في الجلسة الثالثة من مؤتمر حابي: نظرة على تحديات وآليات تمويل الطاقات الكامنة

aiBANK

ناقشت الجلسة الثالثة من مؤتمر حابي السنوي الخامس التي عقدت بعنوان “تمويل الطاقات الكامنة” كيفية تمويل الطاقات الكامنة في الاقتصاد المصري سواء المتعلقة بالقطاعات الاقتصادية أو تأهيل الكوادر، كما تطرقت إلى مناقشة مستقبل القطاع المالي غير المصرفي بمصر في جميع أنشطته.

وأدار الجلسة الدكتور باسل رشدي، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نايل كابتال، وشارك فيها كل من: محمد ماهر رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية – إيكما، والمهندس إبراهيم المسيري الرئيس التنفيذي لشركة سوما باي، والمهندس المعتز بهاء الدين الرئيس التنفيذي لمجموعة مواد الإعمار القابضة سي بي سي، والمهندس طارق يوسف المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كونكريت بلس، ووليد حسونة الرئيس التنفيذي لشركة فاليو، وكريم هلال الرئيس التنفيذي لمجموعة كونكورد إنترناشونال.

E-Bank

وفي بداية الجلسة ألقى د. باسل التحية على الحضور، وقال: “سعداء بالتواجد معكم في مؤتمر حابي الاقتصادي والذي اعتدنا أن يكون تجمع سنوي رائع بحضور نخبة من الأساتذة الأفاضل والزملاء، ويسعدني أن أكون ضيف خفيف معكم أنا المتحدثون في الجلسة الأخيرة من المؤتمر والتي تناقش آليات التمويل ومدى وفرته وتكلفته، وفرص وتحديات المرحلة الراهنة، والملاءة المالية للمؤسسات المانحة والتحديات التي تواجهها في هذا الشأن”.

الدكتور باسل رشدي، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نايل كابتال
الدكتور باسل رشدي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نايل كابتال

د. باسل رشدي: السياحة الأكثر تأثرًا وتعرضت لتذبذب شديد بفعل جائحة كورونا والحروب والأزمة الاقتصادية العالمية

د. باسل رشدي: أبدأ الجلسة من منتصف جلوس المتحدثين وسؤالي للأستاذ محمد ماهر رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية عندما تذكر كلمة التمويل أول ما يذكر البنوك والبورصة وأدوات الدين.. فما رأيك في تطور أدوات التمويل كالسندات والطروحات؟ ومدى ملاءمتها للسوق المصرية من ناحية الملاءة المالية والتنوع والتكلفة؟

محمد ماهر: نحن نمر بدورة تمويل صعبة، بسبب ارتفاع تكلفة الدين أو الاستثمار في رأس المال، لأنه بطبيعة الأمور من يقوم بالاستثمار في الأسهم يرغب في تحقيق عائد أكبر من الاستثمار في أوعية آمنة أو مدخرات أو أي وسيلة استثمارية أخرى.

لذلك فهو تحدٍّ كبير لكل الأطراف سواء الجهات القائمة على منح التمويل كالجهاز المصرفي أو بنوك الاستثمار التي تدير طرح أدوات الدين للشركات لتوفير التمويل والذي سيكون بطبيعة الحال مرتفع التكلفة.

أيضًا أدوات التمويل الأخرى مثل التأجير أو التمويل المتوسط والصغير والاستهلاكي شهدت تكلفتها زيادة كبيرة، ما يمثل تحديًا كبيرًا للعاملين في مجال التمويل بصفة عامة وكذلك للعاملين في استثمارات التجزئة والأسهم.

على جانب آخر فإن هذه التحديات تدفع الشركات لدراسة المشروعات جيدًا قبل البدء فيها لضمان تحقيق عوائد تتناسب مع ظروف الدورة الاقتصادية، خاصة أن الكيانات التي يتم إنشاؤها في ظل الظروف الصعبة أو التي نجحت في الحصول على تمويلات على الأغلب ستتمكن من تحقيق نتائج أفضل بكثير مستقبلًا.

محمد ماهر رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية – إيكما

محمد ماهر: نمر بدورة اقتصادية صعبة بسبب ارتفاع الفائدة والمخاطر الجيوسياسية تؤثر على قرارت الاستثمار والتمويل

هذه الدورة الاقتصادية شر لا بد منه، بدأت تزامنًا مع الأحداث العالمية منذ بدء جائحة كورونا مرورًا بحرب أوكرانيا، وتمر مصر حاليا بظروف خاصة بسبب الحرب القائمة على حدودها في غزة بالتالي فإن المخاطر الجيوسياسية أصبحت تؤثر أيضًا على قرارت الاستثمار والتمويل وهذه نبذة عن الحالة التى نمر بها، وعلى الرغم من الظروف التي ذكرتها فإن ذلك لا يعني أن نتقاعس عن عمل منتجات جديدة تتناسب مع ظروف هذه الدورة الاقتصادية.

ومن الضروري أن تتمتع المنتجات التي يتم طرحها أو تقديمها في فترات ارتفاع الفائدة بالمرونة ويكون العائد عليها متغيرًا، لتسهيل استبدال طريقة التمويل بمنتج آخر تكون تكلفته أقل مع مرور الوقت وبدء تغير الأوضاع، وبالتالي فإن الشركات المضطرة للحصول على تمويل في الوقت الحالي يجب أن تختار وسائل تمويل متغيرة التكلفة بحيث تتناسب مع المتغيرات المتوقع حدوثها مع بدء الخروج من دورة التشديد.

حجم سوق المال ضعيف ولا يليق بمصر.. نأمل الوصول إلى ألفين شركة مقيدة برأس مال سوقي ضخم ومنافس

د. باسل رشدي: مهندس إبراهيم المسيري تعمل في مجال السياحة وهو من أكثر القطاعات المتأثرة خلال الفترة الماضية سواء بالجائحة أو الحروب أو الأوضاع الاقتصادية العالمية وتعرض لتذبذب وعدم استقرار في إيراداته.. فما هي الأدوات التي يتم اللجوء إليها عادة لتمويل رأس المال العامل أو توسعات ومشروعات جديدة؟ وما التحديات الرئيسية التي تواجه القطاع السياحي من ناحية التكلفة وإتاحة التمويل؟

م. إبراهيم المسيري: بالتأكيد، قطاع السياحة بمصر يمر بدورة كل عامين، فبعد فترة جائحة كورونا بدأ يشهد حركة ورواج وارتفع الطلب على الغرف الفندقية بشكل ملحوظ، وواجهت مصر هنا مشكلتين الأولى وضع الغرف الفندقية التي حرمت من التجديد والتطوير بسبب أعباء التمويل لفترة طويلة، والثانية عدم امتلاك ما يكفي لاستيعاب حجم الطيران القادم لمصر.

المهندس إبراهيم المسيري الرئيس التنفيذي لشركة سوما باي

م. إبراهيم المسيري: التأثير الحقيقي لحرب غزة على قطاع السياحة سيظهر في الربع الأول من 2024

أوضاع السياحة شهدت تحسنًا حتى شهر سبتمبر الماضي، وأظهرت النتائج الأولية أن عام 2023 سيكون قياسيًّا في الإيرادات السياحية لمصر، بعد أن ظل عام 2010 هو المقياس لفترة طويلة، إلا أن بدء الحرب على غزة أدى إلى بطء في حركة القطاع في الشهر الأخير من الربع الرابع، أما التأثير الحقيقي للحرب سيظهر في الربع الأول من العام القادم.

ورغم ذلك فإننا نرى أن هذا الوضع مؤقت وسينتهي خاصة مع التحركات في الأمم المتحدة في الوقت الحالي، وتشمل خطة الشركة العمل على 4 فنادق، وسنرفع الطاقة الاستيعابية لسوما باي من 1400 غرفة إلى نحو 3000 غرفة الفترة القادمة.

نعتمد في مشروعات سوما باي على التمويل الذاتي بجانب مبادرات دعم السياحة

د. باسل رشدي: هل ستعتمد شركتكم على التمويل ذاتيًّا من خلال ضخ استثمارات مباشرة أم الحصول على تسهيلات بنكية أو تأجير تمويلي؟

إبراهيم المسيري: الاثنين معًا، جزء مباشر والآخر عبر مبادرة تمويل السياحة، نظرًا لأن سعر الفائدة الحالي من الصعب العمل به، والمطورون السياحيون في انتظار تفعيل مبادرة السياحة والتي انتهت شروطها ولكن لم يتم اعتماد العمل بها إلى الآن، رغم أن معظم البنوك بدأت الاستعداد للمبادرة ووقعت اتفاقيات تمويل مبدئية مع عدد من المطورين لإنشاء فنادق جديدة ترقبًا لاعتماد المبادرة وتفعليها.

