأمر الذي يمكن أن يضم أيضا واردات القطاع الخاص، حتى يتم سداد الفرق بالعملة الخاصة بهذه الدول بنهاية العام، ومن ثم الخروج من بؤرة الضغوط المتعلقة بالدولار.

الاقتراض عبر السندات الدولية يعرضنا لتقلبات الأسواق.. وخروج الأجانب من الأسواق الناشئة يهدد الاعتماد عليها حاليا

وقال حسين: “هذا الأمر من شأنه إزاحة الضغوط عن الدولار، في حين أن الاقتراض عبر السندات الخارجية يجعلنا خاضعين لتقلبات الأسواق الدولية، وكذلك لسياسات الدول الخارجية، وعليه فإن عمل اتفاقيات مباشرة يعنى الخروج من التأثيرات الناجمة عن هذه التقلبات، كما يجعلنا في منأي عن التأثر بالأزمات الدولية المختلفة كالحرب الجارية بين أوكرانيا وروسيا”.

وضرب مثالا بحجم الواردات من دولة الصين، والذي يعود أغلبه للقطاع الخاص، لافتا إلى أهمية إدخال جميع هذه المعطيات داخل اتفاقية مع الصين بما يقلل الضغط عن الدولار، وتنفيذ نفس الأمر مع مختلف الدول التي نستورد منها بمعدلات كبيرة مثل الهند وروسيا وأوكرانيا.

التوسع في الاقتراض الداخلي بديلا للخارجي.. وتوجيه الأموال لتمويل مشروعات محددة وليس لسد عجز الموازنة

كما أشار إلى صعوبة الاعتماد على السندات الدولية خلال هذه المرحلة، في ظل اتجاه أغلب الاستثمارات الأجنبية للخروج من الأسواق الناشئة باعتبارها ذات مخاطر مرتفعة، وذلك بصرف النظر عن وضع مصر تحديدا، لافتا في الوقت نفسه إلى أهمية الاعتماد على الاقتراض الداخلي كبديل للاقتراض الخارجي.

وشدد على أهمية توجيه الأموال المقترضة لتمويل مشروعات محددة وليس لسد عجز موازنة الدولة، على أن تكون هذه المشروعات قادرة على التصدير وخلق مصادر دولارية جديدة، وأن تسدد مديونيتها بالدولار، موضحا أن الاقتراض بالدولار لتغطية عجز الموازنة، قد يتسبب فى الاقتراض مرة أخرى لسداد القرض، مما يعكس الدخول في دوامة لا تنتهي، ويؤكد ضرورة الاتجاه نحو الانتاج والتصدير بالدولار.

تحقيق التوازن بين الاقتراض لسد عجز الموازنة واستكمال البنية الأساسية وبين تمويل مشروعات قادرة على توليد عائد دولاري ..أولوية

ولفت إلى أهمية خلق توازن في السياسة المالية بين الاقتراض لسداد عجز الموازنة وتمويل مشروعات البنية البنية الأساسية مثل محطات الكهرباء والمياه وشبكة الطرق والكبارى، وبين الاقتراض لتمويل مشروعات قادرة على سداد القروض بنفسها دون الاعتماد على موازنة الدولة، وبالتالي كلما زادت نسبة الدين الخارجي الموجه للمشروعات التي تدر عائدا دولاريا، قلت مخاطر الديون على الدولة وانخفض تأثيرها السلبي على الموازنة.

وأضاف: “يجب إعطاء مساحة أكبر للحصول على المنح التي لا تسدد والقروض منخفضة العائد ذات الآجال الطويلة، بحيث يتم خلق توازن بين الديون التجارية والسندات وما غيرها وبين المنح والمساعدات التي كلما زادت تحسن الوضع المالي للدولة”.

