الدكتور زياد بهاء الدين: سوق المال تحتاج إلى قانون جديد

لا أعتبر البورصة مرآة للاقتصاد خاصة في مصر

aiBANK

ياسمين منير ورضوى إبراهيم

تجول الدكتور زياد بهاء الدين، أول رئيس للهيئة العامة للرقابة المالية ونائب رئيس الوزراء الأسبق، مع جريدة حابي بين كواليس قرار دمج هيئات الأنشطة المالية الثلاث سوق المال والتأمين والتمويل العقاري، مؤكدًا أنه لم يكن فحسب أول رئيس للهيئة المدمجة ولكن اختياره جاء في الأساس لتنفيذ عملية دمج حقيقية.

E-Bank
فكرة الدمج تزامنت مع الأزمة المالية العالمية وهذا تاريخ مهم

وقال بهاء الدين: “بدأت فكرة الدمج عام 2008 في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وهذا التاريخ مهم لأن الأزمة الكبرى أظهرت مشاكل كبيرة في النظام المالي، جزء منها يتعلق بضعف الرقابة على أنشطة التمويل حول العالم ومن بينهم مصر ولكن قوة النظام المصرفي حمت السوق المحلية من الخطر الكبير”.

وأوضح أنه في ذلك الحين تم استقطاب خبراء من أنحاء العالم وعمل دراسات مدققة بالتعاون مع مؤسسات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، بالتوازي مع عقد مناقشات واسعة شملت الحكومة والأطراف ذات العلاقة من دوائر المصارف وجمعيات الأعمال والخبراء.

وأضاف أنه بعد نحو عام من المناقشات تم الاستقرار على نموذج دمج هيئات الرقابة على الأنشطة المالية مع الإبقاء على الرقابة المصرفية في كيان مستقل، في ظل وجود اتجاه طبقته بعض الدول لنموذج الدمج الكامل للرقابة على الأنشطة المالية بما في ذلك المصرفية.

الدمج الكامل كان محل إعادة نظر خاصة في بريطانيا التي عدلت عنه بعد

وقال بهاء الدين: “الدمج الكامل كان محل إعادة نظر خاصة في بريطانيا التي عدلت عنه بعد تطبيقه، كما أن تفاوت النضج بين الأنشطة المالية والقطاع المصرفي رجح كفة الفصل في كيانين خاصة بعد انتهاء القطاع البنكي خلال هذه الفترة من برنامج إصلاحي قوي قاد تنفيذه المحافظ الأسبق فاروق العقدة”.

وأوضح أنه في عام 2009 تم وضع قانون رقم 10 الذي نص على دمج الهيئات الثلاث القائمة بالفعل وهي هيئة سوق المال والتأمين والتمويل العقاري، وكذلك نص على الإشراف على كل الأنشطة المصرفية التي لم تكن تتبع جهة رقابية مثل نشاط التأجير التمويلي الذي كان يتبع هيئة الاستثمار رغم كونها جهة تنظيم وليس رقابة، كما نص على إمكانية تنظيم أنشطة غير مصرفية جديدة.

وشدد بهاء الدين على أهمية نص القانون على إمكانية استحداث وتنظيم أنشطة جديدة، في ظل حركة التطور المستمرة حول العالم والتي تثمر عن أنشطة وأدوات مالية جديدة، ضاربًا مثالًا بنشاط التمويل الاستهلاكي الذي تترقب الهيئة تنظيمه والرقابة عليه عقب صدور القانون.

وقال بهاد الدين: “عندما اتصل بي الدكتور محمود محيي الدين كنت قد تركت رئاسة هيئة الاستثمار منذ عامين وتفرغت للمحاماة، وقبلت المهمة وعدت رسميًّا إلى العمل الحكومي بتاريخ 1 يوليو 2009 وهو التاريخ الرسمي لإنشاء الهيئة العامة للرقابة المالية”.

وأكد بهاء الدين أن مهمته لم تكن سهلة وذلك لسببين أحدهما يرجع إلى عدم وجود تجربة سابقة في دمج كيانات حكومية، مشيرًا إلى أن عمليات الدمج والاستحواذ متعارف عليها بين صفقات القطاع الخاص في حين يختلف الأمر بالنسبة للهيئات العامة، ما جعلها تجربة مصرية رائدة خاصة مع تنفيذ عملية دمج حقيقية أعمق من تلك التي تنفذ عند دمج الوزارات.

وأضاف: “كان علينا صهر الهيئات الثلاث بإداراتها المختلفة لتصبح واحدة وهذا كان تحديًا كبيرًا، أما التحدي الثاني فيتعلق بأن الهيئات الثلاث تمارس أنشطتها الحساسة بشكل كامل ولا يمكن تعطيل العمل بهدف إنجاز الدمج، فالرقابة على البورصة على سبيل المثال كان يستغرق أغلب فترات اليوم ثم نبدأ العمل في ملف الدمج بعد غلق جلسة التداول والمهام المرتبطة بها”.

وتابع بهاء الدين: “عمليات الدمج استغرقت عامًا، بالتأكيد ما زال هناك ما يتم استكماله حتى هذه اللحظة ولكن بعد العام الأول من الدمج كان هناك كيان واحد لديه الأساس الذي يمكن تطويره وتحديثه واستكماله دون أزمات”.