شغف تجاه السياحة البيئية ولكن ليس هناك مسار واضح للاستفادة من مزاياها التمويلية

د. باسل رشدي: مهندس المعتز بهاء الدين ما وضع التمويل بالنسبة لشركتكم وما الصعوبات التي تواجهونها في الحصول على تمويل خاصة أن السوق بها مشكلة في السيولة والتدفقات النقدية وتدبير العملة الأجنبية وكيف تتعاملون مع هذه التحديات؟ وهل ترى مجالًا للشراكة مع المصنعين أو الجهات التي تعملون معها بغرض تقليل عبء التمويل؟

م. المعتز بهاء الدين: المشكلة في مجال التطوير الصناعي أن العبء الأساسي يكون في التمويل المطلوب للمنطقة الصناعية، ونظرا لأن العقود محكومة بشروط من هيئة التنمية الصناعية تحت رقابة الدولة فإن هناك وقتًا محدودًا لتطوير المناطق وتسليمها للعملاء، ونحصل على التمويل من ثلاث طرق، أولًا عن طريق رأس المال ثم البنوك ثم متحصلات البيع.

المهندس المعتز بهاء الدين الرئيس التنفيذي لمجموعة مواد الإعمار القابضة سي بي سي

م. المعتز بهاء الدين: ارتفاع الطلب على الأراضي الصناعية في ظل ندرة توافرها مشكلة نتمنى التدخل السريع لحلها

طبيعة عمل تطوير المناطق الصناعية تحتاج إلى السرعة في تنفيذ المشروعات وضخ سيولة بشكل سريع حتى نتمكن من إنجاز التطوير، وفي الوقت ذاته نرغب في الحصول على تدفقات نقدية من البيع فنقوم بعمل حملات تسويقية وهي معادلة يتم ضبطها أثناء العمل على المشروع.

الطلب على الأراضي الصناعية ارتفع ولكن هناك ندرة في توافرها، وهي مشكلة تحدثنا عنها من قبل وتحتاج لتدخل سريع لحلها، ورغم ذلك فإن هذا يساعد المطورين في حال توافر أرض من الدولة ولا يشكل التمويل عقبة طالما توافرت الأرض.

نشاط التطوير الصناعي لا يقبل الشراكة إلا مع صاحب الأرض

وفيما يخص الدخول في شراكات، فإن شركة مواد الإعمار القابضة هي شركة صناعية من الدرجة الأولى تعمل في مجال إنتاج مواد الإعمار والبناء، بدأت عملها في المملكة العربية السعودية وتمتلك فروعًا في قطر والإمارات والمغرب وسوريا ومصر، وتمتلك شركة مواد الإعمار 7 مصانع في مصر تتوزع بين إنتاج الحديد ومواد البناء والكونكريت بأنواعه والألومنيوم والزجاج ومنتجات الخرسانة وتختلف نسبة مساهمتنا فيها من مصنع لآخر.

أما نشاط التطوير الصناعي فهو لا يقبل الشراكة إلا مع صاحب الولاية على الأرض أو مالكها، سواء كانت هيئة المجتمعات العمرانية أو المحليات أو الجمعيات، ويجب أن تكون مساحة الأرض في حدود من 1.5 إلى 2 مليون متر مربع.

يجب التعاون بين صاحب الولاية على الأراضي ومسؤول ملف الصناعة لصياغة خريطة إستراتيجية للمناطق الصناعية

د. باسل رشدي: سأذهب إلى مهندس طارق يوسف هل يمكن إعطاؤنا نبذة عن نشاطات المجموعة وما أفضل الأدوات أو الطرق المستخدمة لتوفير التمويل سواء للمنتجات أو المشروعات؟ وهل ترى الحصول على التمويل سهلًا أم صعبًا في هذا التوقيت؟

م. طارق يوسف: كونكريت بلس هي في الأصل شركة مقاولات منذ أكثر من 25 عامًا، ومنذ قرابة 6 إلى 7 سنوات دخلت في مجالات أخرى لبعض الصناعات المرتبطة مثل شركات الخرسانة الجاهزة ومصانع الطوب ومجالات أخرى لها علاقة بالبناء.

المهندس طارق يوسف المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كونكريت بلس

م. طارق يوسف: نواجه تحديات كبيرة في الحصول على تمويل بالعملة الأجنبية ومصنع الإطارات يحتاج إلى 200 مليون يورو

ومنذ أكثر من عامين دخلت كونكريت مجالين جديدين الأول التطوير العقاري، والثاني الصناعة خلال إنشاء مصنع فلانكات السكة الحديد بتمويلات تتراوح بين 4 إلى 5 ملايين يورو، وقد قمنا بشراء الماكينات عبر عقد تأجير التمويلي وذلك لسهولة وسرعة الآلية التمويلية مقارنة بالحصول على قرض بنكي وذلك بغض النظر عن التكلفة.

نعمل الآن على مشروع كبير للمجموعة وهو تأسيس مصنع لإطارات السيارات وهذا يواجه تحديات كبيرة في التمويل، نظرًا لأن الآلات المطلوبة يتم شراؤها بالعملة الأجنبية، ويحتاج لتمويل يقارب 200 مليون يورو، وهو أمر ليس يسيرًا، ولا بد من توفيره من خارج البنوك المحلية.

يجب تركيز الجهود على زيادة إتاحة التمويل خاصة للمصانع وتقييم أصولها بالقيمة السوقية وتكلفة الفرصة البديلة

وبالفعل لدينا مذكرة شروط وأحكام مبدئية للتمويل عن طريق هيرميس ألمانيا، كما نتعاون مع أفريكسيم بنك بجانب عدة جهات دولية والتي لديها القدرة على توفير التمويل اللازم بالعملة الأجنبية، إضافة إلى العمل مع تحالف بنكي.

وبما أننا نتحدث عن تمويل الطاقات الكامنة، يجب التفريق بين أمرين هما التكلفة والإتاحة، فسعر العائد في الفترة الحالية مرتفع بسبب ارتباطه بظروف عالمية كثيرة؛ ولذلك عند بدء الاستثمار أو الدخول في صناعة جديدة يجب أن تكون مربحة بالقدر الكافي لتغطية التمويل، وإذا انخفض التمويل سيكون ذلك إضافة للشركة في المستقبل، فلا يمكن القبول باستثمار بهامش ربح ضعيف في أوضاع مثل هذه خاصة في ظل ارتفاع أعباء التمويل.

إعادة النظر في قيود تمويل عمليات الاستحواذ ضروري.. ومصر تمتلك الكثير من الفرص يمكن البناء عليها

الأمر الثاني الأكثر أهمية هو الإتاحة وسهولة الوصول للتمويل بغرض تمويل الطاقات الكامنة، وكشركة كونكريت بلس نعتمد على سرعة النمو ونسعى دائمًا لإيجاد حلول تمويلية للتوسعات، وأؤكد أن زيادة الإتاحة هام لأن كلما يسرنا على الشركات التوسع وتمويله انغمس على معدلات النمو الاقتصادي للبلاد.

وأرى أن تقييم أصول الشركات بالشكل الصحيح يفتح الباب أمامها لمزيد من التوسع خاصة في مسألة الرافعة المالية وحدود التمويل المسموح بها من البنوك، فلا يمكن تقييم مصنع على أساس القيمة الدفترية والصحيح أن يقيم بتكلفة الفرصة البديلة، وهذه إحدى الطاقات الكامنة التي نتحدث عنها وتساعد على تحفيز الاستثمار بدلًا من وضع الأموال في البنوك مقابل العائد على الودائع.

أيضًا هناك مشكلة في مجال تمويل عمليات الاستحواذ محليا، فالعالم كله يقوم بتمويل عمليات الاستحواذ، والاقتصاد المصري ليس بحاجة إلى وجود عدد كبير من القرارات والقوانين التي تكبل من حركته ونشاطه، وتمتلك مصر فرصًا كثيرة جدًّا يمكن البناء عليها وتمويلها لتشغيل عجلة الإنتاج.

