المواصفات القياسية والرقيب الشاطر
بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
في بداية عام جديد أتمنى للجميع المحبة والفرح والسلام الدائمين على مستوى العلاقات الشخصية والعائلية والعملية وأتمنى أيضًا أن تكون بلدنا مريحة وأن لا يجد المواطن المصري مهما كان مستواه المادي والاجتماعي المشقة في قضاء أموره العادية واللجوء إلى المعارف والتحايل على المصاعب التي تكمن في أدق ولا أبالغ أن قلت كافة تفاصيل الحياة اليومية وكافة الخدمات الحكومية والأهلية. في صورها البسيطة كعبور الشارع والحصول على خدمات حكومية وقضائية وأيضًا في أعمالنا اليومية، ولا أدعو هنا إلى المدينة الفاضلة فهي غير موجودة على الأرض وعلمنا التاريخ الدرس جيدًا ولا أدعو إلى التشاؤم فإيماني بالله يجعلني دائمًا متطلعًا إلى الأفضل الذي يديره لي ولبلدي ولكن أذكر ثلاث ملاحظات قد تبدو خارطة طريق قد تساهم في رسم مستقبل أكثر راحة وإشراق من الواقع الذي نعرفه جميعًا.
أولًا: لا أبالغ إن قلت إنه لا توجد بمصر مواصفات قياسية وأسئلتي لمن ينفي هذه الحقيقة هي: ما هو ارتفاع الرصيف في مصر؟ ما هو كود الطرق المستخدم لذوي الاحتياجات الخاصة؟ هل هناك كود لوجود رصيف أصلًا؟ ما هو ارتفاع المطبات الصناعية الحكومية في مصر؟ من من حقه إقامة وإزالة مطب صناعي؟ ما هي المواصفات القياسية للطرق؟ ما هي مواصفات السلامة عند إصلاح أو إنشاء الطرق؟ طريق السويس مثل حديث تسبب غياب تلك المواصفات في عشرات الحوادث التي حدثت أثناء التعديلات القائمة به. أين مواصفات المباني والجراحات والقهاوي؟ ما هي مواصفات التخطيط العمراني ولماذا تحول مركز مدينة التجمع الخامس وهو يحتوي على أرقى المباني وإدارات العديد من البنوك بمصر إلى ساحة انتظار عشوائية غير حضارية يصعب المرور بها دون احتكاك السيارات ببعض. ما هي مواصفات الصرف الصحي ولماذا لا تستوعب مياه الشوارع والأمطار بالمدن الجيدة؟ ما هي المواصفات القياسية العيادات الأطباء لمساحات انتظار المرضى؟ هناك عيادات الباء عظام وقلب مثلًا بأدوار عليا ولا توجد مصاعد بالبنايات الموجودة بها.. ولن أسهبنا في ذكر الأمثلة ولأن مع كل سؤال ومثل اجترار لذكريات أليمة وحوادث أدت إلى فقدان أحباء أو خسائر مادية أو خسارة للوقت الذي قد يبدو بلا قيمة في نظر الكثير من القائمين على تلك الخدمات.
ثانيًا: أنا أعرف أنه لا يمكن أن تكون دولة بحجم مصر قائمة بلا قواعد أو قوانين أو مواصفات ولكن حتى يمكن الاستفادة منها فلا بدَّ من وجود أجهزة رقابية تتحقق من استكمال وتطبيق تلك القواعد وملاحظاتي هنا هي: أولَا يجب على الرقيب استكمال المواصفات القياسية وتحديثها بصفة دورية لتتناسب مع العصر ومع احتياجات المواطن والدولة فلا يعقل أن نتعامل بمواصفات للاتصالات من عصر الكابلات النحاسية مثلًا ولعالم يستخدم الآن الكابلات الضوئية ويجب تغيير القائمين على تلك الأجهزة إن كانت المواصفات غير كاملة وإن ثبت عدم قدرتهم على تحمل المسؤولية وإثابة من يجيد منهم. كما يجب أيضًا الاستعانة بالخبراء في تلك المجالات ومن لديهم من المؤهلات العلمية والخبرة العملية ما يكفي لتلك المهمة. بالإضافة لذلك يجب الاستعانة بتجارب من سبقونا وأثبتت مواصفاتهم نجاحات عملية على أرض الواقع. ثانيًا يجب على الأجهزة الرقابية نشر هذه المواصفات حيث يمكن للجميع الاطلاع عليها والالتزام بها وتجريم المخالفات بغرامات مالية باهظة تجعل التحايل عليها أكثر كلفة من الالتزام بها. ثالثًا يجب التفتيش الدوري بوضوح ما للمفتش وما عليه وما للمنشأة وما عليها مع وجود جهة واحدة مسؤولة، فرخصة مبني اداري من واقع الخبرة قد تستهلك سنوات لتعدد الجهات التي نتعامل معها وتضارب مصالحها. رابعًا التحقق من نزاهة من يقوم بالتفتيش ووجود آلية سريعة للإبلاغ عن المتعسف مهما كان منصبه وأكتفي هنا بالتعسف للإشارة لاحتمالات أخرى ومحاسبته بآليات تجعل التعسف أكثر كلفة من الاستفادة التي قد تأتي من ورائه. أخيرًا تدريب الرقيب وشرح دوره جيدًا وأن الهدف من وجوده يتحقق بكفاءة المنظومة التي هو رقيب عليها وليست بكتابة التقارير الفارغة والتلكيك بمخالفات غير موجودة وغير مؤثرة وكثرة الملاحظات التي دائمًا ما يعكف الرقيب عليها حتى ينال المديح من الرؤساء.
ثالثًا: استخدام كافة الإمكانيات التي تقدمها تكنولوجيا المعلومات في تحقيق ما سبق ومنها الاضطلاع والاستفادة من المواصفات القياسية الدول التي سبقتنا وآليات تحقيقها وقياس نجاحاتها. أيضًا استخدام التكنولوجيا في نشر تلك المواصفات حتى يتمكن للجميع الاطلاع عليها والالتزام بها. أخيرًا الاعتماد على التكنولوجيا بقدر الإمكان في الآليات المستخدمة للعمل داخل الجهات الرقابية وفي تقديم الخدمات للمواطنين فالتكنولوجيا قادرة على إبراز التقصير والإسراع بإنجاز الأعمال والتقليل من الأدوار البشرية والأبواب الخلفية والإكرام يأتي والرشاوي كما أنها أيضًا منبر سريع التوصيل المخالفات واستقبال الشكاوى والملاحظات من المواطنين التي قد تظهر ملاحظاتهم غياب مواصفة قياسية تضاف للكود المستخدم أو عدم كفاءة رقيب يتم معالجتها.
