بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
ضمن حزمة من التوقعات المتباينة.. سلبا وإيجابا.. في التقرير الأخير الصادر عن وحدة البحوث الاقتصادية التابعة لمجموعة «الإيكونوميست» الدولية حول مستقبل الاقتصاد المصري خلال الأربع سنوات القادمة.. جاءت تلك التوقعات المبشر التي تتعلق تحديدا بمعدل التضخم.. حيث يتوقع التقرير أن يتراجع التضخم في 2018 إلى 16.1% ثم إلى 13.6% في 2019 ثم إلى 11.2% في 2020 ثم إلى 8.7% في 2021 ثم إلى 7.9% في 2022.. أي أن التضخم سينحسر الى ما هو أقل من 10% لأول مرة منذ سنوات بعيدة.. وصل خلالها معدل التضخم الى مستويات تاريخية غير مسبوقة.
•• أسباب الانخفاض
لم يشرحها التقرير.. وإن كنا نبادر بدورنا الى التحذير من أن ترتبط رؤية التقرير لحدوث هذا الانخفاض الكبير المرتقب لمعدلات التضخم، بمضي الدولة قدما في رفع معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض كوسيلة للسيطرة على التضخم.. وفقا لتوصيات صندوق النقد الدولي.. وشروطه الدائمة لمنح المزيد من القروض لمصر.
هذا الأسلوب.. رفع معدلات الفائدة.. يتحفظ عليه الكثيرون من الاقتصاديين.. ويؤكدون فشله في تحقيق هدفه .. لأنه لا يلائم الأسباب التي رفعت معدل التضخم في مصر .. حيث أنه «عادة ما يتم رفع سعر الفائدة كي يتم تقليص التضخم المدفوع من الطلب وليس التضخم المدفوع من العرض».. وهو عكس حالة مصر التي ارتفع فيها التضخم بسبب «صدمات في العرض أدت الى تزايد مستوى الأسعار».
بمعنى أن «التضخم بسبب الطلب» يحدث عندما يكون الناس لديهم سيولة مالية ويتنافسون على شراء كميات قليلة معروضة من المنتجات.. وهنا تلجأ الدولة الى رفع أسعار الفائدة في البنوك فيتجه الناس الى إدخار أموالهم ويقللون نسبيا من شراء السلع .. وطبعا نعلم جميعا أن ذلك ليس هو الحادث في مصر .. وأن الناس ليست لديهم أموال أصلا ـ بعد التعويم ـ للإقبال على الشراء.. فكيف إذن يمكن توقع أن تعالج زيادة أسعار الفائدة الارتفاع في معدل التضخم؟!
•• وهل هناك بديل؟
نعم .. هناك بدائل .. وليس بديلا واحدا .. والحكومة تعلم ذلك .. إلا أنها يجب أن تتخلص أولا من فكرة خاطئة تبني عليها تقديراتها حول أسباب هذه الأزمة .. وقد سمعتها على لسان الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط في أحد المؤتمرات.. حيث ترى أن السبب الأساسي للمشكلة هو أن المصريين ينفقون أكثر من 34% من دخولهم على الغذاء وهو ما يؤدي الى التضخم .. وأنه لو زادت أسعار الفائدة فإنهم سيقللون من هذا الإنفاق الاستهلاكي .. ويتجهون الى الإدخار.
هذا كلام نراه عقيما .. ككلام صندوق النقد .. مع كامل الاحترام والتقدير للدكتورة الوزيرة.. لأن من يردده يتغافل أن أكثر من 80% من المصريين يستطيعون بالكاد توفير الدخل الذي يكفي الحد الأدنى من احتياجات استهلاكهم .. فمن أين سيأتي هؤلاء بأموال يضعونها في البنوك؟!
إن علة إقتصاد مصر الآن يمكن توصيفها ببساطة في التضخم الكبير الذي نتج عن الإرتفاع في تكاليف الانتاج والاستيراد بعد «تعويم» الجنيه في وقت نراه لم يكن مناسبا بسبب الظروف الأمنية المتوترة التي ترتب عليها انخفاض موارد النقد الأجنبي .. ويضاف الى «التعويم» أسباب أخرى مهمة مثل تخفيض دعم الطاقة والتوسع في فرض الضرائب والرسوم الجمركية.. أي أن التضخم لم يحدث بسبب وجود سيولة مالية فائضة في أيدي الناس لكي نلجأ الى رفع أسعار الفائدة لامتصاص هذه السيولة (!!)
•• وما الحل؟
نقول دائما: على الحكومة أن تدرك أولا الأسباب الحقيقية للعلة .. ثم تبحث عن الدواء المناسب .. والذي لن تجده الا في طريقين.. هما: تفعيل أدوات الرقابة على الأسواق.. وزيادة الإنتاج وتنشيط الصناعة بهدف التصدير.
فمن المعلوم أن جزءا كبيرا من أزمة ارتفاع الأسعار يعود الى الممارسات الاحتكارية من جانب بعض المنتجين والتجار والموزعين .. ولأغراض نكاد نجزم أنها سياسية ..في ظل ضعف أدوات الرقابة من جانب الدولة المغلف بمفهوم خاطئ وفوضوي للاقتصاد الحر .. ما ترك السوق والمستهلكين فريسة لمن يمتلكون السلع (!!)
أما الإنتاج المحلي والصناعة والتصدير .. فيمثلون «المفتاح السحري» والبديل الآمن لتنشيط موارد النقد الأجنبي من جانب .. وتخفيض تكلفة الاستيراد من جانب آخر .. وهو ما يؤدى حتما الى رفع سعر صرف العملة المحلية ويكبح جماح التضخم وجنون الأسعار.. ولابد أن يكون هدفنا الدائم هو «ماذا نصنع.. وماذا نُصدِّر» ؟.. تلك هي المسألة.