د. باسل رشدي: أنتقل إلى الأستاذ وليد حسونة رئيس شركة فاليو من خلال خبرتك الكبيرة وإدارتك اليوم لواحدة من أكبر شركات التمويل الاستهلاكي وتجارب الشمول المالي.. هناك أنواع مختلفة من التمويل والإقراض من بينها التأجير التمويلي والتمويل العقاري ومتناهي الصغر.. برأيك ما القطاع الذي ينمو بشكل أسرع من الآخر؟ وما هي القطاعات التي تتمتع بفرص أكثر من غيرها أم أن جميعهم يسيرون بنفس معدل النمو؟

وليد حسونة: رأيي مختلف ولا يشبه ما يتم قوله بالعادة، بالنظر للمنافسة والصراع على ودائع العملاء والمدخرات، نجد أن الاقتصاد المصري بحاجة إلى فتح السوق في مجالين الأول هو مشروعات التنمية العقارية مع وجود حاجة ملحة لتغيير قواعد بيع العقارات بنظام الأوف بلان والتي حولت الشركات العقارية إلى كيانات مماثلة للبنوك الكبرى في مسألة استحواذها على حصة مؤثرة من مدخرات المصريين ويجب علينا التوقف والنظر إلى تجارب الأسواق المحيطة والمشابهة وتصحيح الوضع.

وليد حسونة الرئيس التنفيذي لشركة فاليو

وليد حسونة: السوق العقارية بحاجة ملحة لضبط آلية البيع أوف بلان والشركات تحولت للمنافسة على المدخرات

فالسوق المحلية حاليًا بحاجة إلى فتح وإتاحة فرص الاستثمار الكبيرة للمواطن كإتاحة الاستثمار في أذون الخزانة على سبيل المثال بشكل مباشر أو تكوين محفظة أوراق مالية وأدوات دين كسندات التوريق، وإذا استلزم الأمر تقديمها من خلال البنوك تكون في شكل خدمة وليس معاملة تجارية.

تنفيذ هذين الأمرين يسهم في ضبط السوق وزيادة حجم السيولة ويسهم في خفض تكاليف وأعباء التمويل، كما يدفع الشركات للعمل بكفاءة أعلى، وأؤكد على أهمية التعامل معهم وإعادة هيكلتهم بالشكل المناسب، إذ ستستفيد شركات التمويل العقاري من تعديل أنظمة البيع بجانب دخول البنوك لتمويل نسبة كبيرة من أعمال البناء، بدلًا من قيام الشركات العقارية بدور أداة ادخار.

قطاع التكنولوجيا المالية يحتل المرتبة الثانية في جذب تمويل رأس المال المخاطر والاستثمار المباشر

كما سينعكس السماح للأفراد بالاستثمار بشكل مباشر سندات التوريق بزيادة حجم السيولة بما يخفض تكلفة العائد عليها، وأشير إلى أن هذا متاح ولكن فتح اكتتاب عام على سندات أو توريق يحتاج إلى وقت طويل ولكن نحن كشركات دائمًا ما يكون هناك استعجال في تدبير الاحتياجات التمويلية ولذا يتم سلك الطريق الأقصر والأسرع وهو تغطية الإصدارات عبر البنوك، وهذا خطأ نعترف به فالعيب ليس في المنظومة فقط.

وحقيقة أرى أن حل مشكلة إعادة تقييم الأصول هو التأجير التمويلي، فالبنك لا ينظر إلا الأرقام الواردة في القوائم المالية، بينما يمكن لشركات التأجير التمويلي منح إعادة تمويل بناء على تقييم الأصل وفقًا للقيمة السوقية، وصحيح أن تكلفته مرتفعة نسبيًّا عن البنوك ولكن ذلك يعود لاختلاف مصادر الأموال لديه وتكلفتها.

أما على صعيد سوق التمويل الاستهلاكي الذي أعمل فيه حاليًا ينمو بشكل كبير واتوقع أن تكون النتائج المحققة في 2023 ضعف العام السابق، وتقوم هيئة الرقابة المالية بدور كبير في ضبط السوق لمنع حدوث أي ممارسات خاطئة كونه سوقًا كبيرة تضم 42 شركة وأي خطأ يمكن أن يؤثر على السوق وأموال البنوك وكذلك حملة الأسهم أو السندات.

الزيادة السكانية وعدد غير المشمولين ماليًّا مميزات تعظم من فرص مصر في جذب الشركات الكبرى بالمنطقة

ويعود النمو السريع لسوق التمويل الاستهلاكي إلى ارتفاع معدلات التضخم، وأشير أيضًا إلى أن سوق التمويل العقاري بدأت بالنمو مؤخرًا نتيجة تواجد سوق ثانوي كبير وفي حال تم دعمه بوجود سوق أولي سيشهد تحسنا أكثر، وفي توقعاتي أن معدلات نمو سوق التأجير التمويلي ستقل نسبيًّا عن ذي قبل في ضوء تأثر عمليات تمويل شراء المعدات والماكينات، أما التخصيم فهو يعمل بشكل جيد.

وقد بدأت هيئة الرقابة المالية في منح تراخيص لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وأرى أن هذا القطاع الأكثر فرصًا للنمو خلال الفترة القادمة خاصة في ظل تواجد شركات واعدة مثل الشركة التي يجرى تأسيسها في إي إف جي هيرميس، وشركة أمان، وحالًا وغيرها من الشركات.

د. باسل رشدي: الأستاذ كريم هلال سأتحدث معك عن الاستثمار المباشر والتمويل المغامر كأداوات لتوفير التمويل والتي يمكن أن تتم عن طريق مؤسسات أو مكاتب عائلية أو صناديق استثمار متخصصة.. ما رأيك في هذه الأداة من حيث الإتاحة والوفرة ومدى ملاءمتها بالنسبة لما يحدث في السوق المصرية الآن؟

كريم هلال: دعني أبدأ حديثي أولًا بأمر جانبي فالمشكلات التي نمر بها حاليًا سببها هو ارتفاع سعر الفائدة لمستويات عالية جدًّا، ولا أرى احتمالية لتراجعه بشكل ملموس خلال وقت قريب، بسبب وجود بعض التحديات، مثل ارتفاع معدلات التضخم وأزمة نقص العملة الأجنبية، إضافة إلى استمرار الضغوط على النقد الأجنبي كون مصر دولة غير منتجة ومعتمدة على الاستيراد.

كريم هلال الرئيس التنفيذي لمجموعة كونكورد إنترناشونال

كريم هلال: سعر الفائدة مرتفع للغاية ولا أرى احتمالية لتراجعه خلال وقت قريب

وأقول أن معدل تضخم أسعار السلع والخدمات لا يقل عن 40% أو 50% وربما أكثر لذلك فإن الشهادات البنكية تخسر 30 إلى 40% من قيمتها من اليوم الأول لشرائها في ضوء عدم استقرار سوق الصرف ومعدل التضخم في الفترة الراهنة.

أما بالنسبة لمشاكل التمويل في المرحلة الحالية تتمثل بشكل أساسي في الإتاحة وارتفاع التكلفة والتي وصلت إلى حدود 26% أو 28% ما يطرح سؤالًا حول قيمة الأرباح التي تغطي هذه التكلفة بجانب تحقيق هامش! الوضع الراهن لا بد أن ينتج عنه انكماش اقتصادي بلا شك.

التمويل يواجه تحديات كبيرة على مستوى الوفرة والتكلفة

وردًّا على سؤال هل الاستثمار المباشر أو رأس المال المغامر حل متاح وملائم للسوق، فلا هو غير مناسب، إذا ما كنت تتحدث عن مشكلة عامة تواجه شريحة واسعة، إذ إن هذا النوع من التمويل له مواصفات ومحددات خاصة وشهية معينة تجاه المخاطر، وأشير إلى أن حجم التمويل سواء عبر الاستثمار المباشر أو تمويل رأس مال المخاطر به انكماش ملحوظ في الآونة الأخيرة.

هناك أمران هامان لم نتطرق لهم في حديثنا هذا، الأول هو أن انعدام الثقافة المالية لدى الكثيرين يدفع لاختيار حلول ليست بالضرورة أن تكون الأنسب، والثاني أن مصر تمر بوضع غير طبيعي وسط تحديات داخلية وخارجية كبيرة جدًّا، ما يحتاج إلى التفكير والبحث عن حلول مبتكرة.

مشكلة التمويل في مصر عامة وتشمل شريحة واسعة والاستثمار المباشر ورأس المال المخاطر غير مناسبين

وأشدد على أن دور بنوك الاستثمار الحقيقي والتقليدي والتاريخي يتمثل في تحريك رؤوس الأموال بطرق وأساليب مبتكرة لتواكب احتياجات الأفراد والشركات خاصة وأن السوق لدينا تفتقر لتنوع أدوات التمويل.

