د. محمود محيي الدين: دفع العمل المناخي يتطلب تحولا جذريا في نظام التمويل العالمي
أهمية لقيام بنوك التنمية متعددة الأطراف بدور أكثر فعالية في مجال التكيف المناخي
أكد الدكتور محمود محيي الدين مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء رفيعي المستوى لتقديم حلول لأزمة الدين العالمي، أن معالجة أزمة المناخ المتفاقمة لاسيما فيما يتعلق بالأبعاد ذات الصلة بالتكيف مع الآثار السلبية للتغير المناخي أصبحت تستلزم بالضرورة إجراء إعادة هيكلة شاملة لنظام التمويل العالمي.
جاء ذلك خلال مشاركته في ندوة بعنوان “من مزارع الرياح إلى سندات التكيف: رحلة الاستدامة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” ضمن فعاليات الاجتماع السنوي للبنك (AIIB) لعام 2025 المنعقد حاليا في بكين، وذلك بمشاركة هون كيم، مدير عام بالبنك الآسيوي للاستثمار لقسم القطاعات والموضوعات والحلول المالية، وهنري جونزاليس، كبير مسئولي الاستثمار بالصندوق الأخضر للمناخ، والدكتور دي جي بانديان، مدير مكتب الهند الإقليمي لبنك التنمية الجديد، وهواكينج تشو، مساهم بتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).

وقال محيي الدين، إن الأزمة المناخية ليست تهديدًا مستقبليًا بل واقعًا ملموسًا يتجلى في درجات الحرارة القياسية والفيضانات المدمرة وانهيار النظم الغذائية، مؤكدًا أن بنوك التنمية متعددة الأطراف، ومن ضمنها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، يجب أن تتبنى نموذجًا فعالا لتمويل التنمية يركز على التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود مع تغير المناخ مع مراعاة العدالة كركائز أساسية.

وأشار محيي الدين إلى التقدم الذي أحرزته بنوك التنمية متعددة الأطراف فى مجال دعم تمويل العمل المناخي، حيث بلغ إجمالي التمويل المناخي المشترك 66 مليار دولار في عام 2022، منها حوالي 23 مليار دولار مخصصة للتكيف، ومع ذلك، نبه إلى أن هذه الجهود لا تزال بعيدة عن تلبية الاحتياجات العالمية القائمة، حيث تتراوح الاحتياجات التمويلية السنوية للتكيف في البلدان النامية ما بين 194 مليار دولار و366 مليار دولار، مما يشير إلى فجوة تمويلية تتجاوز 150 مليار دولار سنويًا.
وأرجع محيي الدين هذه الفجوة إلى اختلال هيكلي، حيث لا تزال بنوك التنمية متعددة الأطراف توجه حصة غير متناسبة من استثماراتها نحو مشروعات تخفيف الانبعاثات على حساب مشروعات التكيف.
وفي هذا السياق، اقترح محيي الدين خمسة مجالات حاسمة لتطوير أداء بنوك التنمية متعددة الأطراف وأدواتها المالية بما يساهم في تمويل أنشطة التكيف والصمود في مواجهة تغير المناخ، أولها إعادة التوازن لمحافظها بحيث يتم رفع مستوى تمويل التكيف ليكون متوازنا مع تمويل التخفيف، وذلك من خلال دمج خطط التكيف الوطنية في أطر الإقراض القطرية والاستراتيجيات طويلة الأجل ومنصات التمويل المشترك.
أما ثاني المجالات، بحسب محيي الدين، فهو تبني أدوات مبتكرة للتمويل، قائلًا إن هناك حاجة ماسة لنماذج للتمويل المختلط مصممة خصيصًا للتكيف، مثل سندات الصمود والتأمين المناخي والمنح القائمة على النتائج، وذلك للمساعدة في حشد رأس المال لأولويات التكيف.
وأضاف محمود محيي الدين أن ثالث مجالات التطوير تتمثل في تخفيف الديون السيادية من أجل الصمود، حيث يجب على بنوك التنمية متعددة الأطراف تقليل الاعتماد على تمويل التكيف المعتمد على الديون بشكل كبير، كما يجب تعميم وتوسيع نطاق مبادرات مثل شروط الديون المرنة أمام تغير المناخ (CRDCs) التي تعلق سداد الديون بعد الكوارث.
وأوضح أن رابع المجالات يتمثل في التوطين والإدماج، حيث يجب أن يصل التمويل إلى المستوى المحلي، كما ينبغي على بنوك التنمية متعددة الأطراف دعم التكيف بقيادة المجتمع المحلي من خلال تمويل المشروعات الوطنية والمحلية، والاستثمار في القدرات المحلية، وإزالة حواجز الوصول للفئات الضعيفة.
كما اقترح ثلاثة تحولات استراتيجية حيوية، أولها ضرورة اعتراف بنوك التنمية متعددة الأطراف رسميًا بالتكيف المناخي كصالح عام عالمي ضروري للتنمية، وثانيها هو وضع مقاييس محددة للتأثير، حيث يجب أن يحدد مؤتمر COP30 في البرازيل مؤشرات تكيف عالمية لضمان الشفافية والمساءلة، أما ثالث التحولات فيتعلق بوجود إرادة سياسية قوية، حيث يجب على الدول المتقدمة أن تزيد من مساهماتها الرأسمالية وتدعم الإصلاحات الهيكلية التي تعزز صوت البلدان الضعيفة.
واختتم الدكتور محيي الدين كلمته بالتأكيد على أن ريادة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، التي تتجلى في أول سند تكيف موجه في آسيا، تعد نموذجًا يحتذى به للبنوك المناظرة، داعيًا إلى تحويل هذا الجهد إلى تغيير منهجي، ومشددًا على أن الطريق إلى التنمية الشاملة والمستدامة يمر عبر تمويل المناخ، والذي ينبغي أن يكون تمويل التكيف حجر الزاوية فيه.