حسن حسين الخبير المالي ورئيس لجنة البنوك والبورصة بجمعية رجال الأعمال خلال لقاء مع حابي

إتاحة مساحة أكبر للمنح والقروض منخفضة العائد طويلة الأجل لتحسين المركز المالي

وتابع: “بصفة عامة فإن تخفيض معدل الدين للناتج المحلي الإجمالي خطوة جيدة من وزارة المالية، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار بحجم الدين ككل، وأن الناتج الإجمالي المحلي مبني على افتراضات قد لا تتحقق، ومحاط بمخاطر جغرافية وسياسية واقتصادية يجب أخذها في الاعتبار.. والحرب الروسية الأوكرانية مثال واضح على ذلك”.

وفيما يتعلق بفاتورة الواردات، أكد حسين أن الشق الخاص باستيراد مستلزمات الإنتاج لا يمكن المساس به، لارتباطه بالتصنيع المحلي والهدف القومي الذي وضعه رئيس الجمهورية بزيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار، في حين تكمن المشكلة الحقيقية في السلع الغذائية وخاصة القمح، معتبرا أن ارتفاع الكثافة السكانية وعدم تحديد النسل يمثل ضلعا رئيسيا في مشاكل الاقتصاد المحلي.

الكثافة السكانية وعدم تحديد النسل ضلع رئيسي في مشاكل الاقتصاد.. وتتطلب مواجهة جادة وإجراءات لا تقبل الحلول الوسط

وقال: “رغم أن الزيادة السكانية قد تمثل ثروة بشرية، إلا أنها تحولت إلى عبء بشري يحتاج إلى الدعم المادي بصورة سنوية ومتزايدة، خاصة في ظل عدم التحرك تجاه تحديد النسل لإيقاف الانفجار السكاني.. فحجم الزيادة السكانية يجعل من المستحيل على الدولة أن تتقدم دون مواجهة جادة وحاسمة للمعتقدات الموروثة، واتخاذ إجراءات لا تقبل الحلول الوسط”.

وأضاف: “ إن عدد السكان ارتفع من نحو 20 مليون نسمة في منتصف الخمسينات إلى أكثر من 100 مليون نسمة الآن، وبالتالي زاد حجم الدعم وعجز الموازنة الذي سيستمر في الزيادة ويخرج عن السيطرة مع الزيادة السكانية المستمرة، كما أصبحت مستلزمات الحياة تمثل مشكلة لهذا العدد الضخم سواء التعليم أو الصحة أو السكن”.

التركيز على الزراعة مهم لتقليل الواردات الغذائية.. والنجاح مؤخرا في زراعة القمح يدعم التوسع في نفس الاتجاه

وأكد ضرورة التركيز على الزراعة لتلبية احتياجات المواطنين وتقليل الواردات الغذائية، لافتا إلى نجاح مصر مؤخرا في زراعة القمح، ما يدعم أهمية التوسع في نفس الاتجاه بصورة أكبر خلال الفترة القادمة لتفادي أى تداعيات سلبية في حال حدوث ظروف عالمية مماثلة مرة أخرى، وكذلك العمل على التوسع في التصنيع المحلي لجميع المنتجات المستوردة من الخارج، بهدف تقليل فاتورة الاستيراد.

اتجاه مؤسسات سيادية إقليمية للاستحواذ على كيانات مصرية “إيجابي” ويلقي الضوء على أهمية التحرك السياسي لجذب الاستثمارات من دول أخرى

ومن ناحية أخرى، يرى حسين أن توجه كيانات سيادية إقليمية مثل ADQ للإعلان عن رغبتها في الاستحواذ على حصص بمؤسسات مصرية كبيرة مثل البنك التجاري الدولي وشركة فوري، أمر إيجابي للغاية بإعتباره استثمارا أجنبيا جالبا للدولار، لافتا إلى أنه يلقي الضوء على أهمية التحرك السياسي تجاه جذب الاستثمارات.

وأوضح حسين أن دولة الإمارات على سبيل المثال، يمكنها تقديم دعم لمصر لمواجهة ضغوط الدولار من خلال الدين أو عبر الشراكة في الشركات المصرية، لافتا إلى أن البديل الثاني أفضل ويترتب عليه ضخ استثمارات بدلا من عبء الدين، آملا أن يتم تكرار نفس الأمر من دول أخرى، بالتوازي مع زيادة الدور الترويجي للصندوق السيادي وهيئة الاستثمار لتقلل الأعباء عن القيادة السياسية.