هناك أداتان بإمكانهما معالجة جزء من مشكلة التكلفة ووفرة التمويل، وهما: القروض القابلة للتحويل لرأس مال والتي تتميز بسعر فائدة منخفض مقابل أن المستثمر في هذه الأدوات له الحق في تحويل هذا الدين كله أو جزء منه إلى رأس مال وفقًا لقواعد متفق عليها وهو غير موجود في السوق المحلية ومتاح في السوق الخارجية فقط.

القروض القابلة للتحويل إلى رأس مال والأسهم الممتازة آليتان ملائمتان لتخفيف أثر ارتفاع تكلفة التمويل

أما الحل الثاني وهو آلية الأسهم الممتازة والتي توفر تمويلًا لرأس المال، مقابل كوبون ثابت بمعدل منخفض، وهذا هو دور بنوك الاستثمار الحقيقي ويجب أن يتماشى جنبًا إلى جنب مع تعزيز الثقافة المالية والتعريف بأدوات التمويل المختلفة، كشرح دور السهم الممتاز ومعرفة مميزاته وعيوبه وكذلك القرض القابل للتحويل للأسهم.

هذه الأدوات أثبتت جدواها والتكلفة عليها منخفضة ما يدعم زيادة حجم قاعدة المساهمين، وتحتاج بنوك الاستثمار للبحث عن حلول حول زيادة الوعي بالثقافة المالية، وما ذكرته هو نبذة عن بعض الأفكار المتاحة بالفعل.

السوق المصرية تفتقر لتنوع أدوات التمويل

د. باسل رشدي: المتابع للأسواق العالمية يرى التطور المستمر والمتواصل في أدوات التمويل حتى وإن كان عبر استحداث بعض الأفكار على آليات موجودة بالفعل بما يتناسب مع طبيعة الفترة وفي الفترة الأخيرة رأيت تركيز على آلية جديدة في التمويل Revenue-based financing فكرته تشجيع تأسيس مؤسسات مالية غير بنكية تعمل في منح تمويل للقطاع الخاص بنسبة من الإيراد الذي تحصل عليه وفى رأيي هذا نوع من الشراكة وبالنظر للفكرة نفسها أجد أنها فكرة بسيطة لكن من الممكن أن تفتح الطريق أمام العديد من الأفكار.

كريم هلال: فكرة التشارك في الإيرادات هي مسمي مختلف لأنظمة التمويل الإسلامي والتي تقوم على الشراكة مقابل الحصول على نسبة من المكسب، والفكرة تتركز على ابتكار منتج لحل المشكلتين السالف ذكرهم.

د. باسل رشدي: مهندس المعتز بهاء الدين هناك توجه عام حاليًا أنه يمكن حصول الشركات الصناعية أو غيرها على تمويل بعائد منخفض إذا ما استوفت مجموعة من المتطلبات مثل الاستدامة والتكيف مع البيئة يطبق ذلك عالميًّا وحتى البنوك المصرية بدأت في العمل به.. ما حجم تكيف أعمال شركتكم مع هذه المتطلبات؟

م. المعتز بهاء الدين: بداية قانون البيئة المصري وضع مجموعة من الاشتراطات التى يتم تطبيقها بشكل كامل على جميع المناطق الصناعية سواء الخاضعة لمطور أو المصانع القائمة في المناطق الصناعية العامة المملوكة لهيئة المجتمعات العمرانية أو للمحافظات والمحليات.

أما عن دخول مصنع بعينه يعمل في مجال محدد ليتمكن من الحصول على تمويل مميز بتكاليف منخفضة يحدث مقابل استيفاء مجموعة من المتطلبات الدولية الخاصة بالطلبات البيئية كاستخدام الوقود الأخضر أو بدائل الطاقة سواء كانت رياح أو طاقة شمسية وهو قرار يرجع للشركات أو المصانع نفسها.

وبالنسبة لي كمطور فإن لدينا معايير بيئية واضحة ومحددة نلتزم بها ونفرض على المصانع الموجودة داخل المناطق الصناعية التابعة لنا الالتزام بهذه المعايير ويتم إجراء تفتيش دوري لتجديد التراخيص، ويلزم كل المناطق الصناعية بتحقيق الحد الأدنى المطلوب للتوافق البيئي مع اشتراطات وزارة البيئة.

بعض الشركات حصلت على تمويلات مخصصة لمشاريع بعينها، مثل: الهيدروجين الأخضر، وإنتاج الطاقة من المخلفات وأيضا توليد الطاقة من مصادر جديدة مبتكرة حيث تمتلك الشركات الناشئة أفكار مبتكرة.

د. باسل رشدي: سأوجه نفس السؤال للمهندس طارق يوسف ما مدي توافق مجموعة كونكريت بلس مع المتطلبات الجديدة للتمويل الأخضر والمستدام؟ وما رأيك فيما يقال بأنها تزيد فرص الحصول على تمويل وبأسعار عائد أقل من التقليدي؟

م. طارق يوسف: هذا التوجه أصبح إلزاميًّا بالنسبة للمؤسسات الدولية، والتي يمكن أن ترفض طلب التمويل إذا كان حجم الانبعاثات التي تضر البيئة أكثر من الحد الأدنى المسموح به، وفي كونكريت بلس نسعى للحصول على شهادة الالتزام بتلك المعايير في مصنع الإطارات والذي سيعمل بالطاقة الشمسية كما ستزودنا الهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السوس بالطاقة النظيفة، وذلك حتى نتمكن من الحصول على تمويلات بتكلفة أقل من خلال ما يسمي بالتمويلات الخضراء.

نعمل بعناية شديدة وجدية تامة مع تطبيق هذه الاشتراطات لأنها ستحقق فارقًا كبيرًا في تكلفة وعبء التمويل وأيضًا سرعة الحصول عليه، قد يكون هذا التوجه لم يصل إلى ذات الدرجة في التطبيق والالتزام في البنوك المصرية كشرط لمنح التسهيلات الائتمانية ولكنها في طريقها وتحصل على قروض مباشرة من مؤسسات التمويل الدولية لإعادة توظيفها في التحول للطاقة النظيفة والاستدامة والتكيف البيئي.

د. باسل رشدي: الأستاذ محمد ماهر افتقدنا صانع السوق في البورصة المصرية ووجود لاعبين بإمكانهم القيام بحجم عمليات كبير متي يمكن أن يعود شريحة اللاعبين الكبار للسوق مجددا؟ ومن ناحية أخرى نسمع بصفة مستمرة عن ابتكارات جديدة في سوق المال مثل سندات استدامة وشهادات الكربون برأيك هل السوق اليوم مؤهل لذلك وهل سينجح في أن يصل لحجم أعمال يليق بهذه الأدوات الجديدة؟

محمد ماهر: سأكون صريحًا سوق المال المصرية لا تليق بمصر، فحجم السوق ما زالت ضعيفة جدًّا مقارنة بأسواق مال أخرى قد يكون عدد الشركات المقيدة بها أقل بكثير ولكنها تطورت سواء على مستوى حجم العمليات أو ثقافة الاستثمار.

ومن وجه نظري فإن السوق بحاجة إلى تضافر الجهود، فقبل 15 عامًا مرت سوق المال بمصر بفترة انتعاشة قوية ثم عادت للتراجع نتيجة إلى أن الفكر الإستراتيجي للحكومة لم يعطِ الاهتمام الكافي لسوق المال والبورصة كمجال لتحريك الاقتصاد.

ففي بداية الألفينيات كان هناك دور هام جدا لسوق المال في جذب رؤوس الأموال من الخارج وأيضا تنشيط عمليات الاستحواذ وجذب تدفقات واستثمارات من الخارج بمبالغ كبيرة جدًّا أضعاف الأرقام المحققة اليوم، وبدلًا من استمرار النمو حدث العكس، وتراجع حجم التدفقات الخارجية واستثمارات الأجانب علاوة على انخفاض أعداد الشركات المقيدة.

يجري الحديث حاليًا عن أفكار كثيرة ومتطورة جدا في البنية التحتية كبرامج وآليات التنفيذ، إضافة وجود عدد من الأدوات الجديدة وقد تم إنشاء مؤشر الاستدامة للشركات المدرجة في البورصة والتي تراعي المعايير البيئية وخفض الانبعاثات الكربونية وقواعد الاستدامة.

