صالح ناصر رئيس قسم التحليل الفني في بايونيرز
في المقال السابق تحدثنا عن المشكلة التي يواجهها المستثمر عندما يكون قرار الشراء خاطئًا أو عندما تتحرك السوق بما لا تشتهي السفن. شرحنا حالة الإنكار التي يعيشها المستثمر والتي تجعله يتصرف تصرفات خاطئة تعظم من خسائره. أرجو ممن لم يقرأوا المقال السابق أن يقرأوه قبل قراءة مقال اليوم.
لنشرح ببعض التفاصيل كيف يمكننا التغلب على مشكلة الأمنيات التي تجعلنا لا نرى الواقع وبالتالي لا نستطيع التعامل معه؛ حيث إن كل ما يهمنا في هذا الوقت هو أن تتحرك السوق كما نبغي! في المقال السابق تحدثنا عن بعض الممنوعات؛ أولها عمل متوسط أسعار عند هبوط السوق وأيضًا التعامل بالشراء الهامشي.
بالنسبة لعمل متوسط أسعار، أي شراء كميات إضافية عند هبوط السوق: هذا التصرف لا ينصح به إلا إذا كان المستثمر يتوقع صعود الأسعار وعنده عدة دلائل واضحة على ذلك. أما إذا كان يشتري لمجرد أنه يقلل من متوسط أسعاره فهو في الواقع يعظم خسائره حيث إن الخسارة نفسها تزيد لزيادة الكمية المشتراة.
وبما أن المستثمر في وضع الخسارة والألم لا يكون بكامل قواه العقلية فينصح بالابتعاد تمامًا عن هذا التصرف.
بالنسبة لمشكلة الشراء الهامشي فقد تكلمنا عنها كثيرًا وخصصنا مقالًا لهذا الموضوع باسم ”القاتل“ وهو أقرب وأدق وصف للشراء الهامشي.
لنتحدث اليوم عن حلٍّ مبتكر يساعدنا على التغلب على أكبر مشكلة نواجهها وهي -كما شرحنا- التمني وعدم رؤية الواقع.
قبل الخوض في هذا الحل المبتكر يجب أولًا شرح موضوع يتعلق بسيكولوجية المستثمر عندما يتجرع آلام الخسارة. في هذه الأوقات يكون المستثمر في وضع لا يحسد عليه وتكون القدرة على التفكير محدودة فبالتالي تكون القرارات أقرب للقرارات العاطفية عنها للقرارات الرشيدة أو العاقلة، وبالتالي يحتاج المستثمر في هذه الأوقات إلى من يوجهه ليتعامل بشكل أكثر عقلانية وأكثر منطقية.
ولكن من هو هذا الشخص الذي يمكنه فعل ذلك؟ إنه المستثمر نفسه، ولكن كيف يمكنه ذلك إذا كان في وضع اللامنطقية بسبب عواطفه التي تتحكم في قراراته؟ لقد تكلم البروفيسور ”ألكسندر إلدر“ في كتابه الشهير “Trading for a living” عن حل يساعد المستثمر على أخذ قراراته بطريقة أكثر منطقية.
لنفترض أنك قررت أن تشتري سهمًا معينًا بسعر محدد وقمت بشرائه، المطلوب منك أن تفعله هو أن تأتي بكشكول وتكتب في الصفحة الأولى على اليمين السهم الذي اشتريته، سعر الشراء، الكمية المشتراة، ثم تكتب لماذا قمت بشراء هذا السهم. وأخيرًا يجب إضافة ملحوظة عن إحساسك والشعور الذي كنت تشعر به عند قيامك بشراء السهم.
إذا قمت بشراء سهم آخر تعيد نفس الخطوات السابقة ولكن في الصفحة الثانية على اليمين أو تحت السهم الأول (المهم أن يكون على الصفحة التي في اليمين).
وإذا قمت باتخاذ قرار البيع تقوم باتباع هذه الخطوات على الصفحة التي على اليسار (أي على يسار ما تم كتابته عندما اتخذت قرار الشراء).
هنا من المهم جدًّا أن تهتم بكتابة سبب البيع بوضوح والإحساس الذي كنت تشعر به عند اتخاذ قرار البيع. إذا استطعت أن تحترم هذا المنهج لفترة من الزمن ستكتشف أن عندك كنزًا لا يقدر بثمن.
فما فعلته يشبه يومياتك ومذكراتك فيما يتعلق بقراراتك الاستثمارية. وعندما تقرأ أسباب الشراء وأسباب البيع وما كان شعورك عند اتخاذ هذه القرارات (خاصة قرارت البيع) ستكتشف أن أغلب القرارات كانت لأسباب أقرب إلى السيكولوجية عنها إلي الاقتصادية أو الفنية.
وبهذا الأسلوب وقراءة مذكراتك ستبدأ في تعليم نفسك عن طريق معرفة الأخطاء التي ارتكبتها والتي هي مكتوبة أمامك بوضوح.
هذه الطريقة تعتبر عملية جدًّا حيث إنها تتعامل مع الواقع بالذات أنك قمت بكتابة هذه المعلومات في وقتها. مع الوقت ستبدأ في التفكير بطريقة مختلفة عند اتخاذ قرارات الشراء والبيع.
وفقني الله وإياكم إلى ما فيه الخير.