الأسهم المصرية جاذبة من حيث التسعير والقيمة.. ولكن المتغيرات الدولية تصعب مهمة جذب الاستثمار الأجنبي خارج الأطر السياسية

وأكد حسين أن جميع الأسهم المتداولة بالبورصة المصرية تتسم بكونها جاذبة للاستثمار الأجنبي، من ناحية التسعير والقيمة، إلا أن التغيرات التي يشهدها العالم خلال الفترة الحالية قد تصعب من مهمة جذب الاستثمار الأجنبي خارج الأطر السياسية، وذلك لحين استقرار الظروف والأوضاع وزوال حالة عدم اليقين والترقب التي تسيطر على جميع الدول وكذلك المستثمرين، فيما يتعلق باتجاهات سعر البترول والعملات وكذلك المعادن النفيسة كالذهب والفضة.

وقال: “جذب الاستثمار الأجنبي في مصر يجب أن يكون له هدفان يتم تحقيقهما قبل نهاية العام، وهما تخفيض الواردات بصورة جذرية عبر انتاج البديل المحلي، وكذلك زيادة الصادرات بصورة جذرية، على أن يتم توجيه الاستثمارات السياسية لتحقيق هذين الهدفين، مع تقديم جميع الحوافز اللازمة لتشجيع هذا الاستثمار”.

التوقيت غير مناسب لاستئناف برنامج الطروحات الحكومية في البورصة.. ولحين هدوء الحرب بين روسيا وأوكرانيا

ويرى أن التوقيت الحالي غير مناسب لاستئناف تنفيذ برنامج طرح الشركات الحكومية في البورصة، لحين هدوء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وانقشاع الغيوم المتعلقة بالانعكاسات السلبية لهذه الأجواء على مختلف مناحي الاستثمار.

وعلى صعيد القطاع العقاري، أثنى حسين على مبادرات البنك المركزي لتمويل محدودي ومتوسطي الدخل التي استحدثت في بيع الوحدات.

مبادرات البنك المركزي لتمويل محدودي ومتوسطي الدخل أحدثت رواجا في السوق العقارية.. والاهتمام العاجل بسوق تداول الوحدات ضرورة ملحة

وشدد على ضرورة الاهتمام العاجل بسوق تداول العقارات الذي يمثل الحلقة المفقودة في منظومة نشاط السوق العقارية في مصر حاليا، في ظل عدم سهولة بيع الوحدات المشتراه بمشروعات سابقة وبالتالي عدم دوران رأس المال المستثمر وعدم القدرة على إعادة استثماره في المنتجات الجديدة للمطورين العقاريين، مهما كانت عوامل الجذب المقدمة على صعيد التسعير أو مدد السداد.

وأضاف حسين إن هذا الوضع يضعف في النهاية من قدرة المطور على بيع مشروعات جديدة بنفس السهولة السابقة، وبالتالي تباطؤ السوق الأولية، بسبب تراجع السيولة لدى المستثمر الذي اشترى سابقا ولم تعد لديه القدرة على تسييل هذه الاستثمارات، والتي باتت مرتبطة بالتسهيلات المقدمة من المطور العقاري بنفس المشروعات.

التقسيط على عدد سنوات كبير يعوق فرص إعادة البيع لحين انتهاء أجل التسهيلات المقدمة من المطور

وأوضح أن السوق العقارية بدأت البيع بنظام التقسيط لمدد بسيطة تتراوح بين 3 أو 4 سنوات، وكان يتم التسليم في نفس الوقت، وعليه كان من يشتري العقار بغرض الاستثمار يقوم ببيع الوحدة بعد الاستلام مباشرة، في حين أن إتاحة التقسيط على عدد كبير من السنوات يعوق فرص إعادة البيع، خاصة أن البيع الثاني يعتمد على السداد النقدي، وبالتالي سيكون المشتري غير قادر على البيع لحين انتهاء أجل التقسيط المتاح عبر المطور.