هذا التوجه يتسارع على مستوى العالم كله، ومصر كانت قد اقترحت فكرة تقديم مساعدات تمويلية للدول المتضررة من المتغيرات البيئية خلال انعقاد COP27، وفي مؤتمر المناخ الأخير COP28 الذي عقد في الإمارات تم تحديد آلية للمساعدات تمويلية التي ستفرض على الدول التي تصدر انبعاثات كربونية كبيرة ويتم تخصيصها للدول المتضررة من الانبعاثات.

هذه التمويلات ستكون فرصًا جيدة في ظل ندرة التمويل وارتفاع تكلفته، ومن المتوقع أن يتم توفيرها بأسعار أقل من التمويل التقليدي، ولحسن الحظ أن الدكتور محمود محيي الدين هو المسؤول في البنك الدولي عن متابعة هذا الملف وكان قد أجري عدة اجتماعات قبل مؤتمر المناخ COP27 عبر الإنترنت مع مجموعة واسعة من اللاعبين في سوق المال وقد شاركت في إحداها، وبدأنا نجني ثمارها في الوقت الحالي، ما يؤكد على وجود فرص كثيرة تأتي من هذا المجال.

ووسط سرعة حركة التغيير والتطور والآليات في العالم كله فإن السوق المصرية ما زالت متعطشة وقادرة على استيعاب المزيد خاصة أن عدد الشركات المدرجة لا يصل إلى 220 شركة من نحو 150 ألف شركة مساهمة في مصر قد يكون من بينها نحو 130 ألف شركة لا تصلح للقيد بالبورصة ولكن العشرين ألفًا المتبقية من المؤكد بها شركات مؤهلة أو يمكن تأهيلها، ما يعني إمكانية الوصول بعدد الشركات المدرجة بالبورصة لما لا يقل عن ألفين شركة برأسمال سوقي مختلف يليق بحجم مصر.

أشير أيضًا إلى أن تحدي سعر الصرف جعل القيمة الإجمالية لسوق المال تتراجع إلى خُمس ما كانت عليه، ويتطلب هذا بذل مجهود مضاعف عشر أضعاف ما كان يبذل لجعل السوق لافتة وجاذبة للمستثمرين بالخارج، فلن يفكر أحد بالخارج من الذهاب لسوق حجمه ضعيف بهذا الشكل سواء على صعيد السوق ككل أو حتى الشركات المقيدة بشكل منفرد.

ولكي نحقق هذا نحتاج لتوفير العديد من المميزات لجعل البورصة أكثر جاذبية لقيد الكيانات الكبيرة، وعلى سبيل المثال الأسواق المجاورة بدول المنطقة توفر تسهيلات غير عادية للاستثمار في ظل الظروف غير العادية التى نمر بها، ويجب النظر إليها ومحاولة توفير مزايا أكثر جاذبية لجذب المستثمرين ويمكن أن نخلق من ضعف قيمة العملة المحلية فرصة لاجتذاب المستثمرين في ضوء انخفاض أسعار الأسهم وانخفاض تكلفة العمالة والأراضي ما يشجع الاستثمار بكل الطرق.

د. باسل رشدي: مهندس إبراهيم المسيري مجال التنمية السياحية مصدر للدخل القومي وكذلك مصدر لدعم وتنمية صناعات أخرى مرتبطة منها على سبيل المثال الأغذية والمشروبات والبيع بالتجزئة والمقاولات وغيرها كما يشهد القطاع توسعًا وتنوعًا في الخدمات المقدمة بين سياحة ثقافية وبيئية وعلاجية وسياحة الشواطئ وغيرها.. فكيف ترى فرص الدخول في شراكات والنمو في كل أو بعض هذه النشاطات وجذب تمويلات أو استثمارات أكثر في ظل اهتمام العالم بتطوير ودعم وتمويل السياحة؟

م. إبراهيم المسيري: الفرص المتاحة للتوسع والنمو كثيرة جدًّا ومتنوعة، ولكن أريد التحدث عن ما ذكره الأستاذ وليد حسونة في حديثه حول ضبط ووضع قيود على عمليات البيع على المخطط “أوف بلان”، وحقيقة بالطبع هناك بعض الأنواع والأنظمة في البيع أوف بلان عالية المخاطر بشكل كبير، ولكن سماع هذا يشعرني بالخوف فالسوق يحتاج لتقليل كم القوانين والقرارات الموجودة والمطبقة وليس زيادتها حتى نتمكن من تنشيطه والنمو به.

فعلى سبيل المثال هناك شغف تجاه نشاط السياحة البيئية ولكن عند القيام بدراسة الأمر تجد أنه ليس هناك مسار واضح للوصول إلى التمويل، كما أن سعر بيع الطاقة الشمسية التي يتم إنتاجها من قبل مشروعات سياحية أوغيره مدعوم بطريقة ما، إذ يقل عن تكلفة الإنتاج فكيف سيتم معالجة ذلك، وأؤكد أن هذه المشروعات ذات جدوى اقتصادية ولكن بعض القرارات التنظيمية والقوانين تشكل تحديات في الإقدام عليها أو تنفيذها.

وأقول إن القطاع السياحي هو مورد العملة الصعبة للبلاد، ومنطقة البحر الأحمر تعتبر من أكثر المناطق المصدرة للعقار، ولكن كل القرارات التي تم اتخاذها في هذا الشأن لم تفعل حتى الآن، ومنها قرار تملك الأجانب للعقار والحصول على إقامة لم يتم تنفيذه.

كذلك يواجه الأجانب حائزي العقارات المصرية مشكلة عدم توفير إمكانية فتح حساب بنكي لتحويل أموالهم من خلاله، وبالانتقال للحديث عن الضرائب نجد أن الأجانب الذين قاموا بشراء العقارات واجهوا أزمة بالمطالبة الضريبية عن 10 سنوات سابقة، ثم عند أداء سداد هذه الضرائب تجد أن مصلحة الضرائب المصرية لا تقوم بتحصيلها بالعملة الأجنبية كما لا تقبل بطاقة دفع بنكية أجنبية.

وبغض النظر عن التحديات المرتبطة بسعر الصرف والحرب في غزة وتداعيات كورونا، فإن 80% من المشكلات التي تمر بها البلاد يمكن حلها بسهولة عبر القضاء على بعض المعوقات والعقبات وفلترة القرارات والتشريعات التي تعوق دخول الكثير من الموارد بالنقد الأجنبي.

د. باسل رشدي: أنتقل بالحديث إلى الأستاذ وليد حسونة كيف ترى تطور وضع الوصول للتمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من واقع خبراتك وفي ظل توجيه البنك المركزي بشكل دائم للبنوك بزيادة المحافظ الموجهة للقطاع؟ وهل ترى أن التكنولوجيا المالية يمكن أن تكون وسيلة لجذب المزيد من التمويل أو الاستثمار من ناحية السهولة والكفاءة؟

وليد حسونة: التكنولوجيا المالية تعتبر من أهم الأدوات الموجودة حاليًا في السوق ومن أقوى المنتجات التمويلية المتاحة، ويحتل القطاع المرتبة الثانية في الحصول على تمويلات من خلال الاستثمار المباشر وتمويل رأس المال المخاطر حتى نهاية عام 2022.

السوق المصرية تحوي مزايا كبيرة للعاملين في مجال التكنولوجيا المالية في مقدمتها حجم السكان وارتفاع أعداد الأشخاص غير المشمولين بالخدمات المالية والمصرفية، وأعتقد أن أي مستثمر يود النجاح في منتجات الشمول المالي يجب عليه أن يأتي ويستثمر في السوق المصرية، فالتطور الذي حدث بعد فترة جائحة كورونا ضاعف أحجام هذه النوعية من الشركات.

ولا أقصد هنا الحديث عن فاليو فقط وإنما أتحدث عن شركات أخرى مثل: باي موب وجيديا وباي تاب وفوري وجميع المحافظ الإلكترونية ووسائل الدفع، لذلك فإن الشمول المالي يمثل وسيلة جذب كبيرة جدا لرؤوس الأموال الخارجية خاصة إن كان مصدرها شركات رأس المال المخاطر أو الاستثمار المباشر.

ونظرًا لذلك يجب وضع ضوابط وحوافز للاستفادة من مزايا السوق المصرية لاجتذاب الشركات لتأسيس أو نقل مكاتبها الرئيسية بمصر، وسأضرب مثالًا بعيدًا عن الشركات المصرية وهي شركة تابي إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال BNPL في المنطقة العربية وقد قامت بنقل مقرها الرئيسي من الإمارات إلى السعودية بعد حصولها على حوافز أكبر بكثير.