وأعتبر بهاء الدين الفترة الأصعب خلال السنوات الأولى للدمج هي التي تلت الثورة الأولى عام 2011 وتحديدًا على صعيد مهمة إعادة فتح البورصة، لافتًا إلى أنه كان قد ترك بالفعل رئاسة الهيئة وللاتجاه للعمل السياسي فيما شارك في الإعداد للفتح بالتعاون مع زملائه بقيادة الدكتور أشرف الشرقاوي الذي خلفه في رئاسة هيئة الرقابة المالية.

وحول تقييمه لوضع تطور الأنشطة المالية خلال السنوات الأخيرة قال بهاء الدين: “طموحي للقطاع المالي يختلف عن تقييمي لوضع التطور في الرقابة على الأنشطة المالية، فالأول مرهون بتحسن الأوضاع الاقتصادية والاستقرار السياسي ومن الجيد أن الاهتمام بدأ يتزايد بفكرة الشمول المالي، كما أرى هناك مساحة واسعة للنمو أمام مختلف الأنشطة المالية وفي مقدمتها التأمين والتأجير التمويلي علاوة على التمويل متناهي الصغر بكل ما يشمله من تأمين وتمويل باعتباره ضرورة لتوصيل الخدمات المالية للفئات الأصغر”.

وأضاف أن نشاط التمويل العقاري يعاني مشاكل تتجاوز نطاق صلاحيات الرقابة المالية والشركات والأطراف المباشرة، تتمثل في البنية القانونية الكاملة لتسجيل العقارات، قائلًا: “أتمنى أن يتم التعامل مع هذا الملف باعتباره مشروعًا قوميًّا عملاقًا بما يسمح بعد ذلك بتمليك الوحدات بالصورة التي تتيح الرهن والتسليف وأنشطة أخرى سيكون لها أثر اجتماعي كبير”.

وأكد أن معوقات رواج التمويل العقاري من المسائل التي لا يكفي أمامها تعديل بنود القانون فقط، بل تحتاج إلى شغل فعلي على أرض الواقع مع وزارة العدل وهيئة المساحة والشهر العقاري وتأسيس بنية معلوماتية قوية، مشيرًا إلى أن تأخر التحرك تجاه حل المشكلة يرجع صعوبة حلها وليس غياب الإرادة السياسية للحل.

قوة النظام المصرفي حمت السوق المحلية من الخطر الكبير

ومن ناحية أخرى، طالب بهاء الدين بوضع قانون جديد لسوق المال بهدف استيعاب التطور الكبير الذي شهدته أسواق المال على مدى العشرين عامًا الأخيرة في حين تم وضع القانون المصري عام 1992، لافتًا إلى أن هناك تغيرًا كبيرًا شهدته السنوات الأخيرة على صعيد الفلسفة الحاكمة ودور الرقابة والبورصة ومعايير الإفصاح ومفاهيم متعددة لا يمكن تداركها من خلال التعديلات الطفيفة التي تم إجراؤها على القانون.

وأضاف: “لا أعتبر البورصة مرآة للاقتصاد خاصة في مصر التي لا تمثل أغلب القطاعات بها في سوق المال، كما لا يمكن الاستهانة بالاضطرابات التي تشهدها أسواق العالم التي تعتبر أحد أسباب اتجاه السعودية لطرح أرامكو إقليميًّا بدلًا من دوليًّا، ولكن على الدولة أن تكون أكثر وضوحًا من خلال تحديد الشركات التي سيتم طرحها وأسباب الطرح وكذلك وضع جدول زمني ممتد لعامين أو أكثر للتنفيذ”.

وعلى صعيد الأدوات الجديدة، رحب بهاء الدين بقانون التمويل الاستهلاكي باعتباره إحدى أدوات التمويل الحقيقية التي يستخدمها الشعب دون تنظيم، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية التحرك لتنظيم عمليات تمويل إنشاء العقارات والتي تتم من خلال عمليات بيع الوحدات بالتقسيط من خلال المطور العقاري.

وأوضح أن التمويل العقاري يتم بعد تسليم الوحدات، بالتالي فإن سداد المستهلك لأقساط قبل استلام الوحدة يعد تمويلًا من المستهلك للمطور العقاري، وهذه المساحة الرمادية تحتاج إلى تنظيم لافتًا إلى أنه رغم عدم وجود مشاكل فعلية حالية إلا أن التحوط السريع أصبح ضرورة.

كما أشاد باتجاه الرقابة المالية لدراسة وضع تشريع ينظم التمويل الجماعي الإلكتروني، مؤكدًا أن الرفض السابق للأداة لن ينفي وجودها وتوسعها عالميًّا وبالتالي فإن الاعتراف بأهمية دراستها وتنظيمها يمثل خطوة على الطريق الصحيح.

وقال بهاء الدين: “مصر ما زال أمامها فرصة لتصبح مركزًا ماليًّا ووفقًا للجيل الثاني من المراكز التي تتسم بالتخصص في أنشطة محددة سواء تأمين أو تمويل إسلامي واستثمار مباشر، فالمراكز المالية الكبرى لديها وضع تاريخي راسخ وعلينا البحث عن المجالات التي نملك بها مقومات المنافسة والريادة، فنحن نعتبر حاليًا مركزًا مصرفيًّا هامًّا في العالم العربي، ولدينا فرصة للتوسع في أنشطة إدارة الأصول والاستثمارات”.

الرابط المختصر