بى بى سى تسأل وتجيب عن طبيعة أزمة الاقتصاد التركي
بى بى سي
خسرت الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكي منذ بداية السنة، وانخفض حجم التداول في سوقها المالي إلى 17%، أو إلى 40% إذا جرى قياسه على الدولار الأمريكي كما يفعل بعض المستثمرين الأجانب.
هنالك أيضاً مقياس آخر تتم متابعته في السوق وهو تكلفة ديون الدولة، فاستدانتها لمدة 10 سنوات من نفس عملتها تكلفها 18% سنوياً، بل وحتى الاقتراض بالدولار يعد باهظاً بالنسبة لتركيا بمعدل يقارب 7%. فما الذي يحدث؟
أخطار الاستدانة
تعاني تركيا من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أنها تنفق أكثر مما تكسب.
والعجز يجب أن يُمول إما من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة. ولا يعتبر هذا بحد ذاته غريباً أو خطيراً، لكن العجز لدى تركيا أصبح كبيراً جداً فقد بلغ 5.5% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.
هنالك مظهران للدين الخارجي في تركيا زاد من ضعف اقتصادها، الأول أن لديها مستوىً عالياً من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلى الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين.
تقدر وكالة تقييم الاستثمار “فيتش” أن الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام ستبلغ ما يقارب 230 مليار دولار.
المظهر الثاني يتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالصرف الأجنبي، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل.
كما صعّد ضعف العملة مشاكل التضخم المُلحّة في تركيا، فكلما ضعفت قيمة الليرة زادت تكلفة الواردات.
وكان لدى المصرف المركزي هدف في الحدّ التضخم إلى 5% العام الماضي، لكن التضخم كان أكثر من ذلك بكثير حوالي 10%.
ومنذ ذلك الوقت تراجع الوضع خاصة مع غلاء الأسعار التي زادت بمعدل سنوي يبلغ قرابة 15%.
مستثمرو السوق المالي قلقون كذلك من آراء الرئيس أردوغان حول السياسة الاقتصادية والضغط الذي اعتُبر أنه يمارسه على المصرف المركزي لبلاده.
هنالك خيار واضح أمام المصرف المركزي الذي يريد أن يتحمل التضخم وهو رفع معدلات الفائدة. وهذا يمكنه أن يحدّ من التضخم بطريقتين.
إما بإضعاف الطلب في البلاد، أو من خلال رفع العوائد المالية في تركيا والتي ستشجع المستثمرين للشراء بالليرة، مما يقوي العملة ويخفض تكلفة الاستيراد.
وقد قام المصرف المركزي التركي بخطوات مشابهة، لكن دون تأثير ملموس أو وصول إلى حل للمشكلة.
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
ما يزعج السوق هو الاعتراض المعروف للرئيس – واعتماداً على معلومات مغلوطة لديه كما يقول أغلب الاقتصاديين- على رفع الفوائد، فقد وصف أردوغان نفسه بعدو نسب الفوائد.
والنتيجة أن المستثمرين غير مقتنعين بقدرة المصرف المركزي على تحقيق استقرار للعملة والسيطرة على التضخم، ويجعلهم ذلك بالتالي أكثر قلقاً حول ما ستؤول إليه الأصول المالية التركية.
وقد تزعزعت الثقة أكثر بعد توتر العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اعتقلت تركيا مرشداً ومبشراً دينياً أمريكياً، كما أن هناك اختلافات حول الملف السوري.
إضافة إلى أن واشنطن تعيد النظر في تأهل تركيا لتطبيق برنامج تصدر فيه عدداً كبيراً من منتجاتها عن طريق السوق الحرة في بلدان نامية إلى السوق الأمريكية.
كما أن تركيا معرضة للخطر من التطورات الحاصلة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يستمر الاحتياطي الفدرالي برفع نسب الفائدة ما يشجع المستثمرين لسحب أموالهم من الأسواق الصاعدة. لم يكن لذلك بالذات تأثير قوي، لكن يمكنه أن يكون عاملاً مقلقاً بالنسبة إلى بلدان تعاني من عدة نقاط ضعف مثل تركيا.
من جهة أخرى، يبدو أداء الاقتصاد التركي معقولاً مؤخراً، فقد حافظ على نموه في كل عام عدا عام 2001 (الأزمة الاقتصادية الأخيرة للبلاد عندما تلقت معونة من صندوق النقد الدولي) و2009 (تبعات الكساد الاقتصادي العالمي)، وفي بعض السنوات كان النمو كبيراً جداً.
أما البطالة فارتفعت في تركيا -أحدث الأرقام هي نسبة 9.9%- لكنها بقيت مستقرة نسبياً.
ويُعد الاختلاف الوحيد الهام بين الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا بالمقارنة مع أزمة البلاد في بداية القرن أنه لا يوجد الآن هدف لقيمة التبادل خلافاً لعام 2001.
إذ فرضت تركيا في حينها الضغط على أسواق العملة للتخلي عن أهدافها المعتادة، أما هذه المرة فلا يوجد مُحدّد لقيمة العملة، فسمح ذلك بكل بساطة لليرة بالتراجع.
وتعقيباً على ذلك، تقول وكالة معدلات الاستثمار “مووديز” إن النمو الاقتصادي التركي ارتفع إلى مستويات غير مستدامة من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب.
أما السياسات طويلة الأمد، فقد تم تنحيتها بسبب التركيز على الدورات الانتخابية حسبما تقول الوكالة. ومن جهتها، تحذر وكالة “فيتش” من المخاطرة بانحدار اقتصادي كبير يؤدي إلى تباطؤ حاد أو حتى حالة كساد.