إذا قدمت مصر حزمة حوافز ضخمة ستتمكن بمقومات السوق من دفع الشركات الكبرى بالمنطقة لنقل مكاتبها الرئيسية إليها حتى في وسط كل هذه الظروف الاقتصادية والتحديات التي تواجهها السوق في المرحلة الراهنة.

واتفق مع المهندس إبراهيم المسيري في أن 80% من المشكلات والتحديات يمكن حلها ويتبقى 20% متعلقة بسعر الصرف وتوفير التمويل وتكلفته.

وفي رأيي أن قطاع التكنولوجيا المالية بمصر سيكون الأكثر جذبًا للاستثمارات خلال الفترة القادمة وبه فرص ضخمة للنمو ومجال واسع لتقديم المزيد من الخدمات، ولا أرغب في ذهاب الشركات المصرية لنقل مكاتبها الرئيسية للخارج للاستفادة من بعض الحوافز المقدمة، فمن الضروري البحث عن طريقة لتشجيع الشركات المصرية على الاستثمار والتوسع في السوق المحلية، ولا يعني ذلك عدم اتجاهها للتوسع في الأسواق الخارجية لما له من فوائد في تقليل حجم المخاطر وتوسيع قاعدة العملاء وغيره، ولكن لا بد أن تبقي على مكاتبها الرئيسية في مصر.

أما على مستوى تمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فلدي تحفظ تجاه فكرة أسعار الفائدة المدعمة بشكل عام ووجود سعرين مختلفين لذات الخدمة أو الشيء، واقترح إلغاء دعم معدلات العائد واستبداله ببعض المزايا سواء عينية في صورة أراض أو غيرها وضريبية عبر منح إعفاءات أو تخفض للضريبة، والابتعاد عن دعم الفائدة والذي يكون مرهقًا بصورة كبيرة جدًّا للنظام المالي.

وأرى فرصًا هائلة للنمو في شريحة التمويل الصغير الذي يتراوح بين 400 ألف جنيه وحتى 1.5 مليون جنيه، والشركات التي ستركز عليه ستنجح في تغيير معطيات السوق.

د. باسل رشدي: أتفق معك في الرأي بأن جزءًا كبيرًا من الشركات الصغيرة تواجه بعض الظلم نتيجة تفضيل الجهات المانحة للتمويل سواء بنكية أو غير بنكية النظر في طلبات التمويل المقدمة من الشركات متوسطة الحجم وإعطائها الأولوية خاصة أن قيمة القرض المطلوب تكون أعلى وهكذا هو الوضع حتى في المقارنة بين أولوية الدراسة لطلبات تمويل الشركات المتوسطة فحجم القرض عنصر أساسي.

وليد حسونة: هذه المشكلة يمكن حلها من خلال تطبيق التكنولوجيا المالية عبر متابعة معلومات العميل بشكل دقيق بما يمكن من اتخاذ القرار والوثوق في نسبة نجاح المشروع وصفقة التمويل، وقد عملت لمدة 20 عامًا في مجال منح الائتمان ونعم دائمًا يتم تفضيل بذل جهد الدراسات في الصفقات التمويلية الأكبر حجمًا، ولكن التكنولوجيا ستساعد على حل هذا عبر تسهيلها زيادة حجم العمليات بشكل كبير وأيضًا جمع الأموال مرة أخرى وسرعة دورانها وتوظيفها.

وأتوقع أن تقوم 4 إلى 5 شركات في مجال تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطبيقات التكنولوجيا المالية خلال الفترة المقبلة بنقل وإعادة تجربة التطور والنجاح الذي شهده التمويل الاستهلاكي في مجال الإقراض الصغير تحديدًا.

د. باسل رشدي: مصر سوق كبيرة مليئة بالعديد من الفرص إضافة إلى توافر رؤوس الأموال والسيولة ولكن هناك سوء توزيع للثروة وهناك تحديات الطبع.. تحدثنا عن بنوك الاستثمار والمشاكل التي تقابل المؤسسات والأدوات التمويلية المتاحة ومدى أهمية توفير بعض الامتيازات والحوافز لتنمية السوق.. وسؤالي للأستاذ كريم هلال كيف ترى دور الاستحواذات والاندماجات في خلق كيانات أكبر وكيف يسهم ذلك في زيادة حجم السوق وزيادة جاذبيته لرؤوس الأموال؟ وأيضًا كيف يساعد ذلك في الوصول للتمويل بسهولة أكثر عبر أدوات مالية متنوعة؟ فما رأيك في اندماج المؤسسات سواء المتوسطة أو الكبيرة؟ وما مقترحاتك لتشجيع وتطوير سوق التمويل في مصر؟

كريم هلال: سوق الاندماجات والاستحواذات شهد حالة انخفاض كبيرة باستثناء تنفيذ عمليات استحواذ إستراتيجية على حصص مؤثرة بعدد من الشركات من قبل صناديق سيادية خليجية بدافع سياسي اقتصادي.

وعمومًا نشاط الاندماج أو الاستحواذ ظاهرة صحية لما ينتج عنه من خلق كيانات أعلى كفاءة وليس مجرد أكبر حجمًا، وبالإشارة لفكرة الاندماج بين الشركات الصغيرة والمتوسطة فإننا نرتكب خطأ لجمع الاثنين معًا، فلكل منهما خصائص مختلفة الشركات الصغيرة تختلف كثيرًا عن نظيرتها متوسطة الحجم.

ومن واقع تجربة شخصية لعملاء لدينا بالشركة أرى أن مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة شهدت بعض الممارسات غير السليمة، والشركات المتوسطة داخل المبادرة تعاني من مشاكل كبيرة نتيجة التعامل معها بذات طريقة الشركات الكبرى وهي مختلفة تمام في الخصائص.

وحقيقة حتى طرق التعامل مع الشركات المتوسطة لا يجب تطبيقها على نظيرتها الصغيرة، كما أن التكنولوجيا المالية لم تنجح حتى الآن في حل مشكلة الحصول على التمويل للمؤسسات الفردية والصغيرة والمتوسطة.

قبل نحو 12 عامًا بدأت تأسيس صندوق استثمار متخصص في تمويل الشركات المتوسطة وكما نعلم جميعًا وقتها فإن الشركات الفردية والصغيرة تعمل بثلاث ميزانيات، واحدة تقدم للضرائب والثانية للشركاء وأخرى للبنك إن وجد في المعادلة، وبعد تعديل قانون الضرائب في عهد الدكتور بطرس غالي وتحديد نسبة 20% وإلغاء التقديرات الجزافية ووجود تفاوض وتواصل مع محصلي الضرائب، توقع حينها الكثيرين انهيار حصيلة الضرائب ولكن ما حدث هو ارتفاعها أضعاف.

وعند بداية تكوين الصندوق بدأنا البحث والتواصل مع بعض الشركات وفقًا للمعايير التي قمنا بتحديدها بغرض بناء Pipeline وكانت المشروعات الأولي تعمل بأكثر من ميزانية وهذا في حد ذاته يمنع أي فرصة للاستثمار، ولكن بعد إصدار تعديل قانون المحاسبة الضريبية توافدت علينا الشركات المستعدة لإمساك دفاتر منتظمة، وإذا كان استمر الوضع على ذلك كان سيخلق بيئة مناسبة تسهل عملية الوصول للتمويل لشركات هذا القطاع، ولكنه عاد مرة أخرى إلى معاملة ضريبية صعبة بما انعكس على أدائه.

ولن أسترسل في الحديث عن الفائدة المدعومة إذ إنها غير قابلة للاستمرار، وما تحتاج إليه منظومة الشركات الصغيرة والمتوسطة هو جلسة صريحة لمعرفة طريقة التعامل معها وما يناسبها حتى تمتلك البنوك آليات مواتية لهذه المتطلبات.

د. باسل رشدي: المهندس المعتز بهاء الدين ما هي متطلباتكم ومقترحاتكم للقائمين على القطاع الصناعي في مصر لتشجيع الصناعة لتتمكن من جذب استثمارات أكثر في هذا المجال؟

م. المعتز بهاء الدين: لدينا مشكلتان، الأولى تخص الأراضي الصناعية والتي تمثل حجر الأساس وبدونها لن تتحرك الصناعة للأمام، والمشكلة في مصر تكمن في أن صاحب الولاية على الأرض يختلف عن المسؤول عن الصناعة كما يختلف أيضًا عن المسؤول عن توفير التمويل، وهذه هي العناصر الثلاث الرئيسية في منظومة الصناعة كلها.