كما لفت إلى أن كبر حجم مساحات الأراضي الممنوحة للمطورين أضاف تحديا جديدا للسوق الثانوية لتداول العقارات، وذلك لأن المطور سيعمل على تنميتها لفترات زمنية طويلة قد تصل إلى 20 عاما، ما سيؤثر بالتبعية على قدرة مشتري الوحدات على إعادة بيعها طوال آجل تنمية المشروع بالكامل، في ظل توافر وحدات جديدة معروضة للبيع عبر المطور وبنظم تقسيط ميسرة.

وقال: “هذا الوضع يحد من الجاذبية الاستثمارية للسوق العقارية، فمن يشتري وحدة ويفشل في إعادة بيعها لن يقدم على شراء وحدة ثانية.. لذلك على الدولة طرح مساحات صغيرة يمكن تنميتها خلال سنوات معدودة حتى يتمكن المستثمر من البيع بعد ذلك”.

الزيادة في أسعار الوحدات تتراوح بين 15% و20% سنويا..في حين أن إعادة بيعها نقدا يتم بخفض %30

كما أكد أن الزيادة السعرية التي يبيع المطور وفقا لها، والتي تتراوح بين 15% و20% سنويا، تجعل قيمة العقار ترتفع بصورة كبيرة خلال عدة سنوات، ولكن عند قيام المستثمر العقاري بعرض وحدته للبيع بهذه القيمة لا يلقى استجابة، في حين أن البيع النقدي يتم بتخفيض يصل إلى 30%.

وأضاف: “السوق العقارية لن تتحسن إلا إذا تم النظر إليها كسوق للتداول مثل البورصة، فمن الضروري أن يكون هناك بيع ثانوي حتى تتمكن السوق الأولية من العمل، خاصة وأنها باتت تعاني من توقف حاليا، رغم الاستمرار في زيادة فترات السداد بإعتباره الحل لكسر الركود”.

ويرى حسين أن زيادة فترات السداد يترتب عليها خسائر للمطور، خاصة أنه كان يستفيد من تحصيل مقدم بيع في حدود 20% نقدا سابقا مما يتيح له السيولة لتنفيذ المشروع، في حين أن نظم التقسيط الجديدة تجعله فى انتظار تحصيل مستحقاته لفترات طويلة وتعرضه للضغط المالي، مشددا على ضرورة تحديد مدة عمل للمطور لتسليم المشروع والتوجه نحو تنفيذ مشروع جديد بمنطقة اخرى.

منح المطورين قطع أراضي ضخمة لتنميتها على سنوات طويلة يهدد جاذبية الاستثمار العقاري بغرض إعادة البيع

وذكر أن نسبة الاشغال في أغلب المشروعات التي تم تسليمها بالكامل يتراوح بين 30% و40%، في حين تمثل النسبة الباقية مستثمرين يستهدفون البيع، ولكن غير قادرين على ذلك، مشيرا إلى هذه النسبة الكبيرة تعد بمثابة ثروة عقارية مهدرة.

وشدد على أهمية تفعيل نشاط الصناديق العقارية، وذلك بالتوازي مع السعي لتنشيط السوق العقارية، مقترحا أن يتم عمل جهاز لتنظيم السوق العقارية تابعا لرئاسة الجمهورية، وأن تولى الدولة اهتماما كبيرا لحل مشاكل السوق الثانوية لتداول العقارات، معتبره مفتاح الحفاظ على الثورة العقارية للدولة.

وقال: “التمويل العقاري نظريا هو الحل لتنشيط السوق الثانوية، وسيكون قادرا على ذلك إذا تم إفساح المجال له ليكون الحل فعليا، فهذا النشاط من المفترض أن يمثل نحو 8% أو 9% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن نسبته الفعلية لم تتخط 1% أو 2% حاليا.. وعلى شركات التمويل العقاري البحث عن العملاء الصغار لتلبية احتياجاتهم، فتمويل الأفراد يمثل دورهم الأساسي” .

حسن حسين الخبير المالي ورئيس لجنة البنوك والبورصة بجمعية رجال الأعمال خلال لقاء مع حابي
الرابط المختصر