ويمكن حل هذا من خلال تعاون صاحب الولاية على الأراضي مع المسؤول عن ملف الصناعة والعمل معًا على صياغة خريطة إستراتيجية تشمل المناطق الصناعية الموجودة ومناطق العمالة والمواد الخام ونقاط التصدير والأسواق والمناطق التي توجد بها الفرص وكذلك المناطق مرتفعة معدلات البطالة، وقد قيل أكثر من مرة في أوقات سابقة أنه سيتم عمل لجنة لإعداد هذه الخريطة والخاصة بتحديد الأراضي الصناعية ولكنها لم تكتمل وهذه مشكلة كبيرة.

أما الثانية فهي صعوبة تأسيس مصانع دون الحصول على تمويل بسعر مناسب، فلن يستطيع أحد العمل بأسعار الفائدة الحالية والتي تصل إلى 26% ومن الصعب القيام بمعالجة ارتفاع أعباء التمويل والذي يتطلب تحقيق معدلات أرباح غير منطقية خاصة وأن دورة الاسترداد بالأنشطة الصناعية مدتها طويلة وليست كالتجارة أو التكنولوجيا ذات المردود السريع.

د. باسل رشدي: المهندس طارق يوسف كيف ترى مجال التوسع الجغرافي خارج مصر إقليميًّا وعربيًّا أو دوليًّا؟ وما الفرص المتاحة أمام هذه الشركات؟ وهل تحتاج الشركات إلى تمويل محلي يساندها في تحقيق ذلك أم لا؟

م. طارق يوسف: التوسع الخارجي اليوم لم يعد خيارًا في كونكريت بلس فنحن متواجدون بالفعل في دول مثل السعودية وعمان وندرس دخول أسواق أخرى وذلك لزيادة فرص نمو أعمال الشركة وتوليد دخل بالنقد الأجنبي، أما عن التحديات التي تواجه أعمالنا في الخارج كشركة للمقاولات تتمثل في توفير تمويل Overdraft، فالبنوك المصرية وهي مشكورة تقوم بإصدار خطابات ضمان للشركة ولكن لديها تحديات كبيرة في إمكانية تمويلها للسحب على المكشوف في الخارج.

ومؤخرًا اتجه بنكا الأهلي ومصر لفتح فروع في السوق السعودية بالتزامن مع توسع عدد كبير من الشركات المصرية في السوق السعودية، إذ إن مصر احتلت المرتبة الأولى في الاستثمارات الجديدة بالسعودية بعدد يتجاوز 650 شركة في مجالات عدة فالأمر لا يقتصر على قطاع المقاولات، ولذلك أثر إيجابي لتوليد دخل بالعملة الأجنبية.

وبمناسبة حديثنا عن الطاقات الكامنة في مصر خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أرى أن البورصة المصرية هي أم الطاقات الكامنة وأسواق المال هي أساس العالم كله وتستطيع أن تنجح سريعًا في تغيير الكثير من الأوضاع الاقتصادية، وأتفق مع الأستاذ محمد ماهر في ضرورة الإسراع في التحرك لتحفيز المستثمرين والسوق، والتي لم تحصل على حقها ووضعها الذي تستحقه في الاقتصاد المصري حتى الآن.

وخير دليل ذلك اجتذاب البورصة المصرية استثمارات أجنبية مباشرة بأحجام ضخمة جدًّا في الفترة من عام 2002 إلى 2008 ولم نستطِع جذب ربع قيمة هذه الاستثمارات اليوم، وأيضًا تسهيل دخول الشركات للبورصة هو شيء أساسي ومطلوب بشدة ويدعم الدولة نظرًا لإجراءات التدقيق والشفافية المفروضة من الرقيب وبالتالي تحصيل الضرائب بكفاءة أعلى.

د. باسل رشدي: من الملاحظ أن هناك تعميق كبير للتشريعات والقوانين واللوائح الخاصة بسوق المال والبورصة والرقابة المالية ونرى أن هناك شيئًا غائب عن الصورة وهو تسويق قصص النجاح ومقومات بيئة الاستثمار وهو ما يلفت انتباه المستثمرين الأجانب بصورة أكبر من توافر التشريعات والقوانين والقرارات.. فما هو رأيك وهل الحديث عن تنظيم السوق وإصدار التشريعات والقرارات أخذ حقه أكثر من الترويج لقصص النجاح بالسوق؟

محمد ماهر: اتفق معك وأؤكد على ضرورة العمل على تقليص التشريعات، من الضروري تبسيط الأمور والبحث عن أفكار خارج الصندوق وجاذبة للمستثمريين، خاصة في ظل انتقال أكثر من 600 شركة مصرية تعمل في قطاعات مختلفة لتأسيس كيانات في السوق السعودية للاستفادة من المزايا والحوافز وسعيًا لتوفير عملة صعبة، والأزمة أن الشركات التي يتم تأسيسها بالخارج تكون مستقلة وليس مجرد توسع خارجي لشركة مكتبها الرئيسي في مصر.

ومن الأولوية البحث عن طريقة للحفاظ على المستثمر المحلي أولًا لمنع انتقاله من السوق وذلك قبل البحث عن طريقة لجذب مستثمريين جدد من الخارج، والبورصة تعتبر أحد الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك في السوق التي يتم من خلالها عرض البضاعة.

وحول التحديات فإن السياسة المالية هي الأساس والمحرك الرئيسي للاقتصاد وليس مبادرات البنك المركزي رغم أهميتها بصفة مؤقتة في بعض الأحيان، ولكن استعمال السياستين المالية والنقدية بصورة أفضل قد يؤدي إلى تحسن المناخ الاستثماري بالرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها السوق.

وأشير إلى أن مصر تعتبر من أغلى الدول في العالم من حيث الرسوم بجانب الضرائب حيث يوجد نحو 12 نوع ضريبة، وبالتالي باتت تكلفة تنفيذ الأعمال في مصر مرتفعة جدًّا، وجميع هذه الأمور يجب إعادة النظر فيها، فلدينا الكثير من الأمور التي يمكن التحرك فيها سريعًا واتخاذ قرار بشأنها بما يحسن بيئة ومناخ الاستثمار ونتمكن من الحصول على حصة أكبر من كعكة الاستثمار الأجنبي المباشر، وأقترح تشكيل لجنة متخصصة لإزالة المعوقات.

د. باسل رشدي: المهندس إبراهيم المسيري ما الذي يمكن تقديمه في مجال التنمية السياحية ويساعد على جذب استثمارات في رأس المال أو تمويلات ومنها على سبيل المثال المؤتمرات والمعارض الدولية والتي تساعد في وضع مصر على خريطة استثمارات العالم؟

م. إبراهيم المسيري: هناك أمور كثيرة يمكن القيام بها في هذا المجال، وإذا تحدثنا عن مجال الترفيه مثلًا يجب أن نتساءل عن أسباب التغيير المفاجئ والسريع في السوق السعودية بعد انغلاق دام لوقت طويل جدًّا، والآن هي سوق جاذبة جدا للجميع بما فيهم المصريين، بعد اتخاذ الحكومة السعودية حزمة من القرارات بشكل سريع للغاية ما ساهم في فتح السوق.

في مصر الوضع مختلف، فقد تم رفع الضرائب لمستويات عالية جدًّا على قطاع الترفيه وصلت إلى نسبة 40% من الإيرادات ما أدى إلى توقف سوق الخدمات الترفيهية وأصبحت الحفلات وما شابه دون جدوى، أما دبي فكانت مركز الترفيه بالمنطقة لفترة ثم قررت السعودية أخذ هذه المكانة عبر مجموعة حوافز ونجحت في ذلك.

جزء آخر لا بد من الوقوف عليه ومعرفة سبب انتقال الشركات إلى السعودية ويأتي في مقدمتها التشريعات الخاصة بالسياحة و سهولة الحصول على تأشيرات الدخول لمواطنين جميع أنحاء العالم، مقارنة بالاشتراطات الموضوعة بمصر وأغلبها موجه للسوق الأوروبية والبالغ عددها نحو 27 بجانب 3 إلى 4 دول أخرى، وغير ذلك لا بد أن يأخذ وقتًا طويلًا نسبيًّا حتى يتمكن من الحصول على تأشيرة الدخول.

وبشكل سريع، إحدى المشكلات أيضًا بقطاع السياحة بمصر تتمثل في انخفاض سعة المقاعد بالطيران، خاصة أن دخول مصر بريًّا ليس أمرًا سهلًا أو متاحًا ولذا يجب العمل على زيادة سعة الطيران ورفع كفاءة خدمات المطارات، بجانب المشاكل الموجودة في المناطق والمواقع الأثرية، وأتمنى تحقيق ما اقترحه الأستاذ محمد ماهر بخصوص تشكيل لجنة متخصصة لإزالة المعوقات.

د. باسل: أوجه سؤالي للأستاذ كريم هلال لقد عملت في بنوك أجنبية في السابق فهل تشجع جذب بنوك ومؤسسات أجنبية لدخول السوق المصرفية المحلية سواء عبر فتح مكاتب تمثيل أو فروع أو الاستحواذ على بنوك قائمة وكما تعلم أن هناك قيودًا كثيرة على هذه الإجراءات وتستغرق وقتًا طويلًا للحصول على الموافقات حتى وإن كانت بنوك استثمار أو مؤسسات مالية أو غيرها فهذه الجهات تقف في قائمة انتظار طويلة للحصول على دورها في الإجراءات ما يغلق الباب أمام العديد من فرص دخول استثمارات أجنبية مباشرة محتملة ويضيع العديد من الفرص فما رأيك في هذا؟

كريم هلال: رأيي في هذا دون تفكير هو ضرورة فتح الباب أمام هذه المؤسسات فبخلاف جذب استثمارات أجنبية جديدة من خلال دخول رؤوس أموال يجب التفكير في مصلحة عملاء هذا البنك داخل السوق، والذي فكر في المجيء لمصر بدافع خدمتهم وهم عادة من شريحة الشركات الكبرى ما يمنح فرصة لنمو حجم أعمال هذه الجالية من الشركات إضافة إلى تعظيم فرص الترويج للاستثمار في مصر.

وحتى لا أطيل الحديث أود التنويه إلى أننا نواجه مشكلة وجودية وهي عدم وجود هوية واضحة.

د. باسل: السؤال الأخير في جلستنا هذه موجه إلى الأستاذ وليد حسونة.. بصفتك الأكثر تعاملًا من بين مجموعة المتحدثين مع القطاع الاستهلاكي من خلال نوافذ التمويل المختلفة فما مدى تفاؤلك بنمو القطاع المالي وقطاع التمويل في مصر؟

وليد حسونة: بالتأكيد متفائل، وأرى كباقي المشاركين أن لدينا فرصًا وطاقات كامنة كبيرة لم تستغل بعد، ولدينا بالطبع إحباط تجاه عدم استخدام هذه الطاقات والاستفادة منها، ولكن لدي أسباب لتفاؤلي مدعومة بعدد من النقاط.

ولكن أود أولًا أن أشير إلى أن النشاط المالي في مصر بحاجة للسيطرة على التنوع الذي زاد وتوسع بشكل كبير جدًّا في الآونة الأخيرة بين التمويل الاستهلاكي أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناعية الصغر بجانب شركات الدفع وشركات التكنولوجيا المالية المخول لها بإصدار بطاقات للدفع.

أما عن سبب تفاؤلي الرئيسي والنابع من محاولتنا للتوسع خارج مصر، فإن السوق المحلية قد تكون غير منافسة لدول المنطقة في قطاع السياحة على سبيل المثال نظرًا لوجود عدد كبير من التحديات، على عكس الوضع في المنافسة بالقطاع المالي.

ففي إطار استشكاف الفرص وجدنا أن أسواقًا كثيرة من التي عليها إقبال كبير لديها مشاكل وتحديات تتعلق بكثرة وإسهاب في التشريعات والقواعد التنظيمية، وقمنا بتعيين مكاتب محاماة ومستشارين ولم نتوصل حتى الآن لمعرفة ما هو مطلوب لدخول السوق، أما مصر فالوضع مختلف تمامًا ولنضرب مثالًا بقطاع التمويل الاستهلاكي فإذا ما رغب أي مستثمر في القدوم إلى مصر سيجد أن القانون المنظم لأعمال القطاع لا يزيد على 20 ورقة إذا نجح في تحقيق المتطلبات المذكورة فيها سيضمن الحصول على ترخيص.

وفي إحدى الدول التي تقدمنا للحصول على ترخيص فيها انتهى الأمر بالحصول على رخصة لنشاط آخر غير الذي تقدمنا إليه ولا أحد يعلم ماذا حدث أو ماذا نفعل.

ولهذه الأسباب متفائل بمستقبل القطاع المالي غير المصرفي في مصر والذي يتميز بتوافر التكنولوجيا وحركة النشاط العالية بالسوق والموهبة إضافة إلى الإجراءات الدقيقة لضبط السوق، ولي رأي مختلف هنا فيما يخص إصدار القرارات والقواعد التنظيمية، وأرى أن غالبية التشريعات أو القرارات الصادرة عن هيئة الرقابة المالية مؤخرًا تستهدف ضبط الأسواق وذلك لأن الممارسات مجهولة سواء لللاعبين أو الرقيب ونستكشفها سويًّا خلال التجربة، وعلى النقيض فأنا غير متفائل تجاه قطاعات السياحة والصناعة ولا اتفق مع ما يحدث في قطاع التطوير العقاري.

إبراهيم المسيري: أود التعليق على هذه النقطة، الشركات العقارية لا ترغب أبدًا في أن تتحول إلى بنوك، وسبب وضعها الحالي هو عدم قيام البنوك بدورها على نحو كامل، على عكس المطورين يقومون ببناء المشروعات ومضطرون لتمويل عمليات البيع نظرًا لصعوبة حصول العملاء على تمويل عقاري لشراء الوحدات.

لماذا تقوم شركات التطوير العقاري ببناء المشروعات خلال فترة قد تستغرق 4 سنوات بدلًا من 9 أشهر! نضطر لهذا نظرًا لوضع التمويل كما تتحمل الشركات مخاطر الفائدة، وأؤكد أن المطورين لا يرغبون في البيع على المخطط “أوف بلان” ولكن يقومون بهذا لغياب التمويل من البنوك.

وليد حسونة: بالنظر إلى غالبية الشركات العقارية سواء كانت مصرية أو غير مصرية ستجد أن أغلب الشركات بها 5% رأسمال و40% شيكات مقطوعة على العملاء، ونحو 50% إيرادات مستقبلية من ضمنها الهامش الربحي، وأتساءل لماذا هذه الصناعة هي الوحيدة التي لا يوجد بها متطلبات لرأس المال Equity، وهناك أمر آخر بات منتشرًا وهو دفع مبلغ كبير لمدة تزيد على 6 أشهر دون اختيار أو معرفة شكل الوحدة العقارية وحتى يتم تخصيص وحدة له من قبل الشركة وذلك لمجرد رغبته في التواجد بمكان أو مدينة سكنية محددة، وهذا لا يحدث في أي صناعة أخرى بمصر ولا أتحدث هنا عن الشركات الكبرى كالجونة أو سوما باي وغيرها والتي تمولها البنوك بالطبع لاختلاف وضعها.

أما غالبية الشركات العقارية بالقاهرة والجيزة مثلًا فبالنظر إلى ميزانياتها فلا تجد الرافعة المالية مناسبة أبدًا.

إبراهيم المسيري: المشكلة ليست في رأس المال ولكن في حجم المستحقات المستقبلية وذلك بسبب عدم تمويل البنوك.

المهندس المعتز بهاء الدين: هناك نقطة مهمة جدًّا في السوق العقارية ظهرت جليًّا خلال آخر 20 أو 25 عامًا، وهي أن سعر الأرض في العالم كله من المفترض ألا يتعدى 20% من تكلفة العقار، ولكن في مصر سعر الأرض يصل إلى 70% فبالتالي وبناء على خبرتي في التطوير العقاري فإن الاستثمار المبدئي والأساسي في العقارات يكون في توفير الأرض، فإذا كانت الأرض تأخذ وحدها 70% من التكلفة النهائية للمشروع العقاري فإنها معادلة مقلوبة تمامًا وغير منطقية أن تذهب النسبة الأكبر من تكاليف المشروع في الأرض فقط، وهذا الكلام ينطبق على التطوير الصناعي والسياحى أيضًا، فقد أصبحت الأرض سلعة نتيجة سرعة تغير قيمة العملة المحلية.

الرابط المختصر